«أمهات الصائمين».. فى السيدة والحسين!
هدي منصور
لأنها مصر؛ ليس شرطًا أن تعرف مع من تتقاسم رغيف خبزك.. ولأنها مصر؛ فلا داعي- أيضًا- لأن تشغل بالك بحسابات اقتصادية أو تكاليف مادية.. ففى مصر؛ تسود الحميمية.. تطغى الإنسانية.. تقول كلمتها الفصل فى أزهى حُلل الروحانية.. لذلك.. إذا جاء «رمضان» لم يكن شىء سوى الأعمال الخيرية.
شرائح كبيرة «حتى وإن كانت فقيرة»، تستعد لاستثمار الشهر «كلٌ بطريقته».. يتدفق الآلاف لإطعام الصائمين.. الحفاوة فى كل هذا، هى سيدة الموقف.. ظاهرة أصيلة فى مجتمع أكثر أصالة.
البعض اعتبره استثمارًا فرديًا، منذ سنوات.. والبعض الآخر ورثه عن الآباء والأجداد.. ففى مصر «قطع العادة من الشؤم».. لذلك لا تقطع العادات المتوارثة.. وفى العادات المتوارثة تصبح النساء هن الحارسات الأمينات على «الموروث» منذ بدء الحياة إلى الممات.
تتصدر النساء ساحة العمل الرمضانى بكل قوة.. يصبحن سفيرات للخير على رءوس الأشهاد والعباد
«روزاليوسف» رصدت قصصًا متعددة لسفيرات الخير كما يلقبهن المواطنون فى ساحات إعداد الطعام
> «أم بدوى» شيف ماهر فى ساحات المساجد:
جميع زوار المساجد بمنطقة مصر القديمة يعرفون أم بدوى جيداً، وظهورها الثابت تعلق بشهر رمضان، قالت وهى تعمل فى جد منذ بداية اليوم لإعداد طعام البسطاء والفقراء على أعلى مستوى: قصتى عمرها أكثر من 40 عامًا متواصلة فى حب العمل الخيرى والجلوس فى ساحات المساجد بأدوات الطبخ وحلل وبوابير الجاز بكل ثقة فى الدور الذى أقدمه رغم أننى سيدة من عائلة ميسورة الحال فإننى لى رسالة، أجلس بعزيمة وفرحة تملأ وجهى وسط الأوانى الضخمة التى خصصتها لذلك العمل اليومى، ومعى مطبخ متنقل لإتمام مهمتى الخيرية تعتمد عليه الست المصرية بأقل الإمكانيات لتنتج طعامًا ينافس طعام الفنادق.
تابعت أم بدوى: أحضر من أقصى محافظة الجيزة يومياً فى شهر رمضان لأنه شهر الخير والنفحات الربانية، وفى الأيام العادية يوم الجمعة بعد الصلاة من كل أسبوع، مكانى ثابت فى ساحة مسجد الحسين لم أتخل عنه منذ 40 عامًا، ويعرفنى جيداً البسطاء فى مساجد مصر القديمة المجاورة وهذا يسعدنى فطعام يدى يصل إليهم بكل حب، أدواتى ثلاث أوانٍ ضخمة للطبيخ و200 طبق متوسط الحجم وبابور جاز صغير وملاعق ضخمة وتوابل متنوعة لأبهر الزوار بمذاق الطعام.
وأضافت أم بدوى: تعلقت بالعمل الخيرى وأحضر بنفسى لإتمامه رغم أننى تجاوزت الستين وأصبحت جدة وحركتى قليلة، إلا أنها رسالة خاصة بى لابد أن أتممها كل عام طول ما أنا على قيد الحياة، ورغم ارتفاع أسعار الخضار واللحوم فإننى واجهت ذلك، فالله يساندنى فى كل شيء والرزق يحضر إلى منزلى على مدار العام وأبنائى الأربعة يعملون ويساندوننى فى مهمتى الخيرية بالدعم المادى ولا أواجه مصاعب فى مهمتى لأنها لله.
وأشارت أم بدوى، مهمتى نصفها فى منزلى ونصفها فى ساحة المسجد، ففى المنزل أحضر الخضار وكل المنتجات واللحوم بأنواعها التى سوف أقوم بطبخها وتجهيزها على الطهى مباشرة وأحضرها منذ الساعة 12 الظهر فى رمضان وأجلس على «حصيرة» بسيطة ضخمة المساحة فى ساحة المسجد وأرتب الأوانى وأجلس فى انهماك لأصارع الوقت لإتمام عملية الطبخ ولمعرفة الجميع بى أصبح لى مساعدات من الفتيات الصغار من طبقات متنوعة فى المجتمع يحضرن لمساندتى كنوع من التطوع الخير وعددهن 5 فتيات.
وأردفت أم بدوى: العمل الخيرى نعمة أسعى لها بكل حب وأحرص على أن تكون وجبتى للصائم متكاملة غذائياً فأقدم إليهم اللحوم أو الفراخ يومياً مع الوجبات ولا أبخل عليهم وخير ربنا كتير، والخضار والسلطات فقد وضعت خطة اقتصادية ثابتة لا أستطيع الإفصاح عنها لشهر رمضان وحددت كل يوم فى الشهر الكريم ونوعية الطعام الذى أقدمه للزوار قبل أن يبدأ ، وتلك الورقة لا تفارقنى، وتنتهى مهمتى يومياً فى منتصف الليل ويحضر أبنائى لنقلى إلى المنزل.
لم تتوج أم بدوى وحدها من الزوار بسفيرة الخير فى إعداد الطعام فى الساحات الفسيحة لإطعام المحتاجين بل كانت على مسافة ليست قليلة منها الحاجة أمينة وابنتها الشابة منة التى تساندها.
«أمينة» عمرها فى ساحات الخير35 عامًا:
قالت الحاجة أمينة السيدة الخمسينية، وهى تحاول تصنيف الوجبات فى حكمة أمام المواطنين، لن يصدق البعض أننى أحضر إلى ساحات الخير منذ 35 عامًا متواصلة، وأحضر بناتى لتدريبهن على ما أقوم به ليتوارثوا ذلك العمل الخيرى ويعلمون قيمته.
تابعت الحاجة أمينة: جميع أفراد أسرتى يدفعوننى ويشجعوننى على مدار السنوات الماضية، وقبل أن يتوفى زوجى كان يحضر معى ويساندنى أيضاً، ويعد شهر رمضان فرصة عظيمة لإعداد الطعام المنزلى وتوزيعه على المواطنين وخاصة أن الأعداد من المقبلين تزايدت عن العام الماضى بنسبة ملحوظة نظراً لارتفاع الأسعار وزيادة عدد المحتاجين، وأقوم بعمل الطعام فى المنزل وأحضر فقط قبل العصر لترتيبه وتوزيعه وأعود إلى منزلى بعد صلاة القيام فى المساء، ولا أكتفى بإعداد الوجبات فقط بل أقوم بعمل الحلو والمشروبات أيضاً.
وأوضحت الحاجة أمينة: نبتعد عن الأضواء وإظهار ما نقوم به من أجل المحتاجين لأنها رسالة روحانية بيننا وبين الله لذلك مهمتنا ناجحة ونؤديها بأيدينا لنتأكد أنها تمت بنجاح بعيداً عن التبرعات وغيرها من الأشكال المتنوعة لأعمال الخير الظاهرة فسعادتى فى أن عملى فى الخفاء بدون تكريم ظاهرى، فالتكريم الحقيقى يحضر من الله فى حياتى وحياة أبنائى وهذا يكفينى، وأستطيع انتاج 300 وجبة يومياً بيدى.
«أم أحمد»: ساحات المساجد فى رمضان مطابخ متنقلة لخدمة المحتاجين:
وأشارت «أم أحمد» إحدى النساء المترددات على ساحات الخير بشكل منتظم فى شهر رمضان فى مسجد الحاكم بأمر الله، كنت دائمة التردد على الصلاة فى المساجد بمصر القديمة، وشاهدت نساء يعشقن الطهى الخيرى فى رمضان فى الساحات بشكل مرتب ومنظم، فتتحول الساحات إلى مطابخ يومية متنقلة ولكل سيدة مطبخ مختلف، فيوجد باقة متنوعة من الطعام على أعلى مستوى، فتعلمت منهن وحرصت على الحضور إلى ساحة مسجد السيدة زينب منذ30 عامًا متواصلة ولن أتوقف.
يساندنى الجميع فى مهمتى منذ الوهلة الأولى لشراء الخضار ومنتجات السوق، فالبائعون يحرصون على بيع المنتجات بأسعار جيدة ويوفرونها لى طوال شهر رمضان، لكننى أقوم بتخزين المنتجات بكميات ضخمة للاستعداد للطهى بشكل يومى بأقل المجهود نظراً إلى أننى أكون مرهقة من الصيام وأحرص على توزيع الوجبات بيدى رغم أن سنى تجاوزت الـ60عامًا، فإن السعادة التى أعود بها إلى بيت من نظرة الحب والدعاء من المواطنين تكفينى، ولا أحضر إلا فى شهر رمضان إلى ساحة مسجد السيدة زينب فهو موسم استثمار الخير بشكل مباشر مع الله.
أقدم طاهية تترد على ساحة السيدة عائشة منذ45 عامًا:
رابعة محمد سيدة خمسينية، إحدى الطاهيات فى ساحات مسجد السيدة عائشة والأقدم بين النساء المنافسات على الطهى الخيرى فى رمضان قالت، أحضر منذ 45 عامًا إلى ساحة السيدة عائشة بدون انقطاع فهى مهمة ورثتها عن أمى وأوصتنى بها أن لا أنقطع عنها فعمل الخير عبادة، وله روحانيات خاصة، كانت تعلمنى والدتى أن الطهى لأكبر عدد ممكن من المواطنين وأن أكون صديقة لهم واتعامل معهم بشكل حسن أثناء تقديم الوجبات، والطريف فى الأمر أنه عندما أغيب عن ساحة المسجد فى رمضان يحضر المواطنون للسؤال عنى فى بلدى البعيدة عن القاهرة «بنها» وهذا يكفينى فحب الناس نعمة.
وأضافت رابعة: تكريم النساء القائمات على عمليات الطهى الخيرى فى رمضان يحصدن تتويجًا وتكريمًا كبيرًا من الله يومياً فى الرزق والحياة الهادئة ولتلك الأسباب سلكت العديد من النساء ذلك الطريق ويتنافسن عليه أيضاً، ولا يستطعن التوقف عنه.
واختتمت رابعة حديثها بأن هناك عددًا من المشاهير من النساء يحضرن إلى المسجد للصلاة وسيدات الأعمال يجلسن معها ويتحدثن معها ويتعلمن منها تفاصيل خبرة السنوات فى الطهى الخير، فالأمر يحتاج إلى حكمة وخبرة فالمهمة ليست مجرد طهى يقدم فقط.







