«الطبخة المسمومة» بين قطر وتركيا لتركيع دول الخليج

روزاليوسف الأسبوعية
لعل أفضل توصيف للسياسة التى يتبعها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان «هى القفز خارج الحلبة، أو الجرى فى البراح»، فبعد أن منى حزبه «العدالة والتنمية» بخسارة كبيرة أفقدته الأغلبية المطلقة التى على أثرها تحطم حلمه فى تغيير نظام الحكم فى تركيا إلى نظام سلطوى يمنحه صلاحيات مطلقة يستعيد بها صورة السلطان التى كانت عليها الدولة العثمانية قبل أتاتورك، أعلنت أنقرة الثلاثاء الماضى عن إنشاء أول قاعدة عسكرية كبيرة لها خارج الأراضى التركية فى قطر التى باتت مجرد قاعدة عسكرية يمتطيها كل طامع فى السيطرة على ثروات الخليج، ومستقبل العرب.
يحتاج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى نصر معنوى لم يجده فى تركيا التى استفاق شعبها بعد 13 سنة من الحكم المطلق، سيطر خلالها حزب العدالة والتنمية على كل مؤسسات الدولة التركية، كان على أردوغان أن يثبت لأنصاره ومنافسيه فى آن واحد أنه مازالت لديه القدرة على المضى فى محاولة استعادة حلم انتهى ومر عليه قرن كامل، لم يجد «أردوغان» سوى «تميم» الذى رهن ومن قبله أبوه «حمد» الأرض القطرية لتكون قواعد عسكرية تنطلق منها آلة الحرب لتقتل ماتبقى فى الأمة العربية من إباء وكبرياء وتشبث بالمستقبل.
ماذا يضمر أردوغان الجريح الذى منى بخسائر فادحة فى تنفيذ مشروعه الذى يسعى من خلاله إلى استعادة حلم أجداده العثمانيين على حساب العرب بعد أن فشل فى أوربة تركيا، لاشك أن إنشاء قاعدة عسكرية لتركيا فى قطر يضع المنطقة كلها فى فوهة بركان، أو على حافة الهاوية، والهلاك المدمر، ويقذف بها إلى أتون مرحلة جديدة من الصراع والتشرذم أكثر خطورة، خصوصا أن هذه القاعدة العسكرية سوف تشكل نواة لجيش الإخوان الذى تموله قطر، الدولة المتورطة فى تمويل كل الجماعات الإرهابية حول العالم، ومن لايزال (أفرادا أو دولا) عنده مجرد أدنى شك فليراجع عقله أولا، ثم يشاهد قناة الجزيرة القطرية وهى الوسيلة الإعلامية الوحيدة فى العالم التى تصف داعش بـ «تنظيم الدولة الإسلامية»، وربيبتها تركيا التى تستقبل جحافل المنضمين إلى داعش وتسهل لهم الدخول والخروج ليل نهار عبر مطاراتها وموانيها، كما أن النفط الذى تصدره داعش إلى أمريكا وتعتاش على موارده يتم عبر الوساطات والموانئ التركية، لذا فإن المبرر الذى تسوقه قطر وتركيا بأن هذه القاعدة العسكرية التركية سوف تشكل تصديا لإرهاب داعش هو محض وهم يأتى فى سياق سلسلة متصلة لانهائية من الأكاذيب التى تروجها الدولتان الخاضعتان للتنظيم الدولى للإخوان الذى تسيره وتديره المخابرات الأمريكية لتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة فى المنطقة، كما أن مبرر إنشاء القاعدة العسكرية بغرض التخلص من نظام بشار الأسد، مردود عليه أن قطر لاتمتلك حدودا مع سوريا على عكس تركيا التى تمتلك حدودا معها يبلغ طولها 822 كيلومتراً، إذن ما الأهداف الحقيقية من وراء إنشاء قاعدة عسكرية فى قطر التى تحتضن ليس فقط، بل تمول أكبر قاعدتين عسكريتين للولايات المتحدة خارج الأراضى الأمريكية، هما قاعدتا العديد والسيلية اللتان يبلغ عدد الجنود الأمريكيين فيهما أكثر من تعداد الشعب القطرى؟
تشابهات كثيرة، وشواهد حاضرة تجمع بين النظامين فى تركيا وقطر، فهما ينتميان بلا أدنى شك لجماعة الإخوان الإرهابية، وتنظيمها الدولى المرتبط بجميع أجهزة المخابرات المعادية للدولة العربية، كما أن قطر وتركيا تشتركان فى وجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيهما، فبالإضافة إلى قاعدتى السيلية والعديد فى قطر، فهناك فى تركيا قاعدة إنجرليك التى استخدمت فى ضرب حواضر العراق وحولته إلى كنتونات طائفية تعيش خارج سياق العصر، كما أن «تميم» وأباه «حمد» لديهما حالة مرضية ميئوس من شفائها عجز عن مداواتها الطب، وهما مقتنعان أنهما أكبر من حجم قطر، لذا فهما مغرمان بنصيحة الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز «بأن حجم الدور أهم من واقع الجغرافيا»، وأن التاريخ موجود فقط داخل صفحات بالية لكتاب عربى لايقرؤه أحد، يشترك معهما فى نفس الداء «أردوغان» المتلبس بإرهاصات ماض لن يعود، كلاهما للأسف مجرد قدمى حذاء فى مشروع استعمارى غربى بغيض يستهدف أجيالنا، ومستقبل أمتنا، وأمننا، وهويتنا.
بالتأكيد: أن القاعدة العسكرية التركية أهدافها بادية، ومآربها واضحها، فالحيل القطرية التركية لاتخيل على من له عقل يفكر بلغة الضاد، أو قلب مازال ينبض بالدماء العربية الحارة.
أولا: قطر المتخمة بالقواعد العسكرية، والإنجليزية، والتركية هى الدولة العربية الوحيدة التى رفضت أن تكون مصر مقرا للقوات العربية المشتركة، وهى القوات التى دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى بعد 3 يوليو إلى تشكيلها، ودعمتها المملكة العربية السعودية، وجميع الدول العربية الأخرى، فيما يبدو فإن قطر التى تغرد خارج السياق العربى، وتتبنى وتمول منذ عام 1995م استراتيجيات أمريكا وإسرائيل وإيران وتركيا فى المنطقة تريد إفشال القوات العربية المشتركة لأن هذه القوات التى أعلن أوباما رفضه لها صراحة أمام مسئولين عرب كانوا فى زيارة له فى البيت الأبيض لأنها تعزز من استقرار حكم السيسى وإعادة مصر إلى المشهد الإقليمى كدولة فاعلة من جديد، وهذا ما لا ترضاه واشنطن ويضر بمصالحها الاستراتيجية فى المنطقة.
ثانيا: إن تركيا أردوغان بات لها ثأر مع مصر بعد نجاح الشعب المصرى فى 30 يوينو فى إزاحة جماعة الإخوان الإرهابية من على عرش مصر، الدولة العربية الكبرى ذات الأغلبية المسلمة، القوة الإقليمية فى الشرق الأوسط، قائدة الإسلام السُّنِّى والتى كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يمنى نفسه بقيادة العالم الإسلامى من قلب عاصمتها قاهرة المعز، من قلعة صلاح الدين، أو أحد قصور محمد على التى هددت مصر فى عهده الدولة العثمانية بعد أن وصل نجله إبراهيم باشا إلى مدينة كوتاهية على بعد 320 كيلومترا من العاصمة العثمانية إسطنبول، فى ثلاثينيات القرن التاسع عشر بعد أن استولى على سوريا وفلسطين، ولم ينقذ الدولة العثمانية من مصر حينها سوى تدخل القوتين العظميين ذاك الزمان بريطانيا وفرنسا، إذن العمالة العثمانية التركية للغرب متأصلة لم تتغير سوى وجهتها وبوصلتها.
ثالثا: إن القاعدة العسكرية التركية فى قطر التى تسعى إلى تزعم دول الخليج على حساب المملكة العربية السعودية، الدولة العربية الإقليمية الكبرى، مهبط الوحى بلد الحرمين، زعيمة العالم الإسلامى بلا منازع، أقول إن هذه القاعدة هى تهديد مباشر لأمن دول الخليج، تسعى من خلالها تركيا وأمريكا إلى إخضاع المملكة العربية السعودية التى برهنت على وضعها الدولى والإقليمى بعد نجاحها فى عاصفة الحزم ونجحت فى كبح التغول الإيرانى الذى كان يهدد دول الخليج العربية طوال العقود الماضية، بعدما استفحل فى سوريا والعراق ولبنان بمساعدة أمريكية لاتخطئها عين، لم يخف حكام قطر يوما نواياهم العدائية تجاه المملكة التى تقود الآن العالم العربى بمهارة، وحنكة سياسية، واستراتيجية محكمة، تريد أن تتجاوز ومعها الأمة العربية ظلام سنوات ثورات أتباع العم سام.
رابعا: العداء بين قطر وكل من دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين لايحتاج إلى صب الزيت المغلى على لهيب النار، فالدولتان وإن كانت العلاقات بينهما وقطر فى إطار دول مجلس التعاون الخليجى تطفئها حكمة وحنكة قيادة المملكة العربية السعودية إلا أن سياسات الإمارات والبحرين فى تضاد تام مع سلوكيات وعنجهية حكام قطر التى تستند إلى تواجد القواعد العسكرية فى الأراضى القطرية التى يقتات جنودها، وتمول وتمون آلياتها ودباباتها وطائراتها ومجنزراتها على حساب أموال الشعب القطرى، ومن الخزينة القطرية.
أخيرا كيف يستطيع حكام قطر تبرير وجود قاعدة عسكرية تركية فى دول مجلس التعاون الخليجى، فى الوقت الذى رفض فيه أردوغان الانضمام إلى التحالف العربى الذى تقوده المملكة فى عاصفة الحزم، وذهب إلى طهران للتفاهم بشأن تنمية العلاقات الاقتصادية معها بعد الاتفاق النووى الإيرانى مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذن السؤال الذى يطرح نفسه هو، لمن توجه فوهات مدافع القاعدة العسكرية التركية؟ وما الهدف الذى تسعى إليه تركيا وقد يجهله تميم؟∎