السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وثائق «الصمت الأمريكى» على ترسانة إسرائيل النووية!

وثائق «الصمت الأمريكى» على ترسانة إسرائيل النووية!
وثائق «الصمت الأمريكى» على ترسانة إسرائيل النووية!


ربما يعرف الكثيرون أن إسرائيل تمتلك منشآت، ومراكز أبحاث نووية.. وفى الواقع؛ فإن إسرائيل تمتلك ترسانة أسلحة نووية، وإن لم يكن هناك تصريح رسمى فى هذا الصدد، نتيجة إلزام إسرائيل لدول العالم، وعلى رأسها «الولايات المتحدة» بالصمت التام حول تلك القضية. وهذا ما تكشفه بعض الوثائق المفرج عنها حديثًا، التى أحدثت إرباكًا داخليّا للبيت الأبيض.

 تكميم اللوبى لأفواه الرؤساء الأمريكيين
الكاتب «آدم إنتوس» بصحيفة «نيويوركر»، كشف فى مقالته، التى نشرت يوم 18 يونيو الماضى، عن توقيع أربعة رؤساء أمريكيين، منذ «بيل كلينتون»، على رسائل سرية، وافقوا فيها على عدم التطرق علنًا إلى الترسانة النووية الإسرائيلية غير المعلنة. ووفقًا لـ«إنتوس»، فقد ادعى مساعدو الرئيس الأمريكى الحالى «دونالد ترامب»، بأن السفير الإسرائيلى «رون ديمر» طلب توقيع خطاب رابع للمطالب نفسها.
كما أكد «إنتوس»، أن عددًا قليلًا من كبار المسئولين الأمريكيين فى الإدارات الثلاث السابقة، كانوا يعرفون بوجود مثل هذه الرسائل، التى يعتبرها القادة الإسرائيليون تعهدات أمريكية ملزمة بعدم ذِكر ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية علنًا، وعدم الضغط أيضًا على الحكومة الإسرائيلية للتوقيع على معاهدة «عدم انتشار الأسلحة النووية».
ويُعد أول وعد حصلت عليه الحكومة الإسرائيلية من «واشنطن»، هو ذلك الذى تم أثناء اجتماع رئيسة وزراء الحكومة الإسرائيلية سابقًا «جولدا مائير»، مع الرئيس الأمريكى-حينها- «ريتشارد نيكسون» فى «البيت الأبيض». وكان امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، وقتها، أمرًا واقعًا- حسب المؤرخ النووى بمعهد «ميدلبورى للدراسات الدولية»، ومؤلف كتابين عن أصول البرنامج النووى الإسرائيلى «أفنير كوهين». الذى أكد أنه فى عام 1967، كان لدى إسرائيل بالفعل ثلاثة أجهزة نووية-  وتوصل الجانبان إلى اتفاق غير مكتوب، بأن الإسرائيليين لن يعلنوا، أو يهددوا باستخدام أسلحتهم النووية..
أمّا أول توقيع على رسالة سرية، فكان فى عهد الرئيس «كلينتون» كجزء من اتفاقية مشاركة إسرائيل فى مفاوضات «واى ريفر» مع الفلسطينيين عام 1998، ثم وقّع خليفته «جورج دبليو. بوش» على خطاب مماثل.
الوثائق تكشف عن مؤامرة طويلة الأمد، ومتعددة الوجوه للهيئة التنفيذية والفيدرالية الأمريكية، لانتهاك قانون «مراقبة صادرات الأسلحة الأمريكية» إلى إسرائيل، ناهيك عن التحركات الإسرائيلية للضغط على الإدارات الأمريكية المختلفة.
فعندما سألت مراسلة «البيت الأبيض»، «هيلين توماس» فى 9 فبراير 2009، الرئيس «باراك أوباما» عما إذا كان يعرف أى دولة فى «الشرق الأوسط» تمتلك أسلحة نووية، تهرّب الأخير من الإجابة، وفى النهاية قال إنه «لا يريد التكهن». وعند دعوته بعدها بشهرين فى «براج» إلى تعزيز معاهدة «عدم الانتشار النووية»، استسلم «أوباما» للضغوط الإسرائيلية ووقّع على نسخة محدثة من الرسالة الإسرائيلية، وفقًا لـ«إنتوس».
 أزمة تقرير «WNP-136»
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصدرت وزارة الطاقة الأمريكية، بالتشاور مع وزارة الخارجية الأمريكية، فى 6 سبتمبر 2012، توجيهًا مصنّف بـ«سرى للغاية»، تحت عنوان: «إرشادات حول نشر المعلومات المتعلقة بإمكانيات القدرات النووية الإسرائيلية»، أو ما يُعرف بتقرير «WNP-136»، وهو أحد أخطر التقارير، التى تسبب أزمة شديدة فى الداخل الأمريكى الآن.
التقرير يحتوى على أمر بمنع جميع موظفى وعملاء الوكالات الفيدرالية الأمريكية من مناقشة، أو إصدار معلومات حكومية عن النووى الإسرائيلى، ومخالفة هذا الأمر تعد بمثابة جريمة.
ومع ذلك اضطرت وكالتان منها، بعد أن استلمتا طلبًا بموجب قانون «حرية المعلومات» فى عام 2015، إلى إصدار التقرير «WNP-136»، بعد تنقيح معظم محتواه.
ولكن محكمة الولايات المتحدة لمقاطعة كولومبيا، سعت للحصول على أمر قضائى، لإطلاق سراح «غير منقوص» للتقرير، بعد رفع دعوى قضائية فى مايو الماضى. وقد جادل المُدعى عليهم بوزارتىّ الطاقة، الخارجية الأمريكية، بأن «WNP-136» مصنف بشكل صحيح. وأكدت مديرة مكتب إدارة الإرشاد الفنى فى وزارة الطاقة الأمريكية «إديث تشالك» فى شهر يوليو الماضى، أنه لا يمكن الإفصاح عن معلومات أكثر بتلك الوثيقة، حتى وإن كان بموجب قانون «حرية المعلومات»، لأنها– لاتزال- تحت الأمر التنفيذى، لتظل سرّا يصب فى مصلحة الدفاع الوطنى، أو السياسة الخارجية الأمريكية.
واتفق معها مدير مكتب برامج وخدمات المعلومات فى وزارة الخارجية الأمريكية «إيريك ستاين»، مضيفًا أنه من المحتمل أن يؤدى إطلاق هذه المعلومات إلى إلحاق ضرر جسيم بالأمن القومى للولايات المتحدة، وذلك من خلال الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، لخطورتها على أمن إسرائيل، وقد يؤدى الإفصاح عنها أيضًا، إلى الإضرار  بالوضع الأمنى ​​الجيوسياسى فى منطقة «الشرق الأوسط»، الذى يمثل مصلحة أمنية طويلة الأمد للولايات المتحدة.
وبشكل عام، فموقف إدارة «ترامب» الحالية، ورُغم غضبها، بسبب حملة الضغط الإسرائيلية للحصول على رسالة منها كسابقاتها من الإدارات المتعاقبة، فإنها لم تنقلب- حتى الآن- على وثيقة «WNP-136».
وبالتالى، فإن الرقابة على WNP-136 لا تتعلق على الإطلاق بالأمن القومى الأمريكى، أو إنفاذ القانون، بل إنها تنتهك تعديلات قانون «سيمينجتون وجلين» الأمريكى لصالح إسرائيل.
يذكر أن «سيمينجتون وجلين»، هو التشريع الذى قدمه السيناتور الديمقراطى «ستيوارت سيمينجتون»، لتعزيز موقف «الولايات المتحدة» من عدم الانتشار النووى.. وتم تبنّى تعديل «جلين» «بالقسم 670» فى عام 1977، لفرض العقوبات نفسها ضد الدول التى تمتلك، أو تنقل تكنولوجيا إعادة المعالجة النووية، أو تنقل أدوات نووية.. وتمت إعادة صياغة التشريعين بصورة معدلة فى «المادة 102» من قانون «مراقبة صادرات الأسلحة» «AECA». وبموجبه يفرض على رؤساء «الولايات المتحدة»، أن يخطروا الكونجرس علانية، إن عرفوا أن عضوًا غير الأعضاء فى معاهدة «حظر انتشار الأسلحة النووية»، يتاجرون فى تكنولوجيا الأسلحة النووية، أو يختبرونها، ويقطعون المساعدات الخارجية الأمريكية إلى الحكومة أو البلد المذكور فورًا.
ومن المعروف أن الحكومة الإسرائيلية لم توقّع على معاهدة حظر الانتشار النووى، كما تعمل باستمرار على تهريب تكنولوجيا صنع الأسلحة النووية من «الولايات المتحدة».
 كشف الحقائق
حرص مؤيدو النظام الأمريكى لعقود طويلة على حظر النشر فيما يخص الانتشار النووى فى منطقة «الشرق الأوسط»، وعمليات النقل غير المشروعة للمواد والتكنولوجيا المنقولة من «الولايات المتحدة» إلى الحكومة الإسرائيلية، وذلك ليظل الضوء مسلطًا باستمرار على «إيران» واعتبارها التهديد النووى الوحيد فى المنطقة. فـ«واشنطن» تكذب عن قصد لإغفال الحقائق المهمة، وتشجيع المفاهيم الخاطئة.
ويُعد الدليل على ذلك هو ما كشفته ملفات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «CIA»، التى نشرت مؤخرًا، وأظهرت قلق السيناتور «جون جلين» بولاية «بنسلفانيا» من عدم تعامل إسرائيل بحذر مع تحويلهم لليورانيوم النووى.
وفى عام 2015، أثارت القاضية «تانيا سو. تشوتكان» غضبًا واسعًا وسط الفروع الرئيسية فى اللوبى الإسرائيلى، عندما أمرت بالإفراج عن تقرير وزارة الدفاع لعام 1987، حول البنية التحتية الإسرائيلية لصناعة الأسلحة النووية.
وذكر «جرانت ف. سميث» مدير قسم الأبحاث فى «معهد الأبحاث: سياسة الشرق الأوسط»، والمدعى فى الدعوى المدنية «رقم. CV-00777-18»، التى تسعى للحصول على إفراج غير منقوص عن تقرير «WNP-136»، أنه تم تصميم مختبرات إسرائيلية على غرار المختبرات الأمريكية، وتعمل فى صنع وتطوير القنابل الهيدروجينية.
فكتب «سميث»: «إسرائيل تطور نوعًا من الرموز، التى ستمكنها من صنع قنابل هيدروجينية». مضيفًا إن الأبحاث كانت تجرى فى منشآت «سوريك، وديمونا» الإسرائيلية، المماثلين لمنشآت، ومختبرات «لوس ألاموس، ولورانس ليفرمور» الأمريكية.
كما أكد أن «سوريك» تحديدًا هى القاعدة التكنولوجية التى يتم فيها تصميم الأسلحة النووية وتصنيعها، وهى المسئولة عن تطوير سلسلة كاملة من الأنشطة النووية. مستعينًا بتقرير يعود لعام 1987، مكون من مائة ورقة، أصدره معهد تحليل الدفاع بوزارة الدفاع الأمريكية، وهو عبارة عن تقييم لمبادرات تطوير الأسلحة، التى وضعتها منظمة حلف شمال الأطلسى «ناتو»، وإسرائيل، التى يمكن تطبيقها على مبادرة الدفاع الاستراتيجية لإدارة الرئيس الأمريكى سابقًا «ريجان».
كان من المفترض أن يؤدى تأكيد هذا التقرير لبرنامج إسرائيل النووى المتطور إلى قطع جميع المساعدات الأمريكية لإسرائيل على الفور. ومع ذلك، وتحت ضغط من شبكة تمويل حملة اللوبى الإسرائيلى- كما ذكرنا أعلاه-، لم تقم أى إدارة من الإدارات الأمريكية بتطبيق القوانين تجاه الحكومة الإسرائيلية.
ويُذكر أن أحد الداعمين الرئيسيين للمساعدات الأمريكية للكيان، هو السيناتور «تشاك شومر»، الذى اعترف أمام الكاميرا فى شهر فبراير 2017، بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية.
والآن، كجزء من قانون «مراقبة تصدير الأسلحة»، تطالب تعديلات «سيمينجتون وجلين» ببروتوكولات خاصة، بشأن تقديم أى مساعدات أمريكية إلى الحكومات غير الموقعة على معاهدة «عدم انتشار الأسلحة النووية».
ولكن فى مايو الماضى، أيدت محكمة الاستئناف الأمريكية حكم محكمة أدنى، بأن المواطنين الأمريكيين ليس لديهم أى مكان لمقاضاة الرئيس، والوكالات التنفيذية المتواطئة فى فشل إنفاذ قانون «مراقبة تصدير الأسلحة».
وقبلها فى ديسمبر 2015 أصرّت وزارة الدفاع الأمريكية على أن الحكومة الإسرائيلية، هى الوحيدة التى تملك السُّلطة النهائية فيما يخص إطلاق سراح معلوماتها النووية.
ويسعى الإسرائيليون، بفضل الصلاحيات التى يتمتعون بها من خلال المساعدات الأمريكية، التى تبلغ تكلفتها 6.3 مليار دولار سنويّا، إلى الحد من المناقشات العامة، وصنع السياسات، بشأن مخزون الأسلحة النووية الإسرائيلى. فبعيدًا عن المساعدات الأمريكية السرية، التى تم تمريرها من خلال الميزانيات السوداء، أعطى رؤساء الولايات المتحدة والكونجرس رسميّا، مبلغًا مقداره 222.8 مليار دولار لإسرائيل.