قناة السويس..حفرها القدماء الإيرانيون!

مروة سلامة
الخطط الإيرانية التى تحيكها للاستيلاء على المنطقة لم تكن خافية على أحد، فلم تكن هذه أخبارا أو شائعات تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة بقدر ما هى تحركات يفصح عنها التواجد الإيرانى فى العديد من الدول العربية ويعلن عنها صراحة المسئولون الإيرانيون بين الحين والآخر، من أجل ما أسماه النظام والاستخبارات الإيرانية بدولة «إيران الكبرى» والتى تبتلع فى جوفها جميع دول المنطقة العربية لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.
لكن الصدمة الكبرى تكمن فى محاولة إيران تزييف التاريخ ونشر أخبار مغلوطة لخدمة أهدافها، حيث نشرت وزارة الأوقاف الإيرانية أن الإيرانيين هم من حفروا قناة السويس المصرية.
موقع مؤسسة «نور راسخون» الإيرانى التابع لوزارة الأوقاف الإيرانية كتب تحت عنوان «حفر قناة السويس بيد الإيرانيين»، وادعى الموقع أن هذه القناة تعد أحد أهم الآثار الإيرانية القديمة والتى تدل على عظمة الإيرانيين فى الهندسة والتخطيط، وفقاً لما ورد بالموقع.. ولعل ما نشره هذا الموقع التابع لمنظمة حكومية إيرانية هو ما يدفعنا للتأمل وراء السبب فى ترويج إيران لمثل هذه المغالطات التاريخية، فهذه الأخبار لم تكن دراسة نشرها أحد الباحثين الهواة المولعين بإثارة الجدل حولهم لجذب الأضواء حوله، أو أنباء كاذبة منشورة عبر المدونات التى تتنبنى آراء شخصية.
الموقع ادعى أن الملك داريوش، أو «دارا الأول» أو «داريوش الكبير» كما يطلق عليه الإيرانيون، ملك الفرس وآخر ملوك الدولة الأخمينية 380- 330 قبل الميلاد أول من أولى أهمية خاصة بالطرق البحرية الرابطة بين مصر وإيران، باعتبار أن الأولى كانت إحدى الدول التابعة للإمبراطورية الفارسية، على حد ما ذكره بالموقع.
وتابع الموقع أن بناءً على تعليمات الملك داريوش الكبير، تم حفر قناة السويس بتخطيط من علماء وخبراء فرس بأيدى المهندسين الإيرانيين، مشيراً إلى أن هذه القناة تعد أحد أهم الإنجازات والمعجزات الإيرانية فى مجال الهندسة، من ناحية أخرى علق الموقع على أهمية الموقع الجغرافى لمصر باعتبارها دولة تطل على البحرين الأحمر والمتوسط وتعد همزة الوصل بين الشرق والغرب، مدعية أن «داريوش» فطن لهذا الأمر نظراً لكون مصر جزءاً تابعاً للإمبراطورية الفارسية آنذاك وبالتالى فإن حفر القناة سيصب فى النهاية لصالح إيران.
وأضاف أن مشروع «داريوش» لم يختلف كثيراً عن الشكل النهائى للقناة والذى توصل إليه الفرنسى فرديناند ديليسبس، صاحب الامتياز الأول لإنشاء قناة السويس فى عام 1854 ليأتى الحديث عن القناة عبر هذا الموقع التابع لوزارة الأوقاف وكأنها وقف إيرانى.
ما سبق يؤكد أن هناك حقائق تاريخية تلاعبت بها إيران وأسقطتها عمداً، حيث إنها اختزلت الكثير من المراحل التاريخية التى مرت بها قناة السويس ووقفت عند حقبة زمنية تخصها وتخدم أهدافها، ونسبت لنفسها الفضل فى حفر القناة فى تزييف واضح للتاريخ المصرى على طريقة إسرائيل عندما نسبت لنفسها مجد بناء الأهرامات على أيدى اليهود، فى حين أن قدماء المصريين هم أول من فكروا فى ربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وذلك فى عهد الملك سيتى الأول، عام 1310 ق.م، والتى أعيد بناؤها فى عهد الملك سنوسرت الثالث، والتى سميت بقناة «سيزوستريس» لتكون أول قناة تربط بين البحرين عبر نهر النيل، وتم تجديد القناة عبر العصور وفى كل مرة كان يتم تسميتها باسم الملك صاحب مشروع التجديد، حيث أعاد الملك سيتى الأول، والتى سميت باسمه إحياء مشروع حفر القناة فى عام 1310 ق.م ، ثم فى عهد الملك نخاو الثانى، أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين وذلك فى عام 610 ق. م، لتأتى بعد ذلك مرحلة الملك «دارا» أو «داريوش» وقت الاحتلال الفارسى فى عام 510 ق.م، الذى أعاد إحياء مشروع القناة التى بدأها الفراعنة من أجل توسيع إمبراطوريته الفارسية والربط بينها وبين البلدان الأخرى من خلال مصر والتى تعد قلب القارة الأفريقية، ليواصل مشروع القناة تطوره شيئاً فشيئا فى عهد بطليموس الثانى 285 - 246 ق.م ، ثم فى عهد الإسكندر الأكبر، إلى أن أعيد حفرها خلال الفتح الإسلامى لمصر وسميت باسم «خليج أمير المؤمنين» والتى أمر الخليفة أبو جعفر المنصور، بردمها تماماً وذلك خلال العصر العباسى.
استمرت مراحل تطور حفر قناة السويس إلى أن وضع المهندس «ديليسبس» خطة المشروع الذى عرضه على الخديو محمد سعيد، وتم تنفيذه بأيدى المصريين وارتوى بدمائهم وعرقهم ليكون بذلك أكبر مشروع قومى عرفته مصر الحديثة، ليستمر المصريون فى صناعة الإنجازات من خلال مشروع قناة السويس الثانى الذى بدأوه فى 2014 ومن المقرر أن يتم الانتهاء منه بعد عام من بدء التنفيذ.
وبالتالى فإن الادعاءات الإيرانية بأن أجدادهم هم من شقوا قناة السويس باطلة ولا أساس لها من الصحة.
من ناحية أخرى خريطة التواجد الإيرانى فى المنطقة العربية تؤكد على سعيها فى بسط نفوذها لاستعادة ملكها الفارسى وذلك وفقاً لما يعلنه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى، ورجال دولته من خلال ما أسموه بمشروع «إيران الكبرى» والذى يتم تنفيذه تحت شعار «الصحوة الإسلامية»، والتى بدأت فى العالم العربى فى أواخر 2010 للإطاحة بالأنظمة، لتسير هذه الدول على نهج الدولة الإيرانية والتى أرسى دعائمها «الخومينى»، لتذوب خلالها الهويات القومية وتنصر فى قلب الإمبراطورية الفارسية لتصب فى النهاية لمصلحتهم فحسب، ولعل الشواهد على ذلك التواجد الإيرانى فى لبنان من خلال حزب الله، وفلسطين من خلال جماعتى حماس والجهاد الإسلامى، وفى العراق لاسيما بعد الحرب الأمريكية عليها فى 2003 والذى كان بالاتفاق بينها وبين أمريكا وفقاً لما ورد على لسان الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى، والذى اعترف فى حوار تليفزيونى بتسهيل معلومات استخباراتية لجهاز المخابرات الأمريكى CIA كانت بلاده جمعتها إبان حربها ضد العراق.. كما أن قواتها وحرسها الثورى متواجدة فى سوريا منذ 2011 بحجة مساندة نظام الرئيس السورى بشار الأسد، فى حربه على المعارضة وتنظيم «داعش» الإرهابى، علاوة على الدور الذى تلعبه فى اليمن والذى يعد أحد أخطر أدوارها على الإطلاق، حيث تسعى ميليشيات الحوثيين المسماة بـ «أنصار الله» والتى يقودها عبدالملك الحوثى، للسيطرة على باب المندب، لتهديد مستقبل قناة السويس، باعتبار أن هذا المضيق يتحكم فى حركة التجارة العالمية عبر المحيطات، وبالتالى فإن سيطرتهم تعنى سيطرة إيران وهى الممول والداعم الأساسى للحوثيين على هذا المضيق.
من ناحية أخرى فإن السيناريوهات الإيرانية فى أعقاب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين بعد ثورة الثلاثين من يونيو كانت مختلفة، حيث إنها باركت صعود الرئيس الإخوانى محمد مرسى، وسخرت وسائل إعلامها لتلميعه حتى وصل لسدة الحكم، ومن ثم بدأت تمرير العديد من المشروعات الاستثمارية الإيرانية فى مصر مثل إقامة مشروعات بترولية وتصدير الغاز ومشتقاته إليها واستيراد الفواكه من إيران، بل إن الأمر تطور ليشمل الاستثمار فى قناة السويس وذلك وفق ما صرح به السيد العقيلى، رئيس مجلس الأعمال المصرى الإيرانى، قبل شهرين من الإطاحة بـ«مرسى» بأن إيران طلبت من مصر خطة تفصيلية لمشروع تنمية محور قناة السويس لعرضها على المستثمرين الإيرانيين للمشاركة فيه.
فى الوقت نفسه كانت إيران تخطط لعمل مشروعات ضخمة فى مجال الاتصالات تهدف لاستقطاب شبكات الاتصالات الدولية وخطوط الإنترنت لسحب البساط من قناة السويس والتى تجعل من مصر مركزاً عالمياً لشبكات الإنترنت التى تسير عبر مياهها، حيث أعلن الرئيس الإيرانى السابق أحمدى نجاد، عن ثلاثة مشروعات إيرانية ضخمة فى مجال الاتصالات السريعة بين إيران وأوروبا وبينها وبين آسيا ليتحول نحو 20٪ من حجم الدخل الذى يصل لقناة السويس عن طريق تمريرها لشبكة الإنترنت دولياً لإيران، وذلك وفقاً لما ورد فى وكالة أنباء «مهر» الإيرانية.
وأضافت «مهر» أن أرباح هذه المشروعات ستتراوح ما بين نصف المليار والمليار دولار سنوياً.∎