الأحد 26 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
سيرة الدار والإصدار

سيرة الدار والإصدار

منذ صغرى وأنا أخت الصبيان، حبيبة الكبار وكبيرة الأصغر مني عمرًا، كنت الخامسة بين ثمانية أنجبهم والدى رحمة الله عليه فضيلة الشيخ العالم عبد الوهاب زرمبة أحد علماء الأزهر الشريف.. ولدنا جميعا ونشأنا فى بيتنا الذى يطل على النيل فى مدينة دمياط العاصمة.. اثنان من الكبار ضابطان فى الجيش «حسين» سلاح المركبات وشقيقى توأم الروح الشهيد ملازم أول صاعقة أحمد كمال.



أنا أخت كمال ونجيب

أخى الأكبر الذى اعتبرنى أخته وصديقته وابنته الكبرى والذى لم يترك وجهه الجميل أى نهار أو مساء لى منذ استشهاده فى اليمن عام 1966 وحتى الآن. 

 

تخرجت فى كلية الآداب قسم التاريخ وأنا شغوفة بالسياسة والصحافة وحب جمال عبدالناصر، طالما عرفنى الزملاء والأصدقاء بالشغب وقول الحق فى وجه أى أحد، كسرنا جميعا مع خبر استشهاد أخى وطعنت كرامتنا مع نكسة 1967، تظاهرت مع الملايين لعودة عبد الناصر عن قرار التنحى.. خرجت مع طلبة جامعة عين شمس نطالب بالحرب، تمر السنوات علينا بين قاعات المحاضرات وحدائق الجامعة ونحن نتناقش ونبكى أحيانًا ونهتف باسم الزعيم أحيانًا أخرى.

 

مات جمال ومات معه الحلم بالنصر واسترداد الحق والأرض والحياة.. أو هكذا كنا نظن، دخلت روزاليوسف لأصبح تحية الصحفية لينتقل معى الشغب بين محيط الأسرة ثم قاعات الجامعة إلى مكاتب روزاليوسف كى أمشى بين الكبار وأستمع لمناقشات الجيل الذهبى فى الصحافة المصرية عن الحرب والسياسة، أجلس صامتة مأخوذة فى بعض الأحوال من عمق ما أسمع مبهورة كصحفية تحت التمرين بكم الثقافة والتواضع التى يملكها كل من رحلوا عن هذا العالم. 

 

نجلس فى غرفة صغيرة هى مكتب رسام الكاريكاتير العبقرى صلاح الليثى لنسمع مناقشات الأستاذ صلاح حافظ وتعليقات الأستاذ أحمد حمروش وتحليل الأستاذ مصطفى الحسينى.. أشاغب بأسئلة مباغتة سريعة وأنا أحاول أن أطرد من ذهنى خوفى على أخى الأصغر الملازم أول قوات بحرية محمد نجيب كنا فى عام 1973.. عام الحسم .

 

استدعاء نجيب أخى لقاعدة مكافحة الغواصات، هل سنحارب ؟ فيجيب : أكيد هييجى يوم ونحارب.. ويضحك كعادته وبصوت عالٍ « ما تخافيش يا تحية».

 

نجيب كان أخى وصديقى بل وتربية أيدى رغم أنه لا تفصلنا سوى سنتين فقط.6 أكتوبر 1973 نجلس فى روزا ونتساءل متى الحرب هل سيتركنا السادات ننظر فى الساعات ونعد الأيام، نستمع إلى موجات الإذاعة بينما تعلو أصوات النقاش وفجأة وعند الساعة 2:17 تقريبا نسمع صوت الأستاذ حلمى البلك تاليًا البيان رقم سبعة.. عبرت قواتنا المسلحة المصرية قناة السويس، وكأن الزمن توقف كثيرا..لا أحد ينطق والأنظار تتجه للراديو وكأننا نشاهد عبور الجيش، كل من فى الغرفة يكاد لا يصدق ثم بدأ التهليل والفرحة وبعد دقائق تسلل شيء من الشك، لا نريد أن نشعر بما شعرنا به بعد بيانات النصر قبل إعلان النكسة فى 1967.

 

شرعنا فى إدارة بكرات الراديو لعلنا نلتقط بثًا من أوروبا أو حتى إذاعة العدو.. تبدد الشك إلى غير رجعة وتأكدت لحظات الانتصار الأولى. 

 

أما أنا فأفكر فى نجيب أخى وأمى التى يكفيها أن تكون أمًا لشهيد واحد. 

 

أما عن نجيب نفسه فقد كان رحمة الله عليه وكما عرفنا فيما بعد، أنه ضمن التشكيل الضارب رقم(202) بقيادة اللواء الثانى لنشات صواريخ والذى كان مكونًا من ستة لنشات صواريخ، وملحقًا عليه لنشا طوربيد مجهزان بصواريخBM-21 غير الموجهة، 

 

أما المهمة التى تم تكليفهم بها فقد كانت من اكثر المهام حساسية والتى تمثلت فى إطار تأمين النطاق التعبوى للقوات البحرية بمسرح عمليات البحر الأبيض المتوسط، والاستعداد لصد الإبرار البحرى الإسرائيلى على مدينة دمياط ( مدينتنا) غربًا، وقصف ميناء أشدود بالصواريخ الموجهة، والاستعداد لقصف ميناء رأس بيرون بالصواريخ الموجهة وغير الموجهة ليلة ي1/ ي2 كمهمة بديلة فى حالة تعذر قصف ميناء أشدود، ومعاونة أعمال قتال قاعدة الإسكندرية بالمرور واتخاذ أوضاع إطلاق الصواريخ من داخل الميناء والاستعداد لتنفيذ أى مهام طارئة طبقًا للموقف.

 

 لمنطقة رأس بيرون أهمية كبيرة فهى تقع على الساحل الشمالى لشبه جزيرة سيناء، وترجع أهمية قصفها طبقًا لما ورد فى حديث اللواء.أ.ح/ يسرى قنديل رئيس فرع الاستطلاع بالقوات البحرية سابقًا بوصفه أنها كانت منطقة شئون إدارية ومستشفى ميدانى ومخزن إمداد وتموين، كما تواجد بها عدد 2 سرية مشاه، وسرية ناحال,وسرية دبابات إسرائيلية, وفصيلة مدفعية إسرائيلية عيار 175مم.

 

وعلمنا من نجيب فيما بعد أن الإبحار كان فى تمام الساعة 17:30 يوم 6 أكتوبر 1973م من أبو قير بالإسكندرية لتنفيذ القصف، مع استخدام الكلمة الكودية رمضان.

 

لكن ما حدث ليلتها اختلف ولو قليلا ؛ ففى ليلة 6 - 7 أكتوبر 1973م وبالتحديد فى تمام الساعة 23:10 صدرت الأوامر إلى التشكيل الضارب رقم 202 والمكون آنذاك من ست لنشات صواريخ ولنشى طوربيد بتنفيذ مهمة قصف المنطقة بالصواريخ غير الموجهة BM-21، وكان قد سبقه فى تمام الساعة 16:25 فى اليوم السادس من أكتوبر عام 1973م أن غادر التشكيل من منطقة أبو قير بالإسكندرية، وتم إعطاء الأمر للوحدات المنفذة للهجوم ببدء الفتح التكتيكى وانفصل لنش الطوربيد المجهز  بالمدفعية الصاروخية 1BM-2 المكلف بمهمة القصف عن التشكيل فى تمام الساعة 23:10, واتخذ موقعه من الهدف على مسافة عشرة أميال ونفذ الرمى حوالى الساعة 00:30 فى اليوم السابع من أكتوبر عام 1973م حيث تم إطلاق عدد 80 صاروخًا BM-21 على المنطقة.

 

بعد مضى 6 دقائق من القصف وأثناء عودة التشكيل قامت طائرات هليكوبتر إسرائيلية بإلقاء مشاعل مضيئة خلف التشكيل، مما دفع بالتشكيل إلى زيادة سرعته للخروج من منطقة المشاعل, وفى تمام الساعة 00:50 أى بعد 20 دقيقة اندفع الطيران الإسرائيلى تجاه التشكيل البحرى المصري، فما كان من التشكيل إلا أن قام أحد لنشات الطوربيد وعليه نجيب أخى بالاتجاه شمالًا، وانسحاب باقى التشكيل ناحية الغرب فى مناورة لتشتيت طيران العدو ؛ فى تمام الساعة 00:55 اشتبك أحد لنشات الصواريخ من المجموعة التكتيكية المنوطة بتأمين خط سير عودة التشكيل مع هدفين إسرائيليين بحريين، وطائرة هليكوبتر، وأثناء الاشتباك قام التشكيل الضارب رقم 303 المتمركز بقاعدة بورسعيد بدفع لنشى صواريخ لدعم أعمال قتال المجموعة التكتيكية، كما قامت القوات الجوية المصرية بتنفيذ طلعة خداعية شمال الإسكندرية، وبعمق مائة ميل بالبحر لجذب انتباه التشكيل الجوى الإسرائيلى ناحية تأمين ميناء حيفا على البحر المتوسط، مما أجبر التشكيل الجوى الإسرائيلى على ترك التشكيل البحرى المصرى، وفى تمام الساعة 07:35 من صباح اليوم السابع وصل التشكيل رقم(202) إلى قاعدته بالإسكندرية.

 

نجح لنشا الطوربيد طراز 183 المطوران محليا من التشكيل الضارب رقم (202) فى قصف منطقة رأس بيرون بعدد 80 صاروخًا BM-21، تم إسقاط طائرة هليكوبتر إسرائيلية من قبل أحد لنشات الصواريخ أثناء الاشتباك مع التشكيل الضارب والمجموعة التكتيكية المنوطة بتأمين خط سير التشكيل الضارب، تدمير عدد 2 لنش فئة سعر من القوات البحرية الإسرائيلية، تدمير عدد 1 لنش صواريخ من المجموعة التكتيكية المنوطة بتأمين الانسحاب للتشكيل البحرى المصرى الضارب رقم (202) ولكن لم يعد نجيب مع من عادوا إلى ميناء الإسكندرية ونحن لا نعلم شيئا ولم تصلنا أى أخبار، حتى عرفنا أن رفاق نجيب قد نالوا الشهادة بعد أن كبدوا العدو أفدح الخسائر وأن الله قد امد فى عمره ليعود سباحة حتى شواطئ دمياط ويقوم بتسليم نفسه لأول وحدة عسكرية مصرية بعد أن ساهم فى تدمير مناطق تخزين ذخيرة العدو وأسقطوا طائرته وأغرقوا سفنه.

 

نعم وبعد 52 عامًا على هذا النصر العظيم أشعر بفخر عظيم أننى أخت الشهيد ملازم أول صاعقة أحمد كمال والعميد بحرى مكافحة غواصات محمد نجيب رحمه الله.  عاشت مصر و عاش الجيش.