الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

لماذا يتجاهل بوتين البابا تواضروس؟

لماذا يتجاهل بوتين البابا تواضروس؟
لماذا يتجاهل بوتين البابا تواضروس؟


يبدو أن قداسة البابا تواضروس الثانى قد بدأ مبكراً فى دفع فاتورة أخطائه السياسية التى ما كان لرجل دين فى قيمته وقامته أن يقع فيها.
 ولع البابا بممارسة السياسة دون دراية  كشف عن الثقل الصفرى له فى الميزان السياسى  وهو ما قد تبلور فى زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين التاريخية لمصر التى حققت نجاحاً غير مسبوق، لكنه تجاهل البابا كلياً، ليزيد الطين بلة بعد أن تجاهله منذ أشهر عندما زار  قداسة البابا تواضروس روسيا وحاول جاهداً أن يتقابل مع الرئيس الروسى حتى تم إبلاغه عن طريق السفير المصرى فى روسيا أن زيارة قداسته إلى روسيا روحية وليست سياسية.

السفير حاول جاهداً أن يلبى للبابا رغبته فى لقاء الرئيس الروسى من خلال التواصل مع مؤسسة الرئاسة الروسية التى اعتذرت عن اللقاء بحجة أنه لم يتم تحديد ميعاد مسبقاً لقداسة البابا مع الرئيس وأن جدول أعمال الرئيس اليومى متخم خلال فترة زيارة البابا لروسيا ولا يسمح بإتمام المقابلة، وعاد البابا بخفى حنين إلى أرض الوطن دون أن يحقق غرضه ولكن ها هو بوتين قد أتى لزيارة مصر لكنه لم يطلب مقابلة البابا وقد يكون الأمر مبرراً لأن زيارة بوتين سياسية ولا مجال فيها لمقابلة رجال الدين، ولكن أن يقابل الرئيس بوتين خلال زيارته لمصر قداسة البابا «ثيودوروس الثانى» بطريرك الروم الأرثوذكس خلال لقاءاته الرسمية ولا يفعل ذلك مع نظيرة القبطى فالأمر هنا يحتاج إلى وقفه لتحليل المواقف، وقبل أن نسهب فى ذلك هناك بعض الملاحظات على لقاء بوتين وبطريرك الروم الأرثوذكس
الروم أم الأقباط؟
ـ الروم الأرثوذكس هم الطائفة الأقل عدداً بين الطوائف المسيحية وقداسة بطريرك الروم الأرثوذكس لا يمثل قطاعاً كبيراً للمسيحيين فى مصر بعكس البابا تواضروس الذى يحظى بتمثيل الأغلبية المسيحية دينياً.
ــ الروم الأرثوذكس هم طائفة دينية لجالية أجنبية فهم مسيحيو اليونان والبعض منهم من الشام وقداسة بطريرك الروم يونانى الجنسية، ورغم وحدة الإيمان بين الكنيستين القبطية واليونانية فإن قداسة بابا الروم الأرثوذكس ليس من بين الرموز المصرية التى يجب أن يحرص بوتين على لقائها بعكس البابا تواضروس.
ــ لم تمض فترة طويلة على لقاء الرئيس الروسى وبطريرك الروم الأرثوذكس، فقد حرص الأول على استقبال الأخير عند زيارته لروسيا فى شهر يوليو الماضى على الرغم من أن الرئيس الروسى اعتذر عن مقابلة البابا تواضروس عند زيارة مماثلة لروسيا.
ــ تم توصيف لقاء بوتين وبطريرك الروم الأرثوذكس على أنه جاء فى إطار صداقة قديمة تربط الرجلين فإن كان بوتين قد كان لديه من الوقت ما يسمح له بلقاء أصدقاء قدامى أليس بالأحرى أن يلتقى شخصية بحجم قداسة البابا تواضروس خاصة أنه طلب لقاءه فى بلده وتعذر ذلك؟!
ــ حتى وفد الكنيسة الروسية الذى التقى البابا كان على مستوى غير رفيع، فلقد حضر رئيس الوفد وحرص على لقاء بطريرك الروم الأرثوذكس وغادر وترك الوفد يقابل قداسة البابا، الأمر الذى لا يمكن توصيفه بأقل من أنه «تجاهل مقصود» من الرئيس الروسى والكنيسة الروسية لبابا الأقباط فى مصر.
الحقيقة أنه إذا عرف السبب بطل العجب فقداسة البابا تواضروس خيل إليه أنه قادر على إدارة مشروع عالمى لتوحيد كل الكنائس الكبيرة على مستوى العالم دون أن يكون له دراية سياسية بطبيعة علاقاتها السياسية ببعضها البعض وتاريخ الصراعات بينها، وفى سبيل ذلك لا مانع عنده من تقديم تنازلات عقائدية فى سبيل تلك الوحدة فبدأ مشروعه بالهرولة نحو الكنيسة الكاثوليكية وذهب إلى الفاتيكان والتقى البابا فرنسيس ووافق على تقديم تنازلات عقائدية فى خلافات تاريخية بين الكنيسة الأرثوذكسية والكاثوليكية وذهب بعدها إلى روسيا ناشداً الوحدة والتقارب ولم لا فالتقارب مع من هم على نفس المذهب والملة أسهل من المختلفين فإن كان قد نجح فى التقارب مع الكاثوليك فالأمر أكثر سهولة مع الكنيسة الروسية وهم أرثوذكس مثل الكنيسة القبطية، ولكن قداسة البابا تواضروس لم يكن يعلم أنه مصنف كشخص غير مرغوب فيه فى روسيا فهناك صراع عالمى قديم بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الروسية، هذا الصراع هو جزء من صراع أكبر بين الشرق والغرب ولم ينتبه قداسته إلى أن الكنيسة الكاثوليكية التى قدم لها التنازلات العقائدية هى العدو الأكبر للكنيسة الروسية التى بدورها لن تفرط فى عقيدتها وإيمانها لصالح المشروع السياسى الغربى الذى تقوده الكنيسة الكاثوليكية.
الصراع الروسى الكاثوليكى
إن تاريخ الكنيستين الأرثوذكسية الشرقية الروسية والكاثوليكية الغربية التى يمثلها الفاتيكان فى إيطاليا ملىء بالصراعات على مر التاريخ منذ انقسامهما فى القرن العاشر الميلادى  اعتنقت روسيا الأرثوذكسية من قبل هذا الصراع فى القرن التاسع ومنذ ذلك الحين والصراع دائر بينها وبين الكاثوليك حتى الآن، وبرغم وجود عشرات الآلاف من الكاثوليك فى روسيا ونحو عشرين كنيسة كاثوليكية بجانب أكثر من تسعة آلاف كنيسة أرثوذكسية فإن أرض روسيا لم تطأها حتى الآن قدم أى بابا من باباوات الفاتيكان رغم إبدائهم جميعا رغبتهم وشوقهم لهذه الزيارة.
حتى فى زمن الشيوعية السوفيتية، وكان بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثانى قد التقى فى فبراير 2003 بالرئيس الروسى بوتين فى مقر الفاتيكان وقدم فى حضوره اعتذاراً علنيا عن ألف سنة من الأخطاء التى ارتكبها الكاثوليك بحق الأرثوذكس، وعبر البابا عن أمنيته الكبيرة أن يزور روسيا ليكون أول بابا للفاتيكان يزور روسيا ويضع حدا للخلافات مع الكنيسة الأرثوذكسية، وأبدى بوتين ترحيبه بالزيارة واستعداده لبذل مساع لتسوية هذه الخلافات، ولكن البطريرك الروسى أليكسى الثانى «وقتها» رفض زيارة بابا الفاتيكان لروسيا كما رفض اعتذاره قائلاً: لا نريد اعتذارات أمام الكاميرات ووسائل الإعلام. نريد تطبيقاً على أرض الواقع وأفعالا تثبت صدق النوايا واتهم الكنيسة الكاثوليكية ببث حملات تبشيرية وسط أتباع الكنيسة الروسية الأرثوذكس فى روسيا وأوكرانيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق.
مما لاشك فيه أن قداسة البابا تواضروس محسوب بشكل أو بآخر على النظام السياسى المصرى الذى تتوق روسيا إلى إقامة علاقات شراكة قوية معه فى كل المجالات وهو ما يجعل القيادة الروسية لا تعلن موقفاً من البابا تواضروس ولكنها تتجاهله حرصاً على العلاقات المصرية الروسية، وهنا يتوجب على البابا أن يكف عن ممارساته السياسية غير المحسوبة أو المدروسة كما أنه على النظام تحجيم البابا سياسيا والسيطرة على طموحه السياسى.∎