ابراهيم محمود
الأعمى حين يبصر
لا أزال أذكر أنى عندما دخلت «روزاليوسف» لأول مرة منذ ما يربو على العشر سنوات، لم أدخلها قاصدًا ولا مُحبًا، ولكن كان دخولًا روتينيًا، بعد أن طلب الأستاذ سمير راضى -رحمه الله- الصحفى بـ«روزاليوسف» من أحد أساتذة كلية الإعلام بجامعة القاهرة أن يرشّح له أحد خريجى الكلية للالتحاق بـ«روزاليوسف»، فوقع اختيار الأستاذ على شخصى نظرًا لمعرفته بى شخصيًا ومهنيًا منذ أيام دراستى بالكلية.
وبعد أن التحقت بـ«روزاليوسف» أذكر جيدًا أن انطباعى الأول عنها لم يكن جيدًا، بل إنه ربما كان سلبيًا، فلقد كنت منذ أيام دراستى أعمل فى مؤسسات صحفية «خاصة» لديها إمكانيات مادية ولوجيستية تفوق ما لدى «روزاليوسف»، فلما رأيت مبنى المجلة -وهو للأمانة- فيه من البساطة والافتقار للتكنولوجيا الحديثة الكثير، صُدمت، ولم أنبهر بشىء سوى القصر القديم «المقر الرئيسى للمجلة»، ولم أنبهر به كمقر لمطبوعة تعد من أشهر مطبوعات مصر والعالم العربى، لكن كان انبهارى به إعجابَ مُحبٍ للتراث والآثار بمبنى تظهر عليه علامات التاريخ والعراقة له شرفة عالية كبيرة تطل على أحد أهم وأشهر شوارع مصر «قصر العينى».
وتوالت سنوات العمل فى المجلة وكثُرت، وظل بداخلى شعور عدم الانبهار بشىء من رائحة «روزاليوسف»، كموظف لا يربطه بعمله سوى ساعات العمل المطلوب إنجازها فقط بدون أى رباط آخر، ولأن شخصًا مثلى «لسانه فالت» يقول كل ما يفكر فيه، كنت أخبر زملائى فى «روزاليوسف» صغارًا وكبارًا بشعورى الفاتر تجاه روزا وهو ما كان يُقابل فى الكثير من الأحيان بالتعجب والاستنكار، فكيف لشخص قضى كل هذه السنوات وتدرّج فى العمل حتى أصبح سكرتير تحرير المجلة ألا تدخل روزا فى قلبه ولا تؤثر فيه، ولم أكن أكترث تجاه رد فعلهم هذا.
صحيح أن قلبى لم يفتح أبوابه لـ«روزاليوسف» لكنه فتحها لشيئين يرتبطان بها، الأول قلة قليلة من الزملاء أصبحوا أصدقاء بمنزلة الإخوة، والثانى دورى الوظيفى فى المجلة «سكرتير تحرير» وهى الوظيفة التى أظنها أقرب للسحر، فهى التى تحوّل كلمات وصور ورسوم الزملاء لصفحات حية يتلقاها القراء، وذلك بالتنسيق مع كل أقسام التحرير والتنفيذ ما يجعلنى أشعر وكأن خيوط اللعبة كلها فى يدى!.
وفى لحظة فارقة، أبى الله إلا أن يرزقنى بعض البصيرة قبل فوات الأوان، وخلال الاستعداد لعدد الاحتفال بمئوية «روزاليوسف»، أقامت الدار ندوة للكاتب الصحفى الكبير عادل حمودة، وكنت أحد الحاضرين لحسن حظى.. فماذا رأيت؟ رأيت على طاولة واحدة الأسماء التالية بدون ألقاب: عادل حمودة، محمد هانى، نبيل عمر، عمرو خفاجى، عمرو سليم، أسامة سلامة، وغيرهم الكثير من أهم وأبرز الأسماء فى الوسط الصحفى، نجوم ليس من الهين أن تحظى بهم مؤسسة واحدة كلهم من أبناء روزا، وكلهم يتوقون للحوار والاشتباك معنا والاستماع إلينا نحن الأجيال الجديدة بكل تواضع ومحبة ورغبة فى تعليمنا ما يعلمونه ولا نعلمه.
ولأن الله يريد أن يزيد من بصيرتى، أتيح لى أثناء التحضير للمئوية أن أزور أرشيف المجلة عدة مرات. وللأمانة، فأرشيف «روزاليوسف» كنز بحق ولا يُقدّر بثمن، وفيه من الجودة الصحفية ما يمكن أن يأسرك ويسحرك فتغرق فيه دون أمل فى النجاة منه، وفيه من الجرأة فى الطرح والإبداع فى الأفكار ما يؤكد أن هذه المجلة كانت سبّاقة فى كل شىء وكان لها طريقها الخاص الذى لم يسر فيه أحد غيرها.
والآن، بعد أن أبصرت الحقيقة، حقيقة الدار ونجوم الإصدار، يمكننى القول بكل يقين وفخر أن المجد لمجلة روزا «مشاكسة الصحافة المصرية»، والمجد لأساتذة روزا وصنّاع إرثها، ولروح الست المؤسسة فاطمة اليوسف كل السلام والمحبة.







