الصحابة بين تحريم الظهور وتجريم المشاهدة

محمد نوار
مازال الجدل مستمراً حول عرض مسلسل الفاروق عمر بن الخطاب فى شهر رمضان، فقد طالب عدد من المشايخ والدعاة بعدم عرضه استناداً إلى فتوى مجمع البحوث الإسلامية الذى يحرم ظهور الأنبياء والصحابة وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنة فى الأعمال الدرامية لأن تجسيدهم حرام شرعاً، مع المطالبة بمنع تلك الأعمال التى تقلل من هيبتهم وقدسيتهم واحترامهم وذلك بالرغم من صدور عدد من الفتاوى لعلماء أجازوا تنفيذ العمل كان منهم د. يوسف القرضاوى من مصر، والشيخ سليمان العودة من السعودية.
إلا أنه يبقى السؤال: هل ظهور شخصيات الصحابة فى الأعمال الدرامية حرام؟، مع الوضع فى الاعتبار أن الأصل فى التشريع الإسلامى هو الحلال وأن الحرام هو الاستثناء، ومع ملاحظة أن الحلال يمكن أن يكون مقيداً وليس مطلقاً، فالقرآن الكريم يذكر الحرام بالتفصيل: «.. وقد فصل لكم ما حرم عليكم..» الأنعام 119 «قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا..» الأنعام 150 وليس من المحرمات ظهور شخصيات الصحابة فى الدراما.
وقد يرى البعض أن الدراما لم تكن موجودة وقت نزول القرآن الكريم فتستلزم تشريعاً جديداً، ولكن الإسلام اكتمل بالقرآن الكريم بما فيه من مقاصد تشريعية بهدف التقوى والتأكيد على القيم العليا من العدل وحرية الرأى والتسامح، كما أن التحريم هو من اختصاص الله تعالى وحده، فالقرآن الكريم كتاب يتم من خلاله ربط التشريع بالتقوى وذلك فى سبيل الهداية، والقصص القرآنى يأتى بمنهج يختلف عن منهج التاريخ لأن الهدف ليس السرد ولكن العبرة فلا يهتم بتحديد الأسماء والأماكن والأزمنة، لذلك يأتى ببعض القصص فى شكل درامى مثل سيرة النبى يوسف عليه السلام والتى وردت فى سورة كاملة تحمل اسمه.
وسيرته بها أغلب الصراعات التى تمثل الدراما الإنسانية، تبعاً لأسلوب جديد هو الأسلوب الدرامى السينمائى من خلال تتابع المشاهد مع التركيز على البطل وإهمال الأحداث الفرعية والشخصيات غير المؤثرة.
وفى القصص القرآنى يخبرنا تعالى عن سخرية الكفار والمشركين من النبى عليه الصلاة والسلام، وكان ممكناً أن يتجاهل القرآن الكريم ذلك ولكنه سجل لنا بعضاً من أقوالهم، قال تعالى: «وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً» الفرقان 7-,8 فأصبح تسجيل اتهامات الكفار والمشركين للأنبياء مع الرد الإلهى عليها جزءاً من القرآن الكريم المحفوظ إلى يوم القيامة.
وتعتبر الدراما من الأدوات التى يمكننا استخدامها فى توضيح حقائق الدين من خلال إظهار أخلاق وأعمال المسلمين الأوائل من الصحابة، ومن الممكن أن يتم استخدام التقنيات الحديثة من مؤثرات بصرية سينمائية حتى لا يتم ظهور من يمثل شخوصهم، وذلك بدون القول بقدسية الصحابة لأنه لا قداسة لأشخاص فى الإسلام، وكذلك بدون القول بأن تجسيدهم حرام شرعاً لأن التحريم معناه المنع الأبدى لحكمة قد لا يعلمها إلا الله وحده، ولذلك فإن التحريم حق من الحقوق الحصرية لله تعالى، وأيضاً بدون القول بالتجريم لمن يشاهد تلك الأعمال.
فالطعن فى الدين وفى الشخصيات الدينية لم ولن يتوقف، ولو أنتجت جهة ما عملاً درامياً به أخطاء ومغالطات عن الدين أو عن الصحابة، فإنه يجب على أصحاب الاختصاص إنتاج عمل درامى يتم فيه توضيح الحقائق، وليس للسلطة أن تتدخل بالمنع أو المصادرة للفكر والرأى.
إن الهجوم على تلك النوعية من الأعمال الدرامية لن يجدى ولكنه سيعطى دعاية لها، مع الوضع فى الاعتبار أن الله تعالى هو الذى أعطى الحرية للناس لينتقدوه ويكفروا به جل وعلا، وهو الذى سيحكم بيننا يوم القيامة فيما نحن فيه مختلفون.