أدلة الاختراق الإسرائيلى للنظام السياسى الأمريكى
آلاء شوقي
أسابيع قد تكون الأحلك على الدائرة المقربة من الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، بعد الفضائح المتتالية، التى يعكف على كشفها «روبرت مولر» المحقق الخاص بقضية التدخلات الروسية بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، فى قضية تعد ضمن قائمة الأكثر متابعة عالميًا هذه الأيام.. ولكن –كعادة أغلب الأمريكيين- يبدو أن التحقيقات لا تكشف، أو حتى تهتم سوى بالقضايا، التى لا تمس مصالحهم الخاصة.
ضابط المخابرات الأمريكى سابقًا «فيليب إم. جيرالدى»، الذى خدم تسعة عشر عامًا فى دول (تركيا، وإيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا)، كتب فى مقالته الأسبوع الماضى، أنه من المثير للسخرية، أن «مولر» لم يرفع دعوى فى تحقيقه هذا، بعد ظهور أدلة تؤكد على التدخل الإسرائيلى فى النظام السياسى الأمريكى، والتى لا تزال تظهر يومًا تلو الآخر، دون أى غضب يتم التعبير عنه من قبل وسائل الإعلام، أو السياسيين الأمريكيين.
تعود أهمية هذه المقالة إلى مكانة كاتبها، والتى تؤكد صحة معلوماته. فهو أخصائى سابق فى مكافحة الإرهاب بـ«وكالة الاستخبارات المركزية» CIA، والمدير التنفيذى الحالى لـ«مجلس المصلحة الوطنية» الأمريكى، وهى مجموعة تسعى لتشجيع، وتعزيز السياسة الخارجية الأمريكية فى منطقة (الشرق الأوسط) بما يتماشى مع المصالح الأمريكية، ومقرها (واشنطن).
أوضح «جيرالدى»، أن التحقيقات مع مستشار حملة «ترامب» السابق، «جورج بابادوبولوس» كشفت عن تورطه فى قضايا فساد، وقد تكون تجسسًا أيضًا مع الإسرائيليين، ولا أحد يبالى.
المتهم اعترف فى التحقيقات، أن آخر مبلغ تسلمه من بعض الشخصيات الإسرائيلية، كان 10 آلاف دولار، فى أحد فنادق إسرائيل قبل اعتقاله بأيام.
وعلق «جيرالدى» أن التعاون بين مستشار ترامب والإسرائيليين، بدأ منذ أن دعا رجل أعمال إسرائيلى، يدعى «تشارلز تاويل»، والذى اجتمع مع «بابادوبولوس» فى جزيرة (ميكونوس) اليونانية، إلى زيارة الأراضى المحتلة، لمناقشة بعض الأعمال التجارية، المتعلقة بالنفط، وزيت الزيتون، ومشروع الغاز فى بحر (إيجه)، وكان قد أعطى «بابادوبولوس» بعض المال حينها، الذى اعتبره الأخير كعربون على إتمام الصفقة.
وبالفعل وقع المستشار الأمريكى عقدًا لخدمات استشارية (مجهولة)، بقيمة 10 آلاف دولار شهريًا، لكنه كان قد أعطى المال لمحامٍ صديق ليحتفظ به.
وبعد ذلك بوقت قصير، سافر «بابادوبولوس» إلى مطار «واشنطن دولس الدولى»، حيث تم اعتقاله فى 27 يوليو 2017، واتُهم بإعطاء إفادات كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI). وقد أُدين فى أكتوبر الماضى، ومن المقرر أن يُحكم عليه هذا الأسبوع.
توسط هذه العلاقة، السياسى الاستراتيجى الإسرائيلى المعروف «دافيد هَعيفرى» الذى يعد مستوطنًا إسرائيليًا متشددًا، له علاقات وثيقة بكبار مسئولى حكومة إسرائيل. وقد أوضحت إحدى رسائل البريد الإلكترونى لهعيفرى، مناقشة «تاويل، وبابادوبولس» للأعمال التجارية المحتملة بينهما فى (بحر إيجه، وقبرص)، ومنطقة (الشرق الأوسط) مع التركيز على الأعمال المتعلقة بالبنية التحتية للبترول، وفقًا لشبكة الاتصالات التى يملكها الأول، وتخصص وخبرة الثانى.
ثم أشارت الرسالة إلى احتياج «بابادوبولس» المادى الشديد، وهو المدخل الذى تم تجنيده من خلاله، وفقًا لـ«جيرالدى»، الذى قال: «إن هذا النهج المتبع مع «بابادوبولوس» يعد أسلوبًا تقليديًا لتجنيد مصدر للتجسس». وأضاف «جيرالدى» أنه تم عرض مستشار «ترامب»، على ضابط الموساد «تاويل» بواسطة «هَعيفرى»، مشيرًا إلى أن الأمر سهل كون «هيعفرى» معروفًا جيدًا فى الأوساط السياسية، وبالتالى فهو ذو مصداقية، وغير مهدد بالنسبة للبابادوبولوس،الذى كان من الواضح بأنه سيكون قادرًا على الإبلاغ عن تفاصيل محددة من داخل حكومة «ترامب»، التى كانت -حينها- لا تزال فى طور التشكيل.
وأوضح «جيرالدى» سر اتهام «تاويل»، بأنه عميل للموساد، بأنه لم يجد أى معلومات عنه فى البحث، كما لا توجد له سيرة ذاتية على موقع «Linkedin»، رغم ادعائه أنه مستشار لشركة تدعى «Gestomar»، تقع فى ولاية (ماريلاند) الأمريكية، والتى لا تبدو أنها موجودة من الأساس، مضيفًا أن «بابادوبولوس» نفسه، كان يعتقد أنه جاسوس إسرائيلى.
ووفقًا لما أكده «هَعيفرى» نفسه، فإن الاتفاق لم ينته إلى شىء، أى أنه فشل بسبب ما وُصف بـ«عدم النضج»، الذى يعانى منه «بابادوبولوس». وخلص الأمر إلى اختفاء القصة بأكملها فيما بعد.
وفى مقابلة أجريت مع «سيمونا مانجيانت»، خطيبة «بابادوبولوس» الإيطالية، فى شهر يونيو الماضى، أوضحت خلالها الشخصيات المشبوهة العديدة، التى اقتربت من زوجها المستقبلى، أثناء وبعد حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قائلة: «التقينا شخصًا ما إسرائيليًا فى (ميكونوس) لمناقشة بعض الأعمال».
وذكرت «مانجيانت» عددًا من الشخصيات الذين اتصلوا بخطيبها وهم عدد من الأشخاص المشبوهين، الذين كانوا يسعون بوضوح لإقامة علاقة من نوع ما معه للاستفادة من موقعه داخل البيت الأبيض.
ومن بين الشخصيات التى اتصلت بمستشار ترامب السابق شخص مالطي، يدعى «جوزيف ميفسود»، الذى كان حينذاك مديرًا لـ «أكاديمية لندن للدبلوماسية»، كما كان لبابادوبولوس اتصالات بشركة طاقة روسية.كما ذكرت خطيبة المستشار الرئاسى السابق عن علاقة تربط بينه وبين «سيرجى ميليان»، الذى يُعد أحد المصادر المهمة التى اعتمد عليها ضابط المخابرات البريطانى السابق «كريستوفر ستيل» فى ملف «Steel» – وهو عبارة عن تقرير استخباراتى خاص يضم وثائق ومذكرات، كتبها «ستيل»، بين يونيو وديسمبر، ويعرف الملف أيضًا باسم «ملف ترامب-روسيا2016».
وأكدت خطيبة «بابادوبولوس» أيضًا لقاءه مع مخبر (FBI)، يدعى «ستيفان هالبر»، الذى عرض عليه، فى 2 سبتمبر 2016، إعطاء 3 آلاف دولار، ودفع ثمن رحلته إلى (لندن)، وإقامته لمدة ثلاث ليالٍ هناك، مقابل كتابة ورقة سياسة، حول القضايا المتعلقة (بتركيا، وقبرص، وإسرائيل)، و«حقل ليفياثان للغاز»، فى رسالة عبر البريد الإلكترونى الشخصى، وقَبِل الأخير الاقتراح، ثم سافر - بالفعل - إلى (إنجلترا)، والتقى مع «هالبر»، وأحد مساعديه».
كما أوضحت «سيمونا» فى حوار آخر لجريدة «واشنطن بوست»، فى 5 يونيو الماضى،أن خطيبها، عاش فى (لندن)، وعمل باحثًا فى «معهد هدسون» للأبحاث، ثم مستشارًا مستقلًا للطاقة، قبل أن يتم تعيينه مستشارًا للسياسة الخارجية الأمريكية، متطوعًا لحملة «ترامب» فى مارس 2016. وأثناء عمله فى «معهد هدسون»، ساعد فى الإصدارات المتعلقة بإسرائيل، وقبرص، واليونان).
ثم علقت الجريدة على كلامها، بأنه فى أكتوبر 2015، كتب «بابادوبولوس» عمودًا بجريدة «هاآرتس» الإسرائيلية. كما حضر سلسلة من مؤتمرات الطاقة داخل الأراضى المحتلة، بما فى ذلك المؤتمر الذى عقد فى أبريل 2016، بعد أيام قليلة من تعيينه فى حملة «ترامب»، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
كما أضافت أنه خلال تلك السنوات، تعرّف أيضًا على «إيلى جرونر»، الذى عمل -منذ عام 2015- كمساعد كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو». وإن الاثنين التقيا كثيرًا فى حين عمل «جرونر» كملحق اقتصادى للسفارة بين عامى 2011 و2015، مما يدل على مدى عمق العلاقات الوثيقة بين «بابادوبولوس» والإسرائيليين. والغريب فى الأمر أن علاقات المستشار الرئاسى السابق ليست فقط علاقات اقتصادية بل إنها علاقات سريىة مع مسئولين سياسيين، وهو ما يثير الشكوك حول احتمالات تواطئه مع حكومة أجنبية. أما على مستوى اتهامات التواطؤ مع حكومة إسرائيل بشكل عام، فهى - فى الأساس- غير بعيدة عن «البيت الأبيض»، وعائلة «ترامب» تحديدًا.
فصهر الرئيس الأمريكى «جارد كوشنر» ، والمسئول عن ملف (الشرق الأوسط) داخل «البيت الأبيض»، يتمتع بعلاقات وثيقة مع كبار مسئولى الحكومة الإسرائيلية، وخاصة رئيس وزرائها «نتنياهو».. حيث أقام الأخير فى منزل عائلة «كوشنر» خلال إحدى زياراته الى (نيويورك).
كما تمول المؤسسة، التى تمتلكها عائلة «كوشنر» بناء مستوطنات إسرائيلية غير شرعية، إلى جانب تمويل عدد من الجماعات المحافظة هناك.
الغريب -وفقًا لما أكده «جيرالدى»- أن «كوشنر»، الذى ترأس تلك المؤسسة لفترة، لم يذكر علاقته بإسرائيل، أو بـ«نتنياهو» فى التصريح الأمنى الخاص به، قبل دخوله «البيت الأبيض» كمستشار للرئيس.
ثم أوضح «جيرالدى» أن «كوشنر» حاول إلغاء أحد القرارات، التى اتخذتها الحكومة الأمريكية –حينها-، والتى كانت تقلق «نتنياهو»، وذلك عن طريق «مايكل فلين»، الذى أصبح -فيما بعد- مستشارًا للأمن القومى الأمريكى..حيث قام بالتحدث إلى (روسيا)، لكى تقوم بحملة ضد قرارات حكومة الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما»، وهو ما يمكن اعتباره –قانونًا- مؤامرة ضد الحكومة الأمريكية.
وفى النهاية تساءل «جيرالدى»: لماذا تم تجاهل المحاولة الإسرائيلية المحتملة للتجسس على إدارة «ترامب» الجديدة؟!، مشيرًا إلى أن حكايات «بابادوبولوس، وفلين» معًا توحيان بأن إسرائيل، وليس (روسيا)، هى التى سعت إلى التواطؤ مع إدارة «ترامب»، أو حتى التجسس عليها. وهو أمر – فى وجهة نظره - لا يفاجئ أحدًا.