الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

سميحة أيوب: مبارك أراد أن تفكر مصر بنصها التحتانى مش الفوقانى

سميحة أيوب: مبارك أراد أن تفكر مصر بنصها التحتانى مش الفوقانى
سميحة أيوب: مبارك أراد أن تفكر مصر بنصها التحتانى مش الفوقانى


«سميحة أيوب» - سيدة المسرح العربي- مصابة بحالة من الفزع والاندهاش بسبب اختلاط الحابل بالنابل وسيادة أسلوب التبجح وعدم الاحترام بين معظم فئات المجتمع دون فرز أو تصنيف من خلال المتبجحين المندسين الذين يفتقدون معايير التعاملات الإنسانية والأخلاقية التى أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد الوطن.
الفزع الأكبر هو تصدير أعمال فنية للشباب- سواء سينمائية أو تليفزيونية أو مسرحية - تلعب دور الشيطان فى إفساد أخلاقياتهم والتى كان يضرب بها المثل.
الصرخة التى تطلقها (سيدة المسرح العربى).. وقف هذه المسخرة الفنية التى سادت تحت مسمى الفن، والفن بريء منها، فهى أقل ما توصف به ليست مسخرة فقط، بل إسفاف وابتزال!!

 سألتها: ما الحل من وجهة نظرك للخروج من هذا الدمار؟
- أجابت: لا بد من إعادة صياغة المجتمع المصرى من جديد، وتحديداً فى أخلاقياته، فالأخلاقيات هى عنوان الشعوب وسر تحضرهم وتقدمهم، ولننظر إلى شعب مثل اليابان الذى يعتبر من أفضل شعوب العالم أخلاقياً وحضارياً- رغم أن عمر نهضته لا تزيد على (60) عاماً بعد تدميره فى الحرب العالمية الثانية- ولننظر إلى معاملة هذا الشعب لبقية الشعوب الأخرى، أو حتى فيما بينهم، نجدهم قمة الرقى والاحترام، انظر لابتسامتهم التى يوزعونها على من يعرفونه ومن لا يعرفونه، انظر إلى تحيتهم بتطبيق الأيدى ورفعها أمام الوجه ذوقاً وتقديراً، رغم أن شعبنا المصرى هو من كان يضرب به المثل فى الجدعنة والشهامة والإنسانية على مر العصور، حتى فى أحلك فترات حياته.. المصيبة أن الأمر تبدل 180 درجة، والخوف أن يكون القادم أسواً!!
 هل للفن دخل فى ذلك؟
- الفن عامل مهم فى توجيه المجتمع، وهذه هى رسالته الحقيقية، وليس السفه والعرى وقلة الأدب، الفن زمان فى الخمسينيات والستينيات كان يلعب هذا الدور من باب زيادة وعى الشعب وتأكيد انتمائه ووطنيته. الفن كان يصل إلى كل شبر من أرض مصر، من أجل الوعى الجماهيرى الذى من أجله أنشئت الثقافة الجماهيرية التى تأسست على يد (سعد الدين وهبة) والتى دخلت بفنونها وثقافاتها وأهدافها القرى والنجوع والكفور والحوارى والأزقة لصنع جيل واع مثقف، ولذلك تجد أن فترة الخمسينيات والستينيات من أزهى عصور الفن والثقافة فى مصر، حيث كان هناك أيضاً هيئة السينما التى أنشئت فى تلك الفترة وترأستها قامة بحجم (نجيب محفوظ) وقدمت كلاسيكيات السينما المصرية التى ارتقت بأذواق أجيال كثيرة، كذلك التليفزيون فى بدايته فى الستينيات كان له دور محورى فى خدمة الأسر المصرية التى يدخل بيوتها دون استئذان، كل هذه الأعمال كان هدفها الأساسى بناء الإنسان المصرى وتكوين شخصيته بشكل صحى، أما ما يحدث منذ أكثر من (30) عاماً - فاللأسف - حدث ولا حرج ؟!
 كنت فى وقت من الأوقات على رأس أهم كيان مسرحى فى مصر- مدير المسرح القومى - فما نظرتك للفساد الفنى والثقافى الذى كان سائدا فى تلك الفترة؟
- هو نفس الفساد الذى كان سائدا فى كل كيانات الدولة، وليس الفن والثقافة فقط، ورغم ذلك تحديت هذا الفساد وقدمت فى المسرح القومى أقوى العروض التى وصلت بها إلى العالمية، وهو ما لم يحدث من قبل أن يتم تقديم عروضنا المسرحية تجاريا فى الخارج وتحديدا فى أوروبا مثلما حدث فى باريس عندما عرضنا (فيدرا) ، صحيح أنه عن نص فرنسى من السهل أن يفهمه الفرنسيون، ولكن كان لنا عروض أخرى عرضناها حبا منهم فى المسرح المصرى مثل (إيزيس) من إخراج (سمير العصفورى) و(رابعة العدوية) لـ(يسرى الجندى) وكلها عروض كانت تحمل المغزى السياسى بين طياتها فقوبلت باستحسان من الجميع، وكنت أتمنى أن يستمر حلمى بتوصيل مسرحنا إلى العالم، لكنى صدمت بأصحاب النفوس الضعيفة الذين تسببوا فى إقصائى عن إدارة المسرح مرتين، مرة بالإقالة ومرة بالاستقالة.
 كيف حدث ذلك؟
فى المرة الأولى التى أقلت فيها عام 1985 كانت بسبب وشاية من هذه العناصر لوزير الثقافة آنذاك (عبدالحميد رضوان) بأننى أتآمر ضده، رغم أن ثمة علاقة قوية نشأت بينى وبينه من أول يوم تولى فيه الوزارة، فبمجرد حلفه لليمين فوجئت به يدخل على مكتبى بالمسرح القومى بصحبة «حسين مهران» رئيس هيئة قصور الثقافة - آنذاك - الذى عرفنى به ولم أكن أعرفه من قبل لا اسما ولا شكلاً، ووجدته شابًا أسمر بشوشاً عاشقاً للمسرح يبدى إعجابه بتاريخى وبما أفعله فى المسرح القومى، وهو ما جعله يقرر أن تكون أول زيارة له قبل أن يمارس مهام منصبه للمسرح القومى وللحق يقال إنه - أى عبدالحميد رضوان - يعد من أفضل وزراء الثقافة فى مصر، لكنه للأسف لم يأخذ فرصته ودمروه!!
«رضوان» بمجرد أن دخل عليَّ المسرح سألنى: ما الذى ينقصك؟!
 وبدلاً من أطلب لنفسى أشياء تخص مكتبى من الناحية الترفيهية كالمكيفات أو غيرها، فضلت أن أتحمل حرارة الجو فى سبيل أن يتم ترميم وإعادة تطوير المسرح القومى، وهو ما قام بالموافقة عليه على الفور.
  وأين كانت الوشاية التى أطاحت بك؟
-  بعد أن عانى بعض أقزام المسرح من نجاحى، ومن حجم العلاقة الطيبة بينى وبين الوزير، راحوا يبحثون عن الأشواك التى يلقونها فى طريقنا لإفساد العلاقة، وتصادف أن دعا (رضوان) وزراء الثقافة العرب الذين كانوا مجتمعين فى القاهرة لمشاهدة مسرحية (مجنون ليلى) التى كانت تعرض على المسرح القومى ويشارك فى بطولتها (على الحجار). الستار كان من المفترض أن يرفع فى السابعة مساء- أيام (الماتينيه) - وكانت المفاجأة الصادمة أن (الحجار) لم يحضر حتى السابعة - أى موعد رفع الستار - تصورت أن لديه ارتباطاً وفى الطريق إلى المسرح، لكنه لم يأت حتى الثامنة، أخرت العرض حتى التاسعة، لكنه - أيضا - لم يأت، ولم يرد على هاتف البيت - لم يكن وقتها الموبايل قد ظهر - المهم رفعت الستار فى التاسعة تحسباً لحضوره فى أى وقت، خاصة أنه كان يدخل إلى المسرح بعد رفع الستار بثلث ساعة، لكنه - أيضا- لم يأت واضطررت لإغلاق الستار والاعتذار للضيوف، هنا تدخل أصحاب السوء ووشوا إلى (رضوان) بأن ما حدث ما هو إلا مؤامرة منى ضده لإحراجه أمام ضيوفه ولرغبتى فى الإتيان بزوجى (سعدالدين وهبة) إلى كرسى الوزارة فما كان من (رضوان) إلا أن اتخذ قراراً بإقالتى وتعيين (سمير العصفورى) بدلا مني.
 وكيف كان رد فعلك؟
- لم أحرك ساكنا بداخلى ولم أدافع عن نفسى لأننى أكبر من تلك الوشايات لدرجة أننى و(رضوان) تقابلنا فى كثير من المناسبات ومنها حفل زفاف (أمانى) ابنة زوجى (سعد الدين وهبة) ولم أفاتحه فى الموضوع إلى أن تصادف بعد أقل من ستة أشهر من إقالتى بقيامى ببطولة مسرحية (الوزير العاشق) على المسرح الحديث من إخراج (فهمى الخولى) مدير المسرح - آنذاك - ويشاركنى بطولتها (عبدالله غيث) والتى أحدثت ضجة كبيرة حينها فى الوقت الذى امتلأت فيه المسارح بالإسفاف، وفوجئت به يحضر العرض بصحبة 10 من وزراء الثقافة العرب ومعهم النائب العام، وكانت آخر ليلة عرض ورغم ما حدث بيننا فى السابق إلا أننى استقبلته ومن معه بترحاب وحرارة شديدين وكان فى العرض مونولوج يحمل إسقاطا سياسيا على كل من يتولى المناصب وقلته بخبث شديد.
المونولوج يقول: (المنصب قد يصنع بطلا بين الأقزام، فيضيع المنصب فى يوم وتدوس عليه الأقدام).. ومع نهاية المونولوج ضجت القاعة بالتصفيق والضحك معا. عقب العرض وجدت (رضوان) وضيوفه يدخلون عليَّ الغرفة لتحيتى وفوجئت به يسألنى: (عندك حاجة بكرة؟! فقلت: أنا على سفر، فقال لى: إلغى سفرك فقلت له: مينفعش لأن السفر مرتبط بعمل، فهددنى ضاحكا: ها أمنعك من السفر؟! فقلت له: محدش يقدر، فضحك وقال هتسافرى الساعة كام؟! فقلت له بعد الظهر، فقال: طب أنا عندى بكرة مجلس شعب، لو خلصت بدرى ها أكلمك وتعدى عليَّ قبل ما تسافرى علشان حاجة ضرورية، المهم ما تسافريش قبل ما أشوفك؟ لكن الجلسة طالت فى اليوم التالى فهاتفنى فى المنزل قبل نزولى إلى المطار، وقال لى: أنا مش قادر أسيب المجلس لأن الجلسة طولت، وأنا باعتذر لك وبأقولك زى ما شلتك من إدارة المسرح أنا بأرجوكى ترجعيله تانى، وكفاية الهجوم إللى أنا خدته من الصحافة لما شلتك؟! وأنا باعترفلك أنه كان هناك سوء تفاهم وطعم للأسف بلعته وأنا بأعتذر لك مرة ثانية.
وختم المكالمة: «سأعلن عن ذلك فى الصحف وبمجرد عودتك من السفر تتسلمين عملك».. فرددت عليه وأنا موافقة، فأكد على متسائلا: خلاص أنا هاأدى كلمة للصحافة والإعلام؟! فأكدت عليه: قلتلك خلاص موافقة وأنا كلمتى أقوى من إمضتى، وعادت العلاقة بيننا أفضل مما كانت عليه، إلا أنه يا فرحة ما تمت فلم يمض على هذه الواقعة إلا شهور قليلة ليغدر به ويُقال من منصبه قبل أن يكتمل ترميم وتطوير المسرح القومى الذى افتتحه (أحمد هيكل) الوزير التالى له، وكانت لفتة طيبة من (هيكل) أن دعاه لحضور حفل الافتتاح وقوبل بترحاب شديد أكثر مما قوبل به (هيكل) نفسه.
 رد فعلك مما وصل إليه المسرح القومى الآن؟
- أنا حزينة، وقد بكيت بكاء حاراً لمدة ثلاثة أيام عندما أبلغتنى صديقتى (نادية لطفى) بخبر احتراقه وكنت وقتها فى الغردقة، فالمسرح القومى أعتبره أحد الأعزاء الذين أفتقدهم فى حياتى وحزنى عليه لا يقل عن حزنى على رحيل ابنى الذى افتقدته منذ أكثر من (5) سنوات.
 هل ما حدث على مدار أكثر من (30) سنة هو تعمد لدمار الفنون؟
- تعمد لدمار كل كلمة شريفة، ولكل عمل جاد، ولكل بناء جديد يضاف للحضارة التى بدأها أجدادنا. تعمد لقتل الإبداع، وهو ما ورثناه من عهد (مبارك) الذى كان يريد للفن أن يكون ككل كيانات المجتمع التعامل معها وفيها يكون بالفهلوة، والحنجلة والعرى والهلس والإسفاف، كانوا يريدون أن تفكر مصر (بنصها التحتانى مش الفوقانى)!
 وإلى أى مدى كان الفن مختلفاً فى عهد (مبارك) عن عهدى (ناصر) و(السادات)؟
- جمال عبدالناصر كان راعياً للفنون، ويكفينا شرفا أنا وجيلى أنه منحنا الأوسمة ونحن شباب وهو اعتراف بقدراتنا الفنية مما جعلنا نتحمل المسئولية طوال مشوارنا الفنى فـ(ناصر) كان مؤمناً جدا برسالة الفن والإبداع، وما زلت أذكر لقائى به عندما منحنى الوسام. كانت نظرة عينيه قوية وثاقبة وبعيدة المدى وكلمة مبروك التى قالها لى هزت كل كياني.
«السادات» كان محبا لـ«هيصة الفن» وأضوائه أما «مبارك» فلم يكن محباً للفن، لم يهتم بنا كفنانين ولا بالفن الذى وصل لأسوأ حالاته فى عهده، ولم يمنح أوسمة إلا عن أدوار ومجاملة مثلما حدث لأبطال فيلم (السادات) فهل يعقل أن يمنح وسام عن دور وليس عن تاريخ ؟! هذا ما كان يفعله (مبارك)!!
 «سميحة أيوب» لو أصبحت وزيرة للثقافة ماذا ستفعل؟
- أولا لا أحب أن أتولى أى منصب، لأن المناصب فى بلدنا لا تمنح لها فرصة التنفيذ أو الإبداع ولا الصلاحيات الكاملة، ولكن إذا افترضنا هذا أول ما أنظر إليه هى الثقافة الجماهيرية هذا الجهاز الضخم الذى أعتبره دولة فى حد ذاته، وهو يحتاج إلى تخطيط على أعلى مستوى ليعيد الوعى والذوق للجمهور المصرى الذى افتقده أكثر من (30) عاما، هذا الجهاز كان مركزا للرواد أيام نهضته على يد (سعد الدين وهبة) الذى لو قدر لى أن أكون وزيرا للثقافة سأنفذ وصاياه فى هذا الشأن والمحبوسة عندى فى أدراج مكتبي.
  حسك أم احتياجك هو الذى يحركك لقبول أعمالك؟
- حسى طبعا، وليس أى حس، بل حسى السياسى والوطنى، فكثير من الأوقات قد لا يكون فى جيبى جنيه واحد وأرفض أعمالا كثيرة لا تناسبنى ولا تناسب تاريخى، فحسى الوطنى هو الذى دفعنى لأن يكون فى قائمة أعمالى ما يلامس الواقع الذى نعيشه ويحاكى الوضع السياسى للبلد وهو ماعاهدته على نفسى منذ أن قدمت فى بداية حياتى «الإنسان الطيب» لـ«بريخت» و«دائرة الطباشير القوقازية» و«كوبرى الناموس» و«السبنسة» و«فى عز الضهر» و«رابعة العدوية» و«الملك لله» و«سكة السلامة» و«يا سلام سلم الحيطة بتتكلم» وصولا إلى «الخديوى».
 مسرحية «الخديوى» ظلت ممنوعة من العرض لأكثر من (30) عاماً .. ألم يكن التليفزيون المصرى أحق بعرض (الخديوى) من قناة الحياة؟
- كعادته التليفزيون المصرى يضيع عليه الفرص لأنه لم يتخلص بعد من آثار النظام البائد، فيبدو أنه خشى من عرضها حتى لا تقلب أوجاع الناس وهى - أى المسرحية - التى استشرفت بإحساس وقلم (فاروق جويدة) المستقبل عندما نقلت صورة غزو واحتلال العراق فى جملة كتبها (جويدة) تقول: «مآذن العراق تبكى» كذلك ما حدث فى مصر من بيع وفساد وظلم. هذه المسرحية عندما قدمت عام 1993م كانت جرأة منا جميعاً، للدرجة التى جعلت المسئولين يرفضون تقديمها على المسرح القومى الذى كان يتولى إدارته آنذاك «محمود الحدينى» بحجة عدم توفر ميزانية، فتحمس لها «عبدالغفار عودة»- رحمة الله عليه- الذى كان يتولى منصب رئيس قطاع الفنون الشعبية، والذى كان معارضا شرسا فقدمناها على مسرح البالون.