الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

المأذونة التى قهرت 8 رجال

المأذونة التى قهرت 8 رجال
المأذونة التى قهرت 8 رجال


رغم تهميش السينما المصرية لأبناء النوبة، واختصارهم فى أدوار عم إدريس، وعم عثمان، ورسم صورة مغالطة لبقعة تنضح بالإبداع والتميز، فإن تصحيح تلك الصورة الخاطئة يأتى كلما فتشنا عن سبق وتميز يأتى من أقصى الجنوب. أم كلثوم محمد يونس، أول امرأة نوبية تصبح مأذونا شرعيا فى تاريخ محافظة أسوان، السيدة صاحبة التاريخ العملى والسياسى الطويل ابنة قرية غرب أسوان، وحاصلة على ليسانس دار العلوم جامعة القاهرة عام 1979 وعملت كمدرسة بمدرسة «غرب أسوان الإعدادية» لمدة ثلاث سنوات، ثم التحقت بالعمل السياسى 1980 وأصبحت عضوا فى المجلس المحلى بمركز أسوان، ثم تصعيدها لعضوية المجلس المحلى لمحافظة أسوان.

هذا الخوض والاحتكاك المبكر بالعمل السياسى والعام، لعب دورا جيدًا فى تشكيل وعى أم كلثوم ودورها المجتمعى، وساعدها فى خلق علاقات طيبة مع أهالى أسوان.
كانت الأسرة الداعم لها فى مشوارها المهنى، حيث لم يعارضوا فكرة سفرها للإعارة بالخارج بمفردها لمدة 4 سنوات بين السعودية وسلطنة عمان، وكان نادرا أن يحدث ذلك فى الثمانينيات خاصة فى بيئة صعيدية أسوانية يغلب عليها الطابع الذكورى.
حول حياتها وعملها كأول مأذونة،  ورؤيتها لواقع المرأة المصرية، ورأى المعارضين لتولى النساء المأذونية، وغيرها من القضايا الخاصة بالطلاق ومحاكم الأسرة، كان لـ«روزاليوسف» هذا الحوار:
 ما الذى دفعك لتقديم أوراقك لوظيفة المأذونية؟
- أكثر من سبب أولها خلو مقعد المأذون بقريتى غرب أسوان بعد خروج الشيخ المأذون أحمد نصر «على المعاش»، وهو معلمى وقدوتى وأحد أسباب تشجيعى للتقدم للوظيفة، بل كان يأخذ رأيى عندما يستقبل زوجين يصممان على الطلاق، وكان ينجح دائما فى جمع شمل الأسرة وإثنائها عن قرار الطلاق. حتى إننى كنت ملاذا للكثيرين لاستشارتى فى مشكلاتهم الزوجية ونجحت كثيرا فى التوفيق بين حالات كانت على وشك الطلاق، ثانيا توافر الشروط مع مؤهلاتى ودراستى.
 هل هناك عقبات واجهتك أثناء الترشح؟
- إطلاقا، بل وجدت الدعم والمساندة من زوجى الذى كان مؤمنا بالفكرة قلبا وقالبا، وأخى وحيد يونس، واندهشت بدعم شباب القرية، الذين وقعوا أكثر من 35 شهادة تدعم ترشحى وبادروا بتقديمها لمأمور القسم، نظرا لأن أحد شروط الترشح أن يحصل المرشح على 10 توقيعات من أهل القرية توافق على ترشحه، بينما حصلت على أكثر من العدد المطلوب للوظيفة، وهذا طمأننى كثيرا أن أهل القرية يقفون بجانبى. وتنافست مع ثمانية رجال على هذا الموقع، وقمت بالتقديم عام 2015 إلى أن انتهت الإجراءات بعد عامين باختيارى فى المأذونية يوم 4 مايو من محكمة الأسرة.
 صفى لنا ردود الفعل بعد إعلان فوزك بالمأذونية؟
- استقبلت التهانى من جميع النوبيين والأهل والزملاء، واستقبلت برقيات للنوبيين بالخارج من أمريكا وأوروبا والدول العربية. فجميعهم يشعرون بأننى حققت إنجازا وانتصارا لأهل النوبة بصفة عامة.
 ألم يكن لديك تخوفات، خاصة أن أسوان مجتمع محافظ تسيطر عليه التقاليد الذكورية؟
- الإجماع على شخص واحد غير موجود منذ خلق الله الكون، فهناك المؤيد والمعارض لوظيفتى الجديدة، وكل ما يهمنى قدرتى على النجاح والتحدى لذاتى، ورغبتى فى الاستمرار لآخر جولة، حتى إنه سألنى أحدهم من القرية أثناء تصفيات الترشح عن مدى إمكانية تنازلى عن الوظيفة حال نجاحى، كانت إجابتى بالرفض القاطع، لدىَّ إصرار على استكمال المشوار الذى بدأته خاصة عندما وجدت كل هذا الدعم من زوجى وأساتذتى. وأدهشنى حديث أولادى من الشباب الذين يناودننى دائما «الأبلة أم كلثوم» بدعمهم وكلامهم معى، إن فوزى بلقب «المأذونة» يرفع اسم غرب أسوان والنوبة عالميا، لذا أشعر بمسئولية تجاه هذه الكلمات وسوف أتحدى أى صعوبات تواجهنى بعد تولى المنصب.
 فى تصريحات لنقيب المأذونين الشيخ إسلام عامر.. رفض عمل المرأة المأذون ووصفه بأنه غير شرعى ويبطل عقد الزواج؟
- تصريحاته هى الباطلة لأنه ليس لها أى سند من القرآن أو الحديث يحرم المأذونية، بالإضافة إلى إصدار دكتور على جمعة مفتى الجمهورية سابقا عام 2008 فتوى رقم 137 التى أجازت عمل المأذونات وأنه لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ثالثا وظيفة المأذون هو عمل إدارى توثيقى وليس له علاقة بالشأن الدينى، فالمأذونة تمارس عملها مثل أى موظفة بمصلحة إدارية، بالإضافة أن وظيفة المأذونة حديثة العهد ولم تكن موجودة أيام النبى فهى بدعة حسنة، وتم استحداثها مع اتساع الرقعة السكانية من أجل التوثيق للحفاظ على حقوق النسب والأسرة.
وأخيرا أقول له إننى عملت كموجهة تعليمية للتربية الإسلامية وأشرفت على مئات من الرجال بالمدارس، ولم يرفض أحدهم ولم يتأثر عملى لكونى امرأة، وكان الجميع يعتبروننى أستاذتهم، وكانوا يعاملوننى بمنتهى الاحترام.
 متى سيبدأ عملك وهل سيكون لك مكتب لعقد القران؟
- سوف يبدأ بمجرد استلامى دفاتر الزواج والطلاق من محكمة الأسرة خلال الأيام القادمة - وعادة يعقد القران بغرب أسوان فى المسجد -، ولكن تلقيت أول طلب لعقد قران من إحدى سيدات النوبة ،تحدثت معى هى وابنتها المخطوبة عبر الهاتف، وكانتا متحمستين للغاية بحصولى على المأذونية، وأسعدتنى جدا هذه المكالمة وشعرت بالمسئولية تجاه ثقة النساء والرجال فى عملى الجديد وإيمانهم بكسر التابوهات التقليدية التى تنمط المرأة والرجل فى مهن محددة.
 كيف ترين دلالة اختيارك كأول امرأة نوبية تصبح مأذونة شرعية؟ وهل أعاد الاعتبار لكثير من حقوق النوبة المهمشة؟
- بكل تأكيد أشعر بالفخر والسعادة، وأعتبر اختيارى انتصارا جديدا من انتصارات عام المرأة 2017  وخاصة للمرأة النوبية، فهو يحقق العدالة بين النساء فى الحصول على المناصب دون تمييز، فمثلما كانت أول مأذونة من وجه بحرى أمل عفيفى بالشرقية، وهناك مأذونة لمدن القناة وفاء قطب، أصبح هناك مأذونة للصعيد والنوبة وهى خطوة مهمة أتمنى تكرارها فى كل الوظائف، وسعيدة أن يحفز فوزى الأخريات اللاتى يرغبن فى الترشح فى الفترة القادمة سواء فى المأذونية أو على مقعد المشايخ والعمد، حيث أستمع إلى أصوات نسائية بعد فوزى تطالب بتمكينهن وفتح الباب أمامهن لكرسى العمودية بأسوان.
 ما تقييمك لفعالية مكاتب تسوية النزاعات بمحاكم الأسرة.. وهل يلعب المأذون دوراً فى الحد من الخلافات حتى لا تصل للمحاكم؟
-  لا يلجأ أهل أسوان والقرى النوبية لمحاكم الأسرة كثيرا، أو لمكاتب تسويات النزاعات، نظرا لصلات الرحم والقرابة بين الأسر، فالمأذون غالبا يتولى أمر عملية الصلح، وهذا ما سوف أمارسه بقوة من خلال عملى فى المأذونية من خلال خبرتى فى حل أزمات العلاقات الزوجية قبل الوصول للمحاكم، ومع ذلك أنوى عقد مؤتمر خلال الأسابيع القادمة يحضره ممثلو مكاتب التسوية من إخصائيين اجتماعيين ونفسيين، وقانونيين وعاملين بمحاكم الأسرة ورجال الدين وشباب القرية، للتعرف على أبرز المشكلات التى تواجه المرأة والأسرة المصرية والتى تؤدى إلى اللجوء للمحاكم، من أجل الوصول إلى حلول مشتركة تسهل عملنا سويا.
 ما رأيك فى أزمة الطلاق الشفهى التى أثيرت مؤخرا؟
- فى الحقيقة أتمنى من الأزهر اتخاذ إجراءات سريعة وإيجابية تنصف المرأة وحقوقها وتحافظ على كيان الأسرة، وأن يكون أبرز بنودها التأكيد على أهمية توثيق الطلاق الشفهى، فمثلما تم توثيق الزواج عند مأذون لابد أن يوثق الطلاق أيضا، لأن الطلاق الشفهى يفتح أبواب الجحيم على آلاف من النساء المعلقات ما بين كونها متزوجة أم مطلقة، حيث يتهرب بعض الأزواج من توثيقه حتى لا يدفعوا النفقة ومصاريف الأطفال، وأطالب الرجال بعدم استخدام «يمين الطلاق» بهذه الصورة المهينة  على المقاهى أو على دور شاى أو كوتشينة، لا ينبغى أن تأتى سيرة الزوجة على المقاهى وفى الترفيه مع الأصدقاء.
 بخبرتك فى الصلح بين زوجين على وشك الانفصال، ما أسباب ارتفاع معدلات الطلاق لتصل إلى 40 % من إجمالى حالات الزواج عام 2016؟
هذا يعود لعدم الاختيار الموفق من البداية، فضلا عن عدم فهم الطرفين لمسئوليات الزواج، وطبيعته بشكل واقعى وأنه شراكة بين الطرفين، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية الصعبة التى تلقى بثقلها على الأسرة المصرية، وانتشار الفيس بوك والإنترنت ساهم فى خلق علاقات سطحية وليست عميقة لتبنى أسرة ناجحة.
 ماذا عن قانون «الأحوال الشخصية» الحالى وهل أنت مع تعديله؟
- بالضرورة يحتاج لتعديل فهو قانون يعود لسنة1920 وعفى عليه الزمن، أى تغيرت الأزمنة والمشكلات، ويحتاج لتعديلات تواكب روح العصر والقضايا المطروحة حاليا فى ملف الأسرة وحقوق الزوجة والأبناء، وأسعى بعد الانتهاء من إجراءات استلام عملى فى المأذونية، لدراسته بشكل مفصل وتقديم ورقة بحثية عن المواد التى بحاجة إلى تعديل، والتعاون مع المنظمات النسوية فى هذا الشأن، لأنه من القوانين اللصيقة بمهنتى الجديدة.
 هل يمكن أن تضع الزوجة شروطاً فى وثيقة الزواج مثل عدم منع الزوج لها من العمل بعد الزواج وغيرها من الحقوق؟
- هذا جائز وصحيح جدا، ومن حق المرأة أن تشترط فى الوثيقة عدة بنود تكفل لها حقوقها، ولكن هذا لا يحدث فى القرى والنجوع بأسوان التى تربطها صلة قرابة بين الأزواج، وتاريخ طويل من النسب بين العائلات، ولكن يمكن أن يحدث ذلك فى المدينة والعاصمة، ولكن هى مسألة تحتاج إلى وعى من النساء أنفسهن بحقوقهن، لأن أغلب العائلات تهتم فى وثيقة الزواج بتسجيل قيمة مؤخر الصداق وغيره من الأمور المادية فقط.