الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
المكاسب الاقتصادية للمتحف الكبير

المكاسب الاقتصادية للمتحف الكبير

تمتلك مصر حضارةً تجاوز عمرها 7000 سنة، امتدت إلى جميع مناطقها الجغرافية بما يجعل منها بمثابة متحف مفتوح يرصد الحضارات المُختلفة، ومن ذلك تنتشر مظاهر الحضارة الفرعونية فى الأقصر وأسوان، بينما تتواجد آثار الحضارة اليونانية والرومانية فى الإسكندرية، فى حين تُعَد القاهرة بمثابة متحف مفتوح للحضارة الإسلامية بكل مراحلها. وقد عَرفت مصر إنشاء المتاحف التى تُعَبر عن تاريخها، بما فى ذلك المتحف المصرى بالتحرير الذى تم افتتاحه عام 1902، وفى عام 1903 تم افتتاح متحف الفن الإسلامى فى باب الخَلق، وفى مرحلة لاحقة قامت مصر بتحويل عدد من القصور المَلكية إلى متاحف مثل متحف الإسكندرية القومى، ومتحف المجوهرات المَلكية، وكان قد اقتصر بناء المتاحف على أعداد محدودة بنماذج مُبسطة.. وبينما يتطور مفهوم المتاحف فى العالم؛ لم يَعُد المتحف مجرد مكان للعرض فقط؛ ولكنه أصبح بمثابة منصة حضارية تتضمن نُظمًا وتقنيات تكنولوجية مُتطورة تجعل العرض أكثر مواءمة مع الأجيال الجديدة التى تحتاج لآليات عصرية تجعل المعروضات أكثر حياة عبر استخدام أنظمة مثل الواقع المُعزز، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى، فى إطار من أنظمة تبريد وإضاءة مُتطورة.. وقد شهد عام 2021 افتتاح أول متحف مصرى متوافق مع أحدث التقنيات العالمية، وهو المتحف القومى للحضارة المصرية الذى تم افتتاحه فى منطقة الفسطاط بالقاهرة.. ووصلت مصر لقمة الإنجاز بافتتاح المتحف المصرى الكبير الذى يتم افتتاحه اليوم والذى يُعد الأكبر، والأحدث، والأهم، والأكثر تأثيرًا عالميًا.



والمتحف المصرى الكبير كان حلمًا قديمًا تحول إلى واقع عبر تخطيط وتنفيذ مصرى يستفيد من الواقع المَحلى، وآليات التمويل التنموى الدولى؛ حيث حددت مصر موقعًا مُتميزًا لإنشاء المتحف على مساحة نحو نصف مليون متر بالقرب من أهرامات الجيزة، ومع المُساهمة المصرية، والتبرعات الدولية، تم النجاح فى الحصول على تمويل تنموى من الجانب اليابانى بلغ نحو 800 مليون دولار بمعدل فائدة مُنخفض جدًا بلغ نحو 1.4 % مع فترة سداد تصل لنحو 25 سنة، ورغم تحديات المشروع نجحت مصر فى اتخاذ العديد من الإجراءات لخفض تكلفة إنشائه التى تم خلالها تشغيل نحو 6500 مصرى بصورة مُباشر، خلاف فرص العمل غير المباشرة الناتجة عن المشروع الذى كان له بُعدٌ دولىٌ بدأ من تقدم 83 مكتبًا معماريًا دوليًا فى مُسابقة تصميمه، واشتراك خبراء دوليين فى مراحل تنفيذه. لنصل إلى امتلاك مصر لهذا المتحف الأهم عالميًا، الذى يتضمن أكثر من 100000 قطعة أثرية، أهمها كنوز «توت عنخ آمون» الشهيرة، التى تُعَد فى ذاتها مقصدًا عالميًا للزيارة، وإلى جوار 12 صالة رئيسية للعرض، يتضمن المتحف عناصر عرض تكنولوجية حديثة، ومناطق تجارية، وترفيهية، وخدمية، وربط مُباشر مع منطقة أهرامات الجيزة، وغيرها من عناصر الجذب التى تُمَكن المتحف من تحقيق مُستهدفاته بجذب نحو 5 ملايين زائر سنويًا، نحو نصفهم من السائحين الأجانب، وإذا كانت زيارة المتحف يمكن أن تستغرق يومًا كاملًا؛ فإننا نكون بصَدد إضافة ليلة إضافية لبرامج السياحة التى تُنظمها الشركات الدولية يكون متوسط تكلفتها نحو 75 دولارًا للسائح الواحد، لنحو 2,5 مليون سائح كمصروفات إقامة بالفنادق فقط، فضلاً عن أوجُه الإنفاق الأخرى بما فى ذلك تذاكر المتحف ذاته، والفوائد التى تعود على المطارات، ومُقدمى الخدمات، وتشجيع السائحين على اكتشاف مقاصد سياحية جديدة بمصر.

افتتاح المتحف المصرى الكبير يُعَد فى ذاته دعوة للسائحين الذين سبق أن قاموا بزيارة مصر لكى يعودوا إلى زيارتها بعد أن امتلكت مُنتجات سياحية جديدة رمزها هو المحف المصرى الكبير وتكتمل بمتحف الحضارات، وتطوير القاهرة الخديوية، وتقديم تجربة سياحية أكثر يسرًا بَعد تخفيف الزحام بالقاهرة بنقل الوزارات للعاصمة الإدارية، وإنشاء الكثير من المَحاور المروية. لم يَعد السائح يحتاج لأن يهبط فى مطار القاهرة ليصل إلى الجيزة بعد أن تم افتتاح مطار سفنكس بالقرب من المتحف الكبير والمقاصد السياحية بالجيزة.. فخلال السنوات الماضية تم إعادة رسم خارطة السياحة المصرية، وتقريب المسافات بين الوجهات السياحية، ومع افتتاح القطار الكهربائى السريع سيتم ربط المتحف المصرى الكبير بالسائحين فى الساحل الشمالى، والبحر الأحمر بما يمكن السائح من تجربة متنوعة تدمج بين السياحة الشاطئية، والسياحة الثقافية، والأمر يتجاوز ذلك؛ فالمتحف الكبير وتطوير القاهرة ساهم فى عودة الطلب على الغرف الفندقية، وأعاد شهية المُستثمرين فى مجال الاستثمار الفندقى، ونتابع مشروعات تطوير فندقى تتم حاليًا، وأخرى يتم الإعلان عنها فى المُستقبل القريب.

ولعل الافتتاح العالمى للمتحف المصرى الكبير يُعَد فى ذاته بمثابة إعلان عن نجاح ونهضة شاملة شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، واستقرار تجنى مصر ثمارَه، فبمشاركة دولية ستتواجد مصر على شاشات الأخبار العالمية، وتُعاد إلى واجهة السياحة والاستثمار العالمى، فى وقت يتأهب العالم لاستقبال فترة أكثر استقرارًا تنتعش فيها السياحة العالمية التى ستجد فى مصر وجهة تاريخية مُتجددة تستحق الزيارة والاستثمار.>