الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

للنيل شعب يحميه

للنيل شعب يحميه
للنيل شعب يحميه


مفاوضات الحكومة مع الجانب الإثيوبى بخصوص سد النهضة وصلت إلى طريق مسدود، فأديس أبابا تتمسك بموقفها المتعنت، والذى يتنكر للاتفاقات التى تحفظ حقوق مصر من الحصة المائية، هذا فى الوقت الذى يبدو فيه موقف الخرطوم غريبا، ويوحي، بل يؤكد أن السودان «باع القضية» وانحاز إلى إثيوبيا بمقتضى «صفقة ما».

هناك مؤامرة بالطبع.. غير أن إنكار حقيقة أن الحكومة أدارت ملف القضية بالغة الخطورة، وذات الاتصال المباشر بأهم مفردات الأمن القومى المصري، قول يجافى الواقع.
على بلاطة.. لم تدر القاهرة الملف إدارة رشيدة سواء على مستوى الاتحاد الأفريقى أو الأمم المتحدة، حتى وصلنا إلى أن وزارة الخارجية «فوضت الشعب» لحماية النهر، ووافقت على مطلب تقدم به قانونيون بإقامة دعوى دولية لمقاضاة أديس أبابا، وإلزامها بوقف بناء السد، حتى انتهاء الدراسات الفنية لتقييم أضرار المشروع على مصر.
 قرار الخارجية جاء بعد الاجتماع السداسى الذى عقد بين وزراء الخارجية والرى بالدول الثلاث الأسبوع الماضى وشهد كواليس عديدة تأكدت منها مصر من وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.
ووفقا للمصادر فإن الملف الذى يعد حاليا تحت إشراف الخارجية لمقاضاة إثيوبيا سيقدم بشكل شعبى وليس على مستوى الدولة، وذلك نظرا لأن المباحثات المصرية الإثيوبية مازالت تجرى على المستوى الرسمى ورغم وصولها إلى طريق مسدود بسبب استمرار الخلافات بين خبراء اللجنة الثلاثية المشكلة من خبراء الثلاث دول على آليات عمل الشركات المنفذة للدراسات وبعد انسحاب المكتب الاستشارى الهولندى «دلتارس» من الاجتماعات، ونتيجة لخلافات مع نظيره الاستشارى الفرنسى «بى اراس» على تقسيم لمهام فيما بينهما.
 إثيوبيا تساند رأى المكتب الفرنسى تؤيد مصر وجهة نظر المكتب الهولندى مما أدى إلى الفشل فى بدء الدراسات بعد أكثر من 8 أشهر مفاوضات دون جدوى.
وأكدت ذات المصادر أنه بعد الاجتماع التاسع للجنة الخبراء الدولية الذى عقد بالقاهرة نوفمبر الماضى تأكد للجانب المصرى أنه لم يعد هناك أمل من الاستمرار فى المفاوضات الفنية وهو ما استدعى تعليقها، وإلغاء الاجتماع العاشر وطلب اجتماع عاجل على مستوى دبلوماسى لوزراء الخارجية بالثلاث دول يشاركهم وزراء المياه للعمل على إيجاد مخرج سياسى للأزمة التى تتعقد يوما بعد آخر بينما ترفض إثيوبيا وقف البناء فى مشروع السد لحين التوصل لحلول وهو ما زاد من الأمور تعقيدا.
كشفت كواليس اجتماعات الخرطوم ثلاث إشكاليات كانت وراء تصاعد غضب وزير الخارجية سامح شكري، وهو ما لم يستطع معه «شكري» إخفاء نفاد صبره، حيث تعلقت الإشكالية الأولى بظهور قناة الجزيرة بشكل لافت للنظر طوال فترة انعقاد الاجتماعات، وقيام معديها بأحاديث جانبية مطولة مع أعضاء الوفدين السودانى والإثيوبي، بل قامت بنفس الدور وكالة الأناضول التى كانت تنفرد بنشر تفاصيل سير الاجتماعات المغلقة فى اليوم الأول.
أمام حرص أعضاء وفد التفاوض المصرى على عدم إعطاء أية تفاصيل عن موقفهم لإعلام الجزيرة والأناضول.. جاءت تلك الخطوة التى أقدم عليها طاقم الجزيرة بوضع «ميكروفون» للتسجيل أمام المقاعد المخصصة لوزيرى الخارجية والرى المصريين والوفد المرافق لهما، وهو ما تعامل معه وزير الخارجية بحزم بجذبه وانتزاعه وإلقائه أسفل المائدة على الأرض.
تعلقت الإشكالية الثانية -  بالموقف السودانى فى المفاوضات الذى بات متفقا مع الإثيوبيين  وأصبحت مصر وكأنها المتضرر الوحيد من بناء سد النهضة، وتتناسى الخرطوم أن أى نقص فى حصة النيل الأزرق ستكون على حساب الدولتين معا وخصما من الحصة الإجمالية للبلدين والبالغة 18.5 مليار متر مكعب من المياه للسودان و55.5 مليار متر مكعب لمصر.
ترحيب السودان بانسحاب المكتب الهولندى من الدراسات المعنية بإثبات أضرار سد النهضة كان وراءه وجود دراسات للمكتب تبرهن أن السودان هو المستفيد الأول من إتمام بناء سد النهضة، حيث يمكنه السد الجديد من تنظيم مياه الفيضان، وتشغيل سدوده النيلية سواء «مروي» أو خشم القربة أو سد الأولياء بشكل منتظم وتوليد كميات إضافية من الكهرباء فضلا عن تنظيم الزراعة لتصبح زراعة طول العام ولا ترتبط بموسم وتنتهى مع الفيضانات العالية.
أما الإشكالية الثالثة فكانت فيما ظهر من تعصب من الجانب الإثيوبى فى المفاوضات، رافضا أى حديث من قريب أو بعيد عن توقف العمل بأرض مشروع سد النهضة لحين الانتهاء من الدراسات، بل وتأكيده على أنه قام بما عليه من تنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية الدولية، وانتهى بالفعل من تعديل بعض المواصفات بالسد كلفته مليارًا و200 مليون دولار، وفى إشارة لاستعدادها بكل الأشكال للدفاع عن نفسها أمام القضاء الدولى فى حالة لجوء مصر لمقاضاتها.
وقالت مصادر مطلعة: إن «سامح شكري» لم يكشر عن أنيابه فى وجه طاقم قناة الجزيرة فقط لمحاولته التجسس على الوفد المصرى بوضع ميكروفون على طاولته، بينما كشر عن أنيابه أيضا مبديا نفاد صبره وانزعاجه أمام الوفدين الإثيوبى والسودان، وكان صارما فى قراره بمنح أديس أبابا مهلة أسبوعين فقط للرد على مصر إذا كانت تنتوى إثبات حسن النوايا بينما كانت هناك عدة رسائل تم توجيهها للسودان فى هذا الاجتماع أهمها مدى الالتزام بالاتفاقية الموقعة بين البلدين فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر التى تنص على أن مصر والسودان وحدة واحدة فى أى مفاوضات مع دول حوض النيل تخص استخدامات نهر النيل.
وكان اجتماع الخرطوم انتهى دون التوصل لنتائج جديدة على صعيد حل الخلافات، بينما تم تحديد جولة مفاوضات أخرى فى 27 ديسمبر الجارى على المستوى السياسى أيضا.
وجاء قرار القاهرة بتعليق المفاوضات الفنية حول سد النهضة  فى أعقاب فشل الاجتماع التاسع.
ووصف وزير الخارجية الموقف المصرى الحالى تجاه قضية سد النهضة فى تصريحات قبل سفره لحضور اجتماع الخرطوم بأنه بمثابة «وقفة» لتقييم الخطوات الفنية والسياسية التى تسير فى دائرة مغلقة على حد قوله.
ومن جانبه قال د.حسام مغازى وزير الموارد المائية والرى فى تصريحات عقب عودته من اجتماعات الخرطوم إن «الاجتماع السداسى الأخير بالخرطوم كان هدفه تسوية الأمور سياسيا مع إثيوبيا.. وأبدينا استعداد للبدء فى البحث عن مكتب استشارى بديل عن الاستشارى الهولندى المنسحب، ولكن طالبنا بأن يتم الرد على شواغلنا المتعلقة بمعدلات بناء السد التى لا تتناسب وسير المفاوضات الفنية، وأبدينا رغبتنا فى التعجيل بتوقيع اتفاقية مكملة لاتفاق المبادئ تحفظ لمصر حقوقها المائية عند تشغيل المرحلة الأولى لسد النهضة، وتضع قواعد متفق عليها لمرحلة الملء الأول».
 وجاءت التصريحات الأخيرة التى أدلى بها الرئيس السودانى عمر البشير لقناة «العربية» الإخبارية  5 ديسمبر الجارى بأن سد النهضة أصبح أمرًا واقعًا ويجب التعامل معه على هذا النحو، لتؤكد المخاوف المصرية من المساندة السودانية لإثيوبيا فى مفاوضات سد النهضة وعلى حساب مصر، وحيث وجد خبراء الموارد المائية بمصر، أن كلمة الرئيس السودانى تؤكد أن السودان تدعم إثيوبيا فى مفاوضات سد النهضة مما يضعف موقف مصر.
 وكشف د. هيثم عوض، رئيس قسم الرى والهيدروليكا بجامعة الإسكندرية لـ«روزاليوسف»، أن عملية الملء الأول لخزان سد النهضة مقرر لها أكتوبر المقبل، والخلافات تعرقل بدء الدراسات، وكذا افتتحت السودان سدًا جديدًا على نهر النيل باسم أعالى عطبرة وستيت وكل ذلك فى مصلحة الاستثمارات الزراعية الجديدة التى تضخ بالسودان، فالسودان أكبر مستفيد من سد النهضة، ولهذا لا نتوقع منها أن تقف مع مصر فى رفضها لإتمام بناء وتشغيل السد بمواصفاته الحالية.
وأكد د.علاء يس مستشار وزير الموارد المائية والرى لشئون حوض النيل وعضو لجنة سد النهضة لـ«روزاليوسف» مؤكدا المفاوض المصرى يتمسك فى كل الاجتماعات بموقف موحد يتمثل فى أن الحصة المائية المصرية خط أحمر وغير قابلة للنقاش أو التفاوض، بينما يؤكد للجانب الإثيوبى أن الدولة المصرية لا تعارض التنمية فى أى من البلدان الأفريقية الشقيقة  بشرط ألا يتعارض ذلك مع حقوق مواطنيها التاريخية من نهر النيل وليس على حساب فقدان نقطة واحدة من الحصة المائية المصرية. 