تستطيع أن تأخذ زمانها وزمن غيرها
لماذا يحتاج جيل زد إلى «روزاليوسف»؟
ديانا الضبع
وقفت الأستاذة الجامعية بإحدَى كليات الإعلام المرموقة لتقدّمنى لطلابها قبل أن أحاضرهم قائلة «ديانا كانت أصغر رئيسة لقسم تحقيقات مجلة روزاليوسف». ثم اعتصر قلبى لحظة أن توقفت واستطردت «مجلة روزاليوسف لمَن لا يعرفها هى واحدة من أعرَق مجلات الصحافة المصرية». هل تحتاج أستاذة بكلية الإعلام لتعريف طلابها، المنتمين إلى الجيل المسمى بجيل زد «مَن تكون روزاليوسف؟».
مَرّ أمام عينى شريط ذكريات عمرى حين كنت مكانهم وكان حلم حياتى أن أعمل فى «روزاليوسف». هذه المجلة التى تعرفت عليها فى بيت جدتى فخاطبتنى كما كانت تخاطب جدتى دون أى تعارُض. قادنى عشقها إلى حلم كلية الإعلام وإلى تخصُّص الصحافة. دخلت الحرم الجامعى وأنا لا أتخيل مستقبلى فى أى مكان غير «روزاليوسف»، التى لم أكن أدرى حتى كيف يمكننى أن أحصل على فرصة تدريب بها وكأننى كنت على موعد مع حبيب تحدّد من طرف واحد مُصمّم على اللقاء. تذكرت كيف كان من أسعد لحظات العمر تلك اللحظة التى تلقيت فيها اتصالاً هاتفيًا من الأستاذ عبدالله كمال، رحمة الله عليه، نائب رئيس التحرير آنذاك، ليرد على طلب تدريبى بالمَجلة الذى أرسلته دون واسطة أو توصية. تذكرت كيف وقعت فى غرام هذا المكان من اللحظة الأولى، كيف مَكننى وجيلى من صناعة قصص صحفية قوية وطرح قضايا صادمة تصدرت أغلفة المَجلة وصنعت تأثيرًا واسعًا. ما الذى يمكن أن يُشبع حماسة متقدة بقلوب جيل صغير أكثر من أن تعطيه مساحة للتأثير والحرية وتطلقه ليبدع؟. تذكرت كيف أصبحت رئيسة قسم مجلة كنت أحلم بالمرور من أمامها قبل أربع سنوات فقط، وكيف شكّل ذلك ثقتى فى مشروعية الأحلام ورجاء السّعى، وكيف تميزت عن غيرى من أبناء جيلى فى بقية مسارى المهنى الذى تقلدت خلاله مناصب عليا بأكبر الشبكات التليفزيونية بمصر، وسِرّ التميز كان أننى «بنت روزاليوسف».
تذكرت كل ذلك فى لحظات وقفت فيها أمام طلاب يجهلون الكثير عن هذه المؤسّسة العريقة. هل سأبدو بالنسبة لهم كامرأة أربعينية قادمة من عصر مَضى إذا عبّرت عن اندهاشى؟ الحقيقة؛ أن مَن يعرف «روزاليوسف» يعرف أنها لم تنتم يومًا إلى عصر مَضى؛ فقد تأسّست «روزا» وتكوّن حمضها النووى النادر ليجعلها قادرة أن تأخذ زمانها وزمن غيرها عن جدارة.
أعزائى جيل زد.. فى عيد ميلاد «روزاليوسف» المائة لن أحدثكم عن «روزا» الماضى لكننى سأحدثكم عن «روزا» التى أعتقد أنكم تحتاجون إليها اليوم فى 2025، وأنه لم يوجد لها بديل يمكن أن يعوضكم عنها. لن أقصَّ عليكم تاريخًا لكننى ولكى أقول لكم مَن هى «روزاليوسف» سأستحضرها لتعيش معنا اليوم، وسأحكى لكم قصّتها المعاصرة، وفى نهاية القصة سأترككم أنتم لتحدّدوا هل تحتاجون إلى «روزاليوسف» أَمْ أننى امرأة عاطفية يحكمها الحنين إلى عصر ولّى؟.
«روزا» فتاة تنتمى إلى جيلكم جيل زد، عمرها 27 سنة قرّرت أن تؤسِّس منصة إعلامية مشاغبة وشابة بعد أن ثارت على مديرها السابق، مثلما يميل معظمكم اليوم إلى ترك الوظيفة الثابتة والاتجاه للعمل الحر، وعلى عكس أسماء المؤسَّسات الإعلامية التقليدية قرّرت أن تطلق على مَجلتها اسمها «روزاليوسف».. تمامًا مثلما يفعل مشاهير مؤثريكم الذين يؤسِّسون مشروعات ويصنعون منتجات تحمل اسمهم.. «روزاليوسف» اتخذت عنوانا أو “handle” لمنصتها على تيك توك وانستجرام وسناب تشات @Rosa1 لأنها اعتادت دائمًا أن تصبح رقم واحد فى كل ما تفعل.
أعتقد أنكم لن تنزعجوا مِثل آبائكم وأجدادكم حين أقول لكم إن «روزاليوسف» لم تكمل تعليمَها، فأنتم كجيل يطلق عليه “Digital Natives” أو «مواطنون رقميون» قد نشأتم على قصص عمالقة غيّروا العالم وشكّلوا حياتكم ولم يكملوا تعليمهم مثل «ستيف جوبز» و«بيل جيتس» و«مارك زوكربيرج» وصانع المحتوى الأشهَر فى العالم «مستر بيست»، وستتفهمون تمامًا حين أشرح لكم أنها تعلمت تعليمًا ذاتيًا وأنتم جيل اكتسب معظم معرفته وطوّر مهاراته ذاتيًا من على الإنترنت.
«روزاليوسف» كانت نجمة المسرح الأولى بمصر، وفجأة تركت مهنتها وقرّرت أن تمتهن مهنة لا تعلم عنها شيئًا وهى مهنة الصحافة. حسب لغتكم قامت بعمل «كارير شيفت» أو «تغيير مسار وظيفى» كما يفعل كثير منكم.. «روزاليوسف» أدركت مشكلة فى الساحة الفنية وهى أنه لا توجد صحافة فنية قوية تستطيع أن تدافع عن الفنانين ضد الشائعات والإساءة لسُمعتهم وفرض الوصاية عليهم، تمامًا مثلما يعانى جيلكم من الأخبار الكاذبة ويحاول مبتكروكم تطويع التكنولوجيا لمواجهتها. قرّرت هذه الشابة أن تؤسِّس مَجلة «روزاليوسف» فقط لكى تحل تلك المُشكلة أو بلغة رواد الأعمال «لكى تسد الفجوة» فتأسّست «روزاليوسف» كـ«ستارتاب» أو شركة ناشئة ومثل قصص عشرات رواد الأعمال المبهرة الذين بدأوا شركاتهم من الجراج، «روزا» بدأت مَجلتها من شقة متواضعة فى الدور السادس بحى السيدة زينب.
مثل مؤسِّسة «ستارتاب» أو شركة ناشئة متفوقة، تمكنت «روزاليوسف» من جذب مواهب صاعدة مثل «محمد التابعى» الذى أصبح «أمير الصحافة المصرية» و«محمد حسنين هيكل» الذى صار أهم صحفى عرفته المنطقة العربية، ثم وبعد أن حققت نجاحًا لفت الأنظار تمكنت من إقناع كبار الكتّاب والصحفيين من الكتابة بجريدتها اليومية مثل «عباس محمود العقاد» ود.«طه حسين» و«إبراهيم المازنى». فى منصتها الناشئة اجتمعت أنقَى المَواهب الصاعدة بأعظم الخبرات فأصبحت مَدرسة مَن يتخرَّج فيها يتفرّد فى عالم الصحافة والإعلام.
«روزاليوسف» متمردة مثلكم، تتمرّد على الحكومات المتعاقبة ولا تخاف أكثرهم شعبية لأن متابعيها كثيرون وقاعدة جماهيرها تتوسع يومًا بعد يوم. ومثلما يتخذ جيلكم من الـ«كوميكس» والـ«ميمز» لغة للتعبير تغنيه عن كثرة الكلام ومتاهاته؛ «روزاليوسف» هى أول مَن أدخل فن التعبير بالرسم «الكاريكاتير» كقالب تحريرى منتظم استخدمته فى السخرية الاجتماعية والنقد السياسى اللاذع أيضًا، فأطلق عليها «مَدرسة الكاريكاتير فى الصحافة المصرية».
بدأتم تشعرون بالألفة معها؟ أريدكم الآن أن ترجعوا معى بالزمن 100 عام وتتصوّروا كيف فعلت هذه السيدة كل ذلك حين لم يكن أى منه مألوفًا أو معتادًا أو حتى مقبولاً. هل ازداد إعجابكم بها؟ ولأن «روزا» هى سيدة حققت تفوقها بكسْر القواعد وعدم الخوف من الأعراف أصبح التمرد والحرية أساسًا أصيلاً لصحافتها مَهما توارَى، فهو مستعد دائمًا للعودة فى أى لحظة بكامل رونقه. هذه السيدة اللبنانية التى لجأت إلى مصر وهى طفلة أسَّست مَجلة حرة تشبهها فى كل تفاصيل شخصيتها وقصة حياتها وتشبهكم أنتم أيضًا. كانت «روزا» تعتقد أنها مسيحية حتى اكتشفت أن أبويها مُسْلمان فنشأت مَجلتها ليبرالية لا تعرف التعصب مثل معظم جيلكم التى تجمع كل الدراسات ومسوح الرأى أنه جيل أكثر تسامحًا من سابقيه. «روزا» هربت من لبنان إلى الإسكندرية ثم غادرتها للقاهرة فأسَّست مَجلة لا تعرف حدود الجغرافيا مثلكم، فقد ولدتم وحدودكم تُعَرَّف بتعريف حدود فضاء الإنترنت. لكنها أسّست أيضًا للحرية الغارقة فى عشق الوطن وفنه وأرضه وشعبه، وهذا أيضًا الانتماء الذى يبحث عنه جيلكم الذى يرصد الخبراء معاناته من الاغتراب حتى الوقوع فى هوّة الاكتئاب.
أعزائى جيل زد.. مع كل ما أصاب «روزاليوسف» من أهوال ومع كل ما يواجها من تحديات؛ يمكن مع تطوير أدواتها وقوالبها أن تكون منصة الشباب الأولى بمصر؛ بل هى قادرة على كشف سطحية المنصات التى يتابعها جيلكم اليوم ويستقى منها معلوماته ومعرفته والتى يخلو معظمها من الفكر الحقيقى والصنعة التى يتمرسها صحفيو «روزاليوسف» الماهرون، القادرون على العودة لصدارة الساحة الإعلامية ولجماهيرها الشابة.







