الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وصية 3 خبراء لتعامل أمريكا مع مصر

وصية 3 خبراء لتعامل أمريكا  مع مصر
وصية 3 خبراء لتعامل أمريكا مع مصر


تابعنا جلسة اللجنة الفرعية للاعتمادات بمجلس الشيوخ الأمريكى، التى انعقدت الثلاثاء الماضى لمناقشة المساعدات الأمريكية لمصر، برئاسة السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام، وبشهادة ثلاثة خبراء أو بالأحرى مسئولين سابقين بالخارجية ومجلس الأمن القومى، وهم: ميشيل دن مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنيجى، وتوم ماليونسكى مساعد وزير الخارجية السابق، وإليوت أبرامز مستشار مجلس الأمن الأسبق للشرق الأوسط فى عهد بوش الابن وعضو مجلس العلاقات الخارجية حاليا.

ومبدئيًّا، وقبل أن نخوض فى تحليل مضمون ونتيجة هذه الجلسة، نرى أنه من المهم أن ندرك أن تلك الجلسة تقليدية ودورية وعادة ما تُعقد فى كل عام قبل مناقشة وتمرير ميزانية المساعدات الأمريكية الخارجية. وعادة ما يُنظر بعين العناية إلى توصيات الخبراء أو المسئولين الذين تتم دعوتهم فى تلك الجلسات، قبل البت نهائيا من قِبَل الكونجرس الآمر الناهى والمتحكم فى أوجه  تحديد الميزانية والمال العام الأمريكى.
وبقراءة متأنية فى الأفكار والنقاط التى طرحها الخبراء الثلاثة أمام لجنة الاعتمادات، نلاحظ حجم المعلومات والأرقام التى ساقها هؤلاء يوحى ترتيبها ودقتها بأنها جزء من دراسات معلوماتية وملفات أعدها محترفون لم يتركوا فى مصر قياسا أو شاردة وواردة دون رصد وتقييم! وهو الأمر الذى سيقودنا فى النهاية إلى نتيجة واضحة، وهى أن جهات صنع القرار الأمريكي- بغض النظر عن رؤية ترامب وموظفيه من المعينين سياسيا-تميل إلى تقييم وتوصيات هؤلاء.
فبماذا أوصوا؟
نجد ميشيل دن التى كانت دوما تضع الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كأولوية، نجدها تعطى أولوية للوضع الاقتصادى وتطالب بتوجيه معظم المعونة للمنح الدراسية المبنية على استحقاق من يحصلون عليها فى التعليم العالى أو المهنى فى مؤسسات الكفء، وأوصت بـاستمرار المساعدة المباشرة لمنظمات المجتمع المدنى المصرية. والتوقف عن تقديم الدعم المالى للحكومة فى ظل الظروف الحالية، سواء كان ذلك فى شكل تحويلات نقدية أو ضمانات قروض، لأنّها رأت أن هذه الأموال سوف تختفى سريعًا دون فائدة ملموسة للمواطنين المصريين. فى نفس الوقت نجدها تؤكد أن السلام بين مصر وإسرائيل مستقر على المستويين العسكرى والاستخباراتى، فى مقابل سلام بارد على المستوى المدنى، لتمهد لتوصية بتغيير طبيعة تسليح وتدريب الجيش المصرى قائلة: «إنَّ قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر قد استقرت عند 1.3 مليار دولار سنويًا، بينما تناقصت المساعدات الاقتصادية لتستقر عند 150 مليون دولار سنويًا. وتستخدم مصر معظم المساعدات العسكرية فى تسليح نفسها بأسلحة ثقيلة (مثل الطائرات ثابتة الجناحين والدبابات) وهى أسلحة تصلح لحرب برية لم تخضها مصر منذ عام 1973 ومن المرجح ألا تخوضها أبدًا، متجاهلة النصيحة المستمرة من المسئولين الأمريكيين بتخصيص المزيد من الأموال فى التدريب والأسلحة الأخف، والتكنولوجيا الأعلى.
وانتقدت «دن» أداء مصر الاقتصادى بما فى ذلك تعويم الجنيه الذى تسبب فى ارتفاع كبير فى نسبة التضخم إذ يكون مصحوبا بخطوات لزيادة الاستثمار وتوليد الوظائف،  حسبما قالت «دن» قبل أن تعرج على قضايا حقوق الإنسان وتسرد نسب البطالة والتضخم، ولتوصى فى نهاية شهادتها الطويلة بإعادة تقييم المساعدات إلى مصر لتخدم مصالح الولايات المتحدة ومصر وأن تكون المساعدة الأمنية مشروطة بوقف القتل خارج إطار القانون، والتعذيب، والاختفاء القسرى. ومصحوبًا بخطوات لزيادة الاستثمار وخلق الوظائف، وأن الولايات المتحدة قد ساعدت مصر بالفعل فى معالجة مشاكلها المالية عندما دعمت الطلب المصرى بالحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولى، وحين شجعت المملكة العربية السعودية على تقديم بترول لمصر شهريا بمئات من ملايين الدولارات!
أما شهادة إليوت أبرامز، وهو محسوب وبقوة على تيار المحافظين الجدد ولوبى إسرائيل، فقد لفت نظرنا تركيزه الشديد وتبنيه لأفكار كانت إسرائيل ورجالها فى واشنطن أول من طرحوها منذ ما يزيد على العشر سنوات، وهى أفكار كانت تتحدث عن ضرورة تحويل المساعدات الأمريكية العسكرية لمصر إلى مساعدات اقتصادية، ووقتها، وهنا فى «روزاليوسف» لفتنا إلى خطورة هذا الامر وتحديدا فى  يناير 2007 وتحت عنوان «فكة المعونة الأمريكية هل تحتاجها مصر»! وجاء فيها «علينا أن نبلغ واشنطن صراحة شكرنا العميق لمساعدتهم الاقتصادية والاعتذار عنها لأنها لا تحقق أيا من أهداف التنمية فى مصر، علينا إبلاغهم صراحة بأن مصر تكبدت وتتكبد سنويا أضعاف أضعاف هذه المساعدات فى مكافحة الإرهاب، الذى صُدِّر إلينا من الخارج، فالمصريون يدفعون ثمن زعزعة الاستقرار فى المنطقة التى كانت إدارة بوش أحد أسبابها. فالمساعدات الاقتصادية حاليا «مش جايبة ثمنها»، إلا إذا كانت حقيقية وموجهة للمصريين وليس ضدهم، فهناك مليون طريقة لدعم الديمقراطية ليس من بينها تكريس الانقسام والخلافات فى المنطقة. وعلى ذلك فإن الخيارات واضحة إما أن تستغنى مصر عن الفكة المتبقية مع خالص الشكر لواشنطن، لتصبح بذلك أكثر حرية فى تحديد نوع التعاون الذى تريده، وبالتالى تثمينه وفق مصالحها القومية، وهو ما فعله رئيس الوزراء «الإسرائيلى» الأسبق «نتنياهو» عندما أعلن أمام أعضاء الكونجرس تخلى إسرائيل عن المساعدات الاقتصادية الأمريكية تحت قبة الكونجرس، ولكنه قبل أن يغادر واشنطن كان قد اتفق على مساعدات جُلها عسكرية تتجاوز قيمتها قيمة المساعدات التى تنازل عنها أمام الكونجرس الأمريكى.
كما أن هناك خيارا آخر يتمثل فى مواجهة واشنطن بمطالب مصرية لمضاعفة المساعدات مع ضخها فى مشاريع قومية بعينها، ولمزيد من الاستثمارات على الأراضى المصرية، وفى هذه الحالة فإنه على «الأمريكيين» دفع استثماراتهم بشكل قوى إذا كانوا جادين فعلا فى المساعدة؛ وتبنى مشروعات تنموية حقيقية.. مثل تنفيذ برنامج لمحو الأمية سيتكلف على الأقل 5 مليارات دولار سنويا، على مدى عشر سنوات، لمحو الأمية فى مصر تماما، وغيره الكثير الذى يمكن من خلاله برهنة واشنطن على جديتها فى دعمها لمصر وليس مجرد توزيع فكة»!
وعودة لشهادة إليوت أبرامز سنجده ليس فقط يطالب بأفكار إسرائيلية المنشأ، بل بمطالب أمريكية تسير فى نهج مشابه لما قالته ميشيل دن، وهى أيضا نفس الأفكار التى نشرناها هنا على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية حول مطالبة واشنطن بـأن يتم تغيير المنظومة العسكرية المصرية إلى شكل أخف، أى يتحول من جيش نظامى إلى جيش لمحاربة الإرهاب يعتمد الطائرة دون طيار ولفرق عسكرية لجيش  يتسم بالمرونة والمبادرة حتى لو كانت أعداده أقل لمواجهة خطر الإرهاب، ويرون أن دعوة مصر لتحديث جيشها بشكل يوفر له المرونة والتسليح الخفيف المتطور وفى إطار منظومة تتضمن التدريب المكثف واستخدام تكنولوجيا متطورة تدار بالستالايت وطيران يعتمد الإبرار الجوى والانتشار السريع واستخدام الطائرات دون طيار، ومشروعات تدريبية لقوات خاصة وأدوات وفرق استخباراتية ومشاة على نسق فرق النخبة مثل ذوى القبعات الخضراء، وكذلك المارينز، ويرى العسكريون الأمريكيون أن ذلك التحول إن حدث فى مصر فمن شأنه أن يساهم فى القضاء على الإرهاب والمساهمة فى تحالف تدعو إليه أمريكا للقضاء على الإرهاب فى المنطقة وفى المحيط الخارجى لها كأفريقيا وتكون مصر فيه رأس الحربة فى نطاق التعاون مع كل من قيادتى، المنطقة المركزية وأفريكوم الأمريكيتين!
أما إليوت فقد قال فى شهادته إنَّ ثمة تشابهًا كبيرًا بين هيكل المساعدة الأمريكية إلى مصر وهيكل الجيش المصرى، وهو أنَّ كليهما قد أنشئ منذ عقود مضت، وكليهما بحاجة إلى إعادة التفكير والتطوير.
واستعرض أبرامز - من الورق - بيانات المساعدات المقدمة لمصر سنويًا مشيرا إلى أن الشرق الأوسط قد تغير وكذلك نفوذ مصر! وقال: إنَّ الولايات المتحدة كانت إذا أرادت تحقيق شيء، أو حجبه، فى جامعة الدول العربية مثلا فإن الأمر كان لا يستغرق أكثر من محادثة مع الرئيس المصرى. وإن مصر كانت محورية بالنسبة إلى «عملية السلام» «الإسرائيلية» الفلسطينية. أما اليوم، فليس لمصر دور مهم فيما يتعلق باليمن أو العراق أو سوريا، بل لم يعد لها دور فى الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين! هذا كان كلام إليوت أبرامز الذى استعرض أيضا بشيء من الانتقاد سعى جيش مصر لتطوير قدراته التقليدية بمزيد من الصفقات العسكرية التى أتمتها مؤخرا مع فرنسا وروسيا وألمانيا. وتساءل أبرامز عن مدى ملاءمة هذه الأسلحة لمواجهة جماعات مثل داعش.
أما شهادة  توم ماليونسكى فقد ركز فيها على ملف منظمات المجتمع المدنى، موضحا كيف أن  المسئولين الأمريكيين قد أمضوا وقتا طويلا مع المسئولين فى مصر محاولين إقناعهم بالإصلاحات الاقتصادية، وتحسين الاستراتيجيات العسكرية، واحترام حقوق الإنسان، لكنَّ ذلك كله كان بلا طائل. وليس من المحتمل أن ينجح الاستمرار فى هذه الجهود فى تحسين الأوضاع. وأشار إلى الفيديو الذى ظهر الأسبوع الماضى يظهر إعدام سجناء فى سيناء، وقال توم ماليونسكى: يبدو أنهم قد نقلوا على عربات همفى أمريكية ومثل هذه الحادثة قد تتطلب، طبقًا لقانون ليهى، تعليق المساعدة إلى القوات فى سيناء ما لم يعاقب المسئولون عن هذا الحادث.
كان هذا ملخصًا قصيرًا لجانب مما ذكر فى هذه الجلسة الاعتيادية ويمكننا تلخيص المتوقع فى إطار فيه الكثير مما تشى به سطور كلمات الشهود وما جاء على ألسنة أعضاء اللجنة من الشيوخ:
- إنه وبناء على خلفية جميع الشهود فإن كل ما نطقوا به يعبر عن وجهة النظر الآن لدى مؤسسات صنع القرار الأمريكية! وإن على القاهرة أن تدرك ذلك جيدا وهى تضع خطوط استراتيجية التعاطى مع المطالب الأمريكية على المدى المنظور الذى بدأ بزيارة وزير الدفاع الأمريكى، وسيتضح بشكل أكبر خلال زيارة ترامب المتوقعة لمصر وللخليج وإسرائيل الشهر المقبل!
- إن المساعدات الأمريكية لمصر حتى إذا تم تمريرها هذا العام إلا أنها غير مضمونة بنفس الكم والكيف فى السنوات المقبلة لاسيما مع تكريس فكرة أن مصر لن تحارب إسرائيل ولم تعد تتهدد أمنها، وبالتالى فوجهة نظرهم  تعتمد على أن مصر ليست فى حاجة لسلاح نوعى أو ثقيل وهم يحاربون عصابات إرهابية! وإن المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لمصر غير مربوطة رسميا وعلى الورق بـ«اتفاقية كامب دافيد» وإن خطاب كارتر للسادات لا يعتد به أمريكيا كاتفاق أو تعهد.. لاحظوا هنا كيف أن إدارة أوباما رغم خلافاتها مع نتنياهو حرصت فى سبتمبر الماضى على تأمين إسرائيل لعشر سنوات مقبلة بـاتفاقية تشمل حزمة مساعدات عسكرية غير مسبوقة حجمها 38 مليار دولار على الأقل فى اتفاق يوفر لإسرائيل مساعدات عسكرية دون الحاجة للمرور بالكونجرس لمدة عشر سنوات، وهو أكبر التزام بالمساعدات العسكرية الأمريكية لأى دولة على الإطلاق!
- إن علينا أن ندرك جيدا أن إسرائيل ليس لها صديق ولا حبيب وأنه جاء اليوم الذى تتحقق فيه أمنية نتنياهو وشركاه التى كان دوما يلخصها عضو كونجرس راحل وهو توم لانتوس المعروف بأنه من ضحايا الهولوكست فى سؤال وجهه للرئيس الأسبق بوش: «هل تعتقد أنَّ مصر بحاجة إلى المزيد من الدبابات أم المزيد من المدارس»؟!  أى مطالبة صريحة بالنظر فى إلغاء المساعدات العسكرية لمصر وتحويلها لمساعدات اقتصادية بالتوازى مع ضرب مسألة مشاركة مصر فى التصنيع الحربى للدبابة أبرامز مثلا، لكن المطالبات الأمريكية الأخيرة بتحويل جيش مصر من جيش نظامى إلى جيش لمحاربة الإرهاب وفرت لهم المطلوب.
- إنه لا شهر عسل طويلاً مع ترامب، وإن علينا توقع قصره وربما انتهائه سريعا وإن زيارته لمصر والسعودية وإسرائيل الشهر المقبل لا تعنى أنه ملزم بكل ما يتعهد به وله علاقة بميزانية، ذلك لأن هذا الأمر معلق بيد الكونجرس الأمريكى، وليكن فشل ترامب فى تعديل قانون الرعاية الصحية وفشله فى الحصول على ميزانية لبناء جدار حدودى مع المكسيك فتظل أغلبية جمهورية لحزبه، لكن كل هذا دليل أمامنا ونحن نتفحص المتوقع.