الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أمهات هزت عرش الإنسانية

أمهات هزت عرش الإنسانية
أمهات هزت عرش الإنسانية



فى الوقت الذى يلعب فيه الصبيان بالعصى والبنادق تحتضن الفتيات الدمى لتكون أمها الحنون التى ترفق بها وتهتم بها حتى إنها تطعم تلك الدمية الصماء مما تأكل ومع الزمن تتأجج الأمومة أكثر فأكثر حتى تفيض على أولاد وبنات لم يحملهم رحمها ولا عاشت معهم الأم المخاض، هذه هى أعلى درجات الأمومة.




أم القرن


راهبة خرجت من ديرها لتساعد محتاجى الأرض فكلنا فى العالم العربى نعلم جهودها المبذولة فى الهند خلال فترة تفشى الأوبئة والمجاعات والتى نالت على إثرها جائزة نوبل للسلام، لكن القليلين يعرفون جهود تلك الراهبة خلال أحلك اللحظات التاريخية على لبنان أيام الحرب الإسرائيلية والطائفية فيها، وخلال شهر أغسطس عام 1982قامت الأم تريزا، بزيارة بيروت لتقديم المعونة لمتضررى الحرب.
خلال الاجتياح الذى اكتسح الأراضى اللبنانية، استطاعت أن توقف إطلاق النار لفترة من الوقت بعد ضغط سياسى على الطرفين، حتى يتسنى لها ولجمعيات الإغاثة إنقاذ مجموعة من الأطفال المرضى كانوا محاصرين فى أحد المستشفيات.
ساعدت الأم تريزا على إخلاء 37 طفلاً من المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة فى مستشفى الأمراض النفسية، فى مخيم صبرا للاجئين. وما إن دخلت مستشفى الأمراض العقلية والنفسية التابع لجمعية دار العجزة الإسلامية، حتى انقلبت تجاعيد وجهها إلى ابتسامة عريضة، وبدأت بمعانقة مجموعات الأطفال الملقين على الأرض.
الأم تريزا التى كانت تبلغ آنذاك 72 عامًا، كانت متشحة بالثوب الأبيض المهدب باللون الأزرق، وتحركت بهدوء بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والواحدة والعشرين من العمر، وكانت تصافحهم باليد واحدًا تلو الآخر.
لم يكن معظم الأطفال يعون ما يدور حولهم. فباشر بعضهم البكاء. وبينما حاولت الأم تريزا أن تواسيهم، بدأ عاملو الصليب الأحمر الدولى واحدًا واحدًا، مع الأم تريزا نفسها، بالتقاط الأطفال. وكان الكثير منهم مشوهًا، وبعضهم الأكبر سنًا، رغم كونهم معاقين أيضًا، كان يؤخذون معهم ليساعدوهم فى العناية بالأصغر سنًا.
وتم وضع الأطفال فى أربع سيارات تابعة للصليب الأحمر، فاصطحبتهم تريزا عبر خطوط المنطقة الخضراء، الفاصلة آنذالك بين بيروت الغربية والشرقية، إلى مدرسة الربيع فى المنطقة الشرقية، وهى جمعية كانت أسستها قبل عامين.
ولدى سؤالها عن انطباعها، قالت الأم تريزا: «لم أكن فى الحرب أبدًا، لكنى عانيت الجوع والموت. وكنت أتساءل كيف يشعر البشر عندما يفعلون ذلك. أنا لا أفهم هذا الأمر. إنهم كلهم أبناء الله. لماذا يفعلون هذا؟ لست أفهم».


أم المصريين


صفية مصطفى فهمى باشا،ابنة السياسى الشهير تركى الأصل الذى يعد من أوائل من شغلوا منصب رئيس الوزراء فى عصر مصر الحديث.
داخل قصرها المفتوح للعامة كانت تستقبل أبناء الطبقات المهمشة لتحتضنهم، فهى لم تلقب بذلك اللقب فقط بسبب زوجها السياسى الشهير سعد زغلول الذى نال لقب أبوالمصريين بعد ثورة 1919 لكن لما وجد الناس منها من طيبة ورفق بحالهم وبحال أبنائهم ومساعدتها لهم فكان منزل الأمة مأوى للمفكرين والمثقفين وكل محتاج من أبناء الأمة.
عاشت صفية زغلول 20 سنة بعد رحيل زوجها سعد زغلول، قضتها فى مواصلة النضال من أجل الحرية والاستقلال، حتى إن رئيس الوزراء إسماعيل صدقى هددها صراحة وطالبها بالابتعاد عن العمل السياسى، لكنها استمرت فى المطالبة بحقوق الوطن الضائعة حتى وفاتها فى 1946م.
لم تكن تتوانى فى الأعياد والمناسبات عن الذهاب لدور الأيتام وطرق منازل الأرامل والمحتاجين لمساعدتهم بما تستطيع.
وأرجعوا ذلك إلى حرمانها من نعمة الأمومة.


أم اللاجئين


تمتلك أنجلينا سحراً وجمالاً رائعين جعلاها تدخل قلوب محبيها وتأسرهم فى جميع الأدوار التى تقوم بها.
إلا أن نجومية أنجلينا جولي لم تتعارض أبداً مع حبها ورعايتها لأبنائها الستة التى حاولت دائماً أن تكون معهم فى جميع المناسبات والحفلات وأن تقضى معهم أجمل الأوقات الخاصة بهم.
حتى بعد الصدمات المتتالية التى نالتها فى الفترة الأخيرة إلا أن أنجلينا مازالت تواصل رعايتها لأطفالها بجانب اهتمامها بقضية أطفال سوريا وأطفال أفريقيا فلم تتوان للحظة على زيارة سوريا لمساعدة أطفالها ومازالت جمعياتها الموجودة بأفريقيا ترعى الآلاف من الأطفال والأمهات ضحايا الصراعات العرقية والسياسية هناك.
اعترفت أنجلينا بأنها تشعر بأنها منهكة القوى تماما بسبب أطفالها الستة بعد أن عرفت باللقب الذى نشرته الصحف العالمية لقب «الأم الخارقة».
وقالت إن ذلك يرجع إلى انشغالها بمهامها كأم، وممثلة، بالإضافة إلى مشاركتها فى مهام إنسانية.
وأضافت جولى: «تأتى على بعض الأوقات التى لا أستطيع النوم فيها وأتساءل: كيف سأنهى كل هذه المهام».
تجدر الإشارة إلى أن جولى والممثل براد بيت لديهما ثلاثة أبناء بالتبنى هم مادوكس من كمبوديا وباكس-ثين من فيتنام وزهرة من إثيوبيا، بالإضافة إلى ابنة تدعى شيلوه وتوأم أنجبته جولى.

أم العيانين

إذا كان هناك جنود مجهولون فهناك جنديات مجهولات فى صفوف المعركة ضد الفقر والمرض، رحلت فى هدوء ليلى دوس عن عمر يناهز 98 عاماً ويصعب أن نتحدث عن هذه السيدة فى بضع سطور، لا نستطيع أن نصف تلك السيدة بالكلمات فيكفى أنها فى أواخر أيام حياتها شاركت وهى على كرسى متحرك فى ثورة 25 يناير.
ولدت ليلى دوس من أسرة متيسرة فى أسيوط عام 1917 وكان جدها لوالدتها حبيب شنودة هو عمدة أسيوط، وكان شديد الثراء. أما والدها فكان رجلاً عصامياً من أسرة متوسطة، تخرج فى كلية الحقوق وفتح مكتبا مع اثنين من أشقائه فى منطقة الفجالة عام 1893، ثم عاد إلى أسيوط ليعمل بمكتب سنيوت حنا باشا المحامى الشهير فى ذلك الوقت. وبعدها عاد إلى القاهرة مرة أخرى ليمارس مهنة المحاماة هناك، وتزوج فى سن 25 عاماً وأنجب عدة أبناء وبنات، وكان من بينهم ليلى دوس.
أنهت دراستها الثانوية عام 1938 من مدرسة «القلب المقدس» وعندما أبدت رغبتها فى مواصلة دراستها الجامعية رفض والدها، وكان محامياً مشهوراً وسياسياً لامعاً فى ذلك الوقت، وكان رده القاطع «لا جامعة للبنات».. ولكن كانت ليلى دوس شخصية متمردة وتضع أمام عينيها- وفق ما ذكرته فى مذكراتها التى كتبتها على مدى 16 عاماً- أن رائدات العمل الاجتماعى والمدافعات عن تحرر المرأة وأيضا المدافعين عن المرأة من الرجال كانوا مثلها الأعلى فى الحياة.
بدأت فكرة جمعية تحسين الصحة عندما علمت ليلى دوس بعد تخرجها فى المرحلة الثانوية عام 1933 أن هناك شكوى من الدكتور محمود أباظة، رئيس قسم الأمراض الصدرية بمستشفى الصدر التابعة للدولة، وكيف أن مرضى السل المعدمين يصرون برغم حالتهم الصحية المتدهورة، أن يتركوا المستشفى، ولا يكملون العلاج للسعى وراء توفير لقمة العيش لأسرهم.. مما يؤدى إلى موتهم وتحدث د.أباظة فى هذه المشكلة مع السيدة إيفى محمود - وهى سيدة إنجليزية كانت متزوجة من مدير الهلال الأحمر المصرى فى ذلك الوقت.
وهنا وجدت ليلى دوس ضالتها المنشودة، والعمل الذى ستكرس حياتها فيما بعد من أجله.. فقامت بالاتصال بعدد من صديقاتها فى الدراسة وعلى المستوى العائلى وهما عايدة  علوبة وشريفة لطفى ونعمة برزى، وأيضا اتصلت بالسيدة إيفى محمود وحددوا موعداً واقترح عليهم فى البداية زيارة عدد من أسر مرضى السل ليروا على الطبيعة أحوالهم المعيشية المتردية. وتذكر ليلى فى مذكراتها كيف صدمت من المشاهد التى تصيب بالغثيان بسبب مشهد الفقر المدقع والحجرات التى بلا إضاءة وتترعرع فيها الرطوبة ومعيشة أبناء هؤلاء المرضى معهم فى نفس المكان مما يعرضهم لخطر العدوى. وخرجت ليلى وزميلاتها مصممين على تكوين جمعية نسائية لتحسين الصحة.. أسستها السيدات سالفة الذكر لمساعدة  أسر هؤلاء المرضى من هذا المرض الرئوى اللعين الذى كان يضرب أرجاء مصر فى تلك الفترة.
واجهت فكرتها العديد من الصعوبات المادية فقمن بدعوة الملكة فريدة لتنال الجمعية القليل من الدعم ولتزليل العقابات البيروقراطية حيث كان لابد من الحصول على تراخيص وأذونات كثيرة للعمل.
استطاعت الجمعية فى نهاية عام 1937 فتح حساب باسم الجمعية بمبلغ 1000 جنيه مصرى فى بنك مصر، وأقامت الجمعية فيما بعد عدة أسواق خيرية، ولكن عندما شكت ليلى لوالدها أنهم يبذلون مجهوداً كبيراً فى إقامة الحفلات والأسواق الخيرية، اقترح عليها توفيق دوس المحامى أن يتم عمل الحفلات الراقصة لتدعيم الجمعية داخل منزلهم، وكانت هذه مفاجأة لليلى.. ونجحت الفكرة ورحب الجميع بحضور هذه الحفلات وتم طبع 300 تذكرة وكان الشباب يستمتع بالرقص فى هذه الحفلات ويجتمع كبار السن حول الموائد ليتبادلوا الحديث، وكانت الفنانة تحية كاريوكا من أكثر المتطوعات برقصها فى حفلات الجمعية وظلت مخلصة لجمعية تحسين الصحة ولليلى على مدى سنوات طويلة.
واستمرت نشاطات الجمعية على مدار العقود فى مساعدة مرضى السل وعكفت ليلى من خلال الجمعية على مساعدة آلاف المرضى والمحتاجين طوال السنوات التى عاشتها.