النفوذ يطيح بالكفاءات فى وزارة الصحة

درية الملطاوي
كم نحتاج من الوقت لنتغير؟! كم نحتاج من الزمن لنتعلم؟! كم نحتاج من العبر ليعتبر البعض ويحاول الإصلاح من شأنه، وتصرفاته وبالتالى قراراته؟! كم ثورة؟! وكم عددا من السنوات والأزمنة؟! أم أن الأمر كما يقول البعض صعب ولا فائدة؟
ليس الفساد فقط فى الرشوة والتربح، لكنه يكمن أيضاً فى استغلال النفوذ وغياب الحكمة والعناد القاتل والإحساس الزائف بالنفس وسلطة «المنصب» الذى يطيح بالآخرين ويبطش بهم لمجرد عدم رضوخهم لأى قرار حتى ولو كان خطأً.
إنه الكرسى والنفوذ عندما يفقدان الرؤية والبصيرة فيتحولان إلى وحش كاسر يخسف بالبعض حتى ولو كان ذلك ليس فقط على حساب الضحايا بل على حساب المصلحة العامة أيضاً.
نعم ما حدث فى وزارة الصحة فى أكثر من واقعة كان بطله النفوذ وسوء استغلاله للإطاحة بالكفاءات، فلا صوت يعلو على صوت القوة المسنودة حتى ولو كان صوت الحق نفسه.
فى الوقت الذى تحاول فيه الجهات المسئولة والمعنية بمكافحة الإدمان وعلاج المدمنين والمتعاطين - والمتمثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى ووزارة الصحة وجهات أخرى تكثيف الجهود لمواجهة هذا الخطر الداهم، نجد من يشذ عن هذه القاعدة ويضعف من دورها بل يحاول إبعاد الكفاءات فقط لمجرد تنفيذ أوامره التى لا يجرؤ أحد على مخالفتها. والنتيجة الإطاحة بكفاءات كان من الممكن أن تلعب دوراً فى هذه المنظومة.
تبدأ الحكاية من خلال الانتدابات التى يقوم بها بعض الوزراء لبعض من أصدقائهم أو زملائهم فى الجامعة التى كانوا يعملون بها ليتقلدوا مناصب قيادية فى وزارة الصحة، وهنا نتذكر أهل الثقة وأهل الخبرة فيبدو أن البعض لا يطمئن للعمل إلا إذا كان معه من يثق به، ومن ناحية أخرى «من جاور السعيد يسعد».
من هنا يبدأ تحكم المنتدبين بأريحية كاملة وهو ما سنراه فى السطور القادمة من خلال أكثر من واقعة يروى كل منها مأساة النفوذ عندما يعبث بالكفاءات ويبطش بها.
الدكتور تامر العمروسى إحدى ضحايا استغلال النفوذ يحكى بمرارة ما حدث معه، حيث عمل كمدير إدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة وذلك فى الفترة من 2008/2009 وأيضاً فى الفترة من 2011 وحتى 2014.
وفى أثناء ذلك، قام بإنشاء وحدتين جديدتين لخدمة علاج إدمان المراهقين إحداهما فى مستشفى العباسية للصحة النفسية والأخرى فى مستشفى حلوان للصحة النفسية.
وبتاريخ 3 مارس 2016، تقدم الدكتور تامر لعضوية مجلس إدارة الجمعية المصرية للطب النفسى، وبالفعل أصبح أحد أعضاء مجلس الإدارة دون إذن مسبق من كبار الأطباء النفسيين، فكان العقاب المتمثل فى التنكيل به.
إذ حدث خلاف بينه وبين الأستاذ الدكتور هشام رامى الأمين العام للصحة النفسية بوزراة الصحة والمنتدب من جامعة عين شمس منذ عدة سنوات، فقام الدكتور تامر بالاعتذار عن مواصلة عمله بالأمانة العامة بوزارة الصحة، وعاد للعمل بمستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية حيث كان يعمل بها منذ شهر فبراير 2014، حتى قام السيد أمين عام الصحة النفسية - مستغلاً سلطته ونفوذه ــ باتخاذ قرار بتكليفه للعمل بمستشفى حلوان للصحة النفسية التى تبعد عن مكان إقامته بأكثر من مائة كيلومتر وذلك لمدة عام، على أن يكون ذلك بدءاً من 12 أكتوبر 2016.
هنا لم يجد الطبيب سوى التظلم من هذا القرار الذى وقفنا أمامه لأنه يمثل النموذج الصارخ لاستغلال النفوذ والعبث بصحة الآخرين، حيث إن الدكتور تامر يعانى من حساسية على الصدر وربو شُعبى وكل ذلك مثبت بتقرير من المجالس الطبية المتخصصة عام 2005. وبناء عليه تم إعفاؤه من قبل من العمل بالمناطق النائية والصناعية.
والغريب فى الأمر أنه تم إثبات ذلك للمرة الثانية بكشف آخر من لجنة أخرى من المجالس الطبية المتخصصة وذلك فى نوفمبر 2016، إذ أكدت للمرة الثانية عدم قدرته على العمل بالمناطق الصناعية. وحيث إن حلوان مدينة صناعية وبها الكثير من الملوثات الصناعية، فسوف يضر ذلك بحالته الصحية ضرراً بالغاً بل ويهدد حياته بالخطر.
هنا لم يجد الدكتور تامر أمام هذا التعنت والإصرار على الإضرار به سوى قيامه بتقديم شكوى برقم 15579 فى 27 أكتوبر 2016، للأستاذ الدكتور عماد الدين راضى وزير الصحة وأيضاً شكوى أخرى للأستاذ الدكتور هشام رامى الأمين العام للصحة النفسية وصاحب قرار النقل، وذلك ببرقية رسمية وخطاب مسجل بعلم الوصول.
والأمر العجيب أن جاء برد السيد الأمين العام للصحة النفسية أن الدكتور تامر من الكفاءات التى يجب استغلالها لتحسين خدمة علاج الإدمان بمستشفيات الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان؟!
وقد فوجئ الطبيب الضحية بتاريخ 27 نوفمبر 2016 بإخلاء طرفه رغماً عنه ( إخلاء إدارياً) ما يعنى منعه من الحضور للعمل بمستشفى مصر الجديدة وإجباره على الحضور للعمل بمستشفى حلوان!
ومرة أخرى وأمام هذا التعنت واستغلال النفوذ تقدم بشكوى أخرى إلى النيابة الإدارية المختصة، وذلك بتاريخ 28 نوفمبر 2016 بتظلم من قرار الإخلاء الإدارى وأيضاً شكوى مماثلة للأستاذ الدكتور وزير الصحة، ومازال الموضوع قيد البحث فى النيابة الإدارية، حيث إن الأمين العام قام باستغلال سلطاته لإجباره على إخلاء طرفه من مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية ومحاولة إجباره رغماً عنه على التواجد بمستشفى حلوان الأمر الذى يتعارض تماماً مع حالته الصحية.
ونتوقف هنا لنتساءل: لماذا لم يراع الأمين العام الحالة الصحية للطبيب الضحية والذى كان من نتيجته منعه من الحضور لمستشفى مصر الجديدة وفى نفس الوقت تعذر تواجده بمستشفى حلوان حتى تم اعتباره منقطعاً عن العمل؟!
وهناك سؤال آخر: كيف يمكن للأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان أن تترك قسم الإدمان بمستشفى حلوان للصحة النفسية دون طبيب لمدة تجاوزت الشهرين ولم تقم بتعيين طبيب آخر.
أما سؤال الدكتور تامر الضحية والذى لا يجد له إجابة كيف يمكن للأمانة العامة أن تتخذ قراراً يؤدى إلى فصله من العمل، وبالتالى الاستغناء عن إحدى الكفاءات لديها وذلك بشهادة الدكتور الأمين العام للصحة النفسية وعلاج الإدمان.
واستمراراً لهذه المهزلة التى لا يصدق أنها تحدث فى وزارة الصحة بل وفى أى وزارة أو جهة عمل، أنه رغم قيام السيد وزير الصحة فى 18 ديسمبر 2016 بالرد على الشكوى المقدمة من الطبيب برقم 15095 وذلك بخطاب للدكتور هشام رامى شخصياً، إلا إنه عندما توجه الطبيب للأمانة العامة للصحة النفسية يومى 19 و21 ديسمبر للسؤال عن رد الدكتور وزير الصحة على شكواه - وترك طلباً للأمين العام للاستفسار عن هذا الرد- رفض المسئولون بالأمانة العامة استلام طلب استفساره عن رد السيد الوزير قائلين: إنها أوامر الأمين العام؟!
فما كان منه إلا إرسال برقية مسجلة تحمل نفس المضمون لوزير الصحة وللأمين العام.
وفى يوم 22 ديسمبر تلقى خطاباً من مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية يفيد إنذاره بانقطاعه عن العمل بمستشفى حلوان للصحة النفسية، فكيف يحدث هذا وقد قامت مستشفى مصر الجديدة بإخلاء طرفه ولم يعد له علاقة بها بعد قرار السيد الأمين العام؟! وما علاقة المستشفيين ببعضهما؟؟
ولم يجد الطبيب سبيلاً أمامه سوى التوجه إلى مستشفى مصر الجديدة للصحة النفسية لكنهم رفضوا إثبات حضوره (مثبت حضوره بدفتر الأمن على البوابة).
ومرة أخرى أبلغوه أنها أوامر الأمين العام! وهنا طلب منهم الطبيب إما تحويله للتحقيق أو تحويله للأمانة العامة، فرفضوا أيضاً قائلين أن دورهم فقط إنذاره ولا يستطيعون إعطاءه أى ورقة تنفيذاً لأوامر الأمين العام الذى ظل قرابة الأسبوعين وهو يتكتم على رد الوزير حتى تم فصل الدكتور تامر من العمل!
والغريب فى الأمر أن المعلومات التى توفرت لدينا تؤكد أن رد السيد الوزير جاء فى مصلحة الطبيب ويشهد بكفاءته.
الأغرب من ذلك أيضاً أن هذه الحرب النفسية لم تقف عند حد الإطاحة به، بل وصلت أيضاً إلى محاولة الإطاحة بمستقبله وبالتالى بحياته العملية، حيث تم إبلاغ الأمن الوطنى عن هذا الطبيب بمعلومات غير حقيقية على الإطلاق نكايةً فيه، الأمر الذى تأكد منه الأمن الوطنى بتحرياته، فأى مناخ هذا يتيح له العمل والإنتاج وأداء رسالته كطبيب فى تخصص يحتاجه المجتمع لمقاومة انخراط الشباب فى الإدمان.
ويبدو أن هناك ضحايا آخرين للسيد الأمين العام للصحة النفسية ولكن منهم من يؤثِر الصمت ومنهم من هجر العمل بالأمانة بالفعل ليتم تعيين من هم أقل منهم خبرة فبماذا نسمى هذا يا سادة؟
ولنسمع حكاية أخرى لا تقل غرابة عن حكاية الضحية الأولى الدكتور تامر العمروسى الذى يجد نفسه رغم كفاءته وعلمه خارج خدمة وزارة الصحة.
الدكتورة منال جمال الدين حصلت على الدكتوراه فى الطب النفسى عام 1999 وكانت تعمل كاستشارى أول منذ عام 2006، كما عملت بأقسام علاج الإدمان بوزارة الصحة منذ عام 2000، وأيضاً حصلت على درجة كبير الأطباء المتخصصين منذ عام 2012، بالإضافة لحصولها على تدريبات أكاديمية وعملية فى علاج الإدمان من زمالة الجمعية الأمريكية للإدمان ومعهد التدريب بوادى النطرون.
عملت الطبيبة منال بإدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية منذ عام 2011، ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، إذ بقدوم السيد الأمين العام فى أواخر عام 2014 قام بتعيين طبيبة حاصلة على الماجستير فقط فى الطب النفسى، كما أنها أقل منها فى سنوات الخبرة، ثم عين طبيباً آخر يعمل ممارسا عاما وهو غير حاصل على التخصص فى الطب النفسى ليكونا رئيسين لها بالإدارة!
الأكثر من ذلك قيامه بتعيين زميل له بجامعة عين شمس كاستشارى لعلاج الإدمان بإدارة علاج الإدمان بعقد شهرى بمبلغ كبير، رغم أنه لا يحضر إلى الإدارة إلا يومين أسبوعياً يقوم خلالهما بإعطاء دورات تدريبية بمقابل ليضاعف المبالغ المالية التى يحصل عليها، بمعنى أنه يتقاضى أجرين فى وقت واحد.
ولم يكتف بهذا، بل إمعاناً فى إقصاء ضحيته والإطاحة بها رغم مؤهلاتها، قام بتكليفها بإدارة مستشفى شبرا قاص بطنطا لعلاج الإدمان والتى تبعد عن القاهرة بأكثر من 120 كيلومترا رغم إقامتها وعملها بالقاهرة، رغم أنه لم يقع عليها أى مخالفات أو جزاءات أو حتى تحقيقات قانونية.
وكان الهدف من ذلك إبعادها عن إدارة علاج الإدمان حتى لا تطالب بحقها كمديرة للإدارة، حيث إنها أكثر العاملين بالإدارة استحقاقاً من حيث الحصول على الشهادات والخبرة.
ولأنها تجرأت وتقدمت بالتماس للاعتذار عن الذهاب لطنطا، قام السيد الأمين العام بإنهاء عملها بالأمانة لتعود إلى مستشفى العباسية، ولم يكتف بذلك، بل قام بمنعها من العمل برئاسة أقسام الإدمان بالمستشفى ليقوم بتعيين من دونها فى الخبرة وكأن الأمانة العامة بوزارة الصحة «عزبة» يتصرف بها كيفما يشاء حيث تكرر هذا السيناريو الغريب حيال الكثير من الكوادر المتخصصة والخبرات المتميزة، إذ توجد لدينا أسماء أخرى تم البطش والإطاحة بها لمن يريد معرفتها.
فهل هذا هو المناخ المتاح للعمل وفى وزارة لها أهميتها مثل وزارة الصحة؟!
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد ولا حول ولا قوة إلا بالله.