الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المصالحة بطعم النصر

المصالحة بطعم النصر
المصالحة بطعم النصر


فى القاهرة.. جلس الطرفان الرئيسيان على الساحة السياسية الفلسطينية (فتح وحماس) على مائدة المفاوضات، ومن العاصمة المصرية صدر البيان المشترك الذى يحسم الكثير من الملفات العالقة بين الطرفين. انتقلت أوراق اللعبة على مدار السنوات الماضية بين عدد من العواصم العربية وغير العربية، حتى اقتنع الجميع بأن كل الطرق تؤدى إلى القاهرة.

اجتازت مصر خطوة كبيرة فى طريق إعادة اللحمة إلى الصف الفلسطينى وإنهاء حالة الانقسام التى استمرت 11 عاماً، ولاقى اتفاق المصالحة الذى وقعت عليه فتح وحماس بحضور الوزير خالد فوزى رئيس المخابرات العامة  المصرية ترحيبا شعبيا داخل فلسطين إذ أنه وضع إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطنى من ممارسة مهامها والقيام بمسئولياتها الكاملة فى إدارة شئون غزة كما فى الضفة الغربية مع العمل على إزالة جميع المشاكل الناجمة عن الانقسام.
ما يميز الدور المصرى فى إتمام المصالحة، هو أن القاهرة نجحت فى رسم خارطة طريق للملفات العالقة لترتيب البيت الفلسطينى من الداخل على أساس اتفاق القاهرة 2011، ونقل حالة التوافق بين الفصائل للشارع الفلسطينى، بما يصب فى النهاية لصالح القضية الفلسطينية ومواجهة التحديات الإسرائيلية والأمريكية الخاصة بإنهاء عملية السلام.
مصر بدورها أزاحت قوى دولية وأطرافا خارجية سعت دومًا لاستغلال حالة الانقسام الفلسطينى لصالحها وعلى رأسها إيران وتركيا وقطر، لكن فى نفس الوقت ينتظر الشعب الفلطسينى ثمار تلك الجهود، فى ظل ما يواجه من تردٍ للأوضاع السياسية وانهيار فى قطاع الخدمات، خاصة أن مناخ المصالحة من شأنه أن يؤثر إيجابيًا على وضع الاقتصاد الفلسطينى.
 بيان القاهرة
نص الاتفاق الذى وقعت عليه فتح وحماس على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطنى من ممارسة مهامها والقيام بمسئوليتها الكاملة فى إدارة شئون قطاع غزة كما فى الضفة الغربية بحد أقصى 1 ديسمبر مع العمل على إزالة جميع المشاكل الناجمة عن الانقسام.
وفى إطار حرص مصر على وحدة الصف الفلسطينى وجهت مصر الدعوة لعقد اجتماع بالقاهرة 21 نوفمبر لكافة الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق الوفاق الفلسطينى فى 4 مايو 2011.
وتوافق قيادات الحركتين خلال المفاوضات على تسليم مسئولية معبر رفح لحكومة الوفاق الفلسطينية وتولى الحرس الرئاسى إدارة المعبر بالتنسيق مع مصر.
أهمية مفاوضات القاهرة بدت فى مستوى المشاركة حيث ترأس وفد حركة فتح عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية للحركة ومسئول ملف المصالحة، واللواء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية.
فى حين ترأس وفد حماس صالح العارورى، نائب رئيس المكتب السياسى، ويحيى السنوار، قائد الحركة فى غزة.
ولأول مرة أصدرت حركتا فتح وحماس بياناً مشتركا منذ أكثر من عشرة أعوام، صدر فى اليوم الأول من المفاوضات، وعبر البيان عن الروح الإيجابية للحوار ومدى المرونة فى تناول القضايا المختلفة، فضلا إظهار حقيقة الجهد المصرى المؤثر فى إنجاز ملف المصالحة.
لكن ما يميز مفاوضات القاهرة أنها تناولت عددًا من الملفات محل الخلاف بين الجانبين وكفيلة بإتمام المصالحة على الأرض، وفى مقدمتها ملفات الانتخابات والقضاء والأمن ومنظمة التحرير والرؤية السياسية وكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية من حيث قرار السلم والحرب وشكل المقاومة بحيث يكون قرارا وطنيا وليس فصائليا.
  ترحيب فلسطيني
رحب الشارع الفلسطينى بجهود إتمام المصالحة الفلسطينى، وهو ما عبر عنه السفير الفلسطينى بالقاهرة جمال الشوبكى فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف» قال فيها إن اتفاق المصالحة إيجابى ويفتح صفحة جديدة بين حركتى فتح وحماس وتعود نتائجه بالتأكيد لصالح الشعب الفلسطينى، لأنه يمكن السلطة الفلسطينية من ممارسة مهامها على كل الأراضى الفلسطينية.
وأوضح أن الروح الإيجابية التى خرجت بها نتائج مفاوضات القاهرة ستنعكس على اجتماع باقى الفصائل الفلسطينية فى اجتماع شهر نوفمبر المقبل، وأنه تستجيب الفصائل لاتفاق القاهرة 2011 لأن هذه رغبة الشعب الفلسطينى.
ووصف الشوبكى الدور المصرى بالمميز وقال إن ما تفعله مصر جهد له تقدير واحترام خاصة أن مصر وضعت كل ثقلها لإنهاء حالة الانقسام وإنجاح المصالحة.
وحول الاختلاف فى جهود المصالحة التى ترعاها مصر هذه المرة وأدت لنجاحها ، قال السفير الفلسطينى أن هناك عوامل كثيرة لنجاح المصالحة منها قناعة الشعب الفلسطينى، وأيضا نتائج إدارة حماس لقطاع غزة والتى أدت إلى تزايد معاناة الفلسطينيين بالقطاع بالإضافة للجهد المصرى المميز.
خارطة طريق مصرية
اتفاق المصالحة قرر عقد جلسة مع جميع الفصائل الفلسطينية الموقعة على بيان القاهرة 2011 الذى يستهدف ترتيب البيت الفلسطينى من الداخل فى إطار شرعى يبدأ بممارسة  السلطة الفلسطينية السيادة كاملة على كافة الأراضى الفلسطينية مع الترتيب لانتخابات عامة تجرى العام المقبل، وتنظيم إدارة المعابر فى يد السلطة.
وقدم هذا الاتفاق نموذجا للتوافق بين الفصائل الفلسطينية، حيث قدم رؤية تطلب تشكيل لجنة لمناقشة إعادة هيكلة منظمة التحرير والمجلس الوطنى الفلسطينى، وتشكيل مجلس أعلى للأمن لمعالجة القضايا ذات الصلة بقوى الأمن التابعة للفصائل والتى وفقا للورقة المصرية يجب أن يتم توحيدها فى قوة أمنية «مهنية» متكاملة، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مؤقتة مكونة من مرشحين مستقلين يمتلكون مؤهلات وطنية ومهنية يتفق عليها كلا الطرفين.
المكاسب المصرية من إنجاز ملف المصالحة لعل أبرز ما فيه تأمين الحدود الشرقية وتجفيف منابع الإرهاب فى سيناء واستعادة دورها الفاعل فى القضية الفلسطينية، وعملية السلام.
لكن فى نفس الوقت أنهت مصر بدورها تدخلات إقليمية وخارجية خاصة من إيران وتركيا وقطر فى الملف الفلسطينى، بعد سنوات من الدعم المباشر من تلك الدول لحركة حماس فى القطاع مستغلة حالة الانقسام الفلسطينى فى تحقيق مصالحها الشخصية.
يبقى الجانب الأمنى المصرى على حدود قطاع غزة، حيث توفر المصالحة الفلسطينة صياغة استراتيجية أمنية من شأنها أن تساهم فى تجفيف منابع البؤر الإرهابية بسيناء وتوقف الدعم المتواصل الذى كانت الجماعات والتنظيمات الإرهابية تعتمد عليه فى عملياتها الإرهابية بسيناء، إلى جانب المساعدة التى تقدمها حماس للجانب المصرى بشأن خريطة تحركات بعد التنظيمات.
 ملفات شائكة
السؤال الآن.. ماذا بعد؟.. لعل هذا الاستفهام ما يفرض نفسه لاستقراء المشهد الداخلى فى فلسطين، ومسار القضية الفلسطينية فى حالة عمل جميع الفصائل تحت لواء السلطة الشرعية، والمكاسب المصرية فى ضوء دور تاريخى ليس بجديد على الدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية أملا فى تحقيق السلام.. كل هذا يشكل ملامحه حسم الموقف من عدد من الملفات والقضايا المهمة نستعرضها فيما يلى.
1 - ملف السلاح: ويمثل ملف «وحدة السلاح» فى قطاع غزة أصعب الملفات الشائكة فى قضية المصالحة والمطروحة على أجندة التفاوض خاصة فى ظل حرص حماس على استمرار سلاح المقاومة، وعدم قبول السلطة، بقيادة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن هذا الأمر.
الموقف نفسه عبر عنه إسماعيل هنية عندما قال أن هناك نوعين من السلاح فى غزة، سلاح الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن الحكومية وسلاح المقاومة.
2 - نجاح حكومة الوفاق فى مهامها: تواجه حكومة الوفاق الوطنى تحديات عدة أمام فرض سيطرتها وسيادتها على مختلف القطاعات الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، فالحكومة تسلمت مهامها بغزة فى وقت يعانى منه القطاع من تراجع حاد للخدمات وخاصة أزمة انقطاع الكهرباء المتفاقمة.
يضاف إلى ذلك ملف الموظفين وقدرتها على دمج الموظفين بمختلف الوزارات، وملف المصالحة المجتمعية والبحث عن موارد اقتصادية جديدة تلبى بها الحكومة مطالب الفلسطينيين.
3 - توحيد الرؤية الفلسطينية: الهدف الأساسى من كل هذه الجهود هو توحيد الصف الفلسطينى تحت لواء رؤية واحدة لعملية السلام يمكن من خلالها للأطراف الإقليمية والدولية الضغط على الجانب الإسرائيلى لإنجاز السلام.
ورغم أن المراجعات التى قدمتها حركة حماس تضمنت تأييد إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، يبقى التحدى الأهم هو صياغة موقف موحد فى ضوء مبادرة السلام العربية الداعية لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.
4 - الانتخابات الفلسطينية : ويظل ملف الانتخابات العامة تحديا أمام الفصائل الفلسطينية ، فقد وافقت حماس على إجراء انتخابات فى وقت تراجعت فيه شعبية حركتى فتح وحماس فى الشارع الفلسطينى بسبب حالة الانقسام السنوات الماضية.
ورغم أن حماس بقبولها المصالحة وحل اللجنة الإدارية قد ألقت بملف الأزمات الإدارية والوظيفية على كاهل حكومة الوفاق الوطنى والسلطة الوطنية، يبقى التحدى الأبرز هو قبول كل طرح بالنتيجة خاصة إذا ما حققت الانتخابات أغلبية لطرف على حساب الآخر يمكنه من إدارة السلطة.
وفى هذا الإطار لا يمكن إغفال الصراعات الداخلية بفتح وحماس فى ظل تحفظات بعض قيادات حماس على رؤيتها الجديدة وتنامى دور جماعة محمد دحلان بفتح، رغم الروح الإيجابية المسيطرة على الفصائل الفلسطينية بعد اتفاق المصالحة.