الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل نحن ضيوف على زمانهم؟!

هل نحن ضيوف على زمانهم؟!
هل نحن ضيوف على زمانهم؟!


«أنت ضيف على زماننا»
هذه الصيحة الحادة أطلقها بجرأة وانفعال وحماس الشباب الشاعر الكبير «أحمد عبدالمعطى حجازى» الذى لم يكن تجاوز الثلاثين من عمره فى الخمسينيات من القرن الماضى قاصدًا بها «العقاد».. ومدرسته الشعرية التى كان يرى- هو وصديقه الشاعر الكبير «صلاح عبدالصبور»- أنها مدرسة تقليدية تجاوزها زمن جديد يبشر بطموح شعرى مختلف ومتطور.. وكان يقصد إثارة معركة أدبية جسورة يزلزل بها عرش الكاتب «الجبار عباس العقاد» كما كان يحلو لزعيم الأمة «سعد زغلول» أن يطلقه عليه.. ويقفز من خلال الظفر بها إلى دائرة الضوء والشهرة ..

المفارقة المدهشة أن يكون ما فعله «حجازى» و«عبدالصبور» فى مواجهة «العقاد» و«المازنى» و«شكرى» فى مواجهة أمير الشعراء «أحمد شوقى» وشاعر النيل «حافظ إبراهيم» حينما ألفوا كتابًا اسمه «الديوان» هاجموا فيه بعنف وشراسة بالغة شعر «شوقى» و«حافظ» ووصموه بالاتهامات نفسها التى سبق أن أوردها «حجازى» و«عبدالصبور» فى حق «العقاد».
أقول ذلك وأنا أتأهب لمتابعة الماراثون الرمضانى الدرامى وأراقب متخذًا من «كرسى على الشمال» - وهو عنوان أحد كتب «أنيس منصور» – موقع المتفرج .. وقد فرضت قوانين الإحلال والتبديل وجودها بضراوة وصلافة مزيحة أبناء جيلى وما يسبقه من رواد الدراما التليفزيونية من ريادتهم.. وخريطة الإبداع من إبداعاتهم.. وقد عبرت الكاتبة «سناء البيسى» – فى موقف مشابه– عن ذلك تعبيرًا بليغًا فقالت بأسى وحسرة: لقد سحبوا طبق الطعام من أمامى قبل أن يكتمل عشائى..
وهكذا فقد اختفى من المشهد «يسرى الجندى» وكان يهفو إلى استكمال مسيرته المتفردة فى استلهام التراث مسقطًا دلالاته ورموزه على عصرنا فى مزج فريد وعميق.. وتوارى «محمد جلال عبدالقوى» متحصنًا بكبرياء حزين.. وكان يسعى إلى مواصلة بحثه عن تمزق أبطاله وعذاباتهم من خلال ثنائية أطماع البشر .. وأشواق الروح..
«وبشير الديك» وكان يطمح إلى استمرار التحامه بإشكالات واقع متغير وانقلاب السلم القيمى فى العلاقا§§ ت الاجتماعية، و«وحيد حامد» وكان ينوى أن يكمل خطواته الوثّابة فى تعرية الإرهابيين والتكفيريين الذين يرتدون مسوح التبتل وأردية الإيمان.. و«عصام الشماع» وكان يريد أن يواصل إبحاره فى ألغاز النفس الإنسانية.. و«أنا».. وكنت لاأزال أتحرك فى منتصف الطريق لنزع أقنعة الزيف والرياء من على الوجوه فى دنيا مفارقات الواقع فيه تتحدى بغرابتها ولا معقوليتها المؤلف الكوميدى فى داخلى أن يفجّر بخياله ما يعادلها أو يضارعها ..
لكن ما أبشع أن يداهمنا عصر الورش والأسطوات وصبيانهم وزمن الفورمات (وهو يعنى استخدام القوالب الجاهزة المستوردة) تركى وإسبانى وهندى .. إلخ) وفيه تتكيف الموضوعات وأشكالها وفقًا لهذا القالب.. وقد استنكرت مؤخرًا ذيوعه لجنة الدراما فى تقريرها إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وأكدت خطورته فى الحد من مِلكة الإبداع المصرية وتكريس حالة التغريب الثقافى الذى يخفى خلفه صراع القوميات ويغذيه فى نفوس المشاهدين ليظهر فيما بعد بشراسة على أرض الواقع، مما يطمس الهوية المصرية للأعمال الفنية .
جاء طوفان ذلك العصر وليس على طريقة عصرى «العقاد» و«المازنى» و«حجازى» و«عبدالصبور» بطموح التطوير الفكرى والفلسفى والارتقاء الإبداعى والرؤى الفنية المغايرة والتجديد الذى يدفع بالرغبة فى التنوير والإصلاح إلى خَلق تيارات تدعم التحضر والتقدم والرقى الإنسانى..
لكنه جاء على طريقة «اهبش الفرصة هبشًا» و«انسف اللغة العربية نسفًا» و«انسى وخُد البنسة» وعبّى السبوبة بالبذاءة على يد رهط من جيل يحاكى لغة الشارع المسفة بحجة الواقعية.. ويصادق القبح بوصفه جمالاً ويسرق الكحل من العين والمسلسلات من «التراكوه» .. و«الهنود»..
ولسنا نرجو بحق ذلك الشهر الفضيل أن يخيب ظننا.. وينكشف حقدنا.. ويأتى رمضان مختلف..