مصر بين إعلانات تبرعوا.. واشتروا فيللا بـ3 حدائق

هبة صلاح خليل
فى شاشة رمضان تنشط سوق الإعلانات وتصل إلى أعلى معدل لها وفى الآونة الأخيرة نافست الدراما المقدمة على الشاشة بأفكار مبتكرة وميزانيات ضخمة حتى أصبحت سباقاً موازياً للسباق الدرامى الرمضاني.
هذا العام أثارت الإعلانات انتقادات واسعة بين متابعيها بدأت بالإعلانات التى تعتمد على الإيحاءات الجنسية التى احتوتها من ناحية، وبسبب استفزازها لمشاعر الفقراء من ناحية أخري، والتى ظهرت غير مبالية للظروف الصعبة التى يعانى منها المجتمع المصرى بعد غلاء الأسعار مع قدوم رمضان ووصول أسعار السلع الأساسية للضعف وهو ما أفسد البهجة الرمضانية على الكثيرين، لتأتى الإعلانات وتزيد من الإعلانات المخاطبة للطبقة الثرية والتى تزيد من الحقد الطبقى فى نفوس البسطاء وتعمق الفجوة الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد، وكأنه منافسة بين إعلانات (الشحاتة) وهى إعلانات التبرع للجمعيات الخيرية.
الإعلانات انقسمت لثلاثة أجزاء الأول منها عن كومباوندات وقرى سياحية وشقق وفيللات بملايين الجنيهات، فى الوقت الذى يحارب فيه الفقراء لإيجاد مأوى لهم ولعائلاتهم ينقذهم من العراء والعشوائيات منها إعلان كومباوند لفللtrio الذى عبر عن مدى الطبقية فى المجتمع المصري، حيث كانت أكبر مشكلة لديهم هى أن والدهم ترك لهم فيلا بحديقة واحدة، وتوفر لهم الشركة العقارية صاحبة الإعلان 3 فيللات مستقلة بثلاث حدائق على ثلاث طبقات، وهو ما يبرز كم البذخ الذى أصبحت فيه الطبقة الفاحشة الثراء فى مصر. يظهر الإعلان ثلاثة أشقاء يتصارعون على الاستيلاء على حديقة فيللتهم التى اعتبروها أسوأ ما تركه لهم والدهم وهو فيللا بحديقة واحدة وهى لا تكفى لاحتياجاتهم منها كل منهم على حدة. وهو من أكثر الإعلانات التى حظيت بالسخرية من اعتبار وجود حديقة واحدة فى الفيللا مشكلة، فى الوقت الذى لا يجد فيه الملايين من المصريين غرفة واحدة يعيش بها.
وجاءت تعليقات الجمهور خاصة على موقع التواصل الإجتماعى الفيس بوك (لكل عاشق وطن ولكل طير مرساه ولكل واحد فيللا بجنينة).. (قالك فيلات تريو 3 فيلات بـ3 جناين عشان أنت وصحابك، بتكلموا مين يا جدعان).. (ده آخر عرض اشتركت فيه مع صحابى كان بتاع كوك دور وكنا عاملين قبلها دراسة جدوي).. (تلت جناين ومطبخ وصالة وحمام).. (إمتى تبقى كل مشاكل الواحد إن بابا سايبلنا فيلا بجنينة واحدة).. (فيلا بتلات جناين ليك ولأصحابك!. أنا وأصحابى لما بنقعد فى مطعم بنخاف نفتح المية عشان ماتتحسبش علينا).
ليطل علينا أيضاً إعلان ماونت فيو، وهو أحد الكامباوندات فى التجمع الخامس، الذى تحدث عن أنه نقل باريس إلى القاهرة، واستعانت هذه الشركات بأكبر نجوم مصر للترويج لمشاريعهم العملاقة وهم أحمد عز وماجد الكدواني، اللذين صورا المشروع على أنه قطعة من باريس ولن تشعر بأنك تعيش فى مصر من الأساس.. تلك الإعلانات صنفت بأنها من فئة الإعلانات المستفزة للشعب فى الموسم الرمضانى الحالي، فهو لم يراع ثقافة الشعب الذى يعرض عليه الإعلان، وأهمل وجود 40% من الشعب المصرى تحت خط الفقر.. رئيس غرفة حماية المستهلك اللواء عاطف يعقوب قال: «إذا كان الإعلان يستهدف جمهورا بعينه، كان يجب اختيار توقيت آخر لعرضه غير الشهر الكريم، لأنه الوقت الذى يشاهد التليفزيون فيه جميع الطبقات الاجتماعية، أما عرضه بتلك الطريقة وفى هذا التوقيت فهو ينفّر الناس من المنتج ذاته الذى يتم الإعلان عنه، ولا تستطيع الغرفة إيقاف تلك الإعلانات لأنها تعتبر مطابقة للشروط والقوانين الإعلانية».
إعلان شركة فودافون هذا العام جاء ضمن قائمة الإعلانات الاستفزازية التى أثارت استياء عدد كبير من الناس، بسبب المبالغ الضخمة التى أنفقت عليه فى ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التى يعيشها البلد، حيث تضمن الإعلان 11 نجماً من نجوم الفن، يتحدثون عن لمة العائلة فى رمضان على إفطار والسحور والتليفزيون فى أبهى صورهم، حيث بلغت تكلفة الإعلان 60 مليون جنيه، وهو ما يوضح أن النظام الاقتصادى السفيه لا يشعر بما يشعر به المواطن البسيط.. الجزء الثانى من قائمة الإعلانات المستفزة إعلانات التبرع للفقراء وبناء المستشفيات، وهى الظاهرة التى انتشرت منذ سنوات خلال شهر رمضان وتزداد كل عام بشكل مبالغ فيه ، حيث تتصارع المستشفيات والجمعيات الخيرية على جذب المشاهدين للتبرع لهم بجنيه او أكثر مثل جمعية (الأورمان) و(بنك الطعام) و(بنك الشفاء) ومستشفيات القلب والسرطان ومستشفى 500500 والتى تتضمن استدراج عطف المصريين وغير المصريين للتبرع ، من خلال شخصيات فنية وإعلامية ورياضية بل سياسية وإظهار الجانب الآخر للأطفال المرضي، وكبار السن المحتاجين، وهو يعد استغلالاً للبسطاء من الفقراء والمرضى للترويج للمؤسسات الخيرية مقابل الدفع لهم، وهو ما يتنافى تمامًا وأخلاقيات العمل الإعلانى ومقتضيات الرسالة الإعلامية بل يعد انتهاكًا لخصوصيات المرضي، بالإضافة إلى حرمة هذا الاستغلال فى مواثيق الشرف الإعلانية المحلية والدولية.. بينما تأتى الإعلانات التى حملت إيحاءات جنسية من خلال جمل وصور تلميحية خارجة عن المألوف، على قمة الإعلانات التى أثارت الانتقادات، وهى اعلانات «بيريل» و«دايس» و«قطونيل»، فكل منهما خرج عن المألوف وعن المتعارف عليه حسبما أكد جهاز حماية المستهلك، الذى أصدر قراراً بإيقاف هذه الإعلانات، فالأول تضمن إيحاءات جنسية مفهومة من سياق الكلام باستخدام لفظ (داندو) بالإضافة إلى استخدام حث الأهالى على إعطاء الأطفال لهذا المنتج بالمخالفة، وكذا الترويج لنتائج غير حقيقية بأن منتج الشركة أفضل من الرضاعة الطبيعية.. أما إعلان «بيريل» فعرض شابًا يتطلع لكشف عورة شاب آخر أثناء قضاء حاجتهما بدورة مياه وهو شكل يعتبر خروجاً على الآداب العامة، أما إعلان «قطونيل» فعرض لقطات واضحة لملابس داخلية تجسد عورات مجموعة من السيدات مستخدما مؤثرات صوتية تحمل إيحاءات جنسية صريحة بالإضافة إلى الترويج بالمخالفة للقانون، وتعريض حياة أطفال للخطر حيث تضمن الإعلان دراجة بخارية يستقلها رجل وامرأة وطفلان بدون غطاء رأس للحماية بالمخالفة لقانون المرور، أما الإعلان الرابع لشركة «دايس» فتظهر فيه جسد سيدة عارية ترتدى ملابس داخلية فقط وبه العديد من الإيحاءات الجنسية والتشجيع على الفجور بتبرير الخيانة الزوجية.. بسبب كل هذه الضجة قرر مجلس إدارة جهاز حماية المستهلك وقف بث هذه الإعلانات لانتهاك مضمونها للكرامة الشخصية، وعدم احترامها للذوق العام والعادات والتقاليد المجتمعية وخروجها على الآداب العامة واستخدام الأطفال بالمخالفة للمواصفة القياسية، حيث أشار اللواء عاطف يعقوب رئيس غرفة حماية المستهلك إلى أنه بمراجعة المواد الإعلانية تبين مخالفتها لنص المادة الثانية من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006، والتى تؤكد حق المستهلك فى الكرامة الشخصية واحترام القيم الدينية وللعادات والتقاليد المجتمعية، فضلا عن أن هذه الإعلانات تمثل خرقا صارخا للمواصفات القياسية لاشتراطات الإعلان عن السلع والخدمات رقم 4841-2005والتى تنص على ضرورة التزام الإعلان بالأخلاقيات والذوق العام وعدم تضمينه أية عناصر من شأنها الحط من الكرامة الإنسانية أو الإساءة للآداب العامة .
إلا أن جهينة وقوطونيل قررا التحايل على قرار الوقف وقاما بتعديل إعلاناتهما واصدار أجزاء أخرى من الإعلان بحذف الكلمات والمشاهد التى استفزت الجمهور.
أما الصدمة الأكبر فى إعلانات رمضان هى استمرار صناع الإعلانات فى مرمطة أعمال كبار النجوم وتوظيفها للترويج عن منتجاتهم وضحية هذا العام الشاعر الكبير صلاح جاهين والموسيقار سيد مكاوى لاعتماد إعلان شركة فودافون على لحن الليلة الكبيرة إلى جانب شركة صناع إعلان قطونيل لأغنية سواح لعبدالحليم حافظ للترويج عن منتجاتهم ولا عزاء لأصحاب الأعمال ومبدعيها.