الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بعد 25 يناير: «الـديـة» × 5

بعد 25 يناير: «الـديـة» × 5
بعد 25 يناير: «الـديـة» × 5


 القضاء العرفى ظاهرة انتشرت فى محافظات الوجه البحرى منذ فترة، حيث يتولى محكمون الفصل فى النزاعات التى تدب بين العائلات بسبب الأرض والعرض والثأر وغيرها من خلافات.. الحكم لابد أن يكون مقبولا من الطرفين، ويتولى تحديد الدية التى تقدمها أسرة الجانى لأسرة المجنى عليه.
 تفاقمت أزمة الدية فى الفترة الأخيرة بسبب المغالاة فى تقديرها  ووصلت إلى الملايين وأصبحت سيفا مسلطا على رقاب البسطاء ونارا تحرق معها الأخضر واليابس.
(روزاليوسف) ذهبت إلى المحافظات الست فى وجه بحرى حيث تنتشر الدية لتحرى الأمر، وحاورت المتضررين الذين أكدوا أن قيمة الدية تضاعفت خمس مرات بعد ثورة 25 يناير، وأجبرتهم على ترك قراهم والهرب إلى محافظات أخرى مع أسرهم لعدم تمكنهم من دفع الدية فى الوقت الذى رفض فيه المحكمون العرفيون الأرقام الفلكية التى وصلت إليها قيمة الدية.
يقول ( م. د ) من الحوامدية، أمر الدية كان من أصعب المواقف التى دمرت حياة أسرة كاملة بها 10 أفراد، والأمر بدأ عند قيام أختى بالاتصال بعشيقها وطلبت منه الحضور لقتل زوجها الذى لم يتجاوز 35 عاما، وقتل عشيقها الزوج أمام منزله، وأصر أهله على قتل القاتل وقتل أختى، إلا أن تدخل المحققين وكبار البلد حددوا الدية وكانت الكارثة الكبرى لأننا فقراء وبسطاء الحال ولا نمتلك سوى منزل ونعمل باليومية فكانت الدية مليون جنيه حتى لو فكرنا فى بيع المنزل لن يصلح الأمر، وهنا قررنا بعد أن حبسنا أختنا خوفا عليها من القتل ومعاقبتها بأنفسنا بالتعذيب، قررنا الهرب من القرية خوفا من الثأر أو الدية التى قصمت ظهرنا هربا من الدية والفضيحة والعار ونحن ليس لنا أى ذنب فى الأمر إلا أن حياتنا دمرت وحاولنا إصلاح الأمر بالدية إلا أنها كانت مفزعة للغاية، وانتهى الأمر بنا بالهرب إلى محافظة كفر الشيخ فى إحدى القرى الريفية لا يعلم أحد شيئًا عن ما نخفيه.
 يضيف ( كريم. س )، من قرية أبوسويلم التابعة لمركز العياط بجنوب الجيزة: شهدت عائلتنا أحداثا مؤسفة بعد أن أقام أفراد من قرية كفر عمار المجاورة بالاعتداء على  قطعة أرض بزمام قرية أبو سويلم وأطلقوا الأعيرة النارية فقامت أسرتى بالتصدى لهم وطردهم من الأرض، ثم تدخل أهل الخير بتحديد موعد لجلسة صلح لتهدئة الأجواء بين الطرفين، وأثناء الإعداد والتحضير لجلسة عرفية قام أفراد كفر عمار مرة أخرى بالاعتداء على الأرض التى تملكها أسرتى بمعاونة البلطجية مستخدمين أسلحة نارية فقمنا بالرد عليهم مما أسفر عن سقوط قتيل وإصابة آخر من المجموعة المعتدية على قطعة الأرض فتدخلت مباحث العياط ونجحت فى فرض سيطرتها على الوضع ليتدخل أهل الخير لحقن الدماء بين المتشاجرين وحثهم للاستماع لصوت العقل.
وعقدت جلسة عرفية لكن أهل القتيل المعتدين طلبوا دية 2 مليون جنيه مع تقديم الكفن من أسرتى رغم أننا طلبنا عقد جلسة عرفية للتحكيم بيننا للفصل فى النزاع بحكم المحكمين المعترف بهم فى وجود الأمن، ونحن حاليا نعيش فى ويلات الدية ولا نمتلك المبلغ، إنها المرة الأولى التى نرى فيها أسرة القتيل تحدد الدية وهذا المبلغ التعجيزى الضخم.
وأشار (و. ح) أحد أهالى المطرية إلى أغرب قصة فى الدية عن العائلة التى دفعت الدية المغلظة التى تعد باطلة، فكانت مشكلة بين مسيحيين ومسلمين فى المطرية وسقط قتيل من المسلمين على يد المسيحيين، وحكم المحكمون على الأسرة المسيحية بتقديم 5 أكفان مع تقديم أرض تصل قيمتها إلى 2 مليون جنيه مع تقديم 100 جمل و5 ذبائح، وهذا الحكم لم تكن له علاقة بالأحكام العرفية، والقائمون على تلك الجلسة يريدون ترضية المسلمين فقط وكان أغرب الأحكام  العرفية.
∎ خريطة الدية
 ويقول الحاج سليمان أبو هريش محكم عرفى بالجيزة: هناك خريطة ثابتة للدية فى مصر وهى أماكن بعينها لأن فى أسوان والصعيد يرفضون الحصول على الدية وتكون نتيجة رد الفعل لديهم هى القتل، وفى بعض الأحيان يكون الكفن، وتكون طريقة القتل فى تلك البلاد اختيار أفضل ما فى العائلة وليس الشخص القاتل، وهذا يخالف النص القرآنى بأن القاتل هو من يقتل وليس شخصا آخر، وفى بعض الأحيان القليلة يكون هناك تسامح ويوافق أهل القتيل على التسامح مع التغريب لعائلة القاتل كلها، وإذا عاد وقام أحد من أهل القتيل بقتله فى القرية التى تم تغريبه منها ليس له دية، والدية موجودة فى شمال الصعيد محافظات بنى سويف والجيزة والبحيرة والمنيا والقليوبية والشرقية مع الكفن، وفى بعض الأحيان فى تلك الأماكن يتم الاستغناء عن الكفن.
 ∎ المحكمون العرفيون وتفشى ظاهرة الدية
يقول محسن داوود، المتخصص فى القضاء العرفى: أزمة الدية متفاقمة فى وجه بحرى، فمن المتعارف عليه فى حالة القتل يتم الاتفاق على أن يتم تقديم الكفن أو التراضى بشكل فيه تسامح وتبدأ الدية من 100 ألف جنيه وتصل أقصاها إلى مليون جنيه.
 والدية يتم تحديدها حسب بيئة كل منطقة تختلف من وجه بحرى عن وجه قبلى، وعلى حسب الحالة التى بها الدية وأصعب الحالات حالات الشرف وتصل إلى مليون جنيه فى وجه بحرى لأن وجه قبلى يرفض الدية، ويتم تقسيم القضاة حسب القضايا، فهناك قضاة وقصاصون للحكم فى الدم وفى الحريق وغيره، ووزارة الداخلية تساند هذا الأمر لتنفيذ الحكم الذى صدر.
وأضاف أن هناك شروطًا أساسية واجب توافرها فى المحكم العرفى حتى لا تزداد أزمات الجلسات العرفية، كما يحدث الآن وهى أن يكون مطلعًا على الدستور وملمًا بالثقافة والدين والقانون ويكون لديه حس إنسانى فى الحكم فى الدية حسب ظروف العائلة، لأن هناك عائلات لا يصلح الحصول على مال منهم ونكتفى بالكفن أو رجال الخير ويتحملون الدية عنهم، وهناك بعض الأشخاص يرفضون الأموال، وتزايدت الدية بعد أحداث 25 يناير أربعة وخمسة أضعاف لأن السلاح أصبح بكثرة فى الشوارع والأخلاق انعدمت مثل قيام البعض والعديد من حالات القتل فى الآونة الأخيرة بسبب ركنة سيارة.
وقال الحاج سليمان أبو هريش شيخ عرب قبيلة النعام ومحكم عرفى، إن طلب أهل القتيل الدية بشكل مبالغ فيه كما نسمع فى الوقت الحالى فى بعض القرى مثل 2 مليون جنيه باطل عرفا ودينا، لأن الحكم العرفى له أسس وقواعد مبنية على الشريعة الإسلامية والقوانين المصرية، وأن هذا الحكم يعتبر حكمين فى آن واحد فلا يجوز الدية مع الكفن، وكما أن الدية مبالغ فيها أصلاً، ولابد من وجود جلسة عرفية بينهما لإثبات الحق.
وأضاف الحاج مسعد المبوظ، والعمدة حسين صالح، المحكمان العرفيان بجلسة الدابودية والهلايلة بأسوان، إن هذا الحكم عشوائى بمبالغ طائلة فى الدية مثل دفع الملايين غير صحيح عرفيا لأنه لابد من انعقاد جلسة وسماع الحجج والشهود بين الطرفين لتحديد من له الحق ومن عليه الحق.
وأكد على طايع نقيب الأشراف بقنا: من المفترض أن تتسم الجلسات العرفية بالتسامح والعفو ونسير حسب الشرع، وأسس الشريعة الإسلامية ونحن فى الصعيد بالكامل تكون الجلسات العرفية بدون دية تمامًا ويكون صفح أو قتل أو صفح بدون كفن أو تغريب، ومن يأخذ الفلوس فى الصعيد فضيحة كبيرة، ويعود الأمر فى التواصل مع رجال الدين، ويكون لهم دور أكبر فى التحكم فى الأمر والتعامل معه ووقف نزيف الدية فى بيوت الفقراء لأن هناك العديد من البيوت الفقيرة التى ضربت بسبب الدية ولابد من وقوف العقلاء فى الأمر، ونحن نعانى من تفشى ظاهرة الدية بتلك المبالغ.
ويؤكد الإعلامى محسن داوود، المتخصص فى القضاء العرفى ومقدم برنامج حق عرب، أن المعتدى عليه إذا قتل المعتدى دفاعًا عن ماله ونفسه وعرضه حسب حديث النبى فهو شهيد، فالقتل هنا ليس به قصاص ولا دية ولا تقديم كفن، لكن من الممكن إرضاء أهل القتيل بتقديم كفن مع ترضية مالية بسيطة حقنا للدماء واستمرارًا للمعايشة بينهما، وطالب اللواء طارق نصر مدير أمن الجيزة، ورئيس مباحث العياط المقدم محمود عنتر بالتدخل لتصحيح مسار الحكم العرفى بانعقاد جلسة عرفية صحيحة فى أقرب وقت تحت رعاية وزارة الداخلية، حتى لا يندلع شلال الدم بين العائلتين مرة أخرى.∎