الأحد 4 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

آباء وقتلة!

آباء وقتلة!
آباء وقتلة!


بينما تتوالى مطالبات خبراء فى حقوق الطفل، بضرورة تشديد العقوبة فى قضايا ضرب الأطفال المفضى إلى الموت، وأهمية التصدى لفكرة التأديب والعقاب الأسَرى، الذى يتطور من الآباء ليصل إلى حد القتل أو التسبب فى عاهة مستديمة فى بعض الأحيان؛ وقعت العديد من الحوادث مؤخرًا، التى تشير إلى تنامى الظاهرة وخطورتها.
من أكثر الحالات الصارخة هى حالة  وفاة الطالب عبدالرحمن- 14 عامًا- بدمياط بعد وجوده مقتولاً وعلى جسده آثار لضرب وكدمات متفرقة بالجسم.

كشفت التحريات أن هناك إصابات مماثلة بأماكن متفرقة لجسد شقيقىّ المجنى عليه، وهما: محمد- 17  سنة، طالب بالثانوية العامة- وعمر- 13 سنة، طالب بالمرحلة الإعدادية- وذلك بسبب قيام والدهما بالتعدى عليهما وشقيقهما المتوفّى بعد الاستيلاء على مبلغ 400 جنيه و2  جنيه ذهب وسبيكة ذهبية.
وبمواجهة الوالد- مدرس بكلية طب الأزهر- الذى أقر بضربه لأبنائه بسير موتور غسالة مثبت به مفك حديد لإحكام السيطرة عليه، ما أودى بحياة الطفل ووجود الطفلين فى حالة حرجة!
ورُغْمَ أن هذه الحالة أثارت ذعر الكثيرين فإنها ليست الأولى فى الشهر ذاته فسبقها حادث أطفال المريوطية، وهى العثور على «3 جثث لأطفال» داخل أكياس بلاستيكية وسجادة فى حالة تعفن وبهم آثار حروق، حيث  توجهت الأم لأحد الفنادق الكائنة بشارع الهرم، وعند عودتها 6 صباحًا للشقة اكتشفت حدوث حريق بإحدى الغرف ووفاة الأطفال الثلاثة، فقامت بوضعهم داخل الأكياس والسجادة والتخلص منهم بمكان العثور.
قانون يحمى القاتل!
ومنذ أيام قليلة تلقى قسم شرطة بولاق الدكرور، إشارة من المستشفى، بوصول «علا. ع»- 5 سنوات- جثة هامدة وبها كدمات متفرقة بالجسد فى الصدر والبطن والذراعين والساقين والجمجمة وجرح سطحى بالجبهة.
والدة المجنى عليها شهدت أن زوجها هو من تعدّى على الطفلة بالضرب مستخدمًا ماسورة مياه أثناء قيامه بالمذاكرة لها، وباستدعاء المتهم عماد- 27 سنة، مندوب توصيل- اعترف بالتعدى على ابنته أثناء قيامه بمعاقبتها للمذاكرة وعمل الواجب المدرسى وأرشد عن مكان الماسورة المستخدمة فى الجريمة.
وقضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة الأب بالحبس سنة، مع إيقاف تنفيذ العقوبة، استنادًا إلى أن المتهم هو العائل الوحيد لأسرته، وحفاظًا على طفلته التى وُلِدت بعد وفاة شقيقتها، إلى جانب أن وجود إباحة شرعية فيما فعله المتهم، واستنادًا إلى المادة 60 من قانون العقوبات التى تنص على أنه «لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة».
مأساة سندس وفاتن
سندس، فتاة-  18 عامًا- تعرضت لقص شعرها حتى أصبحت أشبه بالرجال من قِبَل والدتها وأخيها الأكبر، قالت إن السبب فى هذا الحادث هو عِلم والدتها أنها معجبة بصديق لها فى الجامعة فقررت هى وأخى القيام بقص شعرى تمامًا بعد الضرب والتعذيب المتكرر.
وتتابع: تعرضتُ بعد ذلك لكل أنواع الإهانة والتهكم من الشارع بسبب شكلى حتى كرهت شكلى تمامًا، ما أدى إلى محاولاتى الانتحار أكثر من مرّة، ولكن لم يفلح الأمر وتعرضتُ لموجات اكتئاب فترات طويلة تسببت فى ذهابى لطبيب نفسى.
فاتن، فتاة شابة تبلغ 25 عامًا من عمرها، تروى: أتعرض للعنف منذ طفولتى من أبى، بدأ الأمر بالسب والإهانة وصولاً بالاعتداء علىّ بالضرب، ودائمًا كان يتعمد ضربى بأى شىء يمسكه فى يده ما تسبب لى بإصابات وعلامات فى جسدى مستمرة معى بقية عمرى.
وفى إحدى المرات حررت محضر تحرش ضد أحد المتحرشين بى صمم أبى أن أتنازل عن المحضر مقابل المال من أهل المتحرش، وعندما أصررت على رأيى ضربنى بقوة وهددنى بالسكين، وأنه سيقوم بقتلى، ما دفعنى للتنازل بالفعل.
فكل خناقة كان يعتدى علىّ فيها - بحسب فاتن-  أقول له لا تملك حق ضربى، وأهدده بتحرير محضر كانت أمى تمنعنى، ولأنها تدافع عنى دائمًا وخوفًا من تعرضها  شخصيّا للضرب كنت أقف مكانى، فضلًا عن أننى لا أثق فى الوقت الذى أذهب فيه إلى القسم لتحرير محضر ربما يتم التحفظ علىّ وتسليمى له.
المطالبة بحماية تشريعية
الدكتورة ماجدة عدلى- مديرة مركز النديم لإعادة تأهيل ضحايا العنف الأسرى-أكدت أن هناك عوامل  كثيرة مشتركة بين النساء المعرضات للعنف، أهمها ضعف المساندة الأسرية والمجتمعية، بحُكم القبول المجتمعى لسُلطة الرجل وزعم حقه فى تأديب نساء العائلة، ومنها سقوط الكثيرات فى فخ الابتزاز الذى يستخدمه أغلب ممارسى العنف، مثل: «بحبك، غصب عنى انت اللى خلتينى اتنرفز،  الشغل ضاغط علىّ، لو مستحملتنيش مين يستحملنى»، وهكذا، من أشكال الابتزاز الذى يجعل المرأة تسامح.
مشيرة إلى أنه بعد ذلك  يتحول العنف إلى سلوك معتاد من الرجل ومشترك، ما يجعل أغلب الآباء يمارسون  العنف ضد بناتهم فى جميع الطبقات الاجتماعية، رُغم أن الموقف أكثر صعوبة فى محاولة الفكاك من دائرة العنف فى الأسَر الفقيرة.
وأرجعتْ أسباب انخفاض عدد الفتيات اللاتى يسلكن المسار القانونى إلى عدم  وجود آليات حماية ذات شأن للمتعرضات للعنف من حيث إيجاد سكن آمن وتوفير نفقات الدراسة، وعقوبة الممارس للعنف، فحتى اليوم لا يوجد بمصر قانون خاص بالعنف داخل الأسرة رُغم وجود مسودات بمشاريع قوانين فى هذا الشأن. لافتة إلى وجود مواد بالقانون تعفى من العقوبة تحت دعوى أن النية كانت التربية أو التأديب أو دفاعًا عن الشرف، والنتيجة إفلات الجناة من العقاب، مطالبة بضرورة وجود تشريعات تواجه ظاهرة التأديب المفضى إلى القتل.
الدكتورة بسمة سليم- الباحثة فى عِلم النفس والإرشاد الأسَرى- أكدت أن العقاب البدنى مرفوض تمامًا فى الأسرة، فحوادث العنف الأسَرى فى المجتمع المصرى ضد الأطفال داخل الأسرة أمر يرجع إلى الثقافة العامة،  فمجرد رفع اليد على الطفل له تأثير سلبى يجعله فيما بعد عدوانيّا وانطوائيّا يبحث عن حلول بديلة ويمارس هذا العدوان على أصدقائه فى المدرسة، لذلك نسمع عن طفل وضع القلم فى عين زميله فى المدرسة، وغيرها من الحوادث.
مؤكدة أن الأمر يستمر مع  الأطفال حتى بعد سِن البلوغ، والانتشار أكثر بين الإناث؛ لأن المجتمع يمنح الذكور الحق فى الخروج من المنزل عندما يصبح شابًا فيعرض هذا العنف فى أصدقاء السوء، وغيرها من الطرُق التى نطلق عليها  شكلاً من أشكال التعويض، أمّا الأنثى فتصبح أغلب الوقت منطوية وفاقدة الثقة فى النفس تمامًا. لافتة إلى أن كثيرًا من حالات التلعثم فى الكلام لدى الشباب وضح أن سببها نفسى يعود إلى الخوف الشديد والتعرّض للعنف لسنوات طويلة لدى الأطفال.
ومضيفة إن التربية الصحيحة تقوم على  تشجيع الطفل على فعل الصواب من خلال تحفيزه على ذلك وتقليل سقف العقاب، فالطفل من سِن خمس إلى سبع سنوات يجب التعامل معه على أساس الحافز المادى الذى يشعر به حينما يقوم بفعل الصواب أو الخطأ، على أساس عدم استيعابه للحافز المعنوى. مؤكدة أن الحافز المعنوى موجّه للمرحلة السّنية الأكبر ويتيح شعور الطفل بالقبول والتحفيز والتشجيع على فعل الصواب دائمًا.
المحامى أحمد مصيلحى، مُعلقًا على الحُكم سنة مع إيقاف التنفيذ على أب قتل طفلته، يقول: هذا يعنى أن  القاضى اقتنع تمامًا بالجريمة، لكنه استخدم مع الأب التخفيف باعتباره قتلاً خطأ، مشيرًا إلى أن القوانين لا تطبق جيدًا نتيجة عدم التعاون بين المركز القومى للأمومة والطفولة  أو محاولاتها التدريب والتطوير على التطور الذى حاز عليها القانون موخرًا باعتبارها الجهة الوحيدة الحكومية المسئولة.
وفى التقرير الصادر عن المجلس القومى للأمومة والطفولة،  لعام 2016 أوضح أن عدد البلاغات التى تلقاها المجلس خلال النصف الأول من العام بلغت 2284 حالة عنف ضد الأطفال، وتصدّر الذكور النسبة الكبرى من بلاغات العنف بنحو 69 %، فى مقابل 31 % للإناث، وتعرضت 155 حالة منها للعنف المدرسى، كالاعتداء بالضرب أو التوبيخ.
فى حين بلغت نسبة العنف الجسدى للأطفال فى مصر  75 % من أطفال مصر يتعرضون للتعنيف الجسدى، سواء عن طريق الأسَر أو حتى دور الرعاية، وذلك وفق آخر إحصائية لليونيسيف، أمّا العنف النفسى فى مصر فتتراوح هذه النسبة ما بين 40 و50 % من الأطفال فى مصر معرّضون لهذا النوع من العنف، أمّا فيما يخص العنف الجنسى للأطفال نتيجة للختان أو غيرها من العادات فبلغت النسبة 55% من الأطفال تعرّضوا للعنف الجنسى نتيجة للممارسات المختلفة.