من فات قديمه «افتقر»
آلاء البدرى
المصريون دائما لديهم أساليبهم فى مواجهة الأزمات بكل أنواعها - أمنية، سياسية، اقتصادية، شعب عمره 7 آلاف سنة بالطبع لن يعرف المستحيل.
موجة الغلاء الأخيرة والتى حدثت نتيجة رفع أسعار الوقود، لم تصمد أمام المصريين الذين شمروا سواعدهم لمواجهتها وبالفعل نجحوا فحولوا ملابسهم القديمة إلى جديدة والأحذية كذلك، فاخترعوا فنا جديدا هو إعادة التدوير.
المصريون أعادوا مهنا للحياة ظننا أنها انقرضت وعفى عليها الزمن (الترزى والإسكافى والرفا) بعد أن كادت تختفى من شوارعنا.
عم حسن ترزى 48 سنة بمنطقة الهرم يقول إن الأزمة الاقتصادية التى يمر بها المصريون ساعدت فى إحياء المهنة من جديد بعد أن كانت أوشكت على الانقراض حيث إننى كنت أعانى من قلة الزبائن وظللت أكثر من 5 أعوام شبه متوقف يقتصر عملى على تركيب الزرائر أو ثنى البنطلونات أما الآن ومع الارتفاع الجنونى لأسعار الملابس الجاهزة خاصة المستوردة التركى والصينى عادت المهنة ولكن بشكل مختلف فلم نعد نفصل ملابس جديدة إنما نفك القديمة ونعيد خياطتها من جديد.
فى السابق كانت تأتى السيدات إلينا حبا فى التفصيل ولكن الظاهرة الملفتة إقبال الفتيات والبنات من أعمار مختلفة على إعادة تدوير ملابسهن وملابس أمهاتهن القديمة ولكن بأفكار مبتكرة ومواكبة للموضة العالمية مما يضفى نوعا من التميز على الملابس ورغم ذلك تطلب العمل إحضار عدد من المساعدين والصنايعية تحت التدريب.
نورا 45 عاما ولديها ثلاث بنات التقينا بها عند الترزى تحمل بعض الملابس القديمة قالت لا أستطيع شراء ملابس جديدة لبناتى وخاصة أن زوجى موظف راتبه 1500 جنيه لا يكفى الأكل والشرب وكنت قد شاهدت فى أحد البرامج التليفزيونية فكرة عرضتها إحدى البنات وهى تغيير شكل الملابس القديمة بإعادة إنتاجها من جديد أو بإضافة بعض التطريزات والورود التى تجعلها تبدو جديدة فأحضرت بعضا من ملابسى القديمة غير المستخدمة والتى تغير مقاسها وملابس شقيقتى وقررت إعادة تفصيلها لبناتى الثلاثة دون إخبارهن بالأمر وإقدمها لهن بعد إعادة تفصيلها على أنها ملابس جديدة اشتريتها لهن.
ويلفت انتباهى سيدة أخرى أحضرت فستان زفافها وقالت: لقد تزوجت من خمسة عشر عاما ومازلت أحتفظ بفستان زفافى ولن أرتديه مرة أخرى فقررت أن أفكه وتفصيله من جديد (تايور سواريه) لأحضر به زفاف ابنة عمى حيث إننى لا أستطيع شراء فستان سواريه جديد ربما يتعدى ثمنه الألف جنيه ورأيت أن تعديل فستان لم أستخدمه سوى ثلاث ساعات فقط ببعض الأمتار القليلة من القماش الجديد الذى لم يتعد ثمنه الثلاثين جنيها لتغيير موديله أوفر بالنسبه لى ويتدخل الترزى ويقول: دائما السيدة المصرية مكافحة وتتحايل على الحياة بابتكار أساليب جديدة واللجوء إلى هذه الفكرة يوفر 75 % من ثمن الملابس الجديدة حيث إن أجرى كترزى وثمن القماش المطلوب للتعديل لا يتعدى الـ100جنيه.
ويضيف أحمد حامد مساعد الترزي22 سنة أن بعض الموضات العالمية الحالية وخاصة موضة تداخل الألوان التى استحدثها أشهر مصممى الأزياء فى العالم (الفاشونستا) جعلت لكل شىء ثمنا وجعلت من قصاقيص الأقمشة التى كنا نتخلص منها فى السابق كنزا يمكن استغلاله من جديد فى التوسيع وتغيير شكل الملابس القديمة وترقيع المتهالك منها دون أن تكون شاذة المظهر كما أنها أحيانا تستخدم فى إنتاج شيء آخر مبتكر فى ديكورات المنزل وتصنع مفروشات السرير والوسائد المبهجة وأيضا لوحات مودرن لتزين حوائط المنازل عوضا عن التخلص منها وإلقائها فى الزبالة والفضل يعود إلى مواقع السوشيال ميديا التى تعلم الفتيات والسيدات كيفية التعامل مع الأزمات الاقتصادية من خلال تبادل الأفكار وتنمية القدرة على الابتكار حتى أن بعض الفتيات ساهمن فى تطوير المهنة وإكسابنا مهارات جديدة من خلال أفكارهن التى لم نكن نعرفها من قبل.
ويقول عادل محمود 55 سنة ترزى بالمعادى: بنات اليوم يسعين إلى تعلم المهنة حتى أن بعضهن يأتين لكى أعلمهن التفصيل وأساعدهن فى اختيار أنواع القماش والتصاميم لكى يوفرن فيما بعد أجرة الترزى أو يقمن ببيع الملابس على النت حتى أنهن أوحين لى بفكرة إعطاء حصص وكورسات لتعلم الخياطة والتفصيل مقابل 25 جنيها للحصة و250جنيها للكورس الكامل والذى يتكون من قص وتفصيل وأخذ مقاسات واختيار الأقمشة كما تأتى لى بعض الأمهات لأعلمهن فقط إصلاح الملابس مثل التوسيع والتقصير والتضييق، ويضيف ضاحكا منذ ارتفاع الأسعار لم أمسك بيدى قطعة قماش جديدة لأفصلها حتى أن السيدات اللاتى يأتين لتظبيط مقاسات الملابس لم يأتين بملابس جديدة إنما قمن بشرائها من النت بعد أن انتشر كثير من المواقع المتخصصة فى عرض الملابس القديمة بطرق مغرية للشراء مثل ان الملابس لم تستخدم سوى مرة واحدة أو بضع ساعات أو أنها مستوردة من الخارج ويحدث الكثير من الغش والنصب حيث تقوم بعض السيدات بعرض ملابس قديمة قاموا بشرائها من سوق (البالة) ويقلن أنها ملابسهن الشخصية.
ويخشى عادل من استغلال تجار الأقمشة لفرصة انتعاش الهمنة ويقومون برفع الأسعار بشكل مبالغ مما يؤدى لانصراف الناس عن الخياطة من جديد.
انتشر مشهد الأحذية المستعملة المتكدسة فى المحلات الصغيرة المتخصصة فى إصلاح الأحذية ليلفت انتباه المارة ويقول مينا مكرم صاحب محل تصليح أحذية بشبرا لم يعد الأمر مقتصرًا على تصليح حقائب وأحذية المدارس فقط بل أصبح يطلب منى الزبائن تغيير موديلات فأحيانا أضطر لمعالجة عيب فى الحذاء بوضع بعض الاكسسوارات والأربطة على القطوع الموجودة فى الأحذية والحقائب لمعالجتها كما عادت المصانع مرة أخرى فى تصنيع نعال الأحذية بعد أن زاد الطلب عليها من جديد.
والتقيت بأحمد 23 سنة بائع غزل البنات قال: أحضرت حذائى المتهالك هذا لأستبدله بآخر حالته أفضل وأقوم بدفع الفرق وأكد صاحب محل تصليح الأحذية أنه يشترى الأحذية القديمة من الزبائن ويقوم بإصلاحها وبيعها مرة أخرى بأسعار معقولة ويضيف أن الأحذية الجديدة الموجودة فى الأسواق متوسطة السعر كلها من الجلود المصنعة الرديئة ومعظمها صناعات صينية لا تصمد لفترة طويلة مع الزبائن بعكس الجلود الطبيعية التى تعيش فترة أطول ولكنها أصبحت فقط للأغنياء حيث يبلغ ثمن أقل حذاء أو شنطة من الجلد الطبيعى 500جنيه.
ويقول هاشم ويعمل إسكافيًا بمنطقة فيصل أن مدابغ الجلود عادت للعمل من جديد منذ ما يقرب من عام ونصف بعد أن زاد الطلب على الأحذية المفصلة وأيضا قامت المدابغ باستحداث عمل الجزء العلوى للحذاء بدون نعل لبيعها لمحلات التصليح كما زاد الطلب أيضا من بعض الزبائن على صبغ الأحذية الجلدية التى بهت لونها وإعادتها إلى حالتها مرة أخرى أما عن أماكن صبغ الأحذية الجلدية يقول هاشم أعمل بالمهنة منذ 18 سنة وأول سنة أشوف هذا الكم من الطلبات الغريية من الزبائن مثل الصبغ وقلب الأحذية القطيفة إلى جلد وتعلية وتقصير الكعوب.
وترى هدير إحدى زبائن عم هاشم أن الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة الجنيه زاد من عبء الأسرة المصرية ورفع من سعر كل شيء ليس فقط الملابس والأحذية حتى اعتبرها المواطن من رفاهيات الحياة والتى من الممكن الاستغناء عنها الأمر الذى دعانى للتفكير فى إعادة تصليح ملابسى القديمة وأحذيتى التى بها عيوب كنوع من التوفير وتضيف أن راتب شهرين لا يكفى لشراء طقم جديد وأن حالتها الاقتصادية قد تدهورت وأنها استيقظت فجأة فوجدت نفسها من محدودى الدخل بعد أن كانت من أبناء الطبقة المتوسطة.
الرفا أصبحت ملاذا لكثير من المصريين لتوفير الأموال من أجل أولويات الحياة أشرف على 59 عاما صاحب محل رفا صغير ورث المهنة عن والده يقول إن مهنته كانت على وشك الزوال لولا الظروف الاقتصادية الصعبة التى جعلت الناس يتهافتون عليه من جديد ويضيف أشرف: أغلب زبائنى من قبل كانوا من الأغنياء الذين يأتون لرفى ملابسهم الغالية جدا والبدل ذات الماركات الأصلية أما الآن أصبحت أرفى كل أنواع الملابس المتهالكة والرخيصة ذات الخيوط البوليستر والتى تحتاج إلى مجهود أكبر ودقة عالية فى العمل ويوضح أشرف أن رغم دقة مهنته التى تحتاج إلى التركز فى رص الخيوط وصعوبتها إلا أنها غير مكلفة حيث تتراوح تكلفة الرفى من 7 إلى 15 جنيها حسب العيب الموجود بالملابس مقارنة بالملابس الجديدة.>