الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بشار الأسد يحتمي بجبال سوريا

بشار الأسد يحتمي بجبال سوريا
بشار الأسد يحتمي بجبال سوريا


 
 
إذا كانت أيام الرئيس السورى فى حكم سوريا أصبحت معدودة، بعد اختفائه عن الأنظار منذ منتصف الشهر الماضى، واختار أن يخاطب جيشه وشعبه عبر الرسائل المكتوبة والمتلفزة على طريقة العقيد الليبى الراحل معمر القذافى، فإن مستقبل سوريا وشعبها مرهون بعدد من السيناريوهات التى يميل بعضها إلى التشاؤم فى حال سقوط نظام بشار فجأة وحل الجيش كما حدث فى العراق بعد سقوط صدام حسين، مما يدفع بسوريا إلى الدخول فى أتون حرب أهلية طاحنة ربما تنتقل شظاياها إلى كل من الأردن ولبنان وتركيا والعراق أيضاً، أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً فيدور حول تماسك القوات المسلحة السورية وقدرتها على الاختيار بين مستقبل سوريا والتخلى عن نظام بشار الأسد بعد أن أصبح مجرد وجوده فى السلطة عبئاً يهدد أمن ووحدة سوريا..

 السوريون والعرب يتطلعون بتفاؤل إلى الجيش السورى الذى أصبح مصير البلاد معلقاً فى رقبته بعد أن فر ثلثه من قبضة بشار وشكل نواة الجيش السورى الحر.. فهل يلبى الجيش النداء ويحقق تطلعات الشعب بالحفاظ على وحدة واستقرار سوريا؟
أكثر ما يخشى منه السوريون حالياً كل من الخطر الإسرائيلى والإيرانى، حيث تراهن بعض القوى الإقليمية على بقاء بشار فى السلطة حفاظاً على مصالحها السياسية والاستراتيجية والعسكرية.. هنا تقف إيران فى مقدمة القوى الإقليمية التى تشكل خطراً على مستقبل سوريا بعد أن ألقت بثقلها خلف نظام الأسد وهددت وتوعدت كل الأطراف العربية والدولية التى تساند نضال الشعب السورى.. بعض السوريين يحذرون من دعم طهران لسيناريو الفوضى خاصة إذا شعرت بأن بديل بشار يتعارض مع مصالحها وتطلعاتها التى أسست وأنفقت عليها كثيراً من المال والجهد طوال العقود الماضية بالتنسيق مع نظام الأسد، كما يخشى السوريون أيضاً من أن إيران يمكن أن تستغل نفوذها فى العراق لاختراق وتهديد استقرار سوريا فور سقوط النظام.
أما بالنسبة للأطراف الأخرى فإن تركيا تخشى من انتقام الأسد بمنحه الأقلية الكردية منطقة «القامشلى» القريبة من حدودها لإقامة معسكرات لتدريب مقاتلى حزب العمال الكردستانى الذى يخوض حرباً طويلة ضد الجيش التركى منذ عقود.. هذا الأمر دفع بعض قادة الجيش التركى إلى الضغط على حكومة أردوغان بشن هجوم برى كاسح على مناطق الحدود لتطهيرها من أى وجود لعناصر حزب العمال، كما دفع الحكومة التركية لمطالبة الولايات المتحدة بسرعة التحرك لإسقاط نظام الأسد فى أسرع وقت ممكن.
أما الأمر بالنسبة لحزب الله اللبنانى فوجود نظام الأسد كان يوفر له وللمقاومة ظهيرا قويا باختفائه سوف يكشف ظهرها ويضعف من قوتها ،مما يدفعها إلى البحث عن بدائل أخرى.. لن يكون من بينها التنسيق مع السلطة المرتقبة، حيث يخشى لبنان وقوع حرب أهلية فى سوريا لأن توابعها سوف تظهر بقوة على الأراضى اللبنانية بين الشيعة والسنة.
هناك أطراف أخرى تتابع ما يجرى على الأرض السورية بدقة لأن تأثيرها يكون له صدى واسع على أمنها الاستراتيجى.. تعتبر المملكة الأردنية أكثر الأطراف تربصاً لما يجرى حيث تعد الجار الأقرب لسوريا والملاذ الآمن لآلاف السوريين، كما أن حدودها مع سوريا عرضة للاختراق فى أى لحظة، حيث جرت مناوشات بين الجيشين عن منطقة الرمثا الأردنية بهدف جر الأردن إلى معركة  جانبية وإدخالها طرفاً بهدف توسيع نطاق أزمته الداخلية، نفس الموقف ينطبق على كل من قطر والمملكة العربية السعودية اللتين تسددان فاتورة السلاح الذى يستخدمه الجيش الحر فى مواجهة جيش النظام.
بعض المحللين الغربيين يميلون إلى أن سوريا تتجه بسرعة نحو السيناريو العراقى، وأن النظام البعثى لن يسمح بالسقوط بسهولة قبل أن يترك سوريا ساحة للحرب والدمار من خلال سياسة الأرض «المحروقة».. أصحاب هذه النظرية بنوا رؤيتهم على أساس أن البعث عندما يشعر باقتراب سقوط النظام ربما يلجأ إلى تسريح الجيش وتوزيع السلاح حتى يضمن الحماية الذاتية لعناصره الذين سيكونون حتما عرضة للانتقام.. هؤلاء الخبراء يتصورون أن الولايات المتحدة وإسرائيل سوف تعملان على عدم وقوع مخازن السلاح الكيماوى فى أيدى الفصائل وأن هناك فرقاً متخصصة لحماية هذه المواقع، لكن الذى لا يمكن السيطرة عليه هو الأسلحة التقليدية المتوافرة بكثافة لدى الجيش النظامى، وكذلك أصبحت متوافرة بكثافة أيضاً فى أيدى أفراد الجيش الحر.
أما أصحاب الرأى الأكثر تفاؤلاً فيعتمدون على أن التركيبة العرقية لسوريا تقوم على الأغلبية السنية التى يصل نسبتهم حوالى 80٪ من إجمالى السكان.. أما باقى نسبة الـ 20٪ فتضم 10٪ علويين يدينون بالولاء الكامل لنظام بشار الأسد، 5٪ من الأكراد الذين يقفون على الحياد فى الصراع أما الـ 5٪ الباقية فتضم المسيحيين والدروز واليهود والطوائف الأخرى، حيث يعيش فى هضبة الجولان المحتلة نحو50  ألف درزى رفضوا مغادرة قراهم منذ احتلتها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حرب .1973 فقد كان الدروز يعيشون فى محافظة السويداء وبعض القرى فى شمال الجولان، بينما العلويون يعيشون فى أعالى جبال محافظتى اللاذقية وطرطوس.
لكن يبقى الأمل معقودا على الجيش السورى لإنقاذ سوريا من كافة السيناريوهات وحسم المعركة إما بالانقلاب على بشار الأسد أو بالاستيلاء على السلطة والتعاون مع حكومة انتقالية بقيادة القانونى هيثم المالح.
بعض قيادات الخارج منهم المفكر والكاتب نبيل شبيب يرى أن الخروج من المأزق السورى يقوم على الالتزام بخارطة طريق تضع ملامح المسار الدستورى لسوريا ما بعد بشار، يتولّى وضعها الحقوقيون من القضاة والقانونيون  الأحرار، الذين أثبتوا منذ الأسابيع الأولى للثورة الشعبية أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب الثائر.. وهؤلاء يمكن أن يقوم شيخ الحقوقيين هيثم المالح بالتعاون معهم لأداء هذه المهمة بشكل مؤقت لضمان أمن سوريا وحمايتها من السقوط فى سيناريو الفوضى، ثم الاستعداد  لوضع دستور مستقبلى، ينفسح المجال فيه للتعددية السياسية وللمنافسات والتطاحن على حسب درجة الأخلاقيات السياسية عند كل فريق.. بعد ذلك يتم تشكيل حكومة من المتخصصين «التكنوقراط» المستقلين.
يضيف نبيل شبيب: على السياسيين أن ينتظروا انقضاء المرحلة الانتقالية ليدخلوا دخولا مشرّفا لهم بأحزابهم فيما بعد، عند قيام الدولة الدستورية وتمكين إرادة الشعب المتحررة من قول كلمتها عبر صناديق الاقتراع، وإلى ذلك الحين يمكن أن تكون لهم وتكون للقادة العسكريين من الجيش الحر الذى يعود له فضل كبير فى خوض معركة التحرّر من الاستبداد، ويكون هؤلاء وهؤلاء من رجال المال والأعمال، ورجال التربية والتعليم، وغيرهم.. مجالس استشارية، تقدّم ما لديها من طاقات وأفكار لدعم الحكومة الانتقالية لتؤدّى مهمتها، ولتكون الفترة الانتقالية فترة «تدريب» من يمارس السياسة بأساليب الشجار «وسواها» اليوم، ليمارس السياسية بأساليب التنافس النزيه غدا.
أغلب السوريين فى المعارضة بالخارج والداخل يؤمنون بدور الجيش السورى فى حماية الجبهة الوطنية.. لكن التركيبة المعقدة للجيش السورى جعلت منه حائط صد منيعا ضد التفكك والانهيار بسهولة،خاصة أن الأسد الأب أدرك هذه الحقيقة وعمل على تعميقها منذ أن نجح فى الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكرى ناجح قام به مطلع السبعينيات من القرن الماضى، بعد انتهاء حرب 1973 وما حققه من نجاح نسبى فى المعارك بالتنسيق مع الجيش المصرى.. وعندما اختلف الأسد مع الرئيس السادات حول مشروع السلام وتأكد أن مصر اختارت طريقا مختلفا عن الطريق الذى كان يسعى إليه، تفرغ الأسد إلى مهمة فك وتركيب وحدات الجيش السورى بما يسمح بإحلال قيادات علوية تابعة لطائفته تدين له بالولاء الكامل وجرى استبدالهم بالقادة السنة.. وخلال سنوات كان قد أتم مهمة «علونة» أغلب أسلحة وألوية الجيش، حتى أصبحت الكلمة الأولى لقيادات الصف الأول لأبناء طائفته.∎