تزوج من تحمل همك.. لو كانت بنت عدوك

أسامة ابراهيم
تكتظ كتب التاريخ بقصص مختلقة عن وقوع صراعات ومعارك بين أهل البيت والصحابة.. وأصول هذا الاعتقاد ما يشاع من روايات تاريخية عن حروب وعداوات بين الفريقين.
لكن الثابت تاريخيا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج من ابنتى وزيريه، أبى بكر وعمر بن الخطاب، ثم زوج ابنتيه رقية وأم كلثوم إلى عثمان بن عفان.
كتب التراجم وعلماء الأنساب تتحدث عن مصاهرات كثيرة بين الصحابة وآل البيت، منها زواج الحسن بن على بن أبى طالب من حفصة بنت عبدالرحمن بن أبى بكر، وإسحاق بن جعفر بن أبى طالب من أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر، ومحمد (الباقر) ابن على (زين العابدين) ابن الحسين من أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر، وولدت له جعفر الصادق، الذى كان يقول: ولدنى أبو بكر مرتين.
ويفسر مؤلف كتاب «الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة» هذه المقولة بأن الصادق ولد من جهة أمه (أبو جده لأمه) وهى أسماء بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر، ومن جهة أم أمه (جدته لأمه)، وهى أسماء بنت عبدالرحمن بن أبى بكر، رغم أن العديد من مواقع وصفحات الإنترنت أنكرت صدور تلك المقولة عن جعفر الصادق.
∎ أهل البيت وآل الزبير
يذكر المؤلف أبى معاذ السيد فى كتابه، أن صفية بنت عبدالمطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجت من العوام بن خويلد، وولدت منه الزبير بن العوام، وتزوج عبدالله بن الزبير بن العوام من أم الحسن بنت الحسين بن على رضى الله عنهم، وولدت له بكرا ورقية وورثته.
وقال ابن عنبة: فى ذكر عقب أبى الحسين زيد بن الحسن «وبايع بعد قتل عمه الحسين بن عبدالله بن الزبير، لأن أخته لأمه وأبيه كانت تحت عبدالله بن الزبير، قال نصر البخارى: فلما قتل عبدالله أخذ بيد أخته ورجع إلى المدينة.
وتزوج عبدالله بن الحسين بن على بن أبى طالب من أم عمرو بنت عمرو بن الزبير، وولدت له بكر وقاسم وأم سلمة وزينب، وهى التى تزوجها أمير المؤمنين هارون الرشيد، وباتت عنده ليلة ثم طلقها، فلقبها أهل المدينة «زينب ليلة».
ونص عبارة مصعب الزبير، فى نسب قريش وجمهرة الأنساب، قال فى ولد عبدالله بن جعفر بن أبى طالب.. وأم كلثوم خطبها معاوية على ولده فجعل عبدالله أمرها إلى الحسين بن على، فزوجها للقاسم بن محمد بن جعفر بن أبى طالب وعدلها عن يزيد بن معاوية، وولدت للقاسم بنتا فتزوجها حمزة بن عبدالله بن الزبير بن العوام، وولدت له، ثم خلف عليها طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر، فولدت له أيضا ولها عقب فيهم وفى ولد حمزة، ثم مات قاسم عن أم كلثوم فتزوجها الحجاج بن يوسف وهو يؤمئذ أمير على المدينة ومكة، فكتب إليه عبدالملك يأمره بفراقها فطلقها».
∎ أهل البيت وآل الخطاب
فى كتاب «عمدة الطالب» ذكر ابن عنبة، أن الحسين (الأفطس) ابن على (زين العابدين) ابن الحسن، تزوج من بنت خالد بن أبى بكر بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، بينما تزوج الحسن (المثنى) ابن الحسن بن على بن أبى طالب من رملة بنت سعيد بن زيد بن نفيل العدوى، وولدت له محمدا ورقية وفاطمة.
وينكر بعض العلماء زواج أم كلثوم بنت على بن أبى طالب من الخليفة عمر بن الخطاب، ويرد مؤلف الكتاب على ذلك بالقول أنه ثابت فى أمهات مصادر الأنساب ومنها كتاب «الأصيل فى أنساب الطالبين» لابن الطقطقى الذى قال (وأم كلثوم أمها فاطمة الزهراء عليها السلام تزوجها عمر بن الخطاب فولدت له زيدا، ثم خلف عليها عبدالله بن جعفر).
∎ أهل البيت وبنى أمية
وهى مصاهرات كثيرة جدا يذكر المؤلف صعوبة حصرها، مضيفا أن بنى أمية فرع كبير جدا من بنى عبدمناف، وهم يشتركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبا إلى الجد (عبدمناف).
ومن أشهر هذه المصاهرات زواج رقية وأم كلثوم بنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية، وهى مصاهرة ذكرتها كل المصادر والمراجع.
وتزوجت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبو العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس بن أمية. كما تزوج على بن أبى طالب من أمام بنت أبى العاص بين الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر المؤلف أن السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها هى التى أوصت عليا قبل موتها بالزواج من أمامة، لما كان لها من منزلة ومكانة من قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
هناك أيضا خديجة بنت على بن أبى طالب التى تزوجها عبدالله بن عامر بن كريز الأموى.
وأورد «المجدى» لأبى حسن العمرى بنات على بن أبى طالب فقال (1- أم كلثوم من فاطمة عليها السلام واسمها رقية، خرجت إلى عمر بن الخطاب فأولدها زيد. 2- زينب الكبرى خرجت إلى عبدالله بن جعفر بن أبى طالب فأولدها على وعون وعباس. 3- رملة: خرجت إلى عبدالله بن أبى سفيان. 4- أم الحسن: خرجت إلى جعدة بن هبيرة المخزومى. 5- أمامة: خرجت إلى الصلت بن عبدالله بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب. 6- فاطمة: خرجت إلى أبى سعيد بن عقيل. 7- خديجة: خرجت إلى ابن كريز من بنى عبدشمس. 8- ميمونة: خرجت إلى عبدالله الأكبر بن عقيل. 9- رقية الصغرى: خرجت إلى مسلم بن عقيل. 10- زينب الصغرى: خرجت إلى محمد بن عقيل. 11- أم هانئ (فاخته): خرجت إلى عبدالرحمن بن عقيل. 12- نفيسة وهى أم كلثوم الصغرى: خرجت إلى عبدالله بن عقيل الأصغر. والباقيات من بناته عليه السلام لم يذكر لهن خروج).
وذكر أبونصر البخارى قال: «على بن الحسن بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، تزوج برقية بنت عمر العثمانية، وكانت من قبل تحت المهدى بن المنصور، فأنكر ذلك الهادى وأمره بطلاقها، فأبى على بن الحسن ذلك وقال: ليس المهدى برسول الله حتى تحرم نساؤه بعده، ولا هو المهدى أشرف منى». (سر السلسلة العلوية ص 103).
وقال ابن عنبة فى «عمدة الطالب (وكان لزيد بن الحسن بن على بن أبى طالب ابنة اسمها نفيسة، خرجت إلى الوليد بن عبدالملك بن مروان فولدت منه وماتت بمصر، ولها هناك قبر يزار وهى التى يسميها أهل مصر «الست نفيسة».. كما تزوج الوليد بن عبدالملك وهو خليفة من زينب بنت الحسن (المثنى) ابن الحسن بن على بن أبى طالب، وأيضا تزوجها معاوية بن مروان بن الحكم، وولدت له الوليد بن معاوية).
وتزوجت فاطمة بنت الحسين (الشهيد) ابن على بن أبى طالب من عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وولدت له محمد الديباج قتل سنة 145هـ فى سجن المنصور مع إخوته لأمه عبدالله المحض والحسن المثلث وغيرهم من أهل البيت، وقد كانت فاطمة بنت الحسين من قبل تحت الحسن (المثنى) وولدت له عبدالله المحض والحسن المثلث وإبراهيم الغمر، وبعض العلماء يتغافلون عن هذا النسب أحيانا كما فعل على محمد دخيل فى كتابه «فاطمة بنت الحسين»، إذ يرى أنها لم تتزوج إلى من الحسن المثنى.
وقال الشيخ عباس القمى «من زوجات الحسين بن على بن أبى طالب ليلى بنت أبى مرة بن عروة بن سعود الثقفية، وأمها ميمونة بنت أبى سفيان، وهى أم على الأكبر الذى قتل مع أبيه».
وتزوجت رملة بنت محمد بن جعفر بن أبى طالب من سليمان بن هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحكم الأموى، ثم أبا القاسم بن الوليد بن عتبة بن أبى سفيان فقتله عبدالله بن على، فتزوجها إسماعيل أو صالح ابنا على».
∎ العلويين والعباسيين
لم تكن المصاهرات بين أهل البيت من آل على خاصة والصحابة بل كانت كذلك بين أهل البيت من آل على وبنى عمومتهم من آل العباس.
ومن هذه المصاهرات زواج محمد (الجواد) ابن على (الرضا) ابن موسى (الكاظم) من أم الفضل بنت المأمون بن هارون الرشيد، وكان ذلك الزواج سنة 202هـ.
وروى الشيخ عباس القمى عن الريان بن شبيب أن المأمون أمر بعد التزويج أن يقعد الناس على مراتبهم من الخاصة والعامة، ولم نلبث أن سمعنا أصواتا يشبه أصوات الملاحين فى محاوراتهم، فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبرسيم «الحرير» على عجلة مملوءة من الغالية «خليط من الطيب، العنبر والمسك وغيرهما».
ثم أمر المأمون أن يخضب بحناء الخاصة من تلك الغالية، ثم مدت إلى دار العامة فطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت - إلى أن قال- ثم أمر المأمون فنثر على أبى جعفر عليه السلام رقاعا فيها ضياع وطعم وعملات).- تواريخ النبى والآل ص 111.
وقال ابن حبيب (وتزوجت ابنة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن من محمد بن أبى العباس أمير المؤمنين، فدخل بها المدينة بعد قتل أبيها، فلما أصبح طلقها فتزوجها عيسى بن على بن محمد بن إبراهيم الإمام، ثم الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن حسن).
وذكر ابن حزم فى (جمهرة أنساب العرب فى ولد الحسين بن زيد) قال: «ومن ولد الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، والحسن والحسن آخر وعلى وجعفر وعبدالله ومحمد وإسحق وزيد ويحيى وميمونة تزوجها أمير المؤمنين الخليفة العباسى المهدى».
ويختتم المؤلف كتابه بالقول إن الحكم العدل إذا قرأ واطلع على تلك الأسماء والمصاهرات والأنساب فوقف من خلالها على ما كان بين أهل البيت الأطهار والصحابة الأخيار فتيقن قلبه، وسكن صدره، وثبت ظنه فيما بينهم من مودة وصفاء ومحبة وإخاء.
ويورد مصعب الزبيرى فى «نسب قريش» نصا له دلالات قوية على ما بين آل الزبير وآل على من رحم ومودة وقربى. قال: «وكان عبدالملك بن مروان» قد غضب غضبة؛ فكتب إلى هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة، وهو عامله على المدينة، وكانت بنت هشام بن إسماعيل زوجة عبدالملك وأم ابنه هشام؛ فكتب إليه أن: «أقم آل على يشتمون على بن أبى طالب، وأقم آل عبدالله بن الزبير يشتمون عبدالله بن الزبير» فقدم كتابه على هشام فأبى آل على وآل عبدالله بن الزبير ذلك وكتبوا وصاياهم؛ فركبت أخت لهشام وكانت جزلة عاقلة، وقالت: «يا هشام! أتراك الذى تهلك عشيرته على يديه؟ راجع أمير المؤمنين!»، قال: «ما أنا بفاعل» قال: «فإن كان لابد من أمر فمر آل على يشتمون آل الزبير ومر آل الزبير يشتمون آل على!»، فقال: «هذه أفعلها»!، قال: فاستبشر الناس بذلك وكانت أهون عليهم فكان أول من أقيم إلى جانب المرمر الحسن بن الحسن بن على؛ وكان رجلا رقيق البشرة، وعليه يومئذ قميص كتان رقيق، فقال هشام: «تكلم! سب آل الزبير»! فقال: «إن لهم رحما أبلها بيلاها وأربها بربابها! يا قوم مالى أدعوكم إلى النجاة وتدعوننى إلى النار»، فقال هشام لحرس عنده: «اضرب» فضربه سوطا واحدا من فوق قميصه فخلص إلى جلده فشرحه، حتى سال دمه تحت قدمه فى المرمر، فقال أبوهاشم عبدالله بن محمد بن على: لا أنا دونه أكفيك أيها الأمير فى آل الزبير وشتمهم! ولم يحضر على بن الحسين فقال: كان مريضا أو تمارض ولم يحضر عامر بن عبدالله بن الزبير فهم هشام أن يرسل إليه فقيل: «إنه لايفعل أتقتله؟» فأمسك عنه.
وحضر من آل الزبير من كفاه، وكان عامر يقول: «إن الله لم يرفع شيئا فاستطاع أحد خفضه، انظروا إلى ما يصنع بنو أميه بالناس يخفضون عليا ويغرون بشتمه، وما يريد الله بذلك إلا رفعه!»، وكان ثابت بن عبدالله بين الزبير غائبا فقدم هو وابن خالة الحسن بن الحسن؛ أمه تماضر بنت منظور أخت خولة بنت منظور لأبيها وأمها فأتى هشام بن إسماعيل وقال: «كنت غائبا ولم أحضر هذا المجمع فأجمع لى الناس أخذ بنصيبى» فقال له هشام: وما تريد إلى ذلك؟ فلود من حضر أنه لم يحضر» فقال: «لتفعلن أو لأكتبن إلى أمير المؤمنين فلأخبرنه أنى عرضت عليك نفسى فلم تفعل» فجمع له الناس، فقام فيهم فقال: «لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» ثم قال: أيها الناس «كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون» ألا لعن الله من لعن ولعن مواعظ القرآن لعن الله الأشدق لطيم الشيطان المتمنى ما ليس له هو أقصر ذرعا وأضيق باعا! ألا لعن الله الأحول الأثعل، المترادف الأسنان، المتوثب فى الفتنة وثوب الحمار المقيد محمد بن أبى حذيفة، رامى أمير المؤمنين برءوس الأفانين؟ ألا لعن الله عبيد الله الأعور بن عبدالرحمن بن سمرة شر العصاة اسمها وآلامها مرعا وأقصرها فرعا؟ لعنه الله ولعن التى تحته! يعرض بأم هشام بن إسماعيل وهى أمة الله بنت المطلب بن أبى البخترى بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبدالعزى، وكان عبيدالله بن عبدالرحمن خلف عليها بعد إسماعيل بن هشام وكان عبيدالله حظيا عند النساء فلما بلغ ثابت هذا القول أمر به هشام إلى الحبس وقال: «ما أراك تشتم إلا رحم أمير المؤمنين» فلم يزل ثابت فى السجن حتى بلغ خبره عبدالملك بن مروان فكتب أن «أطلقوه فإنه إنما شتم أهل الخلاف».
وكان الفضيل بن بن مرزوق يقول: سمعت الحسن بن الحسن يقول لرجل يغلو فيهم: «ويحكم أحبونا لله، فإن أطعنا الله، وإن عصينا الله فأبغضونا! فلو كان الله نافعا أحدا بقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغير طاعة لنفع بذلك أباه وأمه، قولوا فينا الحق، فإنه أنفع فيما تريدون ونحن نرضى به منكم».
وتوفى حسن وأوصى إلى إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله «التيمى» وهو أخوه لأمه.∎