موسكو وواشنطن تتفقان على سوريا.. وتختلفان على نهاية الأسد

روزاليوسف الأسبوعية
لم تكن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها السبعين كسابقتها من الاجتماعات على الأقل خلال أكثر من عقدين, فقد كانت الأجواء هذه المرة مشحونة بين قوى عظمى تقليدية تتمسك بالقيادة وقوى تحاول الحفاظ على أو استعادة مكانتها.
وتصدر ملف القضاء على الإرهاب المتمثل فى «داعش» والملف السورى مباحثات القادة وهيمن على خطبهم لكن لكل منهم مآربه.
وكان حضور مصر هذه الدورة والمشاركة على مستوى الرؤساء فى هذه الاجتماعات ضرورة قصوى فى مواجهة مباشرة مع الإرهاب شرقا وعلى حدودها غربا. وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما قد دعا إلى مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب فى نيويورك لتدشين حركة دولية موحدة للقضاء على «داعش» واستبق ذلك ببيان توافقى تم توزيعه على الدول المدعوة - حوالى مائة - ركز على مكافحة داعش فى الشرق أى فى سوريا والعراق.
كما تردد أن هناك دولاً ومن ضمنها مصر لم تتخذ قرارها بعد بالحضور من عدمه، وأن القاهرة ترى أن مكافحة الإرهاب المتطرف ينبغى أن يشمل كل مناطق الإرهاب بما فيها ليبيا.
وزير خارجية مصر سامح شكرى أكد لـ«روزاليوسف» أن مصر عازمة على الحضور والرئيس عبدالفتاح السيسى سيحضر، وقد حدث ولوحظ أنه بعد جلوس جميع الرؤساء أن الرئيس الأمريكى الذى كان على وشك إلقاء خطابه الافتتاحى ترجل من على الطاولة الرئيسية وغادرها باتجاه مكان جلوس الرئيس عبدالفتاح السيسى لتحيته ومصافحته.
هذه اللفتة ترجمت دبلوماسيا فيما بعد من خلال مضمون خطاب أوباما الذى ركز فيه على أن الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» فى العراق وسوريا ليست حربا تقليدية، مشيرا إلى أنها معركة طويلة الأمد، داعيا المجتمع الدولى إلى تقديم الدعم لجهود الحكومة العراقية فى حربها ضد التنظيم المتشدد.
وقال: «إن هزيمة «داعش» تتطلب محاربة الأيديولوجيات المتشددة، وبناء شراكات حقيقية مع المجتمعات الإسلامية لمواجهة التطرف».. وهى نفس الأيديولوجية التى طالما نادت بها مصر على مدى العام الماضي.
وإذا أضفنا إلى ذلك تصريح مصدر أمريكى لـ «روزا اليوسف» فى وقت سابق بأن واشنطن ترغب فى أن تكون مصر على رأس الدول المدعوة للانضمام للتحالف الجديد لمواجهة الإرهاب «فلا أمريكا ولا حلفاءها الأوروبيين يستطيعون تحمل التكلفة السياسية والتكنيكية والمالية الباهظة» لهذا لذا كان لابد من وجود عربى مؤيد وفاعل.
وقول المراقب الأمريكى ريك فرانكونا بأن أمريكا فى حاجة لأن تتعاون مع القاهرة مضيفا «نحن فى حاجة للعمل مع القاهرة، ينبغى علينا أن نحارب داعش أينما كانت».
الرئيس عبدالفتاح السيسى حذر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل مؤتمر مكافحة الإرهاب بيوم من إرهاب متطرفين يدعون أنهم يعبرون عن أكثر من مليار ونصف المليار مسلم يرفضون أن يخضعوا لفكر تلك القلة القليلة.. التى تسعى من خلال تطرفها وعنفها إلى إقصاء وإسكات من يعارضها.. وهو ما ينبغى أن يدركه العالـــم، وتساءل كم من أبناء الدول التى تعانى ويلات الإرهاب ينبغى أن تراق دماؤهم.. حتى يبصر المجتمع الدولى حقيقة ذلك الوباء الذى تقف مصر فى طليعة الدول الإسلامية.. وفى خط الدفاع الأول فى مواجهته.. وأنه لا بديل عن التضامن بين البشر جميعا.. لدحره فى كل مكان؟
كما تحدث الرئيس عن الأزمتين السورية والليبية وأهمية دعم المؤسسات الشرعية الليبية ودعم الجيش الوطنى ورفع حظر توريد السلاح ليتمكن من الاضطلاع بمسئولياته وبشأن الأزمة السورية. كما حرص الرئيس على طرح أهمية الحل السياسى للأزمة بما يوفر أرضية مشتركة للسوريين جميعا لبناء سوريا ديمقراطية ذات سيادة مع البدء فى جهود الإعمار عقب التوصل لتسوية سياسية حتى يعود اللاجئون لوطنهم ويشجعهم على الاستقرار.
كان هذا هو الموقف المصرى الذى جاء متوافقا مع موقف معظم الدول الأوروبية وكذلك روسيا والصين وفى المقابل فإن دعوة الولايات المتحدة لمؤتمر مكافحة الإرهاب مع رفضها لمقترح روسى مواز أثار حفيظة الروس عشية لقاء أوباما وبوتين، وخرج مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالى تشوركين ليقول إن فكرة الولايات المتحدة لعقد قمة لمكافحة الإرهاب تقوض جهود هيئة الأمم المتحدة.
وقال إنه من غير المفترض أن يرتدى أحد ما عباءة أكبر منه ويتولى مهام الأمم المتحدة وأن مبادرة الولايات المتحدة تلك من حيث المبدأ خاطئة، حيث تقوض بشكل خطير جهود الأمم المتحدة فى هذا الاتجاه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لدى الأمم المتحدة استراتيجية خاصة وقنوات لمكافحة الإرهاب. بعد ذلك تقدمت روسيا والتى ترأست مجلس الأمن فى سبتمبر بــمشروع قرار لمكافحة الإرهاب فى مجلس الأمن الدولي, حمل عنوانا تضمن دعم السلام فى العالم وتسوية النزاعات فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومواجهة التهديد الإرهابي، وطالب وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بـضرورة تنسيق إجراءات جميع القوى فى ظل تمدد تنظيم «داعش» فى المنطقة. وأضاف لافروف فى تلميح موجه إلى الولايات المتحدة أن على دول العالم أن تتصرف فى مواجهة للإرهاب بشكل جماعي.
وبغض النظر عن طلقات التصريحات المتبادلة تلك والخطابات التى تتضمنت اتهامات أيضا متبادلة بين روسيا والولايات المتحدة والتى تجاوزت خطابى الرئيس الروسى فلادمير بوتين والأمريكى باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تصريحات وزيرى خارجيتها، فإن كواليس الأمم المتحدة سادها فى اليومين الأخيرين حالة تأهب وقلق بعد بدء القصف الروسى على مناطق فى سوريا استهدفت فيها متطرفين.
وعلى عكس ما كان ينشر إعلاميا عن هذه الحالة من التصعيد فقد كان من الواضح أن التوافق الدولى حول ضرورة القضاء على داعش أمر منته وأن الخلافات كانت حول التفاصيل وأن الرئيس الأمريكى الذى كان قد شدد خلال مؤتمر مكافحة الإرهاب قد أكد على ضرورة مواجهة الفقر الذى استغله تنظيم «الدولة الإسلامية»، والذى سهل تجنيد الفقراء الذين يتعرضون للقمع من جانب دولهم، حسب قوله قبل أن يعلن أوباما استعداده للعمل مع روسيا وإيران لإيجاد تسوية للحرب فى سوريا، مشيرا إلى أن هزيمة التنظيم فى سوريا ستكون ممكنة فقط عندما يترك بشار الأسد السلطة، مفيدا بأن تنظيم «داعش» سيهزم فى نهاية المطاف.
وعلى جانب آخر فإن K-S وهو مسئول أمريكى سابق - كبير المحللين لشئون الشرق الأوسط بمجلس الأمن الأمريكى - أكد «لروزاليوسف» أن الولايات المتحدة فى واقع الأمر ليس لديها ممانعة فى استمرار الأسد لحين وجود بديل مناسب، وأن عنصر الخلاف على بقائه بشكل مؤقت غير موجود، وأن رحيل الأسد لاحقا فى إطار خروج آمن أمر مطروح. وأضاف «أنها فقط مسألة وقت - وأضاف: «ليس هناك من يملأ الفراغ حاليا فى سوريا وهناك خشية من خروج الأسد الآن وتدمير الجيش السورى حتى لا يتكرر خطأ ندفع ثمنه الآن فى العراق، حينما تم حل الجيش العراقي، وإذا تكرر الخطأ فى سوريا سيكون المستفيد هو الإسلاميين المتطرفين، لذا فلا بديل عن استدراج داعش إلى سوريا وشمال العراق والقضاء عليها.
وعندما سألته عن تقديراته وتوقعاته عن الاستراتيجية المتوقع استخدامها لتحقيق ذلك على الأقل على الجانب الأمريكى قال: «سيكون هناك تنسيق غربى روسى بخصوص الاعتماد على القصف الجوي، وتعاون فى هذا النطاق مع سلاح الطيران لدى دول حليفة كمصر والإمارات والأردن وتركيا وكذلك العراق، أما إذا كنت تعنين اشتباك برى فلا أعتقد أن الولايات المتحدة ستشارك فيه لكنها ممكن تطلب تعاون دول كمصر والأردن وتركيا وأعتقد أنها دول مرشحة لهذا الدور، وأمريكيا أعتقد أن الولايات المتحدة تريد من مصر مساعدتها سياسيا لإقناع الأسد بالبقاء فى الفترة الانتقالية والرحيل بعدها، وهو نفس ما يمكن أن تقوم به إيران التى ستشركها واشنطن فى هذا الملف وإقناع المعارضة السورية بهذا وكذلك إقناع السعودية بالتوقف عن مطالبتها برحيل الأسد.
انتهت تلك التقديرات المهمة لمصدر مهم، بينما استمر تسارع الأحداث على الأرض فى سوريا وفى أروقة الأمم المتحدة بل والكونجرس الأمريكى إذ اتهمت واشنطن روسيا بقصف مواقع للمعارضة السورية وانضمت لها فى هذا السعودية، حيث طالب مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة روسيا بوقف الغارات التى قال إنها استهدفت مدنيين.
لكن سرعان ما تبنت حقيقة الموقف حين كشف السيناتور جون ماكين رئيس لجنة القوات المصلحة بمجلس الشيوخ الأمريكى أن القصف الروسى قد يكون استهدف مواقع تابعه لداعش فى سوريا إلا أنه استهدف أيضا قوات مناهضة للأسد وهى القوات التى دربها العسكر الأمريكيون والمخابرات المركزية السى أى إيه، وأضاف السيناتور ماكين: أنا أؤكد الآن هذا لأننا لدينا اتصالات مباشرة بهؤلاء، فنحن من ندربهم و«نمولهم»... وطالب ماكين إدارة أوباما بأن يرفضوا الجلوس مع الروس وإبلاغهم بأن سلاح الجو الأمريكى سيطير فى أى أجواء تروق له وفى أى وقت، وطالب ماكين بفرض عقوبات على سوريا واعتماد نصيحة وتوصيات الجنرال ديفيد بترايوس، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «سى آى إيه» السابق التى أفاد بها الكونجرس من أسبوعين والتى طالب فيها بـقيام الولايات المتحدة بإنشاء مناطق آمنة فى شمال سوريا يحميها طيران التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» وتعمل من داخلها المعارضة المسلحة ويعيش فيها اللاجئون السوريون.
على أية حال وحتى كتابة هذه السطور فالموقف يتصاعد على مدى الساعة بعد أن أزاح الوضع فى الأزمة السورية قضايا مهمة وعالقة إلى الهامش، وحاليا تعكف قوى عدة بما فيها الولايات المتحدة وروسيا على دراسة ما إذا فشلت حملة استدراج جيل أو جيلين من داعش إلى سوريا فى مناطق محددة والقضاء عليهم فمن ناحية سيستغرق الأمر وقتا, ومن ناحية أخرى إذا لم يحدث ذلك الاستقطاب واستمرت بؤر الداعشيين فى التوسع الأفقى بالحدود المجاورة فستكون مهمة القضاء على داعش قد فشلت، وستكون الخسائر فادحة للجميع وقد يتطور الأمر إلى مواجهات وحروب لن تكون القوى الدولية بمنأى عنها، سواء روسيا التى تخشى تمدد أصوليى الشيشان أو الولايات المتحدة التى كانت أول من خلق المشكلة حين قرر مستشار الأمن القومى الأمريكى زبجنيو برجنسكى أن «يخلق للروس فيتنامهم فى أفغانستان» فصنعت أمريكا المجاهدين وطالبان والراديكاليين الأصوليين المسلحين، وكانت النواة التى طوروها حتى جاءت بداعش وليسدد الوطن العربى العالم وأمريكا نفسها ثمن هذا الخطأ إلى أجل غير محسوب.