الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

كنائس بدون صلبان!

كنائس بدون صلبان!
كنائس بدون صلبان!


الأحداث الطائفية التى مرت بها مصر مؤخرا انعكست بصورة سلبية على الإسراع فى خروج قانون ينظم بناء الكنائس، ليتم الانتهاء منه خلال أيام قليلة ويتم الدفع به إلى مجلس النواب تمهيداً لإقراره، وقد يكون الانتهاء من إصدار القانون إنجازاً تطلع إليه الجميع خلال عقود ماضية ولكن على الرغم من السرية الشديدة فى صياغة القانون واختزال التشريع فى الدولة فى شخصين هما الأنبا بولا ومجدى العجاتى وزير الشئون القانونية بمجلس النواب إلا أن القانون خرج إلى النور مجهضاً مشوهاً ولم يأت بجديد ولكن كان فى مجمله صياغة جديدة مستترة للخط الهمايونى الذى يحكم بناء الكنائس منذ الاحتلال العثمانى لمصر ومحاولة الأنبا بولا خداع الرأى العام بأن ما تم إنجازه فى القانون هو أمر غير مسبوق.

أكذوبة القانون 
الصيغة النهائية التى خرج بها قانون بناء الكنائس لا تسمن ولا تغنى من جوع، فالقانون لم يأت بجديد بل كان إعادة صياغة للخط الهمايونى وشروط العزبى باشا العشرة المجحفة لبناء الكنائس، بل إن هناك بعض الإشكاليات الجديدة التى طرحها القانون.
لا قباب ولا صلبان
على الرغم من أن القانون فى مادته الأولى توسع فى تعريف الكنيسة بأنها «مبنى مستقل محاط بسور تمارس فيه الصلاة والشعائر الدينية للمسيحيين على نحو منتظم يتكون من طابق واحد أو أكثر»، إلا أن القانون قد أغفل وجود قباب أو منائر أو صلبان أعلى هذا المبنى وهى المشكلة التى كان يجب أن يحسمها القانون لأنها كانت السبب فى العديد من حالات الفتنة الطائفية حيث يرفض متشددون بناء منائر تحتوى على أجراس أو قباب توضع عليها صلبان فالبناء الكنسى الجديد هو مبنى متعدد الطوابق محاط بسور.
بيت الخلوة
بيت الخلوة هو كيان مستحدث داخل الكنيسة فى عهد البابا شنودة، فالكنائس لم تعرف بيوت الخلوة إلا فى عهده، فتلك البيوت عادة ما توجد فى الأديرة وفيها يتم إلحاق الشباب المتقدم للرهبنة فى فترة الاختبار، فالخلوة انعزال عن العالم واختلاء بالنفس مع الله وهو سلوك فردى وليس جمعيًا وإقرار القانون بأنه يكون ضمن ملحقات الكنيسة «بيت خلوة» يتعارض مع الغرض من القانون الذى صدر لتسهيل ممارسة الصلاة لمسيحيين بشكل منتظم وليس لحالات خاصة من المسيحيين وهو ما يعرض القانون للطعن عليه دستوريا، حيث إنه يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين.
شرط الكثافة السكانية
المادة الثانية من القانون تشترط للترخيص ببناء كنيسة مراعاة عدد المسيحيين فى المنطقة المراد بناء الكنائس فيها وهو الشرط التعجيزى الذى كان اشترطه الإخوان لإصدار قانون بناء كنائس فالقانون لم يحدد الكثافة السكانية المطلوبة داخل منطقة لإقامة كنيسة فيها وحتى لو تم تحديد تلك الكثافة فإنه يتعذر حصرها لعدم وجود قواعد بيانات دقيقة لدى الدولة أو الكنيسة وهنا يمكن رفض طلب بناء كنيسة لأنه لا توجد كثافة سكانية تستدعى إقامة كنيسة لها وهو شرط مطاط ولا يمكن الطعن عليه أو التظلم منه.
كارثة الكوارث
المادة الثالثة من القانون هى كارثة الكوارث والتى بمقتضاها يمكن إرجاء أى طلب لبناء كنيسة إلى أجل غير مسمى فالمادة تنص على «يقدم الممثل القانونى للطائفة إلى المحافظ المختص للحصول على شهادة بعدم وجود مانع من القيام بأى من الأعمال المطلوب الترخيص بها» ولم يحدد القانون تلك الجهات التى يتوجب على المحافظ مخاطبتها للحصول على عدم الممانعة وهو ما يفتح البابا على مصراعيه لكل محافظ فى مخاطبة أى جهة يرى وجوب موافقتها على بناء الكنيسة، فماذا لو خاطب المحافظ الجمعية الشرعية فى إحدى المحافظات أو الدعوة السلفية «كيان قانوني» ورفضت تلك الجهات لوجود موانع شرعية لديها. 
قانون إسكان خاص
يقع القانون فى التضارب فعلى الرغم من أن ديباجة القانون تتخذ من قانون البناء مرجعية لإصدار القانون إلا أن المادة الثالثة تنص على «تحديد وزير الإسكان لمستندات البناء المطلوبة خلال ستين يوماً»، فالنص هنا يخل بمبدأ تكافؤ الفرص فالمفترض أن تكون المستندات المطلوبة على غرار مثيلتها التى تطلب لإقامة أى بناء ولا تحتاج لقرار من الوزير، فهنا نكون أمام ازدواج تشريعى فى قانون واحد والغريب هنا أن القانون يلزم وزير الإسكان بإصدار لائحة تنفيذية لمادة داخل قانون ولم يلزم وزير العدل بإصدار لائحة تنفيذية للقانون كما هو متبع.
الهدم والبناء
يتمادى القانون فى التداخل والتضارب فتنص المادة الرابعة منه على «طلب الهدم وإعادة بناء كنيسة مقامة وذلك باتباع الإجراءات المنصوص عليها» ولم يحدد القانون تلك الإجراءات أو حتى الجهة المنوطة بتحديد تلك الإجراءات وما إذا كانت تلك الإجراءات سوف تتم وفق قانون البناء أم وفق القرار الذى يصدره وزير الإسكان خاصة أن القانون سوف يطبق دون لائحة تنفيذية. 
تجاهل الطلب
المادة الخامسة من القانون بها  ثغرات كبيرة تحول دون إقامة الكنائس عند تقديم طلب لبناء كنيسة حيث توجب «الرد خلال أربعة أشهر من تاريخ تقديم الطلب وإخطار مقدم الطلب بنتيجة الفحص وفى حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسبباً» والمادة هنا تحكم شقًا واحدًا عند تقديم طلب لبناء الكنيسة ألا وهو رد الجهة الإدارية على الطلب سواء كان هذا بالقبول أو الرفض ولم يتعرض للشق الآخر وهو إذا ما تجاهلت الجهة الإدارية الطلب ولم ترد عليه وكيفية التظلم من هذا التجاهل أو اعتبار عدم الرد موافقة ضمنية فالكنيسة هنا لن تستطيع اللجوء إلى القضاء للتظلم من تجاهل الطلب لأنه يجب أن يكون هناك قرار إدارى تتظلم منه الكنيسة.
البناء بدون ترخيص
المادة الثامنة من القانون والتى تمت صياغتها على عجالة كما صرح الأنبا بولا تلغى كل المواد السبعة السابقة لها بل وتقضى عليها حيث تنص على «يعتبر مرخصًا ككنيسة كل مبنى تقام فيه الشعائر، والخدمات الدينية المسيحية، وقت العمل بهذا القانون بعد التأكد من السلامة الإنشائية للمبني، وفقا لتقرير من مهندس استشارى إنشائي، على أن يتقدم الممثل القانونى للطائفة بكشوف حصر هذه المبانى إلى المحافظ المختص خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون، ولا يجوز منع أو إيقاف الشعائر والأنشطة الدينية التى تقام فى أى كنيسة يتم تقنينها»، حيث تتوغل هذه المادة على المادة الأولى وتخلط بين الكنيسة كدار عبادة وبين المبانى الإدارية للكنيسة التى تنظم الخدمات الدينية وتضع الكل فى سلة واحدة والمفترض أن المادة تقنن وضع الكنائس التى تمت إقامتها بدون ترخيص ولكن عبارة «وقت العمل بهذا القانون» هى عبارة فضفاضة تبيح بناء الكنائس دون ترخيص وتجبر الدولة على تقنينها فوقت العمل بالقانون هو الفترة منذ إقرار القانون وحتى إلغائه أو تعديله فإذا ما بنيت كنيسة بعد صدور القانون دون ترخيص توجب على الدولة الترخيص لها لأنها أقيمت «وقت العمل بالقانون» والعبارة هى توغل على القانون بالقانون وهو ما يبطل القانون دستوريًا، فلا يجوز إصدار قانون يتوغل على سلطات الدولة وكان المفترض أن تستبدل تلك العبارة بعبارة «عند بداية العمل بالقانون» كما أن صيغة القانون ترخص لكل البيوت التى تتم فيها الصلوات ككنائس والتى كانت سبباً فى كل الأحداث الطائفية. 
تجاهل الكنائس المغلقة
تجاهل القانون مشكلة كبيرة من أكبر المشكلات التى كان ينبغى التصدى إليها وهى الكنائس المغلقة «أمنياً» فهناك 48 كنيسة مرخص لها وتم إغلاقها بمعرفة الأمن لأنها كانت سبباً فى وقوع أحداث طائفية ولم يجد القانون صيغة لفتح تلك الكنائس والصلاة فيها وهنا يثور تساؤل، وهو إذا كان القانون قد عجز عن فتح كنائس مرخصة بشكل قانونى وتمكين المسيحيين من الصلاة بها فهل سوف ينجح فى استحداث انفراجة فى بناء كنائس جديدة؟