الحرب المقدسة على العنوسة!
ابتسام عبد الفتاح
3.7 مليون عانس فى مصر، هذا هو الرقم الرسمى الذى رصدته سجلات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن أعداد الفتيات اللاتى تخطين سن الخامسة والثلاثين دون زواج، وهو ما دفع العديد من الجهات، وفى مقدمتها المؤسسات الدينية، لإطلاق مبادرات لتسهيل وتيسير إجراءات الزواج، والحد من انتشار العنوسة بين الشباب، فالكنائس تنظم لقاءات أسبوعية للشباب للتعارف، وتعقد جامعة الأزهر ودار الإفتاء دورات تدريبية للشباب المقبلين على الزواج، وكلاهما يهدف لتدعيم الشباب بالمعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتكوين حياة زوجية وأسرية ناجحة.
يقول جون سامى خادم اجتماع شباب الكنسية بالكاتدرائية، إن اجتماع الشباب روحانى، حيث يتم فيه الصلاة، ومحاضرة عن «كيفية التعرف على البيت والعكس» وغيرها من الموضوعات التى تهم الشباب، والهدف من الاجتماع جمع أكبر عدد من الشباب من الفتيات والفتيان، حيث يصل عدد الشباب إلى أكثر من 300 شاب وفتاة، يحضرون من جميع الكنائس والمحافظات، وهى اجتماعات تحدث فى العديد من الكنائس وفى أيام مختلفة، فكنيسة وسط البلد تعقد لقاءاتها يوم الثلاثاء فى مقابل كنيسة شبرا يوم الجمعة، ويستغرق الاجتماع ساعتين ونصف الساعة، وهو فرصة لتبادل الحديث بين الشباب من فئات عمرية مختلفة بداية من 25 إلى 45 عامًا.
ويضيف جون: «أنا تزوجت من فتاة حضرت أحد هذه الاجتماعات، أعجبت بها ووجدت أن بيننا أشياء كثيرة متشابهة، فالهدف من الاجتماع تعرف الشباب على بعضهم البعض، وبالتالى يحدث العديد من الزيجات، لافتًا إلى أن هناك «جروب» على فيس بوك للتأكيد على مواعيد الرحلات والاجتماعات، كما أن هناك اجتماعات مخصصة تتم من أجل زواج أحد الشباب فيتقدم بطلب بمواصفات العروس ويترك رقم هاتفه ليتم الاتصال به فى حالة إيجاد المواصفات المطلوبة، وغالباً يكون مقدم الطلب شخصًا مسافرًا خارج مصر، ويبدأ التعرف بين العائلتين الأب والأم للفتاة وللشاب بكافتيريا الكنيسة.
ويضيف رامى رزق، أحد حضور الاجتماعات، أن القاعة تكون مقسمة لجانبين، جانب للشباب الراغبين فى الزواج، وآخر للفتيات الراغبات فى الزواج، وعادة يكون الشباب من خريجى الجامعات أو حاصلين على شهادة متوسطة، ويتم إقامة اجتماع يتم التحدث فيها عن «الزواج والارتباط»، ويتم إيضاح كيفية اختيار شريك الحياة وكيفية التعامل معه، وما يجب عليك عند إنجاب أول طفل.
وتابع: فى حالة إعجاب الشباب بفتاة من الحضور يبدأت تطبيق ما تم إيضاحه له من خلال محاضرات، بشكل عملى فيبدأ التعارف بينهما، فإن حدث قبول بينهما يستكملان إجراءات الزواج من مقابلة أهل العروس للاتفاق على ارتباطات الزواج، وإن لم يحدث القبول فكأن شيئاً لم يكن، مؤكدًا نجاح تلك الزيجات، لأن الجميع يلتزم بمقولة البابا شنودة: «عشر خطوبات فاشلين أحسن من جوازة فاشلة»، مشيرًا إلى أن هذه الاجتماعات أوصى بإقامتها البابا شنودة، ومازالت موجودة فى كل الكنائس.
إقرار كنسى حال تجاوز الفارق 10 سنوات
عن الإجراءات التى تقوم بها الكنيسة عند وجود فوارق، يقول رامى إنه عندما يكون هناك فارق بين الشاب والفتاة أكثر من 10 سنوات، يتم توقيع الطرفين على إقرار من الكنيسة يثبت موافقتهما على الزواج رغم معرفتهما بفارق السن، وفى حالة إعاقة أو مرض أحد الطرفين يتم إمضاء إقرار من الطرف الآخر بالموافقة على الزواج من الطرف المعاق أو المريض.
وأشار إلى أن الفتيات والشباب يلتقون فى اجتماعات الكنيسة لأداء الصلاء، والشاب يبحث عن زوجة، وحينما يعجب بفتاة وتعجب به يتواصل كل منهما مع الكاهن أو القس، يسأل كل منهما عن الآخر، فيوضح الكاهن عيوب ومحاسن الطرف الآخر، وببعض الحالات لا يتم سؤال الكاهن، حيث يقرر كل من الشاب والفتاة الارتباط، وهناك شباب يذهبون للكنيسة للبحث عن زوجة فقط، ولا يكون له كاهن يعترف لديه، فتوافق الفتاة عليه دون سؤال الكاهن إن أعجبت به.
وكشف رامى عن حالات الزواج الناجحة والفاشلة، قائلا: «ابن عمتى ذهب للاجتماع وتزوج من خلاله وهاجر وزوجته لأمريكا ويعيشان عيشة سعيدة، وشقيقه تعرف على فتاة من خلال جروب على فيس بوك وبعد الزواج اكتشف أنها كانت تحب شابًا آخر وعلى علاقة به استمرت بعد الزواج»، مشيرًا إلى أن دور الكنيسة لا يتوقف عند التعرف، بل هناك دورات للمقبلين على الزواج ما قبل الخطوبة، دورة فى الخطوبة، وأخرى أول سنة زواج، وللطفل الأول بعد الزواج.
واعظات يقمن بدور الخاطبة
الأمر لا يتوقف فى الكنيسة فقط، بل داخل العديد من المساجد تقوم الوعظات بدور «الخاطبة» من خلال «توفيق راسين فى الحلال»، تقول سامية باغر إحدى واعظات المساجد، إن هناك تزايدًا فى أعداد الأمهات اللاتى يطلبن عروسًا لابنها أو عريسًا لابنتها، نتيجة عدم وجود إقبال على الزواج كما كان سابقًا نتيجة الظروف المادية، إضافة إلى أن هناك أمهات لا يثقن فى اختيارات أبنائهم خاصة الفتيان، فتأتى الأم تطلب عروسًا متدينة وبنت ناس وانا أبحث لها من وسط الفتيات اللاتى يترددن على المسجد».
وتضيف: «كنت فى البداية أرفض التدخل فى ذلك الأمر خوفًا من مشاكل الارتباط، ولكن عندما رجعت لأئمة الأوقاف الذين أكدوا لى أن الجمع بين شباب المسلمين على الحلال شىء مستحب»، مؤكدة أن هناك فتيات يأتين للصلاة بالمسجد بهدف الزواج، وأحيانًا تأتى أم شاب تسألنى عن إحدى الفتيات، فكثير من الأمهات يخشين على أولادهم من العنوسة.
«هناك أمهات تقول لى لديها بنت عندها ثلاثين عامًا لم تتزوج لو تعرفى عريس ابن حلال ياريت».. بهذه الكلمات تكمل سامية تفاصيل دور واعظات المساجد، موضحة أن عددًا كبيرًا من الفتيات اللاتى يأتين للمسجد تجاوزن سن الثلاثين ولم يتزوجن، أغلبهن حاصلات على مؤهلات عليا، ولديهن قدر كبير من الجمال، مشيرة إلى أن المسجد مكان مناسب لتجمع الفتيات اللاتى لديهن قدرة كبير من الأخلاق والتدين بالتالى أمهات الفتيان يكون لديهن رغبة كبيرة فى اختيار شريكة ابنها من المسجد.
وأشارت إلى أنها تقدم محاضرات للفيتات عن الحياة الأسرية وكيف تسطيع الفتاة اختيار شريك الحياة، مؤكدة أن التعارف يجب أن يكون أمام الأهل، كما تقدم نصاح للأمهات بكيفية اختيار شريكة الحياة المثالية لابنها، مشيرة إلى أن دور المسجد لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن هناك جمعيات تابعة لوزارة الأوقاف متخصصة فى تقديم مساعدات عينية للفتيات المقبلات على الزواج، فبمجرد تقديم الفتاة لوثيقة زواجها وإثبات أن حالتها الاجتماعية تحتاج للمساعدة يتم توفير ما ينقص جهازها.
من جانبها، تؤكد الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة، بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، أن الوعظات لهن دور كبير فى مهمة الزيجات بين الفتيات اللاتى يترددن على المساجد، فهن قادرات على الحد من نسبة العنوسة، مشترطة أن يكون ذلك بشكل ودى، وليس معلنًا فى خطب المساجد.
نسب نجاح الزيجات متساوية
وقالت الدكتور سامية خضر أستاذة علم الاجتماع: إن نسب نجاح الزيجات عن طريق الكنائس والمساجد لا تختلف كثيرًا عن نسب نجاح زواج الصالونات، حيث يتعرف الطرفان على بعضهما بشكل صحيح قبل الارتباط، مبررة لجوء الفتيات والشباب للكنيسة والمسجد بأنها محاولة لإيجاد عريس وعروس يناسبها من حيث المستوى المادى والاجتماعى والدين، فهناك شباب يفضلون الفتيات المتدينات وهكذا فتيات يفضلن الشباب المتدين.
وأكدت أن نجاح مثل هذه الدور للمساجد والكنائس بسبب تعقد المجتمع وغياب العلاقات المباشرة التى كانت موجودة فى السابق والتى كان من خلالها يتم التعارف بين الفتيان والفتيات، موضحة أن مجتمع الكنيسة والمسجد توجد بهما نفس مميزات وعيوب الخاطبة، ومجتمع الصالون، وهى الوجه الخارجى فقط للطرفين، لا يوجد احتكاكات مباشرة بسبب قصر فترة التعارف والزواج يتم بشكل سريع، حتى الاختلافات تكون على اتفاقات الزواج وليس على الطباع والاهتمامات الشخصية، بالتالى يكون تعارف الطرفين بعد الزواج وليس قبله.
وكشفت عن أن سبب لجوء الفتيات إلى اجتماعات الكنائس والأحاديث بالمساجد، للخوف من سؤال المجتمع والذى ينظر إلى الفتاة غير المتزوجة بصورة فيها شيء من الدونية، مما يمثل عبئًا نفسيًا كبيرًا عليها، لافتة إلى أن هناك بعض الفتيات يفضلن لقب مطلقة على بقائهن دون زواج، حيث يحاولن كسر طوق النجاة من العنوسة بأى طريقة سويًا بالمساجد والكنائس.
الأوقاف: تكوين الأسرة في مقدمة أولوياتنا
قال الداعية الشيخ أحمد ترك، مدير المساجد بالأوقاف، إن وزارة الأوقاف، على قائمة أولوياتها تكوين العائلات، لذلك فهناك تعليمات من الأوقاف أن تكون الخطب والأحاديث داخل المساجد حول كيفية تكوين عائلة، وكيفية اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة، إضافة إلى وجود دورات تدريب للواعظات ولأئمة المساجد عن كيفية تأهيل المقبلين على الزواج، موضحا أن المساجد أصبح لها دور كبير فى هذا الشأن.. وهناك اجتماعات تتم داخل المساجد من خلال الوعظات مع البنات المقبلات على الزواج تتم بشكل شهرى على أن يكون الاجتماع لحضور الدروس وحلقة المناقشات.. فكل الأمور من أول اختيار الزوج حتى كيف تستطيع تربية الطفل، مشيرا إلى أن الفتيات يفضلن الحديث عن قصصهن ورغباتهن الخاصة مع الوعظات بالمساجد أكثر من الحديث مع أمهاتهن، موضحا أن وزارة الأوقاف تحث الوعظات على الانتظام فى تلك الدروس.
وأضاف أن هناك دروسا خاصة مع شباب بالمساجد لحثهم على الزواج، خاصة مع انتشار ظاهرة عزوف الشباب على الزواج فى الآونة الأخيرة.
وتابع: إن هناك مساعدات تقدم بالمساجد للشباب المقبلين على الزواج الذين لديهم ظروف مادية صعبة حتى لا تصبح عائقا أمامهم فى الزواج.
وأشار إلى أن هناك تعاونا بين وزارة الأوقاف ودار الإفتاء والأزهر الشريف من خلال عمل دورات تأهيل للمقبلين على الزواج بهدف الحد من حالات الطلاق المتزايدة فى الفترة الأخيرة، فقد نجحت تلك الدورات خلال 3 سنوات فى تأهيل أكثر من 50 ألف شاب وفتاة، وفى 8 محافظات حتى الآن.











