الجمعة 26 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حالة عشق اسمها دينا الوديدى

حالة عشق اسمها دينا الوديدى
حالة عشق اسمها دينا الوديدى


«تدور وترجع وجع واعتكاف، وتطبق عليك السنين العجاف، وأول ما حبك يقابلك يسيبك، وأول ما حبك يسيبك تخاف».. ستلخص هذه الكلمات بمعانيها التى ربما لن تفهمها إلا لو ذقت مرارة العشق الأول وانغرس فى قلبك سهم الهجر والفراق، ووقعت فى فخ تعاويذ من أحببت وسحرت بعينيها وغرقت فى «دباديبها»، وسرت خلف دقات قلبك كمن يسير خلف قطيع من الخراف دون أن تجهد عقلك ولو ثانية أن تفكر فى جدوى ما «دلقته» من مشاعر مفرطة، واستحققت عن جدارة لقب «الولهان»، الذى سرعان ما تحول لمعناه الحقيقى «المغفل»، أعطيت روحك على طبق من ذهب لمن لا يستحق، سلمت مفاتيح قلبك لسجانك، وغرقت فى بحر «الحب المزيف»، رغم علمك بعجزك عن السباحة بالأساس.

معانٍ كثيرة من الألم والحسرة والانكسار، دفنت تحت جرعات «أوفر دوز» من بهارات «الرومانسية الكاذبة»، حملتها بضع كلمات من أغنية، ربما ستبدو بالتأكيد مألوفة بالنسبة إليك إن كنت من مدمنى «الساوند كلاود»، أو حتى وقعت عينيك على كلماتها «متبعترة» على إحدى بوستات «مُحن» السوشيال ميديا، لن تمر عليك مرور الكرام حتى تطلق فى ذهنك صيحات من «اااااه»، فور تكملتك إياها «صنعت سجنك من الهوا ودخلته بارادتك، واديت حبيبك نفسك ما سألت فين حطك»، لتشعر ويكأن «سوطًا» نزل بضرباته على ظهرك كنوع من أنواع التعذيب، والتكفير عن الذنوب «جلدة» تلو أخرى فى كل كلمة تمر مع كل ثانية من عمر التراك، تستحضر فى مخيلتك كل ذكرى مؤلمة وكل «شعور» جميل انتهى به المطاف بوجع ليس له مسكن سوى «الزمن»،  يامن هربت من غدر البشر فى أحضان من أحببت، حتى وجدت فى حضنه ما يكفيك غدر وآلام الجميع، لتكتشف بعد فوات الأوان مدى «التغفيلة» التى عشت فيها دون أن تدرى، «إكمن كله آذاك قررت تعشق ملاك، ياللى عشقت الملاك حتى الملاك صدك».
اللعب على وتر العاطفة، واستدراج المشاعر لا إراديًا فى متاهة من السرحان على وقع معانى ما تغنيها، ممزوجة بوصلات آسرة للمسامع من المزيكا والأداء الغنائى المفعم بالأنوثة والآهات المختزلة فى صيحات غنائية بين كل كوبليه وآخر، هو ما أطلق العنان لشهرة واسعة المدى فى وقت قياسى لاسم استحق عن جدارة لقب «معشوقة الجمهور»، فى إحدى أكثر روائعها الغنائية انتشارًا «تدور وترجع»، هى حالة «عشق» أكثر منها مجرد اسم لمطربة، إدمان إن جاز التعبير عنها بذلك، قلوب تتطاير فى السماء مصحوبة بصيحات من «بنحبك يا دينا»، و«يخرب بيت جمالك»، و«إيه الحلاوة دى»، تجدها غمرت أى مكان تدخله، تكدس جماهيرى بدون أى فراغ حتى لوطأة قدم زيادة فى أى حفلة لحفلاتها، الكل صامت فى حضرتها، الكل منتظر لظهورها، سكون ما يسبق العاصفة ينهمر فى أرجاء المسرح، تعجز حتى عن سماع دوى «سقوط» إبرة على الأرض، ليتحول الصمت فجأة لدوى زلزال يضرب الأرجاء فور لمح شعيراتها تتطاير على الخشبة، ليخرج الجميع مكنوناته الداخلية بصراخ لا تهدأ وتيرته لدقائق، حتى تجبرهم هى على «الانخراس» المفاجئ للدخول فى «محراب» صوتها، والتأمل فى جماليات تمايلاتها الرقيقة والخطف بابتسامتها الآسرة.
«فى ملكوت آخر» تعيش على مدار ساعتين فيما أكثر من عمر حفلاتها، تشعر وكأنها «شربانة» ع الآخر من هول اندماجها الزائد فيما تؤديه، كل كلمة تخرج بإحساس، وكل إحساس يخرج بتأوهات مختلفة من الحضور، ممن يصعب تصنيفه بعمر معين، صغيرًا، شابًا أو فى مقتبل عمره، الكل دخل فى غيبوبة من «الهايبرة»، بين الرقص والأحضان والدبدبة ع الأرض وترديد كلمات أغانيها عن ظهر قلب، بعيدًا عن جودة صوتها وإجادتها للغناء من عدمه، فيكفى لجمهورها فقط «إحساسها» و«إطلالتها»، حتى وإن ظلت طوال الحفل صامتة أو «صوتها رايح» أو حتى «نشزت»، أو حصل أى خطأ تقنى فى الصوت والمزيكا، فلا يشكل أى من ذلك فرقًا، فالكل بالفعل فى حضرتها «سكران»، عطش لرؤيتها، يرتوى بالتأمل فى بهجتها، يشعر بالأسى فور سماعه كلمات «دى آخر أغنية فى الحفلة»، ليصيح داخليًا بـ«لااااا»، «غنى تانى تانى تانى».
ربما يبدو ذلك التوصيف مبالغًا، لن تشعر بحالتها إلا لو «جربت بنفسك» رشفة من رشفات «ويسكى صوتها» لتصبح فورًا أحد الرواد المخلصين لنادى «عشاق بنت الوديدى»، مطربة كانت منذ بضع سنوات قليلة صاعدة، لتصبح فى غضون وقت قياسى «أيقونة» من أيقونات مجال الأندرجرواند أو ما يعرف أكثر دقة بوسط المزيكا المستقلة، انطلقت فى رحلتها الفنية منذ اشتعال فتيل ثورة يناير، لتشتعل معها نيران موهبتها الدفينة، بعد ظهورها تدريجيًا بدخولها ضمن فريق «الورشة» المسرحية، من قلب دراستها للغات الشرقية بجامعة القاهرة، لتأخذ من خشبة مسرحها أولى خطواتها، وتعمقت أكثر فى دنيا التراث والفلكلور وأصول الغناء، لتروى بذرة موهبتها بخبرات عدد من عمالقة المجال مثل فتحى سلامة وكاميليا جبران، واستلهمت  قرارها بالانطلاق فى مشروعها الموسيقى المستقل، والذى يحمل اسمها، ورؤيتها الغنائية الخاصة، المازجة بين روح التراث بلمسة عصرية، وصولاً لفرصة لقائها للموسيقى البرازيلى جيلبرتو جيل، وانضمامها لفريق مشروع النيل، الذى يجمع ألوان ثقافات دول حوض النيل فى لوحة موسيقية واحدة عبر بروجكت غنائى موحد، وحتى تجسيدها لحلمها الغنائى عبر أول ألبوماتها، ملخصًا لشغف سنوات وخلاصة تعب و«لف ودوران» عما يعبر عن مكنوناتها الفنية الداخلية، ألبوم «يعكس شخصيتها»، استلهمت اسمه من أكثر أغانيها طلبا، بين «التدوير» والسفر والغربة وحتى «الرجوع» للأصل والتراث، وخوضها جولات احتفالية بين المحافظات المصرية لأنحاء القارة السمراء وأوروبا.
لكل أغنية من أغانيها، «كراكتر» خاص بها، وحالة منفصلة، تصيبك بعضها بالقشعريرة لأجوائها الأقرب ما تكون للصوفية والشعورية فى مجملها، فتكفى فقط مجرد ذكر «قد خاب عبد لا يصلى على النبى، النبى عربى مالى شفيع سواه»، لتدرك فورًا أنك على وشك الانغماس فى وصلة «فصلان» عما يحيط بك وتنسى لبضع لحظات كل ما يؤرقك من هموم، وتغوص فى غيابات «السيرة»، والمناجاة «أشكو لمن رفع السماء بلا عمد، إلهى تعالى مقتدر فى علاه، على ماجرالى يا ويح قلبى ماجرا، صابر على حكم الكريم مولاى»، مع قليل من الفضفضة بما داخلك، «أستغفر الله العظيم من الخطأ إلهى تعالى واحد لا سواه»، لتشعر ولو قليلاً ببضع الطمأنينة والهدوء النفسى، ما تلبث أن تجدك تلقائيًا انتفضت مع «دخلة» مزيكا «لازم أنزل الحرب بكرا البلاوى حزينة، ولا اخلى ولا بنت بكرة، إلا لما تشلى حزينى».
أو حتى اندماجك فى «قوقعة» حالة «دواير»، وغرقك فى بحر كلمات «عارفك مش تايهة ولا عارفة فين الطريق والمكان والحقيقة»، وتسرح مع هدوء أدائها، الممزوجة بقليل من سحر الزار على طريقة فرقة مزاهر،  والتى تخطفك فورًا بجملتها الأشبه بتعويذة «يا آمر يا حاير يا ماشى فى دواير، يا نايم وصاحى فى كل السراير» مع عمق معانى رائعة «الحرام»، والتى تجبرك على تمايل رأسك يمينًا ويسارًا كما «الحضرة» على وقع إيقاعات الدف والغناء الجماعى، لتأخذ من بعدها قسطًا من الراحة من هول «خطفتها» مع الحالة الهادئة جدًا فى أغنية «الليل بيسبق رجفة البردان، والدنيا تشتى فوق جبينه ورود»، لتصل أخيرًا إلى رائعة «الحرام» التى مثلت «انتفاضة» غنائية بكلماتها، «الحرام مش إنى أغنى، الحرام مش إنى أحب، ده الحرام هو الكلام اللى نصه يا عم كدب، الحرام هو الحرام ياعم يا بتاع الكلام».