الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الأرشيف العلمى..  الذاكرة التى صنعت المتحف المصرى الكبير

الأرشيف العلمى.. الذاكرة التى صنعت المتحف المصرى الكبير

على مدى أكثر من قرن، ظلت الكاميرات والعدسات رفيقة الأثر المصرى فى رحلته الطويلة من باطن الأرض إلى قاعات العرض، شاهدةً على مراحل اكتشافه وترميمه وانتقاله من موقعه الأصلى إلى المتاحف. واليوم، مع افتتاح المتحف المصرى الكبير، تتجدد هذه الرحلة فى أبهى صورها، حيث تلتقى ذاكرة الصورة القديمة بعين الحاضر فى مشروع هو الأكبر من نوعه لحفظ وعرض التراث الإنسانى.



فى مطلع القرن العشرين، كانت البعثات الأثرية والمصرية والأجنبية تعتمد على التصوير الفوتوغرافى كأداة أساسية للتوثيق العلمى. حينها، كانت السلبيات الزجاجية (النيجاتيف) وسيلة دقيقة تحفظ التفاصيل الدقيقة للنقوش والألوان والكتابات، قبل أن تمتد إليها عوامل الزمن أو أعمال الترميم. تلك الصور لم تكن مجرد وثائق فنية، بل كانت شهادات حية على لحظة الاكتشاف الأولى، وعلى أيادى علماء الآثار والعمال المصريين الذين صنعوا تاريخًا جديدًا من الرمال.

مع مرور العقود، تراكمت آلاف الصور فى الأرشيف العلمى للصور القديمة، لتشكل كنزًا بصريًا نادرًا يوثق مراحل التنقيب الأولى فى وادى الملوك، ومقابر النبلاء، ومعابد طيبة، والمشروعات الكبرى لترميم المعابد والمقابر الملكية. كان الأرشيف بمثابة ذاكرة الأمة الأثرية، يسجل كيف تغيّر المشهد الأثرى فى مصر عبر السنين، وكيف تطور علم الحفظ والترميم من أدوات بدائية إلى تقنيات رقمية متقدمة.

ومع انطلاق مشروع المتحف المصرى الكبير، استُدعى هذا الأرشيف التاريخى ليكون شاهدًا ومصدرًا علميًا مهمًا. استعان به المتخصصون لتوثيق حالة القطع الأثرية قبل النقل، ولمقارنة حالتها الراهنة بالصور القديمة، ما ساهم فى تخطيط عمليات الترميم بدقة غير مسبوقة. بعض الصور القديمة كشفت تفاصيل كانت قد اختفت مع مرور الزمن، مما أتاح للخبراء استعادة الألوان الأصلية أو الأجزاء المفقودة من النقوش والزخارف.

تُمثّل هذه الصور أيضًا سجلًا بصريًا لمسيرة تطور الوعى الأثرى فى مصر. فمن الكاميرات الخشبية الضخمة وعدسات الزجاج إلى الأرشفة الرقمية عالية الدقة، قطعت مصر شوطًا طويلًا فى رحلة حفظ التراث بصريًا. واليوم، تتواصل هذه المسيرة داخل المتحف المصرى الكبير الذى لا يكتفى بعرض القطع الأثرية، بل يسعى إلى عرض القصة الكاملة خلف كل قطعة، من لحظة اكتشافها حتى يومنا هذا.

إن تحويل الأرشيف الورقى والزجاجى إلى أرشيف رقمى تفاعلى يمثل خطوة استراتيجية نحو المستقبل. فهو لا يضمن فقط حماية الصور من التدهور، بل يفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمى والتعليم، ويتيح للزائر أن يرى القطعة الأثرية من منظور تاريخى شامل، يجمع بين الأصل والصورة والذاكرة.

هكذا يصبح المتحف المصرى الكبير ليس مجرد مكان للعرض، بل جسرًا يربط الماضى بالحاضر، والأرشيف العلمى شريك أساسي فى صياغة هذه الذاكرة البصرية الخالدة. فبين النيجاتيف الزجاجى الذى التقط قبل قرن، وشاشات العرض الرقمية التى تستقبل الزائر اليوم، تمتد خيوط حكاية واحدة: حكاية مصر التى تحفظ تراثها بعينٍ ترى المستقبل، ولا تنسى جذور الضوء الأول الذى التقطته عدسة الأثر.

 

مديرة الأرشيف العلمى

بقطاع حفظ وتسجيل الآثار بوزارة السياحة والآثار