الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

قنوات فتح المندل

قنوات فتح المندل
قنوات فتح المندل


إن كنت عانسًا، و(فاتك قطار الزواج) لا تقلقى، وإن كنت عاطلاً لا عليك، سوى أن تتصل برقم مكتوب على مجموعة من القنوات الفضائية المضللة التى طلت علينا فى السنوات الأخيرة، وأوهمت المشاهدين بامتلاكها أدوات للسحر والدجل والشعوذة، وقادرة على فك الأعمال وعلاج الأمراض المستعصية وغير المستعصية، وحل المشكلات الجنسية عند الأزواج، وإعادة المطلقات ورد الحبيب، وعلاج المس ورد الغائب وجلب السارق، وغيرها من الخزعبلات التى ينساق وراءها المشاهد العربى عن جهالة وبدون وعى، وهو الوتر الحساس الذى لعبت عليه تلك القنوات ليقينها بأنها السلعة الرائجة لدى المشاهدين العرب المهووسين بمثل هذه الأفعال.
الإحصائيات أكدت قيام أكثر من (100) مليون عربى على اختلاف فئاتهم وأعمارهم وجنسهم باللجوء إلى الدجالين الذين وصل عددهم فى الوطن العربى لما يزيد على ربع مليون دجال، يشفطون من جيوب العرب ما يقارب الـ (100) مليار جنيه سنويا!
هذه الخرافات التى اعتنقها الكثير من العرب فى محاولة منهم للتعلق - للأسف - بأوهام تأخذهم إلى الاعتقاد الذى وصل لديهم إلى حد اليقين فى قضاء حوائجهم، وهو فى رأى الدين يعد شركًا بالله سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، فهو المعطى وهو المانع، وهو المعز وهو المذل، ولا أحد ينفع أو يضر إلا بإذنه.
هذه القنوات فرد بعضها مساحات كاملة بحجم ساعات القناة بالكامل لمثل هذه الأعمال، حيث اعتبرت نفسها قنوات متخصصة فى هذا الغرض، والبعض الآخر فرد مساحات إعلانية محددة، وللأسف الكل تعامل فيها تحت ستار الدين والدين منهم براء، حيث نسب الكثير منهم لنفسه صفة الشيخ والشيخة والعالم الجليل والعالمة الجليلة، وغيرها من الصفات التى تساهم فى ترويج بضاعتهم الفاسدة وتضلل المشاهدين!
ومن هذه القنوات (توك توك)، (كايرو زمان) و(كايرو سينما 2) و(كايرو دراما2)، (فرتكة)، (المصراوية)، (دربكة أفلام) و(دربكة سينما)، (موجة سينما)، (دوللى) ومجموعة قنوات (تايم) (تايم تاكسى)، (تايم حكايات)، (تايم كوميدى)، (تايم فيلم) و(تايم دراما 1).
وساهمت هذه القنوات فى ترويج أسماء الدجالين مثل الشيخ (حسن الكتانى) والشيخة (خديجة المغربية) والشيخ (محمد التميمى المغربى) والشيخ (أبو على الشيبانى) والشيخ (المدثر الباهى السودانى) والشيخ (أبو اليزيد الإدريسى) والشيخ (يوسف فتونى) وغالبيتها أسماء وهمية يستخدمها نصابون ليبتعدوا بها عن الشبهات وعن الملاحقات الأمنية والقانونية لعلمهم يقين العلم أن ما يفعلونه مخالف تماماً للقانون ومن قبله للدين! مثلما حدث مع العصابة التى تم القبض عليها لاستغلالها اسم الداعية المغربى (حسن الكتانى) و(أم خديجة المغربية) فى عمليات الدجل والشعوذة، وإن كانت شخصية (أم خديجة المغربية) شخصية وهمية ليس لها وجود بدليل - حسبما جاء فى محاضر النيابة - أن من كان يتصل بالعصابة لتحديد موعد لمقابلة الشيخة (أم خديجة) أو الاستفسار منها على معلومة كانت العصابة تبلغهم بأن (أم خديجة) خرساء!
 ما تفعله هذه القنوات فى نص القانون يعد نصباً واحتيالاً وتضليلاً، عقوبته تصل إلى الحبس المؤقت للقائمين عليه لمدة (3) سنوات، بالإضافة إلى دفع غرامة قدرها (100) ألف جنيه مع إغلاق القناة بشكل مؤقت لحين تغيير مضمونها، وهو ما قام به جهاز حماية المستهلك بإحالة الوكلاء الحصريين والممثلين القانونيين لـ(16) قناة من هذه القنوات إلى النيابة العامة بتهمة الإعلانات المضللة طبقاً لأحكام قانون حماية المستهلك رقم (67) لسنة (2006) م.
الإحصائيات تؤكد أن المصريين يحتلون نسبة (50)% من المولعين بأمور الدجل والشعوذة - والمسألة هنا نسبة وتناسب حسب حجم الشعب المصرى (100) مليون وحجم بقية الشعوب العربية مجتمعة (400) مليون - أى أن الشعب المصرى وحده يمثل ربع العالم العربى - وإن كانت دول الخليج التى يبلغ تعدادها - (6) دول (السعودية)، (الكويت)، (الإمارات)، (قطر)، (البحرين)، (سلطنة عمان) - ما يقرب من (50) مليونا، هى الأكثر شغفاً بأمور الدجل والشعوذة.
ولدى الأمن العام المصرى خريطة تفصيلية توضح حجم وجود الدجالين والمشعوذين وأماكن انتشارهم فى مصر، وذلك استناداً للبلاغات التى تتلقاها أقسام الشرطة تباعاً والمتعلقة بجرائم الدجل والشعوذة. الإحصائيات تشير إلى أن المناطق العشوائية الفقيرة من أكثر الأماكن التى تنتشر فيها أعمال السحر والدجل والشعوذة، ويعتبر حى (الشرابية) من أكثر الأحياء التى تنفرد بالنسبة الأكبر من وجود الدجالين المحتالين بنسبة (30) % من دجالى القاهرة الكبرى، يليه حى (السيدة زينب) (10)% ثم حى (المطرية) بنسبة (9.5)% فحى (حدائق القبة(7.5)%، ويتساوى معه حى (شبرا)  ثم  (مصر القديمة (6.5)% وبنفس النسبة حى (الجمالية)، أما (مصر الجديدة) فلا تتجاوز نسبتها (4.5) %وفى الزمالك (2)% بينما تنعدم فى حى (جاردن سيتى).
الريف المصرى وخاصة (القليوبية)، (الغربية)، (الدقهلية)، (المنوفية)، (البحيرة) من أكثر المناطق التى تنشط فيها أعمال الدجل والشعوذة، حيث تزدهر فيها (قراءة الفنجان) التى تعتبرها معظم نساء الريف من وسائل التسلية و(عمل الأحجبة) لطرد الأرواح الشريرة، وجلسات (فتح المندل) التى يتصورون أنهم من خلالها يكونون قادرين على كشف الأمور التى تحدث فى العوالم الأخرى - السفلية وغيرها - عن طريق التركيز فى بقعة زيت يتم وضعها على سطح مرآة من نوعية خاصة تصنع خصيصاً من أجل هذا الغرض، وإن كانت قرية (طناح) التى تبعد حوالى (50) كم من شمال (القاهرة) مازالت هى مركز السحرة والدجالين التى تصدرهم لأنحاء مصر.
استشارة الدجال أو المشعوذ وحدها فى بادئ الأمر قبل الدخول فى أية تفاصيل علاجية تصل إلى (10) آلاف جنيه، ومن أشهر دجالى هذه القرية الشيخ (إبراهيم) الذى لا يستقبل سوى نجوم المجتمع من سياسيين وفنانين وإعلاميين ولاعبى كرة القدم ورجال أعمال وأثرياء  سواء من مصر أو من دول الخليج، لدرجة أن البعض يأتى إليه خصيصاً بطائرات مروحية - دليل على الثراء الفاحش.
وهناك قصة شهيرة للكابتن (حسن شحاتة) ترددت على ألسنة الناس أنه استعان هو وبعض أعضاء اتحاد كرة القدم بدجالة مغربية قبل مباراة مصر والجزائر الشهيرة عام (2009)م فى القاهرة والتى فاز فيها المنتخب المصرى بهدفين وحصلت الدجالة التى باتت فى الاستاد ترش أعمالها فيه وفى غرف خلع الملابس طوال الليل على (150) ألف جنيه، وفشلت المفاوضات معها بسبب الاختلاف على الأجر فى المباراة الفاصلة بين المنتخبين فى (أم درمان).
الكارثة فى انتشار ظاهرة الدجالين رغم يقين المترددين عليهم من نصبهم واحتيالهم والخوف من الفضيحة، خاصة أن معظمهم من الشخصيات المشهورة التى تخشى فضح أمرها، ولذلك يجد الدجال مرتعاً له يصول ويجول فيه ويحصد الأموال الطائلة وهو آمن على نفسه من اليد الأمنية، حتى يقع الفريسة على أهون سبب فيلقى جزاءه.
تحريات الأمن العام وإحصائيات الباحثين تؤكد أن السيدات أكثر ولعاً من الرجال بالدجل والشعوذة، خاصة عندما يوهمهم الدجالون بأنهم يقومون بتحضير الأرواح وعلاجهم من أمراضهم وحل مشاكلهم باستخدام القرآن، فيزيد المترددين اطمئناناً! وهو ما جعل الإقبال يزيد عليهم من شتى بقاع الوطن العربى والذى وصل معه حجم الإنفاق فى تلك الخرافات والخزعبلات إلى (100) مليار جنيه سنوياً.
(الإسكندرية) من المحافظات التى انتشرت فيها أعمال الدجل والشعوذة، فى الفترة الأخيرة، وكانت مباحث الإسكندرية قد ألقت القبض على أحد الدجالين الذى ذاع صيته ويدعى الشيخ (محمد صابر) وشهرته (الجبار) والذى كان يمارس أسلوباً غريباً فى دجله، حيث يقوم بتقطيع الملابس الداخلية للنساء والرجال، قبل عمل الأحجبة لهم لجعلهم مرغوبين جنسياً وعاطفياً بعد أن يستعين - على حد زعمه - بالجن الأحمر، ويقوم بكتابة السحر باللون الأحمر لسعة الرزق وتحقيق السعادة، وباللون الأزرق للجاذبية والحب، وقد عثر لديه عند القبض عليه على جماجم يسحقها ويضع رمادها على البخور بحجة استحضار الجان، وكان (الجبار) يحصل من الزبون الخليجى على (600) دولار فى كل مرة، بينما يحصل على نفس الرقم ولكن بالجنيه من الزبون المصرى، وكان يضع نقوده فى حفرة حفرها تحت الأرض اعتقاداً منه أنها ستكون قريبة من الجن الأحمر ليحرسها له.
يدخل ضمن أعمال الدجل والشعوذة طقوس (الزار) والذى عرفه العرب، وتحديداً المصريون منذ القرن التاسع عشر، والذى لجأوا إليه فى البداية بزعم طرد الأسياد التى (تلبس جتتهم)، و(الزار) فى أصله طقس وثنى مارسته القبائل الأفريقية البدائية، فـ(زار) تحريف لكلمة (جار) إله وثنى عند (الكوشيين) ومنه وصل إلى الحبشة الذى انتقل منها إلى السودان، ثم إلى مصر فباقى الدول العربية.