السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الأسقف الإخوانى!

الأسقف الإخوانى!
الأسقف الإخوانى!


لا أحد يعرف معلومات كثيرة عن الأنبا آرميا فهو يحيط نفسه دائما بالغموض الدائم، حتى اسمه العلمانى - وهو اسمه الحقيقى قبل الرهبنة - يرفض الإفصاح عنه ولا أحد يعرفه حتى الآن.
استطاع  الأنبا آرميا الذى يبلغ من العمر 56 عاما الذى بدأ حياة الرهبنة فى دير القديس مارمينا بمريوط عام 1984 أن يصنع حوله دائرة من الجدل خلال السنوات الأربع الأخيرة، وكان السبب الرئيسى لهذا الجدل هو علاقته القوية بجماعة الإخوان منذ قيام ثورة يناير التى أطلق عليه بسببها لقب «رجل الإخوان بالكنيسة»، ورغم سقوط جماعة الإخوان فى منتصف 2013 وانقطاع صلة آرميا برموزها، لم يتوقف الجدل حول شخصيته الغامضة والطموحة لأبعد حد، بل استمر وازداد بسبب ما أطلق عليه البعض «المحاولات المستمرة للسيطرة على الكنيسة من جانب آرميا»، وأهم هذه المحاولات ما كشفه لنا مصدر كنسى عن قيام آرميا بزرع كاميرات داخل مقر الكاتدرائية للتجسس على البابا وقيادات الكنيسة، وهو أمر غريب - إذا صحت رواية المصدر - لم تشهده الكنيسة من قبل، مما دفعنا لفتح ملف الأسقف الغامض داخل الكاتدرائية.

الأنبا آرميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى استطاع أن يصنع مملكته الخاصة عقب رحيل البابا شنودة، وبعد أن تبددت أحلامه فى الوصول إلى كرسى الباباوية، وسعى منذ ذلك الوقت فى السيطرة  الكاملة على الكنيسة وعلى الشعب القبطى، واستخدم من أجل هذا الهدف العديد من الوسائل التى جعلته يستحق عن جدارة لقب «الأسقف القوى» داخل الكنيسة، ومن ضمن هذه الوسائل ظهوره كضيف دائم فى عدد كبير من الصحف الكبرى التى تنشر مقالاته، إضافة إلى أنه دشن العديد من المواقع الإلكترونية التى تحمل اسمه، وأصدر مجلة باسم «مصر الحلوة»، التى يعتبرها البعض منافسة لمجلة «الكرازة» التى يترأسها البابا تواضروس، وهى لسان حال الكنيسة، كما يشرف الأنبا آرميا على قناة مارمرقس، وهى لسان حال الكنيسة أيضا، وتواجه القناة انتقادات مستمرة بسبب الإعلانات المضللة التى تذيعها والخارطة البرامجية التى يراها البعض بعيدة عن خدمة شعب الكنيسة.
دفع هذا البعض لإطلاق مسمى جديد على آرميا وهو «جوبلز» الإعلام القبطى - جوبلز هو وزير الإعلام الألمانى فى عهد هتلر والذى ساهم بشكل كبير فى تضليل الشعب الألمانى وزرع الأفكار التى تخدم النازية فى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية - وأن آرميا استأثر بإمكانيات وأملاك الكاتدرائية وأنشأ وأسس قناة تليفزيونية يملكها ويديرها ويجمع تبرعاتها وإيرادات إعلاناتها التجارية دون رقابة، وأسس الذراع الثانية لخدمة ذاته باسم المركز الثقافى الأرثوذكسى الذى يعمل كجزيرة منفصلة عن الكنيسة الأرثوذكسية لتأسيس مركز قوة داخلها ضد البابا ورجاله.
كما تردد منذ شهور أن آرميا قام بتجنيد عدد من الشباب الكنسى داخل المركز الثقافى القبطى، خاصة من الذين يشاركون فى أنشطة المركز أو فريق الألحان والكورال فى قناة مارمرقس لتأليبهم على البابا تواضروس، ودفعهم إلى المواجهة وإجبارهم على التظاهر ضد البابا تواضروس باعتباره يتخلى عن عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية.
مصدر كنسى - رفض ذكر اسمه -  أكد لنا أن وسائل آرميا للسيطرة على الكنيسة لم تتوقف عند هذا الحد، بل زاد عليها سعيه لرصد كل ما يدور داخل أروقة الكنيسة بالصوت والصورة حيث إن آرميا - طبقا للمصدر - قام بزرع كاميرات مراقبة داخل جميع القاعات والأروقة والبوابات الخاصة بمقر الكاتدرائية بالعباسية بما فى ذلك المكتب الخاص بالبابا، وذلك خلال فترة مرض البابا شنودة وقبل وفاته بفترة قليلة، وأن هذه الكاميرات ظلت فى أماكنها بعد رحيل البابا شنودة وحتى مجىء البابا تواضروس، وأن كل ما تم تصويره عن طريق  هذه الكاميرات بحوزة آرميا وحده ولا أحد فى الكنيسة يعلم شيئا عن هذه المواد المصورة، حيث إن القيادات الأمنية المكلفة بحراسة الكاتدرائية تقوم بتسليم كل المواد المصورة للأنبا آرميا باعتباره الأسقف العام، ولا أحد يعلم حتى الآن فيما تستخدم هذه المواد.
المصدر الكنسى يؤكد أن جميع الأساقفة داخل الكاتدرائية يعلمون أن جميع أروقة وغرف الكاتدرائية مراقبة عن طريق الكاميرات وأن المواد المصورة تذهب لآرميا وحده لكن لا أحد يجرؤ على الحديث فى هذا الأمر.
كما أكد أيضا أن البابا تواضروس يعرف هذا الأمر جيدا، لكنه تعامل مع الأمر بذكاء شديد ودون افتعال أى صدامات مع آرميا، وأمر بتجديد بعض المكاتب والغرف داخل الكاتدرائية ونزع الكاميرات من أى غرفة أو مكتب يتم تجديده حتى يقضى على كاميرات آرميا شيئا فشيئا.
القلق الذى انتاب بعض أساقفة الكنيسة من آرميا وتصرفاته وإصراره الدائم على السيطرة على الكنيسة سببه هو  علاقة آرميا بجماعة الإخوان، وهى العلاقة التى كانت مثارا للجدل داخل الكنيسة بعد ثورة يناير مباشرة، وتحديدا بعد وصول الإخوان للحكم، ومن ضمن الوقائع المهمة التى تسببت فى أزمة كبيرة بين بعض الأساقفة وبين الأنبا آرميا واقعة لا يعرفها الكثيرون بدأت قصتها داخل القصر الجمهورى فى ,2012 والعهدة على رواية د.مينا بديع عبدالملك أستاذ الرياضيات بهندسة الإسكندرية، فور تولى محمد مرسى منصب رئاسة الجمهورية فى 2012 وطبقا للبروتوكول قامت الكنيسة القبطية - ممثلة فى قائمقام البطريرك بالاتصال برئاسة الجمهورية لتقديم واجب التهنئة وتحديد موعد لزيارة وفد الكنيسة لقصر الرئاسة وتهنئة الرئيس.
جرت العادة ألا يصطحب قائمقام البطريرك فى زياراته الرسمية للمسئولين أى أحد من سكرتارية البابا شنودة الثالث وفى الموعد المحدد توجه وفد كنسى برئاسة قائمقام البطريرك والأنبا بيشوى وأساقفة آخرون إلى مقر رئاسة الجمهورية وعند وصول الوفد الكنسى لمكتب رئيس الجمهورية كان فى استقبالهم الأنبا «آرميا».
المفاجأة كانت غير متوقعة، ولم يستطع أعضاء الوفد الكنسى إخفاء دهشتهم من وجود الأنبا «آرميا» فى مقر الرئاسة بشكل غير رسمى ليستقبل وفد الكنيسة وكأنه أحد سكرتارية رئيس الجمهورية.
الوفد الكنسى حاول أن يتجاوز الأمر وتجنب إصدار أى رد فعل حتى لايؤثر ذلك على صورة الكنيسة أمام الرئاسة التى شهدت للمرة الأولى فى تاريخها رئيسا ينتمى لجماعة الإخوان.
المفاجأة الثانية والصادمة التى أربكت الكنيسة كانت فى نهاية اللقاء عندما طلب قائمقام البطريرك من رئيس الجمهورية وقتها إعطاءه رقم تليفونه الشخصى، فأخبره مرسى أن تليفونه الخاص وجميع تليفونات رئاسة الجمهورية مع الأنبا «آرميا» فى تلميح الغرض منه توصيل رسالة لقائمقام البطريرك وللكنيسة عموما أن «آرميا» سيلعب دور الوسيط وحلقة الوصل بين الكنيسة ورئاسة الجمهورية بشكل خاص وجماعة الإخوان بشكل عام.
خرج الوفد من مقر رئاسة الجمهورية بعد أن استوعب رسالة مرسى جيدا والتى أكد عليها فى حضور الأنبا «آرميا» المبتسم دائما.
بعد هذا الموقف أصبح اللعب على المكشوف بين آرميا وباقى قيادات الكنيسة الغاضبة من التقارب غير المبرر بينه وبين قيادات الإخوان.
فخرج «آرميا» بتصريحات مثيرة للجدل بعدها مباشرة ووصف الرئيس المعزول محمد مرسى بالصديق الشخصى، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان ستفاجأ بعد انتخابات الرئاسة إذا سمح لكل شخصية بالكشف عن اسم مرشحه بتصويت رموز كنسية وقبطية لصالح مرسى.
هذه التصريحات التى نشرتها بوابة الوفد ومواقع إخبارية أخرى فى 2012 توضح إلى حد كبير عمق العلاقة بين آرميا والإخوان، فلا يوجد أى سبب واحد منطقى يجبر آرميا على إصدار  تصريحات مبتذلة ورخيصة كتلك إلا إذا كان الأمر فيه «إنَّ».
أحد مصادرنا والمقرب من جماعة الإخوان وصف لنا علاقة الأنبا «آرميا» وجماعة الإخوان بالعلاقة القوية تحديدا فى فترة حكم الإخوان وأن هذه العلاقة كانت ذات منفعة متبادلة، حيث كانت جماعة الإخوان - طبقا للمصدر - تعتمد على «آرميا» فى اختراق الكنيسة والشعب القبطى للسيطرة عليهم، وأن الجماعة طلبت من آرميا الضغط على البابا شنودة قبل وفاته بأيام قليلة لمقابلة محمد بديع مرشد الإخوان بالكاتدرائية لكى يتم التقاط مجموعة صور للمرشد مع البابا وبثها عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية لنقل رسالة مفادها أن الكنيسة تؤيد حكم الإخوان.
لكن ما هو المقابل الذى كان ينتظره آرميا من جماعة الإخوان نظير كل هذه المساعدات؟!
مصدرنا يؤكد أن جماعة الإخوان كانت تسعى بشكل كبير لمساندة آرميا لاقتناص كرسى الباباوية بعد وفاة البابا شنودة لكن الجماعة توقفت عن دعمها له بعد أن تناقلت وسائل الإعلام المختلفة تفاصيل حول طبيعة العلاقة بين آرميا ومكتب الإرشاد، والجماعة كانت تخشى الاستمرار فى الدعم حتى لايتسبب ذلك فى غضب الأقباط بالداخل وانتقادات المجتمع الدولى بسبب تدخل الجماعة فى شئون الأقباط ودعم مرشح بعينه كى يصل إلى مرحلة القرعة الهيكلية.
هذا ما ألمح إليه أيضا القمص فلوباتير جميل كاهن كنيسة العذراء المقيم بأمريكا الذى وصف الأنبا آرميا بالانتهازى وأنه استغل فرصة وجود محمد بديع مرشد الإخوان فى عزاء شقيق المشير بعد الثورة مباشرة، ليعقد معه صفقات على حساب الأقباط بدلا من وقوفه موقفا وطنيا ضد حملات تغيير هوية الدولة دون أن يكشف فلوباتير عن طبيعة هذه الصفقات التى عقدها آرميا مع مرشد الإخوان.
مصدرنا المقرب من جماعة الإخوان أكد أن الرئيس المعزول ومكتب الإرشاد كانا يعتمدان على «آرميا» فى كل شىء يخص الكنيسة والأقباط وظهر ذلك جليا عندما طلب مكتب الإرشاد من آرميا ترشيح أسماء موثوق بها لتعيينهم فى مجلس الشعب المنحل، فقام آرميا بترشيح سكرتيرته الخاصة ماريان ملاك التى كانت تبلغ من العمر وقتها 27 عاما وهى لا تملك أى مقومات لهذا المنصب، وبالفعل استجابت الجماعة لترشيحات آرميا ووضعت اسم ماريان ضمن قائمة مقترحة سلمها مكتب الإرشاد لإمضاء المجلس العسكرى الذى كان يدير شئون البلاد وقتها.
لكن هل انتهت علاقة آرميا بجماعة الإخوان بعد سقوط محمد مرسى فى يوليو 2012؟
إجابة هذا السؤال ليست واضحة على الإطلاق، فهناك من يؤكد أن الأنبا آرميا قطع علاقته تماما بجماعة الإخوان ولم يعد يتصل برموزها الهاربين، وهناك ما يؤكد أن العلاقة بينهما مازالت قائمة.
وفى نفس السياق صرح لنا أحد مصادرنا المطلعة أن أجهزة أمنية رصدت سفر أحد الأساقفة إلى تركيا بعد ثورة 30 يونيو وأن هذا الأسقف وصل إلى العاصمة التركية قادما من دولة أخرى متعمدا عدم الذهاب إلى تركيا من مطار القاهرة بشكل مباشر كى لايعلم أحد شيئا عند رحلته الغامضة، والأغرب أنهم رصدوا هذا الأسقف وهو يخلع زيه الكنسى ويرتدى زيا مدنيا كى لا يتعرف عليه أحد، وأنه التقى قيادات إخوانية هاربة لتركيا واجتمع معهم أكثر من مرة لأسباب غير معلومة.
مصدرنا رفض الإفصاح عن اسم الأسقف الذى زار تركيا والتقى الإخوان، كما رفض ذكر أى تفاصيل أخرى عن الواقعة التى بدأت روزاليوسف بالتحقيق فى ملابساتها وأسبابها وسوف ننشر قريبا كل ما توصلنا إليه حول هذه الزيارة الغامضة.∎