إسحاق حنا: وزارة الثقافة منعتنا من الكلام عن فودة فى رمضان!

هاجر عثمان
على بعد خطوات من محطة مترو «كلية البنات» وقبل أن أصل مقر الجمعية المصرية للتنوير بشارع أسماء فهمى بمصر الجديدة، التى أسسها المفكر الكبير فرج فودة، شهيد الكلمة، قبل 25 عاما على رحيله، شعرت كأن شريطا سينمائيا يمر أمام عينى يصور تفاصيل مشهد الاغتيال أثناء خروجه من مكتبه، تماما كما قرأت عنه. وكأننى أستمع لصوت الرصاصات الغادرة تخترق جسده بعنف، وأرى هذه النظرات العدائية من القتلة الجهلاء تجاه المفكر الذى فقدته مصر، وعلقت بذهنى نظرة المتطرف عبدالشافى رمضان بائع السمك الذى اعترف أثناء التحقيقات أنه لا يعرف القراءة والكتابة ولم يقرأ حرفا لفودة. لم يوقظنى سوى سؤال حارس العقار: عايزة مين يا أستاذة؟ وعندما دخلت مقر الجمعية وجدت الجدران مزينة بكلماته التى كانت تستشرف ما يحدث فى حياتنا إلى اليوم.
تقابلت مع صديقه القريب والحارس الأمين على كنز فرج فودة المهندس «إسحاق حنا» رئيس الجمعية المصرية للتنوير.. فى حوار فى ذكرى شهيد الكلمة والحرية والمعرفة فرج فودة.
بعد ربع قرن من اغتيال فرج فودة.. أين نحن من حلم الدولة المدنية الذى استشهد من أجله؟
- سؤال يثير الشجون والحزن، لأن القضايا التى دافع عنها فرج فودة واستشهد من أجلها تشهد تراجعا كبيرا فى المجتمع عما كانت عليه فى التسعينيات، سواء بالنسبة لقضايا حرية الفكر والتعبير أو نبذ التطرف، فالدولة المدنية فى خطر، وأصبحنا نعانى ممارسات رجعية مثل سجن بعض المفكرين وأصحاب الرأى ومنهم إسلام البحيرى وفاطمة ناعوت وأحمد ناجى وغيرهم، نحن فى دولة مدنية ظاهريا فقط ولكنها دينية من الناحية العملية، وأغلب الممارسات ليس لها علاقة بالدستور الذى اعترف بمدنية الدولة.
كانت المناظرة الشهيرة بين فودة والداعية الإخوانى محمد الغزالى أحد أسباب اغتياله.. ماذا بقى فى ذاكرتك من هذا اليوم؟
- القاعة كانت ممتلئة بالآلاف من الحضور، ولكن أعدادنا كمنتمين للتيار المدنى كانت قليلة للغاية، كنا حوالى 4 صفوف فقط، بينما حشدت الجماعة الإسلامية والتيارات المتشددة الأخرى للمناظرة بقوة، كانت القاعة مرعبة، تعليقات التيار المتطرف كانت قوية، وأزكاه كلام الدكتور محمد عمارة بكلامه المتطرف، كان المشهد أشبه بهتافات جماعة الإخوان مع مرسى فى استاد القاهرة، كانوا يهتفون بعنف ضد الدكتور فرج ووصل الأمر لاستخدامهم عبارات من الاستهزاء والسخرية.
هل نصحته بعدم الذهاب للمناظرة؟
- كان الرجل أكبر من النصيحة ولكن كنا نتخوف عليه، ولكن جميعنا كنا مؤمنين بفكرة المواجهة والحوار، ولم نتوقع إطلاقا أن يصل عنف التيار الدينى لقتل فودة بعد المناظرة بأسبوع.
ما الذى تتذكره عن يوم الاغتيال؟
- كان لدى ميعاد معه فى مقر الجمعية لتعليمه الرسم، فقد كان جميلا ومحبا للفنون نهما للتعلم، ولكنى تأخرت لظروف عملى آنذاك، وخرج فودة بعد إلغاء الميعاد فى حوالى الساعة 6:15 م، وتم اغتياله على أبواب الجمعية، وهذا الحدث شديد التأثير على حياتى، فبقيت حتى يومنا هذا حافظا على ما قدمه من أفكار وكتب وأحيى ذكراه سنويا حتى لا ينسى أحد فودة .
قرأت أنه طلب من أفراد الأمن المرافقين أن يتركوه هذا اليوم.. ما مدى صحة ذلك؟
- لم يحدث هذا، وتم اغتياله وكان الجنديان اللذان عينتهما له الداخلية كحراسة موجودين فى موقع الحادث، ولم يفعلا شيئا وهذا كان متوقعا، فطريقة التأمين كانت بدائية جدا.
فى رأيك ما أسباب استمرار الخلط بين العلمانية والكفر حتى يومنا هذا؟
- لغياب المعرفة الحقيقية، ومن قالوا بأن العلمانية كفر إما أنهم لا يعلمون الحقيقة أو أنهم قالوا ذلك عن عمد خوفا على مقاعدهم أو سلطاتهم، وفى الحالتين الواجب على الإعلام أن يقوم بهذا الدور التنويرى لأنه أسبق من الثقافة، ولكن تخلى الإعلام عن هذا الدور، بل إن بعض من يجلسون خلف الشاشات لديهم أفكار متطرفة ومغلوطة عن العلمانية.
هل العلمانية التى أرادها «فرج فودة» هى الضمانة لحماية الوطن؟
- بكل تأكيد الدولة المدنية العلمانية هى التى تتيح الحرية لكل أصحاب المعتقدات فى تبنى ما يريدون، هى الحل الذى يحمى كل الأديان وعلى رأسها الإسلام، أما الدولة التى يحكمها معتقد واحد فلا يمكن أن تعطى الحرية لاعتقاد مختلف عنها، وهو الفرق بين عظمة الدولة العلمانية المتنوعة، وأحادية الدولة الدينية.
ولكن البلد يكافح بالفعل الإرهاب والمتطرفين فى سيناء وفى كل مكان ؟
- صحيح، أرى جهدا كبيرا يبذل من جانب القيادة السياسية على أصعدة كثيرة وأبرزها الحرب على الأرض ضد الإرهاب، ولكن الآلة العسكرية وحدها ليست الحل، فالقيادة تعمل وحدها بدون مؤسسات الدولة، فالسيسى ينحاز نحو الدولة المدنية بشكل صريح فى كثير من تصريحاته ومؤتمراته، ولكن يتم عرقتله من جانب المسئولين له، فأيديهم مرتعشة يخشون من هؤلاء المتطرفين.
هل تقصد أن التطرف يخترق مؤسسات الدولة؟
- لم أكن أريد الحكى ولكن سوف أخبرك، اتصلت ببعض المسئولين فى وزارة الثقافة من أجل إحياء الذكرى الـ25 لاغتيال فرج فودة تحت رعايتها، لأن هذا أبسط حقوق الرجل، ووجدت فى البداية ترحيبا شديدا وموافقة على تنظيم ندوة، ولكن للأسف الشديد بعد تداولهم معا، جاءنى الرد صادما «بأنهم لا يستطيعون إقامة احتفالية لفرج فودة والحديث عن الدولة المدنية فى رمضان»، وهو أمر محزن أصابنى بالهلع.
ما أسباب عدم تكريم الدولة لفرج فودة بعد 25 عاما من الرحيل؟
- للأسف لم ينل أى تكريم، ربما تقاعس من المسئولين.
تقاعس أم خوف؟ هناك فرق؟
صمت: هناك كثير من المسئولين فى بلدنا يفضلون السلامة، وربما يخشون نفس مصير جابر عصفور عندما دخل فى صدام مع الأزهر حول إحدى قضاياه التنويرية منذ عامين، وتمت التضحية بعصفور وإقصاؤه رغم قيمته الأدبية والثقافية الكبيرة، الدولة مازالت يدها مرتعشة تجاه أصحاب الأفكار المتطرفة، بل يجب تنقية مؤسساتها من المسئولين الإخوان الذين مازالوا يتقلدون مواقع مهمة حتى الآن.
هل ترى أن الأزهر كان شريكا فى قتل فرج فودة؟
- للأسف.. الأزهر يده ملوثة بدماء فرج فودة فالجميع يتذكر شهادة الدكتور محمد الغزالى ابن الأزهر فى المحكمة فى قضية الاغتيال، التى أكد فيها أن فرج كان مرتدا عن الإسلام وجب قتله، ولم يتحرك الأزهر لنفى ذلك بل كرر الغزالى نفس الكلام فى حوار بعد ذلك بشهور مع صلاح منتصر، معلنا أن فودة ارتكب أخطاء بأفكاره تصل إلى الخيانة العظمى لذا وجب إهدار دمه.
هل تقصد أن الأزهر ليست المؤسسة الصالحة لتولى تجديد الخطاب الديني؟
- ومن الخطأ أن يكون تجديد الخطاب الدينى على نفس الأيادى التى أخرت وشوهت الخطاب والذى جعلته فى هذه الحالة المذرية من العداء للإنسانية والآخر، وللجمال، وللخير، ماذا فعل الأزهر لخطاب الكراهية الذى يبث عبر منابر المساجد منذ سنوات طويلة، وكان خطابا تحريضيا يدعو للعنف ضد المسيحيين والمرأة وكل شخص مختلف عنهم، فالأزهر ورجاله هم من صنعوا الكراهية، فكيف يمكننى الثقة الآن فى دورهم؟
فى رأيك.. من يتولى هذه المسئولية؟
- المثقفون، المفكرون، المجتمع المدنى العامل فى هذا الحقل، وينبغى ألا يترك تجديد الخطاب الدينى للمؤسسات الحكومية، فهذه المؤسسات أصبحت مخترقة بالأفكار المتطرفة بشكل أبشع مما كانت عليه فى عهد فرج فودة.
كيف ترى رفض الأزهر تكفير «داعش» ؟
- سكوت الأزهر عن وحشية داعش وجرائمهم وعدم رغبته فى تكفيرهم، تعطى رخصة كل يوم لكل شاب للانتماء لداعش بل قتل أى مسيحى وتفجير كنيسة، وربما اغتيال شخص جديد يتحدث عن التنوير.
البعض يعتبر إسلام البحيرى خليفة فرج فودة.. ما رأيك؟
- شيء جيد أن يكون هناك تلاميذ وأتباع لأفكار التنوير، والبحيرى شخصية متميزة مفكرة تحارب من أجل حرية التعبير، ومن أجل التنوير وتصحيح الفكر الدينى بالاحتكام للعقل والمنطق والإنسانية، وأيضا يوجد الشيخ محمد عبدالله نصر فهو يمتلك نفس شجاعة فرج فودة، وإن اختلفنا على طريقه طرحه ربما تعود لصغر سنه.
كيف ترى رفض البرلمان تعديل قانون ازدراء الأديان؟
- يؤكد أننا فى دولة دينية وأننا نعود إلى محاكم التفتيش، هو قانون مخجل لكل الاديان، وكأن القانون يقول إن الأديان هشة وضعيفة وتحتاج لمن يدافع عنها وأنها يمكن أن تسقط بكلام أى شخص!
ما الذى تفتقده فى «فرج فودة» الصديق والإنسان الذى لا يعرفه أحد؟
- كان إنسانا لطيفا، ومتواضعا، وكان يتعامل بطريقة غاية فى الرقى، كان طفلا من حيث البراءة والمحبة والنقاء وصاحب عقل راجح جميل، ابن نكته خفيف الظل، الكراهية مفردة ليست فى قاموسه حتى مع أشد خصومه، افتقد حبه للحياة وللبهجة، للموسيقى والأغانى فكان شاعرا لم يعرفه أحد حتى الآن وله العديد من الأشعار الغنائية، الاقتراب منه يزيد أى شخص «فكر، حماس، وطنية، ورقة وفن وعلم».