الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الكابوس !

الكابوس !
الكابوس !


لم يكن جمال عبدالناصر مجرد خصم أو عدو للكيان الصهيونى بل كان كابوسًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى حتى إنه وبعد وفاته انهالت عبارات الرثاء التى ودع بها زعماء وملوك وأمراء العالم كله الزعيم الراحل، حيث اعتبر الجميع الأمر خسارة فادحة، إلا وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان الذى قال عن جمال عبدالناصر: «كان ألد أعدائنا وأكثرهم خطورة على دولتنا ووفاته عيد لكل يهودى فى العالم»، فيما وصف حاييم بارليف رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى رحيله قائلا: «بوفاة جمال عبدالناصر أصبح المستقبل مشرقا أمام إسرائيل وعاد العرب فرقاء كما كانوا»، بل وقامت الحكومة الإسرائيلية حينها، برئاسة «جولدا مائير» بعقد اجتماعين بشكل خاص حول رد الفعل العربى على وفاة ناصر.

فحسبما نشرت مدونة «إسرائيل دوكيومنتس»، التابعة لـ«أرشيف حكومة إسرائيل»، أنه فى بداية الاجتماع الإسرائيلى الذى عقد يوم 29 سبتمبر 1970، قام رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حينها «أهارون ياريف» بدراسة الوضع فى مصر «لكن لم ترفع السرية عن هذه الوثائق».
ومن جانبه أشار رئيس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلي، الذى كان يعرف باسم وزير الشرطة الإسرائيلية «شلومو هليل» إلى الاضطرابات التى شهدتها القدس الشرقية، حيث أغلقت جميع المحلات التجارية، وأوقفت الطرق، لكن الشرطة الإسرائيلية فرقت جميع المظاهرات. كما كان «هيليل» يشعر بالقلق إزاء يوم جنازة «ناصر»، الذى تزامن مع السنة اليهودية الجديدة، والحوادث المحتملة التى قد تحدث بين احتفالات اليهود، وحزن العرب هناك على القائد المصرى الذى كان يحارب لأجل قضيتهم، وقضية الوحدة العربية.
أما على مستوى بقية الوزراء الإسرائيليين، فكان بعضهم مستعدًا بالسماح للعرب فى الأراضى المحتلة، بالذهاب إلى «القاهرة» للمشاركة فى الجنازة، فقال «شمعون بيريز» الذى كان وزير المواصلات والنقل حينها، إن الحكومة الإسرائيلية يجب أن تظهر فى صورة «السخاء».
كما أعربت رئيسة الوزراء «مائير» نفسها عن تفضيلها السماح بفكرة الحداد، طالما لن تؤدى إلى العنف، مضيفة أن رئيس الكيان الصهيونى «زلمان شاذار» لا يمانع بالإدلاء ببيان إذاعى عن وفاة «ناصر». لكن وزير السياحة الإسرائيلى «موشيه كول» اعترض قائلاً إنه لا يوجد سبب لإظهار الكرم تجاه «عبدالناصر». بينما كان رأى وزير الداخلية الإسرائيلى حينها «يوسف بورج» أنه من الضرورى أن يتناولوا هذه المسألة بدون خداع وبدون نفاق!!
فى نهاية المطاف اتفق الجميع أن «عبدالناصر» كان قائداً عظيماً، لكنه «أهدر» جهوده فى محاولة تدمير إسرائيل. وعليه وافقت الحكومة الإسرائيلية بقيادة «مائير» أنه لا ينبغى لها، أو لـ«شازار»، أو  أعضاء الحكومة الإسرائيلية إصدار أى إعلان.
وأخيراً ذكر الموقع أن معظم الإسرائيليين اعتبروا أن رحيل «ناصر» عن المشهد سيكون نعمة لإسرائيل، لأنهم كانوا يدركون جيدا مدى قوته لتحقيق الاستقرار!!
ليس من المستغرب أن يكره الكيان الصهيونى «عبدالناصر» القائد كونه من أكبر أعدائهم.. لكن كيف تشكلت رؤية قيادات إسرائيل لناصر.. وما هى رؤيتهم الحالية للزعيم المصرى الراحل؟!
بدأ الأمر حسبما أكدت جريدة «هآرتس» عندما وقف الرئيس المصرى بجانب فلسطين عام 1948 مشيرة إلى تعجب القيادات الإسرائيلية حينها، من صمود وحدته فى الجيش، والتى تعد واحدة من الوحدات القليلة التى تمكنت من البقاء لمدة أربعة أشهر تحت الحصار فى «الفالوجة»، بالقرب من «غزة».
أما أكثر ما أغاظ القيادات حقاً وفقاً للصحيفة الإسرائيلية، فكان اعتزاز «عبدالناصر» ببلاده وثقته بالجيش، والتى جعلته دائما لا يرى أى انتصار لإسرائيل، كانعكاس لضعف بلاده. والدليل هو عودته إلى مصر مباشرة، وبدأ على الفور، هو ورفاقه بالتصرف بشكل ملموس، تجاه رؤيته لتغيير النظام الملكي.
وأكدت الجريدة أن «ناصر» وصف حينها، ومازال أحياناً من قبل دول الأعداء بـ«صاحب الروح الشريرة»، نتيجه لأنه وجه مسار «مصر»، لتكون أكثر استقلالية من «المملكة المتحدة، وفرنسا»، والحكومة الإسرائيلية.
يذكر أن الإعلام الإسرائيلى بمختلف أنواعه اتفق على هذا الشكل من الحديث، أثناء تناولهم التقارير، والأبحاث التى تدور حول ثورة 23 يوليو 1952 والتى رأوها سبب مشاكل كبيرة لهم، لم تكن فى حسبانهم.
وحسب تأكيد العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين، فإنه لولا قيام تلك الثورة، لما قامت الحروب التى شنت فى الأعوام التاليه بعدها. مؤكدين أنه نتيجة لأعمال الزعيم الراحل، بات يؤرق الصهاينة دائماً كابوس عودة المصريين، والعرب لتذكرهم هذا العهد الذى ملأته روح الوحدة العربية.
ورأوا أيضاً أن «مصر» تحت حكم «جمال عبدالناصر»، شكلت الرأى العام العربى وتوجهاته، عندما كانت «القاهرة» عاصمة للشرق الأوسط.
كما أظهرت مصر، بل وعلَّمت أيضاً العديد من الدول، كيف يمكنها كبلد نامِ، بهذا العدد الكبير من السكان، المثابرة والصمود، ومواجهة التحديات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية الهائلة، التى كانت تعترض طريقهم.
واتفقت أيضاً أغلب الصحف، والمعاهد البحثية الإسرائيلية، على أن الكيان الصهيوني، بمساعدة الغرب، حاولوا بشتى الطرق كسر نظام «ناصر». موضحين أن سقوطه كان أمراً من المفترض أن يكون مؤكداً، كيفما خططوا جيداً فى كل مؤامرة نفذوها ضده!!
وبالفعل تحدثت جريدة «هآرتس» فى تقرير آخر لها، حول «عبدالناصر» بلسان حال أغلب الإعلام الإسرائيلي، والذى يعبر عن القيادة الصهيونية، التى دائماً ما صرحت بأنه، على الرغم من كرههم الشديد وحنقهم من «ناصر» لوقوفه ضدهم، ومع القضية الفلسطينية، إضافة إلى صموده القوي، إلا أنهم لم يستطيعوا إخفاء إعجابهم الشديد به كقائد عربى قوي.
فأشارت الجريدة أولاً، إلى أنه لا يوجد دليل على أن الرئيس المصرى كان مدفوعاً ضد اليهود، أو أنه كانت لديه رغبة فى القضاء عليهم، لكن ما كان يثير حفيظة الحكومة الإسرائيلية، هو وقوفه ضد الحركة الصهيونية.
كما أكدت الصحيفة أنه سيكون من الصعب جداً على الكيان الصهيوني، رفض ما حدث فى عام 1952 والتى اعتبروها، أو نشروا عنها ادعاءات كأنها «انقلاباً».
ثم أضافت أنه حتى إذا سلمنا بادعاءات السياسيين، والمحللين الإسرائيليين، بأنها مؤامرة عسكرية بحتة تفتقر إلى الدعم الشعبي، أو كانت بمشاركة شعبية، فمن الصعب شطب الخلية السرية، التى كانت تعرف باسم «الضباط الأحرار»، بقيادة «جمال عبدالناصر» الكاريزمية، واستجابته للشعور الشعبى ضد نبلاء السرايا، ونفوذ الاحتلال البريطانى من التاريخ.
وادعت أيضاً أنه على الرغم من أن صورته السلبية، خضعت لمراجعة كبيرة لإعادة وجهات النظر فى أوروبا، وفى إسرائيل، إلا أن «ناصر» كان، ومازال يعتبر على نطاق واسع، يذكر باسم «هتلر على النيل».
ومن جانبه ذكر معهد «بيجن-السادات» الإسرائيلى للدراسات الاستراتيجية منذ شهر مايو السابق، فى تقرير كتبه مدير الدراسات الإقليمية بكلية «دانيال مورجان» للدراسات العليا للأمن القومي، الدكتور «مايكل شارنوف»، أنه منذ تولى الزعيم «جمال»، أصبحت «القاهرة» العاصمة السياسية للشرق الأوسط فى الخمسينيات والستينيات. كما عبر عن إعجابه بشخصيته القيادية، فكتب: «كان الرئيس المصرى الراحل، الحاكم الأكثر تميزاً فى المنطقة، وكاد يكون زعيماً بلا منازع فى العالم العربي».
ثم أضاف أن «ناصر» كشف بشكل صريح عن رؤيته لمصر، باعتبارها نفوذاً جيوستراتيجياً فريداً فى العالم الأفريقي، والعربي، والإسلامي، مما أثار قلق صناع القرار فى الحكومة الإسرائيلية. خاصة عندما أعرب أن «مصر» كانت متجهة للعب دور محورى فى الشئون العربية.
ففى البداية، كان مهتماً بالدرجة الأولى بتوطيد السلطة، وطرد البريطانيين من مصر، الداعم الرئيسى للكيان الصهيونى حينها.
ثم رأوا مدى دفاعه عن العروبة، بعد استقرار حكمه من خلال قمع أعضاء جماعة «الإخوان»، كتكتيك استراتيجى لتوحيد العالم العربى تحت قيادته. فكانت العروبة إيديولوجية تنادى بالوحدة العربية، والتحرر من السيطرة الأجنبية، وتحرير فلسطين.
وعليه فكرت الاستخبارات الإسرائيلية حينها بتنفيذ عملية لكسر عزيمة «عبدالناصر».
فذكرت جريدة «هآرتس» فى هذا السياق، أن قادة الكيان الصهيوني، تعجبوا من صمود ناصر، وصلابته أثناء «فضيحة لافون»، التى حدثت عام 1954 عندما أُرسل عملاء إسرائيليون للقيام بعمليات تخريبية إلى مصر، للهجوم على مصالح أمريكية، وبريطانية، مضيفة أن تلك العملية لم تفقده عزمه أبداً.
يذكر أن «فضيحة لافون»، هى عملية سرية إسرائيلية فاشلة، اكتشفتها السلطات المصرية، وسميت باسم «فضيحة لافون»، نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك «بنحاس لافون»، الذى أشرف بنفسه على تخطيط العملية، كما كانت تعرف باسم «عملية سوزانا».
كما كان الهدف منها أيضاً، هو منع التوصل إلى اتفاق إنجليزي-مصرى حول إخلاء القوات البريطانية من منطقة قناة السويس، ونقل القناة تحت سلطة مصر، فتم زرع بعض القنابل، ولكن الضرر كان ضئيلاً. وبعد أن انفجرت قنبلة فى جيب أحد الوكلاء، ألقى القبض على أعضاء الحلقة.
وأكدت الصحيفة أنه نتيجة لعدم اهتزاز ثقة «عبدالناصر»، وقع «بن جوريون» الذى استلم رئاسة الوزراء الإسرائيلية عام 1955 على رسم خريطة «بلدته الصغيرة»، وتنفيذ خطة الهجوم الثلاثى إلى جانب «فرنسا، وبريطانيا»، أى العدوان الثلاثى على مصر. وأوضحت أن هذا الهجوم نفذ لمعاقبة ناصر شخصياً، على تأميمه «قناة السويس» عام 1956 وارتفاع نجمه السياسى بشكل كبير.
وبالرجوع لموقع «بيجن-السادات»، أضاف أنه رغم تلك الضربة الثلاثية، ظل «عبدالناصر» صامداً بعزيمة غير عادية، وصار يفكر ويساهم فى استقلال العرب، والمناداة بحريتهم، وتحقيق حلم الوحدة العربية، التى كانت مبدأه الأساسي، إضافة إلى أنه أصبح بطلاً مناهضاً للاستعمار فى أعين العالم العربي، وكثير من البلدان النامية، مما أثار غيظة، وخيفة الحكومة الإسرائيلية مرة أخري.
فقامت حرب 1967 والمعروفة عند المصريين باسم «النكسة»، وعند الإسرائيليين باسم «حرب الستة أيام»، لتحطيم الحلم العربى نهائياً، وهى الحرب التى فقدت «مصر» فيها شبه جزيرة «سيناء»، وقطاع «غزة». لكنه فى الوقت نفسه أوضح مدى انبهار القادة السياسيين الإسرائيليين حتى الآن، من قدرة «عبدالناصر» على تحويل هذه الهزيمة العسكرية إلى انتصار سياسى مذهل، من خلال مهارته الفائقة واستخدامه دبلوماسية لا مثيل لها فى «الأمم المتحدة»، لنيل إعجاب «موسكو»، والغرب، إلى جانب نجاحه المذهل فى إعادة بناء الجيش المصري، والحفاظ على مكانته القيادية الفريدة فى العالم العربي.
كره الصهاينة ناصر الذى ظل متحدياً الغرب بشكل عام، وإسرائيل بشكل خاص، واستطاع تخطى كل الصعوبات التى مرت بها بلاده، على الرغم من فقدانها أراضي، ومعاناتها من أوضاع اقتصاد سيئة حينها، نتيجة لانهيار السياحة، وإغلاق قناة السويس، بعد الحرب.
فحسبما نشر الموقع، خسرت مصر 30 مليون دولار فى الشهر الواحد، لضياع عائدات القناة، إضافة إلى خسارتها 1.5 مليون دولار كل أسبوع لتوقف السياحة. بينما ظلت القناة مغلقة حتى عام 1975 عندما انسحبت القوات الإسرائيلية.
ويؤمن الكيان الصهيوني، أنه لا يمكن لأى زعيم عالمى كبير، أن يطعن فى شعبية الرئيس المصرى الراحل «جمال عبدالناصر»، المتزايدة حتى الآن. وظهر هذا الكلام داخل صفحات الصحف الإسرائيلية التى تناولته بأشكال متنوعة، سواء بالإعجاب، أو الغيظ الواضح. كما علق أغلبهم على شخصية ناصر القيادية المحبوبة، عندما تم استضافته فى عدة دول، باعتباره بطلاً فى قضية عدم الانحياز، وحينما قابل قادة آخرين معادين للإمبريالية، مثل: «جوزيف بروز تيتو» فى «يوغوسلافيا، و«جواهرلال نهرو» فى «الهند»، و«نكروما» فى «غانا»، وغيرهم. بينما رأت بعض الصحف أنه منذ توفى ناصر، حاول زعماء عرب آخرون، مثل: «القذافي، والأسد، وصدام» تكرار نجاحاته، ولكن لم يكن لدى أى شخص منهم كاريزما عبدالناصر، لتشكيل الرأى العام، واستخراج تنازلات من «واشنطن، وموسكو». 