هل شارك النبى في كتابة القرآن

محمد نوار
تناول العديد من الباحثين مسألة أمية النبى عليه الصلاة والسلام، منهم المؤمنون بالقرآن والذين اعتمدوا على المفهوم الشائع لمعنى الأمية وهو الجهل بالقراءة والكتابة فقط، ومنهم المشككون فى القرآن من المستشرقين الذين وجدوها فرصة للتشكيك فى النبوة والقرآن معاً من خلال انكار أمية النبى، وفى المقابل علينا نحن المؤمنون بالنبوة والقرآن ألا نتمسك بأمية النبى لمجرد نفى التشكيك فى الرسالة، ولكن لنفهم معنى الأمية فى القرآن.
∎ القرآن رسالة علم:
والأمية من الموضوعات غير المؤثرة فى إيمان الناس، إلا أن أهميتها فى أنها تكشف لنا مدى فهمنا للقرآن وتطبيق هذا الفهم، والأمية بمعنى الجهل ليست مصدراً للفخر ولا دليلاً على سلامة الرسالة وصدق النبوة، واعتبار أن صاحب رسالة علم لا يعرف القراءة ولا الكتابة على أنه موضوع طبيعى هو مسألة غير منطقية.
∎ اقـرأ.. ما أنا بقارئ
فى رواية عن بداية نزول القرآن: «.. حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة ثم أرسلنى فقال: اقرأ باسم ربك الذى خلق..».
وفى السيرة النبوية لابن هشام: «قال رسول الله: فجاءنى جبريل، وأنا نائم، بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ، قلت: ما أقرأ؟ قال: فغطنى به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى فقال: اقرأ، فقلت ماذا أقرأ؟ فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ..) قال: فقرأتها».
هل كان الوحى جبريل يأمر النبى عليه الصلاة والسلام بالقراءة بالرغم من علمه أنه لا يعرف القراءة؟، ولماذا لم يعترض عليه الصلاة والسلام على الأمر له بالقراءة، بل سأل «ماذا أقرأ»؟، لقد أراد البعض من التأكيد على أمية النبى أن ينفوا عنه تأليف القرآن معتقدين أنهم بذلك يثبتون أن القرآن كتاب إلهى.
∎الأمية فى القرآن
حسب ما تقوله الروايات أن النبى عليه الصلاة والسلام كان لا يعرف القراءة والكتابة، وأنه قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»، مع أنه كان يوجد بين قومه متعلمون منهم من كتبوا القرآن.
والسؤال: لماذا لا يكون النبى عليه الصلاة والسلام هو الذى كتب نسخة القرآن الأولى؟ أو على الأقل راجعها؟ فهل من الطبيعى أن تتم كتابة القرآن والنبى عليه الصلاة والسلام لا يعرف ما يتم كتابته ولا يتأكد من صحته؟
والمشكلة جاءت من فهم معنى كلمة أمى ومشتقاتها فى القرآن على أن معناها الجهل بالقراءة والكتابة فقط، والكلمة تكررت فى 6 آيات، الأولى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِىَّ..) البقرة 78،وهنا (أُمِّيُّونَ) تعنى البعض من أهل الكتاب الذين لهم كتاب سماوى ولكن أساءوا فهمه.
وفى الآيات الخمس الأخرى: (..وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ..) آل عمران 20 ،ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِى الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ..) آل عمران 75،(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاْمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ..) الأعراف ,157 (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِّ الْأُمِّىِّ..) الأعراف 158 (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ..) الجمعة 2، ومن الآيات نجد أن كلمتى (أُمِّيُّونَ)، (الْأُمِّيِّينَ) هما وصفان لكفار ومشركى العرب الذين لم يكن لهم كتاب سماوى.
أما كلمة (الأُمِّىِّ) فجاءت وصفاً للنبى عليه الصلاة والسلام ولم يتم وصفه بالنبى العربى، لأن كلمة عربى يستخدمها القرآن وصفاً للغة أهل الجزيرة العربية ومنهم يهود ونصارى، والفرق بين عرب قريش وبين اليهود والنصارى ليس فى اللغة وإنما فى أن عرب قريش أميون ليس لهم كتاب سماوى ومثلهم النبى عليه الصلاة والسلام حتى جاءه الكتاب، يوافق هذا المعنى قول النبى عليه الصلاة والسلام: «بعثت إلى أمة أُمية».
∎الكتابة قبل وبعد الرسالة
وفى قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت 48 كان من الممكن أن تأتى الآية بدون كلمتى (مِنْ قَبْلِهِ) لولا أن لهما معنى مقصود، (مِنْ قَبْلِهِ) تعنى أنه قبل القرآن كان لا يقرأ ولا يكتب، والحال من قبله يجب أن يكون عكس الحال من بعده، وأنه من بعده قرأ وكتب، أى أنه لم يقرأ قبل القرآن أى كتاب سماوى ولم يكتب حتى لا يظن أحد أنه أخذ من الكتب السماوية السابقة وكتب القرآن.
∎الروايات مرة أخرى
تربى النبى عليه الصلاة والسلام فى بيت عمه أبو طالب وكان أصغر سناً من ابن عمه جعفر وأكبر من على، وكانا يتعلمان القراءة والكتابة، فهل تعلم معهما؟ لم تخبرنا الروايات، مع أننا نجد فى رواية عن ابن عباس أن النبى عليه الصلاة والسلام فى مرضه قبل الوفاة قال: «ائتونى بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده».
وفى رواية عن كتابة صلح الحديبية بين المسلمين وبين المشركين: «قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال لعلى: امح رسول الله، قال على: لا والله لا أمحوك أبداً، فأخذ رسول الله الكتاب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله..».
وفى الروايات أن النبى كان يعرف الحروف، عن زيد بن ثابت كاتب الوحى قال: «قال رسول الله: إذا كتبتم بسم الله الرحمن الرحيم، فبين السين فيه».
وفى قوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا) الفرقان 5 ،فالنبى عليه الصلاة والسلام حسب كلام المشركين أنه كان يكتب القرآن من خلال من يمليه عليه، و(اكْتَتَبَهَا) تعنى تكرار فعل الكتابة.
∎ وعلمك ما لم تكن تعلم
ويقرر تعالى أنه علم النبى عليه الصلاة والسلام ما لم يكن يعلم من أشياء: (..وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ..) النساء 113،فلماذا لا تكون القراءة والكتابة من ضمن ما تعلمه؟ خاصة أن الرسالة أساسها الكتاب ويجب كتابته بدقة.
فالكتابة القرآنية تختلف أحياناً عن الكتابة العربية المتعارف عليها، مثل كتابة (الصلاة، الزكاة، الحياة، النجاة) تكتب (الصلوة، الزكوة، الحيوة، النجوة) مع وضع حرف الألف صغيراً فوق حرف الواو لتنطق (ألف) وليس (واو)، فى آيات منها: البقرة ,3 البقرة 43،البقرة 85،النساء 114 ،غافر 41 ،الأمثلة كثيرة.
وكتبة الوحى منهم على بن أبى طالب، وعامر بن فهيرة، وجعفر بن أبى طالب، وزيد بن ثابت، فهل كتبوا كلمة الصلاة بالشكل الإملائى المعروف، أم كتبوها الصلوة؟، وإذا كتبها أحدهم فهل سيكتبها الجميع «الصلوة»؟
من الذى يستطيع أن يقرر ويحكم أن الكتابة القرآنية سليمة؟ من المسئول عن تبليغ الآيات والإشراف على كتابتها والاطمئنان على سلامة توصيل رسالة الله تعالى؟ هو النبى عليه الصلاة والسلام وحده، الأمين على كتابة القرآن كاملاً وسليماً من أى أخطاء، ومن الجائز أن النبى عليه الصلاة والسلام قد شارك فى كتابة القرآن، وإن لم يكن قد شارك فى كتابته فعلى الأقل قام بمراجعة ما تمت كتابته.