الأحد 23 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأحاديث الصحيحة فى 10 صفحات فقط!

الأحاديث الصحيحة  فى 10 صفحات فقط!
الأحاديث الصحيحة فى 10 صفحات فقط!


تجمع المصادر التاريخية على أن أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم تدون فى عهده، فقد كان أشد ما يخشاه- عليه السلام- أن يكذب أحد عليه، وقد شدد فى هذا الأمر تشديدا عظيما، حتى جعل جزاءه النار، كما روى الشيخان البخارى ومسلم وغيرهما عن ربعى بن خراش قال: سمعت عليا يقول: قال النبى: «لا تكذبوا على، فإن من كذب علىّ فليلج النار».
أطلق النبى صلوات الله عليه هذا التحذير الشديد بعد أن سمع بعض الناس افتروا عليه، ويسوق الباحث محمود أبو ريه مؤلف كتاب «قصة الحديث المحمدى» من إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب مما يؤكد أنه كذب عليه وهو حى قائلا:
كان على مسافة من المدينة حى من بنى ليث، فجاءهم رجل عليه حلة وقال لهم: إن رسول الله كسانى هذه الحلة وأمرنى أن أحكم فى دمائكم وأموالكم بما أرى، فأرسلوا إلى رسول الله يخبرونه بأمره فقال: كذب عدو الله.
وأخرج ابن سعد وغيره عن المقنع التميمى قال: لم أحدث بحديث عن النبى إلا حديثا نطق به كتاب (أى قرآن)، أو جرت به سنة (أى سنة عملية، إذ لم تكن السنة تعرف حينئذ إلا بذلك).
وإذا كان بعض الناس كذب على النبى عليه السلام فى حياته وهو قائم بينهم، فإن الكذب عليه كثر واستفاض بعد وفاته والصحابة على قيد الحياة، وازداد انتشار الكذب وبخاصة بعد موت الخليفة عمر بن الخطاب لأنه كان يخيف الناس، حتى أفزعت كثرة ما نسب إلى رسول الله من أحاديث علماء الصحابة ومن بعدهم، فقد روى مسلم فى مقدمة صحيحه عن طاووس قال:«جاء هذا إلى ابن عباس يعنى (بشير بن كعب) فجعل يحدثه فقال له: ابن عباس عد لحديث كذا وكذا، فعاد وقال له: عد لحديث كذا، فقال له: ما أدرى أعرفت حديثى كله وأنكرت هذا أم أنكرت حديثى كله وعرفت هذا؟.. فقال ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يكذب عليه، فلما ركب الناس الصعبة والذلول تركنا الحديث».
وليس كل ما جاء من الأحاديث مما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم ودون فى الكتب قد سمعه الصحابة جميعا بآذانهم من النبى شفاهة ولا أخذ عنه تلقينا وإنما كان بعضهم يروى عن بعض، فمن لم يسمع الرسول ممن كان يغيب عن مجلسه- كان يأخذ ممن سمع منه- صلوات الله عليه.
وكانت مجالس الرسول كثيرة ومتعددة وتقع فى أوقات مختلفة وأماكن متباينة ولا يمكن لكل صحابى أن يحضر كل مجالسه إلا خواصه مثل على رضى الله عنه، فمن حضر منها من الصحابة لا يحضره الآخر.. وذكر الأمدى فى كتاب الأحكام أن ابن عباس لم يسمع من رسول الله سوى أربعة أحاديث لصغر سنه.
ولما روى عن النبى: إنما الربا فى النسيئة، وإن النبى لم يزل يلبى حتى رمى حجر العقبة،- قال فى الجزء الأول من الحديث لما روجع فيه: أخبرنى به أسامة بن زيد، وفى الجزء الثانى: أخبرنى أخى الفضل بن العباس).
ولما روى أبو هريرة عن النبى أنه قال: من أصبح جنبا فى رمضان فلا صوم له، وراجعوه فى ذلك قال: حدثنى به الفضل بن العباس.
الأحاديث بعد وفاة النبى
ذلك ما تؤكده أيضا الروايات الموثقة بعد وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم)، عندما جمع «الخليفة أبو بكر» الناس وخطب فيهم محذرا: إنكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحاديث تختلفون فيها، والناس من بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه''.
وهناك أحاديث متعددة يوردها الباحث محمود أبو رية فى كتابه «قصة الحديث المحمدى»، رواها أحمد ومسلم والدارمى وغيرهم عن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عنى شيئا، فمن كتب عنى غير القرآن فليمحه».. وأخرج الدارمى عن أبى سعيد كذلك أنهم استأذنوا النبى عليه السلام أن يكتبوا عنه فلم يأذن لهم.
ونقرأ لابن سعيد فى الطبقات عن عبدالله بن العلاء قال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر  فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة أهل الكتاب- قال: ومنع الناس يومئذ أن يكتبوا شيئا.
وعن عبدالله بن يسار قال: سمعت عليا يخطب يقول: أعزم على كل من عنده كتاب الأرجع فمحاه فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم.
ولا يتعدى ما كتب عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى عصره عشر صفحات إلا أن ذلك لا يعد تدوينا بأية حال- حسب المؤلف.
وإذا كانت الآثار الصحيحة جاءت فى نهى النبى- صلى الله عليه وسلم- من كتابة حديثه وأن الصحابة قد استمعوا إلى نهيه ونجد الأمر لم يقف عن ذلك بهم، فإن كثيرا منهم كانوا يحجمون عن رواية الأحاديث، وكانوا يتشددون فى قبول الأخبار تشددا قويا، روى البخارى عن ابن عباس:
إنه لما حضر النبى- أى حضرته الوفاة- وفى البيت رجال فيهم عمر، قال النبى: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده.. فقال عمر: إن النبى غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله.
وروى ابن سعد فى الطبقات عن السائب بن يزيد أنه صحب سعد بن أبى وقاص من المدينة إلى مكة، قال: فما سمعته يحدث عن النبى (صلى الله عليه وسلم) حديثا حتى رجع، وقال: إنى أخاف أن أحدثكم واحدا فتزيدوا عليه المئة، وسعد من كبار الصحابة ومن العشرة المبشرين بالجنة. وقال ابن قتيبة فى كتابه ''تأويل مختلف الحديث:
كان كثير من كبار الصحابة وأهل الخاصة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- كأبى بكر والزبير والعباس بن عبدالمطلب يقولون الرواية عنه، بل كان بعضهم لا يكاد يروى شيئا كسعيد بن زيد بن عمر بن تفيل ، وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة.
وقال على رضى الله عنه: كنت إذا سمعت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثا نفعنى الله بما شاء منه، وإذا حدثنى عنه محدث استحلفته فإن حلف لى صدقته.
وكان من أسباب امتناع الصحابة عن الرواية عن رسول الله خوفهم من ألا يؤدوا ما سمعوه عن النبى كما نطق به.. وروى البخارى وابن سعد عن عبدالله بن الزبير قال: قلت للزبير: إنى لا أسمعك تحدث عن رسول الله كما يحدث فلان وفلان؟.. قال: أما إنى لم أفارقه وكان بينى وبينه- صلوات الله عليه- من القرابة والرحم ما علمت- وعمته أمى وزوجته خديجة عمتى، وأمه آمنة بنت وهب وجدتى هالة بنت وهب ابنى عبدمناف بن زهر، وعندى أمك وأختها عائشة عنده، ولكنى سمعته يقول: من كذب على فليتبوأ مقعده من النار.
 تشديد الصحابة فى قبول الأخبار
كان الخلفاء الراشدون وكبار الصحابة وأهل الفتيا منهم يتقون كثرة الرواية عن النبى -صلى الله عليه وسلم- بما كانوا يعلمون من أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يؤدوا كل ما سمعوه من النبى- أو عنه- على وجهه الصحيح كما نطق به، لأن الذاكرة لا يمكن أن تحفظ كل ما تسمع وتضبطه، وما تحفظه مما تسمعه لا يمكن أن يبقى فيها على أصله وبخاصة بعد تراخى الزمن من سماعها- مهما تحرى الإنسان.
وكذلك لم يأمن الصحابة من يسمع منهم أن يغير فيما سمعه بالزيادة أو النقص أو الغلط أو الوهم أو التبديل والتحريف أو السهو أو بغير ذلك مما يعترى الإنسان.
والصحابة بما عرفوا من أصول الدين وفروعه كاملة عن رسول الله ما كانوا ليرضوا أن يرووا الحديث بالمعنى، ذلك بأن كلام رسول الله ليس كغيره من الكلام، إذ إن كل لفظة من كلامه عليه السلام يكمن فى طيها معنى يقصده هو صلوات الله عليه ويؤثره على غيره.
من أجل ذلك- والكلام للمؤلف- كانوا مع تحرجهم من الرواية عن النبى-صلى الله عليه وسلم- يترددون فى قبول الأخبار من إخوانهم فى الصحبة مهما بلغت درجاتهم فى الثقة ويحتاطون فى ذلك أشد الحيطة، حتى كان أبو بكر لا يقبل من أحدهم حديثا إلا بشهادة من غيره على أنه قد سمعه من النبى.
هذا هو عمل أبو بكر، أما عمر فكان شديدا على من أكثر من الرواية وكان يأمرهم أن يقلوا الرواية- يريد بذلك ألا يتسع الناس فيها، ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابى، وقد وقع ما كان يخشاه عمر، فوقع فى الرواية الكذب والتدليس وغير ذلك.
نقد الصحابة
بعضهم لبعض
لم يتوقف الأمر بين الصحابة على تشديدهم فى قبول الأخبار من بعضهم، لكنه تجاوز إلى أن ينقد بعضهم بعضا ولم يجدوا فى ذلك حرجا، ومن ذلك ما رواه البخارى فى صحيحه «أن عائشة ردت حديث عمر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فقالت: إنكم لتحدثون غير كاذبين، ولكن السمع يخطئ، وأضافت: والله ما حدث رسول الله أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهليه عليه، وحسبكم القرآن، ولا تزر وازرة وزر أخرى».
وردت قول ابن عمر الذى روى أن رسول الله قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين وقال: إنهم ليسمعون ما أقول. وقالت: إنما قال: إنهم الآن يعلمون أن ما كنت أقول لهم حق، ثم قرأت: «إنك لا تسمع الموتى. وما أنت  بمسمع من فى القبور».
وردت حديث رؤية النبى ربه ليلة الإسراء الذى رواه الشيخان البخارى ومسلم عن مسروق الذى قال لعائشة: يا أمتاه هل رأى محمد ربه؟.. فقالت: لقد قف شعرى مما قلت، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير»، «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب»، ومن حدثك أنه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت «وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا»، ومن حدثك أنه كتم شيئا فقد كذب، ثم قرأت «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك».
ومن ذلك أن أبا هريرة عندما روى أن رسول الله قال «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ودما خير من أن يمتلئ شعرا»، قالت عائشة: «لم يحفظ إنما قال «من أن يمتلئ شعرا هجيت به».
ولما أخبرت السيدة  عائشة أنه يحدث عن رسول الله، أن الطيرة- أى التشاؤم- فى المرأة والدار والدابة، قالت: والذى أنزل القرآن على أبى القاسم ما قال النبى ذلك وإنما قال: كان أهل الجاهلية يقولون إن الطيرة فى الدابة والمرأة والدار.. والإسلام ليس فيه تشاؤم ولا تطير.
اللحن والخطأ فى الحديث
يقول مؤلف «قصة الحديث المحمدى»: بعد أن أباحوا رواية الحديث بالمعنى سوغوا كذلك  إصلاح  الحديث إذا جاء ملحوناً أو خطأ ولا يرون بأسا فى ذلك، لأن الأعاجم قد تداولوه وجرى على ألسنتهم.
 قال الحافظ ابن عبدالبر فى كتابه «جامع بيان العلم وفضله»: سمعت الأوزاعى يقول : لا بأس بإصلاح اللحن والخطأ فى الحديث.
 ومما أجازوه اختصار الحديث ورواية بعضه. وفى سنن الترمذى عن مجاهد: انقص من الحديث إن شئت ولا تزد فيه. وقال ابن حجر فى شرح النخبة: أما اختصار الحديث فالأكثرون على جوازه بشرط أن يكون الذى يختصره عالما.
 كما تساهل الرواة فيما يروى فى الفضائل قال ابن مهدى: إذا روينا عن رسول الله فى الحلال والحرام والأحكام شددنا فى الأسانيد وانتقدنا الرجال. وإذا روينا فى الفضائل والثواب والعقاب تسالهنا فى الأسانيد وتسامحنا فى الرجال. أخرجه البيهقى فى المدخل.
الأحاديث الموضوعة
 كان من آثار تأخير تدوين الحديث وربط ألفاظه بالكتابة إلى ما بعد المائة الأولى من الهجرة أن اتسعت أبواب  الرواية وفاضت أنهار الوضع بغير ضابط ولا قيد، حتى بلغ ما روى من الأحاديث الموضوعة ألوفا مؤلفة- حسب المؤلف- لا يزال كثير منها مثبتا بين تضاعيف الكتب المنتشرة بين المسلمين من أحاديث مختلفة مصنوعة نسبت إلى رسول الله صلوات الله عليه زورا وبهتانا، سواء كان عمدا أو خطأ.
 ووضع الحديث عن رسول الله كان أشد خطرا على الدين، وأنكى ضررا بالمسلمين من تعصب أهل المشرقين والمغربين، وإن تفرق المسلمين إلى فرق وتشيع لهو أثر من آثار الوضع فى الدين.
ولم يكن وضع الأحاديث عن الرسول مقصورا على أعداء الدين وأصحاب الأهواء من المسلمين فحسب، إنما كان بعض الصالحين يضعون كذلك أحاديث عن رسول الله ويجعلون ذلك حسبة لله بزعمهم، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.
∎ كيف يمكن معرفة الموضوع من الحديث؟
- ذكر المحققون أمورا كلية يمكن عن طريقها معرفة الحديث الموضوع منها: مخالفته لظاهر القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعى أو القواعد المقررة فى الشريعة أو للبرهان العقلى أو اشتملت الأحاديث على مجازفات فى الوعد والوعيد والثواب والعقاب أو كان باطلا فى نفسه ولا يشبه كلام الأنبياء أو كان بكلام الأطباء أشبه أو يشتمل على تواريخ الأيام المستقبلية أو يكون يشتمل على تواريخ الأيام المستقبلية أو يكون سمجا أو يُسخر منه. ومن الموضوعات ما تقوم الشواهد الصحيحة أو تجارب العلم الثابتة على بطلانه أو يكون ركيكا فى معناه.∎