الثلاثاء 10 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

السعودية باعت مصر!

السعودية باعت مصر!
السعودية باعت مصر!


هل باعت السعودية مصر؟
سؤال يقفز إلى أذهان الكثيرين، فى ظل ما يتسرب من أخبار من هنا وهناك، بأن العلاقة بين الحليفين لم تعد «سمن  على عسل»، رغم النفى الرسمى من هنا وهناك أيضا.
سؤال عجيب - على طريقة الإعلان التليفزيونى الشهير - فكم نحتاج من وقائع كى نجيب عن سؤال كهذا؟! ألا تكفى الشواهد الواضحة فى الفترة الأخيرة لتؤكد أن الأمور ليست على ما يرام؟
الظاهر أن هناك تقاطعا ما فى الرؤى، والأرجح أن هناك خلافا حول مواقف ما، والعلاقات لم تعد على ذاك النحو من الدفء الذى كانت عليه قبل رحيل الملك عبدالله.. لكن اللافت أن أحدا لا يصارح نفسه بالحقيقة.
وما الحقيقة إذن؟
الحقيقة أن العلاقات تشوبها شوائب ما، وهناك فتور يخيم عليها، هذه الحقيقة التى لن تجدها فى تصريحات السيد سامح شكرى، وزير الخارجية المصرية التى تنفى دائما ومطلقا وجود خلافات بين مصر والمملكة وأن هناك تطابقا كاملا فى وجهات النظر وتنسيقا كاملا بين مصر والسعودية حيال جميع القضايا، ولن تعثر عليها أيضا فى عبارات السيد عادل جبير وزير الخارجية السعودى، الذى يردد نفس الكلام المكرر والممل والمحشو بدبلوماسية رتيبة حول العلاقات الوثيقة وأن الحديث عن خلافات بين الدولتين محض افتراء وأكاذيب إعلامية.
الموضوع أبسط من ذلك، من يستطيع إنكار التقارب السعودى الإخوانى المعلن؟ ومن يستطيع إنكار موقف الدولة المصرية المتحفظ والمتشكك إزاء هذا التقارب؟
أليس هذا التقارب كفيلا بتوتر العلاقة التى قامت أساسا على الرفض المشترك للإخوان وممارساتهم فى المنطقة العربية؟
الأمر لا يحتاج لوثائق سرية، أو تحليلات معمقة، كى نكتشف أبعاده بسهولة، فالسعودية فى حرب باردة مع إيران منذ سنوات طويلة، وركزت جهودها طوال هذه السنوات لصد ما سمته بالنفوذ الإيرانى والمد الشيعى ومحاولات التوسع داخل المنطقة العربية، وعلى أثر ذلك دخلت المملكة فى حرب داخل اليمن ضد جماعة الحوثى الشيعية والمتهمة بالتبعية لإيران من أجل القضاء على محاولات الحوثيين للسيطرة على اليمن التى تقع على حدود المملكة مما يهدد الأمن القومى السعودى ويعطى لإيران موطئ قدم على حدودها.
ومن أجل صد الطموح الحوثى - الإيرانى فى السيطرة على اليمن، كان على المملكة أن تدعم النظام السياسى فى صنعاء الذى جاء بعد الثورة على المخلوع على عبدالله صالح والمتمثل فى نظام الرئيس الحالى عبدربه منصور هادى وحلفائه داخل حزب التجمع اليمنى للإصلاح - الذراع السياسية للإخوان فى اليمن.
إذن لم تجد المملكة مناصا من التحالف مع إخوان اليمن من أجل القضاء على النفوذ الحوثى، ومعلوم بالضرورة أن إخوان اليمن جزء من تنظيم دولى يشمل الإخوان فى أكثر من 50 دولة، ومصالح إخوان اليمن تتوافق تماما مع مصالح الإخوان فى مصر وفى أى دولة أخرى، ولا داعى بالطبع لذكر تفاصيل المعركة المشتعلة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان.
كما أن السعودية لم تجد مهربا أيضا بعد الاتفاق النووى بين إيران والولايات المتحدة ورفع العقوبات الاقتصادية على طهران من ضرورة تكوين حلف سنى كبير ليواجه النفوذ الإيرانى الشيعى فى المنطقة العربية حتى استيقظنا لنرى الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل السعودية يلتقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس- الحليف التقليدى لإيران سابقا - وهى الحركة التابعة للتنظيم الدولى للإخوان التى دخلت فى صدامات متكررة مع الدولة المصرية منذ عزل محمد مرسى فى 2012.
والأكثر استفزازا، هو لقاء قيادات حماس بيوسف القرضاوى الأب الروحى لشعب الإخوان فى الدوحة بعد لقاء مشعل بالملك سلمان فى الرياض، وكأنهم ذهبوا ليبلغوه بنتائج اللقاء ويتلقوا منه الأوامر والتعليمات.
إذن لا خلاف على أن السعوديين يعتبرون الإخوان حليفا محتملا فى المعركة ضد التوسع الإقليمى لإيران، وأما أن تصبح مصر على نفس الخط مع المملكة بجانب الإخوان وقطر وتركيا رغما عنها وإلا فلتذهب العلاقات إلى الجحيم.
هل هذه أسباب كافية لتوتر العلاقات بين مصر والسعودية؟
بالطبع، هى كافية جدا لكنها ليست الأسباب الوحيدة، فلايزال هناك الكثير أهمه أن مصر تنظر إلى الأزمتين السورية والليبية من زاوية مختلفة عما تراه السعودية، فالمملكة تدعم منذ اليوم الأول المعارضة السورية المكونة من إخوان وسلفيين ونصرة وخلافه، وترى أن رحيل الرئيس السورى بشار الأسد - الحليف الإيرانى الأهم فى المنطقة - هو الحل الوحيد لإنهاء الأزمة فى سوريا، أما مصر فترى أن من الممكن التوصل إلى اتفاق سلام فى سوريا يحفظ مكانا لبشار الأسد فى الفترة الانتقالية، وترى أن التهديد الرئيسى فى الوضع السورى ليس الأسد ولكن الجهاديين، والموقف الثنائى من ليبيا لا يختلف كثيرا عن سوريا.
كما أن التقارب المصرى الروسى لا يأتى على هوى المملكة فى عهد الملك سلمان، وأيضا التقارب السعودى التركى يتسبب فى غصة لدى النظام المصرى بعد موقف أردوغان من ثورة 30 يونيو ووقوفه ضد الإدارة المصرية لصالح جماعة الإخوان.
سأكتفى بذكر هذه الأسباب المعروفة للجميع  والتى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العلاقات السعودية المصرية ليست على ما يرام هذه الفترة، ولن أستخدم ما تنشره وسائل الإعلام السعودية عن مصر والهجوم الحاد الذى تبنته بعض الصحف والقنوات ضد مصر ومواقفها مؤخرا كقرينة لتأكيد هذا الطرح، ولن أتوقف كثيرا عند ما يكتبه الكاتب الصحفى والإعلامى السعودى جمال خاشقجى على صفحات جريدة الحياة اللندنية أو على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك على حد سواء من عبارات الهجوم الحادة ضد مصر.
فعلى الرغم من أن مقالات خاشقجى وحدها كافية لنتأكد أن العلاقات بين البلدين حاليا «مش ولابد»، لأن خاشقجى كما يعلم الكثيرون مقرب جدا من دائرة صنع القرار فى المملكة، حتى أن البعض وصفه بصوت القصر الملكى، إلا أن التوقف عند مقالات خاشقجى لن يضيف للأمر جديدا، لكن ما ينبغى أن نتوقف عنده هو مقال آخر نشرته جريدة الحياة اللندنية أيضا فى عددها الصادر يوم الأربعاء الماضى 22 يوليو للكاتب زياد الدريس تحت عنوان «فى مصر دولة عميقة وشعب عميق» واصفا فيه - بشكل غير مباشر - ما حدث فى 30 يونيو 2013 بالانقلاب، مع بعض العبارات الملتوية التى تحمل فى ظاهرها نقدا موضوعيا لما يحدث فى مصر وفى باطنها هجوما حادا ومقصودا، ومقال زياد الدريس لا ينبغى أن يمر هكذا مرور الكرام، فهو ليس مجرد كاتب مستقل فى جريدة يومية سعودية، إنما يشغل أيضا منصب المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى منظمة اليونسكو فى باريس.
إذن لا جدوى من السؤال المكرر والممل الذى يطرحه البعض طوال شهور مضت حول العلاقات المصرية السعودية، فالأمر واضح لا ريب فيه ومن يسعى لتضليل نفسه أو الآخرين وإخفاء حقيقة الأمر وراء ابتسامات باهتة وعبارات دبلوماسية باردة، هو حر.
ولكى نصبح أكثر موضوعية وشفافية، لا ينبغى أن نلوم المملكة على تغيير موقفها من الإدارة المصرية، فهذا حقها، وهذه هى السياسة التى لا تعرف سوى لغة المصالح، ومن أجل تحقيق المصالح خلقت السياسة بالأساس، وطالما أن المملكة وجدت ضالتها ومصالحها السياسية فى علاقة حميمة مع تنظيم الإخوان وتركيا، فما المانع فى أن نبدأ نحن أيضا منذ هذه اللحظة فى البحث عما يحقق مصالح الدولة المصرية؟
ومن أجل مزيد من المصارحة والمكاشفة، ما المانع فى إذابة الجليد المتراكم منذ سنوات بين مصر وإيران؟ ولماذا نستمر فى اعتبار مسألة العلاقات المصرية الإيرانية خطا أحمر لا يجوز الخوض فيه؟ ما الضرر الذى يقع على الدولة المصرية من إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران؟
لا أرى أى موانع أو أضرار، بل على العكس تماما، فبعد الاتفاقية التاريخية بين الولايات المتحدة والدول الخمس الأخرى مع طهران حول البرنامج النووى الإيرانى، تستطيع الدولة المصرية على هامش هذا الاتفاق الاستفادة بشكل كبير، فكما ذكر روبرت فيسك الصحفى البريطانى الشهير أن مصر من ضمن عدة دول قد تستفيد كثيرا من هذا الاتفاق التاريخى.
وإعادة العلاقات المصرية الإيرانية لا تعنى مطلقا التحالف مع طهران ضد دول الخليج، ولكنها تعنى تحسين العلاقات وتطويرها كما حدث مع موسكو بعد 30 يونيو بما يضمن المصالح العليا للدولة المصرية ولا يضر بأمن الخليج بأى حال من الأحوال.
خصوصا أنه لا يوجد سبب منطقى واحد يمكن قبوله سياسيا يمنعنا من إعادة هذه العلاقة التى توترت بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وسقوط نظام الشاه الذى كان مقربا من الرئيس الراحل أنور السادات، واستمر التوتر خلال 30 عاما من حكم مبارك دون مبرر واضح وكافٍ سوى إرضاء دول الخليج التى تحافظ- رغم العداء - على العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران.
إن الأسباب التى يروجها البعض لتبرير استمرار القطيعة بين مصر وإيران يمكن الرد عليها بسهولة ودون عناء، فإذا كان السبب هو الخوف من المد الشيعى مثلا كما يروج البعض، فلا خوف على مصر من المد الشيعى مطلقا، فمصر- بلد الأزهر الشريف- تستوعب منذ القدم جميع المذاهب الإسلامية وعلى رأسها المذهب الشيعى، وتكفى فتوى الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر فى السبعينيات بشأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية، لنعتبرها نموذجا مكتملا لتوضيح دور الأزهر الشريف فى التقريب بين المذاهب، كما أنه الشعب المصرى معروف منذ مئات السنين باعتناقه لمذهب اهل السنة والجماعة وتسامحه الدينى مع جميع الطوائف الدينية ولا يمكن التأثير عليه لتغيير مذهبه المعروف منذ مئات السنين بالإضافة إلى أن التواجد الشيعى فى مصر لا يذكر تقريبا، فهم بضعة آلاف.
وإذا كانت لإيران طموحات توسعية فى المنطقة كما يؤكد البعض- وهذا صحيح- لا يعنى ذلك أن نقطع العلاقات معها، يكفى أن نرفض ذلك ونناهضه سياسيا، ولابد ألا نغفل أيضا أن تركيا بقيادة أردوغان لها هى الأخرى طموح كبير فى السيطرة على المنطقة والتوسع فيها، وتستهدف بشكل مباشر الدولة المصرية كجزء من مخططها التوسعى، ومع ذلك تبدو العلاقات السعودية القطرية التركية أكثر من رائعة، ويمكن أن تندرج تحت بند التحالف السياسى، لكن لا أحد يعلق على علاقة تركيا ببعض دول الخليج، فقط يستهدفون علاقة مصر بإيران، وكأن المصالح المصرية لا اعتبار لها والأهم هى مصالح الآخرين.
لا يوجد أيضا أى مبرر لعدم وجود تبادل دبلوماسى كامل بين البلدين، فالسفارة الإيرانية مغلقة فى مصر ويوجد فقط قائم بأعمال السفارة وكذلك الوضع فى إيران، وسبب هذه القطيعة الدبلوماسية هو تدشين إيران شارع باسم خالد الإسلامبولى العقل المدبر لاغتيال السادات فى العاصمة طهران بعد إعدامه بأيام وذلك عام 1982 مما أدى إلى قطع العلاقات مع إيران وطرد السفير الإيرانى، وإن كان الاحتفاء بإرهابى وقاتل شىء لا يمكن قبوله، لكن طهران تراجعت بالفعل عن ذلك فى عام 2010 وأزالت اسم الإسلامبولى عن الشارع لتغازل الإدارة المصرية وقتها فى محاولة لإعادة المياه لمجاريها، لكن لم يحدث ذلك حتى الآن، وإن كنا نعيب على طهران لاحتفائها بإرهابى، فماذا عن الوهابية التى صنعت هذا الإرهابى بالأساس؟ وماذا عن الدول التى تمول الحركات السلفية المتشددة داخل مصر من أجل نشر أفكار متطرفة تصب فى صالح هذه الدول؟ لماذا لا نقطع معها العلاقات الدبلوماسية كما فعلنا مع إيران؟
العلاقات المصرية الإيرانية أصبحت ضرورة ملحة فى المستقبل القريب من أجل تحقيق مصالح أكبر للدولة المصرية، والعلاقات مع طهران ستسمح لمصر- الدولة الأكبر والأهم فى المنطقة العربية- بإنهاء حالة الصدام المستمر بين إيران وبعض دول المنطقة، وتفويت الفرصة على كل من يخططون لإشعال حرب طائفية فى المنطقة بين السنة والشيعة للقضاء على المنطقة بالكامل، وأتمنى أن تستجيب الإدارة المصرية لذلك فى أسرع وقت، فلا مجال للتردد بعد الآن، فالكل يبحث عن مصالحه، ومصلحة الوطن فوق الجميع، ومصر هى الأكبر والأهم وستظل كذلك.∎