الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

نهاية أردوغان تبدأ من الخليج

نهاية أردوغان تبدأ من الخليج
نهاية أردوغان تبدأ من الخليج


على مدار الـ 26 عاماً الماضية تمكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، من التغلب على منافسيه وخصومه فى الداخل التركى واحداً تلو الآخر، تارة بتعديلات فى الحزب أو فى الدستور، وتارة أخرى بعمليات نفى سياسى إلى «مناصب» رسمية شكلية ومؤخرا بتنفيذ اعتقالات وإعدامات بحق معارضيه.

أردوغان الذى يبدو الآن محاصراً بالكثير من الخلافات مع جيرانه الأوروبيين، وبخسائر متوالية فى كل من سوريا والعراق  وبأزمة الحليف المنفلت «قطر»، يقف اليوم فى مواجهة مباشرة مع قطاع عريض من وسائل الإعلام، وقطاع لا بأس به من المعارضين السياسيين، فضلا عن قطاع أعرض من النخب الثقافية والفنية، وفوق ذلك كله قطاعات عريضة من الجماهير التى تجد وسائل شتى للاحتجاج عليه، فى وقت تشهد فيه علاقته بأمريكا الحليف الاستراتيحى لتركيا لأكثر من 7 عقود حالة من الشد والجذب بالتزامن مع غضب أوروبى غير مكتوم لأسباب متعلقة بالقضاء على العلمانية وترسيخ الديكتاتورية، ومصادرة الحريات، والاستمرار فى فرض الأحكام العرفية، وتقويض الإرث الديمقراطى الليبرالى فى البلاد.
سياسات الرئيس التركى الخارجية المتعارضة فى معظم الأحيان مع مصالح بلاده، فى كل من فلسطين وسوريا  والعراق، مروراً  بمصر، وانتهاء  بالدعم والانحياز الكامل لقطر فى أزمتها الأخيرة والتى خلفت توترا مع حلفاء استراتيجيين فى منطقة الخليج  باتت عقبة أساسية من شأنها أن تهدد مستقبل أردوغان كرئيس وتضع تركيا أمام مفترق طرق على الصعيدين الداخلى والخارجى.
التوقيت السياسى لجولة خليجية قام بها أردوغان، خلال هذا الأسبوع كان لافتا إذ تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الزيارة جاءت فى وقت بات الداخل التركى على فوهة بركان، وليس صحيحاً أن الشعب التركى سيرضخ لرئيس يستحوذ على الكثير من الصلاحيات،  فأردوغان  يريد أن يعيد تقديم الدور التركى فى الإقليم  للتخلص من المشكلات الداخلية التى تواجه نظام حكمه بالقفز على تلك المشكلات والصراعات مع معارضيه بالداخل إلى محاولة تحقيق مكاسب على المستوى الخليجى وتحديدا بركوب الأزمة الخليجية.
 نجاح أردوغان فى جولته وإعادة تدوير الدور التركى فى الخليج مرة أخرى بمحاولة التقارب مع الجانب السعودى بعد توتر فى العلاقات شهدته الأسابيع الماضية من الأزمة  كان يعنى إنقاذ تركيا من كارثة مالية واقتصادية متوقعة فالصادرات التركية إلى السعودية والإمارات وصلت إلى نحو 8.6 مليارات دولار فى العام الماضى، وهو ما يقارب 20 ضعف ما استوردته قطر منها وهى مهددة فى ظل تمسك أردوغان بعلاقته القوية مع قطر.
الاحتفالات الحاشدة لأنصار أردوغان ومؤيديه بالذكرى الأولى لفشل الانقلاب فى قلب العاصمة أنقرة لن تزيل أو حتى تخفف من  الضبابية المتزايدة التى تحيط بالمشهد السياسى التركى ولن تخفى حقيقة مخاطر تقويض الديمقراطية على مستقبل تركيا الاقتصادى والذى حذر منه قطاع الصناعة الألمانى أنقرة مؤخراً بعدما تلقت ألمانيا 3000 طلب لجوء سياسى من مواطنين أتراك حتى يوليو الجارى.
فى وقت ينظر فيه الشركاء الأوروبيون إلى تركيا بأنها صارت دولة مقسمة ومصدومة بالانقلاب الفاشل الذى اتهم به أردوغان رجل الدين المنفى فتح الله جولن وأتباعه، وأن النظام فيها مستمر فى عمليات الإغلاق والاحتجاز وإصدار مذكرات التوقيف وإن الخطابات الحكومية تزداد صرامة وتعصباً منذ الانقلاب، يحاول أردوغان تحقيق مكاسب سياسية خارجية بالركوب على الأزمة الخليجية الأخيرة.
المصادر الدبلوماسية تؤكد أن أردوغان لم يفلح فى استعادة دفء العلاقة مع الخليج ولن يجد آذانًا صاغية فى أوساط مضيفيه  وخصوصًا المملكة العربية السعودية، بعدما بلغت العلاقات المصرية الخليجية أوج تألقها فى الفترة الأخيرة وتبلور ذلك فى القرارات الأخيرة إزاء قطر مقابل استبعاد تركيا كوسيط رئيسى فى الأزمة  بسبب دعمها الثابت للدوحة وكونها المعقل الرئيسى والعقل المدبر  للإخوان العدو المشترك للدول الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
من جانب آخر، ترى تلك المصادر وإن علاقات أنقرة مع الولايات المتحدة وان كانت تشهد تجاذباً وتبايناً فى أغلب الأحيان منذ أواخر عهد أوباما ولكنها تمضى فى إطار المصلحة المشتركة، فالجانب الأمريكى المعترض على أى تطوير لأى دور تركى فى قطر لم يعترض على إرسال وحدات تركية إلى القاعدة العسكرية فى الدوحة واستمرار إرسال تلك الوحدات وعدد من الخبراء والمستشارين الأتراك إليها مادامت ستعمل تحت مظلة قاعدة العديد الأمريكية وخبرائها بمعنى أن قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية سوف تكون مراقبة ومتابعة للوجود التركى فى قطر.
أما بالنسبة لأوروبا التى كشفت الوجه الآخر لأردوغان من خلال وثيقة ألمانية سربتها القناة التلفزيونية الألمانية الأولى «ARD»  منذ عام و جاء فى الوثيقة أنه «نتيجة لعملية الأسلمة التدريجية الجارية خصوصا منذ عام 2011 لسياسة أنقرة الداخلية والخارجية أصبحت تركيا منصة مركزية لأنشطة الجماعات الإسلاموية فى منطقة الشرقين الأوسط والأدنى»، ولذلك تعتبر الحكومة الألمانية أن «الفعاليات التضامنية وحملات الدعم الكثيرة لحركة الإخوان المسلمين المصرية وحماس وفصائل المعارضة المسلحة فى سوريا تؤكد وجود وئام أيديولوجى مع هذه التنظيمات». وباختصار يمكن القول أن الحكومة الألمانية أو وزارة الداخلية على الأقل تعتبر أردوغان عرابا للإرهاب والتطرف والتشدد فى المنطقة.
من ناحية أخرى هناك القضية الكردية التى تقض مضاجع الرئيس التركى و كان لها تأثير سلبى على علاقته بأمريكا بعد أن تخلى عن اتفاق السلام مع الكرد، فضلا عن تحقيق القوات العراقية  وبدعم أمريكى المزيد من التقدم فى حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» انتهى بتحرير مدينة الموصل العراقية، الأمر الذى يصب فى صالح تعزيز الطموحات القومية للكرد والتى سيمتد تأثيرها إلى تركيا أيضا.
وهناك ثمة تحديات أخرى يواجهها أردوغان داخلياً، حيث تؤكد المصادر أن خطورة تلك التحديات ترجع إلى كونها تضع رئيس تركيا فى اختبار حقيقى يهدد مستقبله ومستقبل حزبه العدالة والتنمية ويتمثل التحدى الأول فى  تراجع النمو الاقتصادى فى ظل انهيار قطاع السياحة وتفاقم ظاهرة هروب رأس المال الأجنبى وتراجع قيمة الليرة التركية وتخفيض التصنيف الائتمانى لتركيا والثانى فى حالة الاستقطاب المتزايد الذى يعيشه المجتمع التركى.
التقارير حول الاقتصاد التركى المنشورة فى عدة صحف متخصصة مثل الفايننشال تايمز، بالإضافة إلى أن تقديرات صندوق النقد الدولى تؤكد أن ربيع الاقتصاد التركى انتهى، وأن أنقرة مقدمة على كارثة مالية واقتصادية معا، فالليرة التركية فى حال انهيار، وفقدت حوالى ثلثى قيمتها خلال العامين الماضيين ووصلت إلى معدلات غير مسبوقة منذ تولى حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، كما يؤكد تقرير صندوق النقد الدولى فى تقرير له أصدره فى بداية هذا العام أن الضبابية المتزايدة التى تحيط بالمشهد السياسى التركى، وتراجع السياحة إلى 35 % وارتفاع مستويات ديون الشركات جميعها تؤثر سلبا على اقتصاد البلاد.