الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صفقة «الأسقف الإخوانى» مع الجماعة

صفقة «الأسقف الإخوانى» مع الجماعة
صفقة «الأسقف الإخوانى» مع الجماعة


أدركت الدولة على مدار أكثر من ثلاث سنوات أن البابا تواضروس ليس هو رجل الدولة الذى يمكن الرهان عليه والتعامل معه فى الملف القبطى، فالتجربة أثبتت فشل البابا كزعيم روحى وشعبى فى احتكار ولاء الأقباط، وأدركت الدولة أن البابا ليس الرجل الأقوى داخل الكنيسة ولكنه الحلقة الأضعف داخل المجمع المقدس. وحيث إن البابا (دينيا) لا يمكن إزاحته أو استبداله فقد قررت الدولة تهميش البابا والتعامل مع صقور المجمع المقدس المؤثرين فى اتخاذ القرار داخل الكنيسة وكان على رأس هؤلاء الأنبا بولا أسقف طنطا ورئيس لجنة العلاقات العامة بالكنيسة والذى اقتنص من البابا مبكراً الملف السياسى للكنيسة واحتكره لصالحه.

بالتزامن مع تصاعد الأحداث الطائفية فى المنيا كان هناك توجه لدى بعض نواب البرلمان بتسريع وتيرة المصالحة مع  جماعة الإخوان الإرهابية حيث يقود النائب محمد أنور السادات حملة لإقرار قانون العدالة الانتقالية طبقاً للدستور والذى يسرع وتيرة التصالح مع الإخوان بشرط تعويض الفئات المضارة عما لحق بها من خسائر وهنا تكون الكنائس التى أحرقها الإخوان والتى تبلغ 84 كنيسة أثناء ثورة 30 يونيو تمثل كبير العوائق التى تقف أمام إصدار قانون العدالة الانتقالية ومن ثم تقرر إرجاء إقرار قانون العدالة الانتقالية لحين إصدار قانون بناء الكنائس تعويضاً للأقباط عما لحق بهم من أضرار قام بها الإخوان على أن يتم الاتفاق مع الكنيسة على تمرير قانون العدالة الانتقالية وعدم الاعتراض عليه. وعلى الرغم من أن قانون بناء الكنائس قد تعثر فى الصدور بين شد وجذب من الدولة والكنيسة حيث تم الاعتراض على صياغة القانون 14 مرة إلا أنه فجأة قررت الحكومة إقرار القانون كما تريده الكنيسة دون قيد أو شرط وهو ما صرح به الأنبا بولا بأن المستشار مجدى العجاتى قد أبدى مرونة مفاجئة وقال له (إنتوا عايزين إيه فى القانون وإحنا نحطه لكم) والصياغة التى خرج بها القانون كما أرادتها الكنيسة تحمل فى طياتها استحالة تطبيقه على أرض الواقع ولكن القانون كان بمثابة (اللقمة) التى تم إلهاء الكنيسة بها لتمرير قانون العدالة الانتقالية للمصالحة مع الإخوان ولا عجب فى ذلك فمن يعهد له بإدارة ملف العدالة الانتقالية وقانون بناء الكنائس شخص واحد هو المستشار مجدى العجاتى فى صفقة مع الأنبا بولا تم بمقتضاها الاتفاق مع الأخير أن يكون رجل الدولة داخل الكنيسة ليخرج علينا بتصريحات مثيرة.
تصريحات الأنبا بولا الأخيرة تقر بأن عصر بولا قد حل على البلاد والعباد، ففى استقواء وتعالٍ شديدين وبعد فترة طويلة من الاحتجاب الإعلامى حل الأنبا بولا ضيفاً على كل وسائل الإعلام ليطلق التصريحات ويعقد الندوات فى محاولة لتبييض وجه قانون بناء الكنائس الذى كان أساس الصفقة بينه وبين العجاتى ليصدر بولا نفسه إلى الرأى العام كحامى حمى الكنيسة الذى تخضع له كل سلطان الدولة فيقول (تم استدعائى إلى الرئاسة قبل لقاء الرئيس بالبابا بعد تعثر قانون بناء الكنائس وأحداث المنيا الطائفية) ويدعى أن هناك تغيراً نوعيا قد حدث بعد هذا اللقاء فى إشارة إلى ممارسة ضغوط على الرئاسة، واستدعاء بولا إلى الرئاسة لم يكن استثناء أو لأهميته الشخصية أو خوفا منه ولكن تم هذا ضمن استدعاء شخصيات كثيرة من رجال الدولة للتشاور حول الأزمة ويعود الأنبا بولا لتهميش كل القوى السياسية حيث يرى أن لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب قد فشلت فى إيجاد حلول أثناء اجتماعها مع البابا ولم يذكر أن هذا الفشل كان نتيجة التهديدات التى أطلقها بولا للجنة وحرض البابا عليها وعلى الرغم من أن الوزير مجدى العجاتى هو شريك الصفقة مع بولا إلا أنه يقزم الوزير ودوره ويدعى أن الوزير لم يكن إلا وسيطاً بينه وبين أجهزة الدولة واصفاً نفسه بأنه من  قيادات الكنيسة المؤثرين فى المجتمع.
ادعى بولا على عكس الحقيقة أن قانون بناء الكنائس الجديد سوف يؤدى إلى طوفان من طلبات بناء الكنائس ورأى أن هذا سوف يؤدى إلى احتقان طائفى وقال نصاً متسائلا: (يعنى هولع فى البلد؟) وادعى الأنبا بولا أن الشرطة قد لا يكون لديها القوات اللازمة لحماية تلك الكنائس وهو قول لا يجب علينا أن نمر عليه مرور الكرام فكيف للدولة أن تصدر قانون (يولع البلد) إلا أن الأنبا بولا رئيس جمهورية الأقباط يضع الحل لتلك المشكلة فيقول (ممكن أساعدك فى التأمين بعمل لجان داخلية فى الكنيسة لم ينص عليها القانون)!! فالأنبا بولا الذى صال وجال لانتزاع ملف بناء الكنائس من قبضة الأمن ها هو يطلق الدعوة لتكوين شرطة كنسية لحماية الكنائس (أمن خاص) فماذا لو نشبت مشكلات تستدعى تدخل شرطة الدولة هل تصطدم شرطة بولا بشرطة الدولة؟ وإن كان هذا الإجراء طبيعيا فلماذا لم ينص عليه فى القانون؟ وتصريحات الأنبا بولا هنا تفضى بأن القانون الذى تمت صياغته هو قانون فاشل لأنه يضر ويولع البلد أكثر مما يفيد حسب ما ذكر.
لم يتعظ الأنبا بولا من تجربته كرئيس للمجلس الإكليريكى للأحوال الشخصية والتى أدت إلى تفاقم مشكلات الأحوال الشخصية وتضخم هذا الملف وتردى أوضاع الآلاف نتيجة قرارته التعسفية فقد قرر أن يقوم بإنشاء مجلس إكليركى لتلقى طلبات بناء الكنائس فى المحافظات للبت فيها فمن المفترض أن كل أسقف داخل مدينة يحدد احتياجاته من كنائس ويطلبها من المحافظ المختص ولكن الأنبا بولا قرر أن الكنيسة سوف تقوم بتكوين لجنة لتلقى طلبات بناء الكنائس وبالتأكيد سوف يكون الموافقة على بناء تلك الكنائس خاضعا لعلاقة بولا بأسقف المدينة فيهب لمن يشاء كنائس ويجعل من يشاء بدون كنائس.
الرجل الأقوى فى الكنيسة
يتماهى الأنبا بولا ويتشامخ ويضخم من نفسه فى استعلاء لا مبرر له حيث يهمش دور الكوته القبطية فى مجلس النواب ويفجر قنبلة من العيار الثقيل، فهو من أتى بتلك الكوتة داخل المجلس قائلا:ً (الأعضاء الأقباط 38 بالبرلمان منهم 24 بالقوائم تلك القوائم التى كانت فكر تعاونى بينى وبين الحكومة). ويؤكد عمل الكنيسة بالسياسة قائلاً: (من إمتى كنا بنشوف رجل دين يتكلم فى السياسة إنه التمييز الإيجابى) متناسياً وهو عضو لجنة صياغة دستور 2014 أن التمييز الإيجابى لحقوق الأقباط وليس فى احتكار الكنيسة لتلك الحقوق ولم يفت بولا الاستقواء بأقباط المهجر فيقول (اتصلت بالآباء الأساقفة فى المهجر وأن القانون قد تم الانتهاء منه) ولا نعرف ما علاقة أساقفة المهجر بقانون بناء الكنائس فبناء الكنائس فى الدول التى يعيشون فيها يخضع لقوانين مختلفة ولن يؤثر عليهم صدور القانون. 
أما كبرى الإشكاليات التى فجرها الأنبا بولا ليكرس بها لسلطاته داخل الدولة والكنيسة هو اعترافه بأنه يسعى لسماح الكنيسة للأقباط بزيارة القدس قائلا:ً (هناك أمر حتمى فى التفكير الجاد لذهاب أقباط مصر إلى القدس) ويؤكد بولا أنه قدم دراسة للبابا تواضروس فى هذا الشأن وأنه قد تم إرسال لجنة من المجمع لإسرائيل برئاسة الأنبا رافائيل لدراسة الأمر على أرض الواقع وأكد أن هناك قرارا سوف يصدر قريباً من الكنيسة فى هذا الشأن والغريب هنا ان الأنبا بولا لم يخف أن الكنيسة هى التى سوف تنظم تلك الرحلات مراعاة للأمن القومى،  فذهاب الأقباط إلى القدس برعاية الكنيسة هو خروج عن الإجماع الوطنى بمقاطعة الزيارة إلى القدس وهو ما يمكن أن يوصم الكنيسة والأقباط بالخيانة للقضايا الوطنية ويزيد هوة الفرقة الطائفية بين أبناء الوطن فى الوقت الذى يسعى فيه الجميع لرأب الصدع الطائفى فالأنبا بولا لم يكتف بتكوين شرطة كنسية ولكنه ذهب إلى أبعد مدى فى الاستقواء باقتراح تكوين جهاز مخابرات كنسى لمراعاة بعد (الأمن القومى) فى زيارات الأقباط إلى القدس وكأن الدولة عدمت أجهزتها الأمنية.