الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

باقيات فى جهات العمل «بأمر الموظفين»: أمهات لا يعرفن «المعاش»

باقيات فى جهات العمل «بأمر الموظفين»: أمهات لا يعرفن «المعاش»
باقيات فى جهات العمل «بأمر الموظفين»: أمهات لا يعرفن «المعاش»


لا ينقطع عطاء المرأة مهما تقدم بها العُمر، كلما عاشت ازدادت عطاءً وكأنها نهر لا ينضب.
حينما تصل المرأة إلى تلك المرحلة من التقدم فى السن ومواصلة العمل والكفاح فإنها تكون نموذجًا يُحتذى به، باعتبار أنها وصلت مرحلة المعاش والجلوس فى المنزل، إلا أنها ترى متعتها فى مواصلة العمل والكفاح.
التقدير الحقيقى الذى تفرح به أنها حينما تصل لمرحلة المعاش تجد آلاف التوقيعات من أبناء المؤسسة التى تعمل بها تطالبها بالاستمرار فى المكان الذى أفنت عمرها فى خدمته لتتحول كل واحدة منهن من أم لأبنائها فقط إلى أم للعاملين معها فى جهة العمل.
> أم محمد أقدم عاملة فى حديقة الحيوان
أم محمد تجاوزت الستين من عمرها، إلا أنها لا زالت تعمل فى حديقة الحيوان، والتى أفنت عمرها فيها، وبجوار البوابة «4» تتواجد أم محمد، تجلس على كرسى بلاستيك باللون الأبيض، وتبتسم لجميع المارة، وملابسها التى تؤكد أنها تعمل فى المكان تحمل شارة عاملات النظافة.
 اقتربنا لنجلس بضع دقائق لنتحدث معها، فقالت: اسمى «أسمهان محمد حافظ»، وأنا أقدم عاملة فى المكان، لأننى تجاوزت الـ33 عامًا خدمة هنا، والجميع يعتبرنى أمه.
وأضافت: «تزوجت فى سن صغيرة من رجل يعمل «مبلط»، يعمل يوما ويجلس عشرة فى المنزل، أنجبت منه 4 أبناء، «بنتين وولدين»، وكان كل ما يشغل ذهنى، أن أحقق لأبنائى ما حرمت منه، مثل دخولهم الجامعة والتعليم العالى، وابنتى الكبرى تخرجت فى كلية تجارة جامعة القاهرة، وابنتى الصغيرة مهندسة، وابنى مهندس فى مطار القاهرة الدولى، وآخرهم دبلوم تجارة.
 وتابعت: «ابنتى كانت تحضر من الجامعة لمسح الأرض فى حديقة الحيوان دون إحراج، وأحمد الله أننى ربيت أبنائى بالحلال بداية عندما كان راتبى جنيهًا واحدا، وحتى وصل الأساسى إلى 150 جنيهًا، ويومى يبدأ من الساعة 6 الصبح وأعود بعد المغرب واليوم بــ «1» جنيه، وفى الأعياد والمناسبات أعود 10 مساءً إلى منزلى، وحاليا الشغل خف نسبياً، لكننى لا زلت أعمل، ومحمد رجائى المدير الحالى للحديقة هو من ساندنى للاستمرار فى العمل بعد الستين، وتولى الحديقة 9 مديرين أثناء خدمتى كلهم رفضوا تعيينى إلا الأستاذ رجائى، مضيفة: «ليس لى معاش، وكل 3 شهور أحصل على 310 جنيهات، ولولا محمد رجائى فاتح بيتى، كنت مشيت من الجنينة التى أعتبرها بيتى الأول وأحرص على نظافته وربنا جعلها سببا لى فى تربية أبنائى وعلاجى، وكل ركن فى الجنينة له قدر فى نفسى، وكنت أقابل وزراء الزراعة وأعد لهم القهوة، كما رأيت عادل إمام ويسرا وإلهام شاهين، ومفيد فوزى وفاروق الفيشاوى، جميع الفنانين رأيتهم هنا، وحاليا أنا جدة ولا زلت أحضر للعمل فى تنظيف الحديقة، ولن أتخلى عنها، ومن المواقف الحزينة التى شاهدتها هنا موت الحيوانات، ومن المواقف الطريفة أننى كنت أحلم بدخول الغاز بيتى وطلب منى 50 جنيهًا، ولم أكن أمتلك المبلغ ودعيت ربنا وفى نهاية اليوم وجدت 80 جنيها على الأرض فى «كيس» بلاستيك، واليوم أقولها بكل فخر واعتزاز أكملت رسالتى بمرتب جنيه فى اليوم، وأحلم بالعمرة فقط وزيارة بيت ربنا، وأقول للنساء فى يوم المرأة العاملة «الست طول عمرها تتحمل ومكافحة.. استمرى فى رسالتك».
> أم الصحفيين
تحدث عشرات الصحفيين عن سيدة لها طابع خاص داخل مبنى نقابة الصحفيين، ورغم أنها تجاوزت الستين إلا أنه تم تحرير عقد لها مفتوح داخل النقابة، وأطلق عليها «أم الصحفيين».
«سهام عطا الله»، قالت «عشت هنا فى نقابة الصحفيين منذ 40 عامًا، وأعتبر الصحفيين أسرتى، خاصة أننى لم أتزوج، وكان والدى يعمل فى السكة الحديد، ووالدتى ربة منزل، وتزوج أشقائى، وجلست مع والدتى لرعايتها وهذا سبب عدم الزواج، لكن حب الصحفيين لى كأم عوضنى كثيراً فلا أستطيع التخلى عن حياتى هنا وسط أبنائى».
 وأضافت: أنا أول واحدة بعد الستين تعمل فى النقابة، ويرفض الجميع خروجى على المعاش، وتم عمل عقد مفتوح لى بعد تقديم الصحفيين مذكرة رسمية للمطالبة بوجودى بينهم، واعتبرت نفسى أمًا لأننى استقبلت الجميع هنا على مكتبى البسيط ليحقق حلمه معى بفرحته بأنه ينضم إلى نقابة الصحفيين، وكنت أشعر بسعادتهم، واستقبلت عمالقة الصحافة الحاليين على مكتبى من خلال أوراقهم للالتحاق بالنقابة مثل ياسر رزق ووائل الإبراشى وعمرو الليثى وأحمد المسلمانى، وبعضهم يحضر للسؤال عنى والاطمئنان على صحتى.
وفى عيد الأم يتصل بى جميع الصحفيين لتهنئتى كأم لهم، ويحضرون لى العشرات من بوكيهات الورد، وأيضًا يوم عيد ميلادى يحتفلون به، وكل ما أحلم به حاليًا هو زيادة عدد أبنائى والاطمئنان عليهم، وبينهم لا أشعر أننى بمفردى فهم بجوارى، وأتمنى العمل على خدمتهم حتى آخر يوم فى حياتى.
> الدادة عائشة «أم الطلاب»
الدادة أو ماما عائشة، رئيسة عمال كلية إعلام جامعة القاهرة، تجاوز عمرها 86 عامًا، عندما تطلع الدور الأول بكلية الإعلام ترى الدادة عائشة تجلس على الكرسى ومبتسمة دائما، عند الاقتراب منها تستقبلك بالدعاء.
عندما ترى وجه الدادة عائشة تشعر بتفاؤل بلقائها فهى تعطيك أملا بأن الحياة ليس لها نهاية، فرغم تقدم سنها إلا أنها لا زالت تعمل بجد وإخلاص وحب لعملها، وبكفاح مستميت، فذلك يعطى لكل الشباب أملا كبيرا، وأصبحت الدادة عائشة رمزًا من رموز كلية الإعلام.
عملت الدادة عائشة بكلية الإعلام 40 عامًا، فكان وقتها موقع الكلية داخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومر  عليها أجيال من الصحفيين أصبحوا الآن نجوما لامعة، وكان يُفترض أن تخرج معاشا منذ 25 عامًا، ولكن حبها للعمل وللكلية، «كانت دائما تطالب بالبقاء بالكلية.
الدادة عائشة قالت: «علاقتى بكل طلاب الكلية طيبة جدًا ويتعاملون معى بشكل جيد، ورغم خروجى على المعاش منذ 25 عامًا إلا أننى رفضت الجلوس بالمنزل، وأشعر أن كلية الإعلام بحر وأنا سمكة لو خرجت منها أموت، ولذلك لم أتغيب عنها أبدًا طوال فترة عملى بالكلية، وحتى لو كنت مريضة».
أستيقظ فجراً، أصلى الفجر وأشرب كوباً من الشاى وأنزل من البيت بالساعة السابعة ونصف صباحاً أحضر للكلية فى تمام الساعة الثامنة، وأغادر مقر الكلية فى الثالثة أو الرابعة عصراً، ويقوم زميلى عاطف بتوصيلى يومياً للأتوبيس.
وعن الطلاب الذين تخرجوا وأصبحوا نجوما بالمجتمع وكانت تتعامل معهم، قالت: الفنانة منى زكى، والإعلامى معتز الدمرداش، والمغنى محمد عطية، وهانى سعيد لاعب الكرة، ولدى ذكريات كثيرة داخل الكلية على مدار 40 عامًا التى عملت فيها، فكل الذكريات حب مع الطلاب الخريجين، الذين يأتون للسلام والاطمئنان عليّ، والحمد لله ملف خدمتى موجود بالأرشيف ولا يوجد به أية مخالفات، ولم يشتكِ منى أحد خلال تلك الفترة، وأعمل الآن باليومية ولا يوجد عقد عمل خاص بى، وهناك سبب لاستمرارى فى وظيفتى وهو تعاملى الحسن مع الجميع، والكل يشيد بأخلاقى وأدبى.
 ومن الدكاترة الذين لا أنساهم ويحرصون دائما عن السؤال عنى الدكتور على عجوة والدكتورة ماجى الحلوانى والدكتورة إيمان جمعة، والدكتور سامى عبدالعزيز، حينما تم احتجازه بمقر الكلية لم أذهب لمنزلى إلا بعد الاطمئنان برجوعه لمنزله سالماً بمساعدة الشرطة العسكرية.
يوسف السيد مدير الشئون العامة بكلية إعلام، قال: «الحاجة عائشة من أعمدة الكلية واعترضت على خروجها على المعاش حينما بلغت سن الستين منذ ستة وعشرين عاماً، ووافقت إدارة الكلية بالتجديد لها سنويًا على مدار الستة وعشرين عاماً الماضية، والحاجة عائشة من الشخصيات المجتهدة التى تحب عملها، وبحكم سنها فإن مهامها الوظيفية قلت، والحاجة عائشة يمطر لسانها الدعوات على كل الطلاب والدكاترة والمعيدين الذين تقابلهم، فأكثر من مرة إدارة الكلية تعمل لها تكريما بالأم المثالية، ونموذجا للعاملة المثالية، وأحيانًا أولادها يضغطون عليها للجلوس فى البيت من أجل راحتها، لكن إدارة الجامعة ترسل إليها لتعود للجامعة مرة أخرى بأمر مباشر من العميدة السابقة الدكتورة ماجى الحلوانى.>