رجب المرشدي
مصر تبنى متحفًا عالميـًا كل 100 عام
يظل التاريخ المصرى شاهدًا على قدرة الدولة المصرية على إعلاء قيم الثقافة والحفاظ على التراث الوطنى وحسن إدارته والاستفادة منه من خلال إضافة قيمة مضافة على عرضها..
التاريخ لا يغفل ما قدّمته وتقدمه مصر للتراث البشرى، فبعد أكثر من قرن من الزمان على افتتاح المتحف المصرى بالتحرير فى 1902 تعيد مصر إبهار العالم بمتحف جديد سيغير مفهوم العمل المتحفى فى العالم بكل ما يشمله من كنوز لا توجد إلا فى مصر بطول البلاد وعرضها.
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصرى الكبير فى تسعينيات القرن الماضى، وفى عام 2002 تم وضع حَجَر الأساس لمشروع المتحف ليُشيَّد فى موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة الخالدة؛ حيث أعلنت الدولة المصرية، وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولى للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وقد فاز التصميم الحالى المُقدم من شركة هينجهان بنج للمهندسين المعماريين بأيرلندا، الذى اعتمد تصميمه على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هى المتحف المصرى الكبير.. وقد تم البدء فى بناء مشروع المتحف فى مايو 2005؛ حيث تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفى عام 2006 أُنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خُصِّص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف، الذى تم افتتاحه خلال عام 2010.
وقّعت مصر واليابان فى مايو 2006 اتفاقا تقدم بموجبه طوكيو منحة للمساهمة فى تمويل مشروع بناء المتحف المصرى الكبير، وتم اختيار «قصر طاز» التاريخى كمكان للتوقيع بحضور رئيس الوزراء ووزير الثقافة وقامت وزيرة التعاون الدولى وقتها فايزة أبو النجا بالتوقيع على الاتفاق مع سفير اليابان فى مصر كينهيكو ماكيتا.. وقامت الحكومة الإيطالية بتمويل دراسات الجدوَى لتشييد المتحف إلى جانب دفع تكلفة مسابقة تصميمات المتحف، التى فاز بها هينكين بنج أحد المصمّمين العاملين فى شركة أيرلندية.
شهد مارس 2005 تمهيد وتجهيز موقع المتحف، تلاه إنشاء مركز عام 2006 لتجهيز وصيانة القطع الأثرية المقرر عرضها داخله، وفى عام 2016 تم توقيع عقد تقديم وتشغيل خدمات الزائرين، فى خطوة تعكس الاهتمام بتجربة الزائر ورفع كفاءة الخدمات داخل المتحف.
وفى أبريل 2021، صدر قرار بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصرى الكبير لتتولى إدارة وتشغيل هذا الصرح العالمى، أعقبه فى نوفمبر من العام نفسه اكتمال تشييد مبنى المتحف الرئيسى.
وعانَى المتحف من صعوبات سواء تمويلية أو نتيجة الثورات التى شهدتها مصر فى عام 2011 و2013، فضلاً عن الصعوبات التى عانت منها نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية وتغيير سعر الصرف، الأمر الذى أدى إلى تعطيل العمل بالمتحف الذى كان مقررًا افتتاحة فى عام 2012.
نعود للفكرة؛ أن مصر تبنى متحفًا كل مائة عام، الذى بدأ بالمتحف المصرى فى التحرير الذى يعد أحد المعالم التاريخية والسياحية بالقاهرة، فهو أقدم متحف أثرى فى الشرق الأوسط، وأول مبنى يُنشَأ فى العالم ليكون متحفًا.. بدأت فكرة إنشائه عام 1895، حين فاز المعمارى الفرنسى مارسيل دورنيو بالمسابقة الدولية التى تمت إقامتها لتصميم مبنى المتحف، وافتتحه الخديو عباس حلمى الثانى عام 1902.. وفى أبريل 2021 كان المتحف محط أنظار العالم حين ودّع 22 مومياء مَلكية لتُنقل إلى مكان عرضها الدائم بالمتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط فى موكب مهيب.
ويظل السؤال؛ هل فقد المتحف المصرى بالتحرير بريقه بعد افتتاح المتحف الكبير ونقل آثار توت عنخ آمون؟ الإجابة بالقطع «لا»؛ لأن كلا المتحفين يكملان بعضهما.. ليس هذا فحسب بل يضم متحف التحرير دُررًا ومجموعات مميزة من الآثار المصرية تمتد من فترة ما قبل الأسرات حتى العصرين اليونانى والرومانى، من بينها لوحة الملك نعرمر التى تُخلد توحيد مصر العليا والسفلى تحت حكم ملك واحد، ومجموعة من التماثيل والقطع الأثرية لملوك عصر بناة الأهرامات، والمجموعة الجنائزية ليويا وتويا الملك جدىّ الملك إخناتون، وكنوز تانيس، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من مومياوات الحيوانات، وورق البردى والتوابيت والحُلىّ من مختلف العصور المصرية، وغيرها من القطع الأثرية التى تُكمل المجموعة المميزة لهذا المتحف.
ويبقى السؤال مطروحًا؛ هل تستعد مصر لإنشاء متحف جديد لتكمل مسيرتها للبشرية فى إنشاء متحف كل مائة عام تهديه للبشرية وتعيد إحياء أمجاد الأجداد؟











