السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مجهولو النسب قنابل موقوتة

مجهولو النسب قنابل موقوتة
مجهولو النسب قنابل موقوتة


(أنا بنت مين يا دادة) من المؤكد أن هذه الجملة التى رددتها يسرا فى مشهدها الشهير مع شادية حفرت فى عقول وقلوب المصريين على مدار سنوات، رغم التعامل معها كأحد الإفيهات الضاحكة بين أوساط الشباب، ولكن بكل تأكيد لن يجعلنا نغفل قضايا مجهولى النسب فى مصر، ومعاناتهم، فمحاكم الأسرة تئن بآلاف القضايا، وما خفى فى الشوارع كان أعظم، وكان يجب الخروج من المأزق بحلول تحفظ للأطفال حقوقهم أولا وأخيرا بغض النظر عن الخلفيات التى جاءوا منها، حماية للمجتمع بأكمله.

تضمن التعديل الذى قرره الرئيس عبدالفتاح السياسى، بالقانون رقم 15 لسنة 2015 لتعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعى137 لسنة 2010 باستبدال الفقرة (ج) من المادة الثانية الخاصة بتعريف اليتيم ليكون (كل من توفى والداه أو توفى أبوه ولو تزوجت أمه أو مجهول الأب أو الأبوين).
قال هانى هلال - الأمين العام للائتلاف المصرى لحقوق الطفل: إن القرار بتعديل إيجابى على ثلاثة مستويات أولها يعود بالنفع على الأطفال مجهولى النسب، وثانيها أن يتحول هؤلاء الأطفال الموجودون بالشارع خاصة الجيل الثانى والثالث منهم ولديهم أمهات ولكن لآباء مجهولين - إلى أطفال أيتام يستمتعون بالحقوق الأساسية باستخراج أوراق ثبوتية يترتب عليها توفير ضمان اجتماعى وصحى لهم.
 أما ثالث النتائج فتغيير النظرة المجتمعية للأطفال مجهولى النسب، فالمجتمع ينظر للطفل اليتيم بطريقة مختلفة عن مجهول النسب، فدائما تلاحقه وصمة لا ذنب له فيها، ومن ثم حالة الاحتواء والنظرة الإيجابية والعطف والرعاية التى تشمل مجهولى النسب الذين أصبحوا فى عداد الأيتام ستقى المجتمع بأكمله حالة سخطهم وعنفهم ضده.
وأشار إلى أن التعديلات التى اتخذها الرئيس خطوة تحتاج إلى استكمالها لتحقق نتائجها المرجوة تبدأ بإجراء مسح شامل لفئة أطفال الشارع خاصة أن مجهولى النسب أصبحوا نتاج الأجيال الثانية والثالثة لأطفال الشوارع، يتواكب مع المسح تعريف موحد للظاهرة، وأن يكون هناك استراتيجية للعمل بين أجهزة الدولة ومؤسساتها وبين منظمات المجتمع المدنى العاملة فى هذا المجال.
 أما ثانى الخطوات فهى تطوير مؤسسات الرعاية البديلة التى تأوى الأطفال مجهولى النسب - أى الأيتام - بحكم التعديل، وعددها يساوى 27 مؤسسة على مستوى الجمهورية ويتركز أغلبها فى العاصمة، عن طريق الإحلال والتجديد، وإعادة تدريب القائمين على هذه المؤسسات وتوعيتهم بالمفاهيم الأساسية لحقوق الطفل ورعايته عبر برامج خاصة بالتأهيل المستمر.
وقال هلال: إن 80٪ من الأطفال بالشارع هربوا من بيوتهم لأسباب مختلفة، لذا يجب على الدولة والمجتمع المدنى البحث فى هذه الأسباب سواء الفقر أو البطالة أو العنف الأسرى، وعلاجها لإعادة هؤلاء الأطفال إلى منازلهم، ليبقى فقط 20٪ من الأطفال الذين ليس لديهم أسر لتتم إعادة تأهيلهم وتدريبهم.
 وأوضح أن التعديلات الرئاسية مهمة ولكن دون استراتيجية واضحة للحكومة تلحق برغبة الإرادة السياسية فى الاهتمام بملف حقوق الطفل، لن نحقق نجاحا مثمرا، مشيرا إلى أن المجلس القومى للطفولة والأمومة يحتاج لاستعادة جميع صلاحياته وسلطاته بأن تعود تبعيته لمجلس الوزراء، فالمجلس القومى يحتاج أن يكون هو المشرف باعتباره الآلية الوطنية للدفاع عن حقوق الطفل فى مصر على الخطة القومية الشاملة التى تشارك فى تنفيذها جميع الوزارات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى فيما يتعلق بحقوق الطفل وقضاياه.
بينما يرى أحمد المصيلحى - رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين - أن التعديلات فى ظاهرها جيدة، خاصة عن الأطفال مجهولى النسب الذين سيحظون بنفس الرعاية والحقوق للأطفال داخل دور الأيتام، ولكن فى واقع الأمر أن هذه الدور تعانى من مشكلة كبيرة، حيث يتعرض الأطفال فيها لأسوأ أشكال التعذيب والضرب واستغلالهم كغطاء فى عمليات جمع التبرعات وتكوين ثروات ضخمة، آخرها كانت حادثة لدار أيتام الرواد بمدينة 6 أكتوبر التى استغلت تبرعات مجموعة من رجال الأعمال الخليجيين بشقق للأيتام، وتحويل الشقق لمجلس إدارة الدار !!
وأضاف: إن الأزمة فى مصر ليست فى إصدار تشريعات وتعديلات جديدة ولكن فى توفير استراتيجية قومية تربط بها الدولة حقوق الطفل عامة أو مجهول النسب أو طفل الشارع خاصة داخل سياساتها العامة، سواء عن طريق استقلالية المجلس القومى للطفولة والأمومة أو إنشاء وزارة مستقلة تتولى مسئولية رسم سياسات حمائية للطفل فى مصر.
 وأضاف: علينا أن نفكر جيدا فى حماية الأطفال الأيتام أولا وكيف يتم معاملتهم حتى نتمكن من التفاؤل بحماية الأطفال مجهولى النسب بعد التعديلات الرئاسية ؟ معربا أن المسئولية الأولى للرقابة والمتابعة لدور الأيتام تعود لوزارة التضامن الاجتماعى ثم لجان الحماية العامة التى يرأسها المحافظ على مستوى الجمهورية، وأخيرا المجلس القومى للطفولة والأمومة ولا يمكن إنكار دوره فى الكشف عن مشكلات دور الأيتام عن طرق خط نجدة الطفل.
وذكر أن وزارة التضامن الاجتماعى لديها مشكلة فى الرقابة وغياب للرؤية فى المتابعة خاصة مع هذا الكم الهائل لدور الأيتام (3000 دار)، تعانى من غياب برامج تأهيل للإخصائيين الاجتماعيين الذين يتعاملون مع الأطفال وغياب للمعايير التى تجعل الدار صالحة لاستقبال الأطفال الأيتام، ومن ثم لا بديل للوزارة لإحكام الرقابة إلا بوجود خطة واضحة يشارك فيها المجتمع المدنى الموجود فى كل حى وقرية ونجع ومحافظة، للعمل سويا.
 وقال المصيلحى إننا نواجه مشكلة حقيقية فى عدم وضوح الهيكل الإدارى للجنة وطبيعة عملها والمقابل المادى الذى يحصل عليه العاملون، حتى لا يتحول الأمر إلى مهام عمل إضافية يحصل مقابلها الأعضاء على مقابل مادى فقط، مشيرا إلى أن لجان الحماية أقرب إلى الصورية فى المحافظات البعيدة عن العاصمة، فهى تنعقد بمجرد وجود ممثل من المجلس القومى للطفولة والأمومة مع المحافظ، وبمجرد خروج الممثل لا تقوم اللجنة بأى دور فعال.
ويقول الدكتور أحمد حنفى - المسئول عن لجان الحماية ومنسق خط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس القومى للطفولة والأمومة - مجهولى النسب هم أطفال نتاج علاقات غير شرعية، تخلت عنهم أسرهم، وهى ظاهرة غير مرصودة بشكل دقيق لانها حالات فردية، إلا من بعض المؤشرات غير الموثقة لمنظمات حقوقية أعلنت أن عددهم بلغ 70 ألف طفل مجهولى النسب، وهذه الفئة كانت محيرة لأنها لا تقع فى دائرة الطفل اليتيم أم طفل الشارع لأنه معلوم النسب سواء للأب أو الأم أو كليهما.
وأوضح أن الأطفال مجهولى النسب يواجهون مشكلة منذ لحظة الميلاد، وغالبا ما يتحولوا بعدها لأطفال شوارع، ويكونوا محرومين من الأوراق الثبوتية وغير مرصودين من قبل مؤسسات الدولة الأهلية والحكومية، وكان يتم التعامل معهم بآلية غير منتظمة وفشلت أن يصدر لهم شهادات ميلاد بلون معين، أو يحصلوا على اسم ثلاثى ثم رباعى منعا للتمييز ضدهم، ولكنها لم تنجح كطريقة لاستخراج أوراق ثبوتية.
وأما عن الانتقادات التى تواجه التعديل بتقنينه لأوضاع أبناء السفاح، فقال حنفى إن المكسب الذى سوف يحققه الأطفال أكبر بكثير من الحالات الفردية التى تمارس زنى المحارم أو العلاقات غير الشرعية، فلماذا يصر المنتقدون من أطفال لا ذنب لهم، ما الفائدة التى تحصل عليها كمجتمع بمعاقبة هؤلاء الأطفال وجعلهم موصومين بالعار والخطيئة طوال العمر.
وطالب بضرورة مساندة الأطفال مجهولى النسب ومساعدتهم فى منحهم أوراقاً ثبوتية لحمايتهم من الدعارة والانحرافات الأخلاقية، والحفاظ على هؤلاء الأطفال هو المكسب الحقيقى من خلال إدماجهم فى دار الأيتام أو مؤسسات رعاية أطفال فى وضعية الشارع الجارى تنفيذها خلال الأشهر القادمة حتى يخرج منهم المهندس والطبيب والمحامى.
أما عن آليات تنفيذ القانون الجديد فيقول: إنه من السهل الآن استخراج شهادات ميلاد للأطفال بأسماء مركبة، ولن تكون بألوان مميزة، وستكون رباعية الاسم، أما تمييزها سيكون فى سجلات وزارة الداخلية فقط تحسبا لمخاوف تشابه أسماء مع آخرين فى حالات الميراث، وليس فى شهادة الميلاد، وذلك حتى لا يتم جرح شعور الطفل، وتكون له وصمة عار لا يتخلص منها.
وأكد أن الأطفال مجهولى النسب كان يتم التعامل معهم بوضعهم من سن يوم لسنتين فى مؤسسات تابعة لوزارة الصحة، ثم يتم وضعهم فى مؤسسات تابعة للتضامن الاجتماعى، مشيرا إلى أن دور الأيتام ومؤسسات الرعاية أصبحت تخضع الآن لمتابعة لجان الحماية الفرعية بكل محافظة، وأصبحت هذه اللجان تضم ممثلين عن منظمات المجتمع المدنى ويتولى الإشراف الفنى عليها المجلس القومى للطفولة والأمومة، ويتم رصد التحديات والمشكلات التى تواجه دور الرعاية والأيتام سواء من نقص الخدمات أو احتياجها للإخصائيين المدربين وكفاءات وتطوير وتجهيز لوجيتسى وتوفير قوى بشرية للمكان.
قالت فوزية حسن ــ مدير إدارة الرعاية البديلة بالإدارة العامة للأسرة والطفل بوزارة التضامن الاجتماعى: إن الوزارة لديها خطة واضحة لمتابعة دور الأيتام والرعاية للأطفال وتمكنت حتى الآن من حصر 437 مؤسسة أيتام طبقا للمواصفات التى حددتها الوزارة، وتتوافر فيها الشروط الأساسية لرعاية الأيتام من المكان والعاملين المؤهلين المدربين للتعامل مع الطفل والتأمين وتوفير رعاية صحية ونفسية وتعليمية جيدة.∎