الإثنين 27 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
100 سنة روزاليوسف
حكايتى مع روزاليوســـف

حكايتى مع روزاليوســـف

 بدأت قصتى مع روزاليوسف السيدة، وأنا فى الحادية والعشرين، متسابقة فى مسابقة وزارة الثقافة فى البحث الأدبى التى كان عنوانها (دور المرأة المصرية فى حياة أحد رواد التنوير أو أن تكون هى رائدة بذاتها)، وقتها لم تكن مؤشرات البحث الالكترونى، فأخذت حيرتى وتفكيرى وأقلامى واتجهت إلى المكتبة، لأبحث عن هذه الرائدة، وجدت أسماء لكنها مرت على دون ترك أثر، حتى زارنى طيفها تلك الجميلة ذات الخصلة البيضاء، مبتسمة وجاء مع طيفها طيف وليدها وصنيعة يديها رائد الرواية إحسان عبدالقدوس. 



 

«وهنا» طفت أصنع مسحًا بعينى لكل أرفف المكتبة، أجمع كل ما كتب عن فاطمه اليوسف، فوجدت القليل جدًا عنها، فصرت أجمع مذكرات من عاصروها فى كل المجالات فن صحافة سياسة، وخفضت رأسى لأنقر أزرار الكمبيوتر وأكتب وأكتب، لأتمكن من إنجاز البحث قبل موعد المسابقة وقد كان.. وفى طريقى إلى إتمامه احتجت بعض الأعداد القديمة واحتجت الأرشيف ( أرشيف روزاليوسف).

 

وهنا بدأت قصتى الشخصية معها ومع مؤسستها الصحفية. 

فى زيارتى للمؤسسة العريقة، احتجت إلى إذن رئيس التحرير أستاذ محمد عبدالمنعم، وكان فى سفر، فقابلت مدير مكتبه واستقبلنى بكرم وترحاب شديدين وعلم منى أنى أصنع بحثًا أدبيًا عن فاطمة اليوسف فنصحنى بمقابلة السيدة مديحة عزت، وأكمل النصيحة، بألا أثقل عليها فى الأسئلة لأنها قد تقدم بها العمر، ثم أكمل لكن عليك بانتظارها، نهضت ودب الحماس بعروقى وقلت أنتظرها وإن أتت غدًا، ابتسم السيد ياسر وقال لا ليس لهذه الدرجة أكملى قهوتك ثم اذهبى للأرشيف لجمع ما أردت وحالما عدتِ تكون السيدة عزت قد جاءت، ومر الوقت رائعًا وكأنى عشت زمن الأولين فى دقائق، ثم دخلت عليها صوتها عذب رقيق وحاد، نظرت إلى متفحصة جادة جدًا وقالت بحزم: «ليس عندى أكثر من عشر دقائق» فوافقت بعرفان شديد، وبعد ثلاث ساعات أنهينا حديثنا مع وعد بتجديد اللقاء، أحبتنى السيدة مديحة عزت سكرتيرة إحسان عبدالقدوس والكاتبة الجميلة صاحبة عمود تحياتى إلى زوجك العزيز). اطمأنت لى السيدة مديحة وحكت ذكريات كثيرة، استخدمتُ بعضها فى البحث الأدبى وخبأت الكثير فى ذاكرتى ووجدانى إلى اليوم. 

 

ثم ونحن على المصعد قابلنا سيدة وقورة ضحكتها جميلة كروحها، فسلمتا على بعضهما البعض بحرارة ثم قدمتنى صديقتى أستاذة مديحة عزت ( فقد أصبحنا أصدقاء وانتهينا)  إلى السيدة ذات الضحكة البشوشة والرائعة، قائلة، أقدم لك ريهام، ثم سألتنى السيدة عزت: «ريهام إيه» قلت لها : «ريهام الحداد يا فندم»، وأكملت وهى تقدمنى: «يا ستى بتعمل بحث عن الست روزا، ثم قالت لى ريهام سلمى على الحاجة سعاد رضا، فقلت أهلًا مدام سعاد تشرفت بمعرفة حضرتك، فلكزتنى صديقتى هامسة، قولى حاجة سعاد وليس مدام، الحاجة سعاد بقى والدها صديق الست روزا وهى فى المؤسسة منذ أن كان عمرها ١٤ عامًا، ثم تحدثتا معًا وأنا أحدق بكلتيهما، ما هذه الزيارة الرائعة!! 

 

ثم عدت إلى مكتب أستاذ محمد عبدالمنعم لأشكر مدير مكتبه على هذه الفرصة الرائعة، وعلم منى أنى أكتب ولكن لم أجرب النشر، فدعانى للكتابة وأعطانى أرقام الفاكس، وقال يمكنك أن تبعثى بمقالاتك وإن ووفِقَ عليها نُشِرَتْ، فشكرته وانصرفت بعد يوم رائع جعلنى مبتسمة لمدة أسبوعين، فى تلك المدة كنت قد أكملت ما نقص فى بحثى وفى خلال الأسبوعين نشر لى ثلاثة مقالات على مساحة كبيرة فى صفحة الرأى، طرت حرفيًا فوق السحاب، إلى أنه فى يوم وقبل أن أبعث بالمقال الرابع أوقفنى أستاذ ياسر قبل فتح الفاكس، آنسة ريهام ثوانى قبل ما تبعتى المقال هحولك لمكالمة.

 

قلت له هكلم مين ؟! قالى أستاذ عبدالله كمال، قلت له مين عبدالله كمال، قالى ما تعرفيش مين أستاذ عبدالله كمال، قلت له ما أعرفش حد أساسًا، أنا قادمة من بلاد أخرى ولم أتابع الصحافة، فأجاب، هو مساعد التحرير، فسألت أستاذ ياسر وهو عاوز يكلمنى ليه؟ قالى عجبته المقالات جدًا وطلب أن يتحدث إليك، وكانت مكالمة السيد كمال والتى انتهت بعد خمسة أعوام بزواجى منه رحمه الله، ذاك السياسى المحنك والصحفى البارع ورئيس التحرير الألمعى والإنسان الرائع. 

 

تزوجنا أنا وعبدالله كمال وبعد أيام قليلة من عقد القران جاء رئيسًا للتحرير، وجلس على مقعد روزا وإحسان عبدالقدوس، وكان من جميل خصال عبدالله وعرفانه بفضل اسم السيدة روز اليوسف أن حرص أن تذهب أعداد المجلة الأسبوعية إلى ورثة السيدة روز اليوسف وهو: السيدة آمال طليمات والسيدين أحمد ومحمد عبدالقدوس. 

 

كانت أول الحاضرات فى عرسنا الحاجة سعاد رضا وكذا حضرت فى حياتى أنا وعبدالله أمًا حقيقية لنا، بدون مبالغة، كم كانت حكمًا بيننا فى غيرتى عليه وعبثه بأعصابى، وكم وجهت له اللكمات بالكلمات لأجلى، ثم تصالحه بملوخية الأرانب التى هى محرمة فى منزلنا، لنضحك جميعًا على حركات زينة ابنتنا وتشابهها العجيب مع والدها فى كل شىء. 

 

وهنا يبدأ فصل آخر فى قصتى مع الست روزا أو الست فاطمة اليوسف.

كنت أنا وعبدالله فى عشاء بمنزل صديق والدى أستاذ محمد شعبان وبعد العشاء ونحن نتسامر، قال لنا أونكل محمد أنه يفكر فى إنتاج مسلسل عن حياة روز اليوسف من خلال شركة الإنتاج التى يمتلكها، فقلت له يا أونكل أنا عاملة بحث أدبى فاز بالجائزة الأولى عن السيدة روزا واعتبره تحت أمرك كمرجع، فنظر إلى عبدالله وقال، ولماذا لا تكتبينه أنت؟ فقلت له أنا !!! 

 

فقال نعم أنت كاتبة بارعة وتستطيعين بسهولة. وكان رد أونكل محمد شعبان: «أقرأ الأول وابعته للمختصين يقولوا رأيهم، اكتبى لى معالجة وتلات حلقات ونشوف». 

 

تسرب الأمر خبرًا صغيرًا فى الجرائد، فقرأته السيدة آمال طليمات، ابنة روز اليوسف وابنة الرائد العظيم زكى طليمات، وكانت علاقتى بها لطيفة جدًا، قبل هذا الموقف لكن فى ذاك اليوم وعند قراءتها الخبر فى الجرائد، هجمت على بمكالمة غاضبة قائلة: (إزاى تكتبى عن أمى من غير موافقتى) فأجبت أنها مجرد بداية معالجة وكم حلقة، ثم هدأ البركان بعد أن قلت لها، سوف آتى لحضرتك غدًا بما كتبت ولو قلتِ لى توقفى فلن أكتب حرفًا فى هذا المسلسل ولن يحدث أى شىء إلا برضاكِ التام ولك الحق فى مراجعة كل حرف، بعدها بدأت صداقة حقيقية مع السيدة طليمات، التى كان إرضاؤها فى غاية الصعوبة لكنها أحبتنى وأحبت ما كتبت حتى قالت لى، أنت بسنك الصغيرة ده إزاى عرفت تكتبى بهذه الدقة وهذه الروعة، أنت عارفة كم حد عظيم حاول قبلك!!! وبعدين أنا بشوف أمى بين سطورك عملتيها إزاى !! أنت موهوبة يا ريهام، وكانت رحلة طويلة مع كتابة المسلسل بمغامرات وتحديات وكانت جلسات متكررة مع صديقتى الجديدة السيدة آمال طليمات وأكرمتنى بسيل من المعلومات والصور والحقائق التى لم تكن موجودة بأى مرجع، بعضها صرحت بأن أكتبه والبعض الآخر همست به فى أذنى لا تكتبيه الآن ربما فيما بعد، ثم جاء يوم الانتهاء من كتابة المسلسل، فجمعت لى العائلة بكل أفرادها وعلى مأدبة غداء رائعة تجمعنا أسرتها جميعًا وأنا، وقالت أنا جمعت لك العيلة كلها نحتفل بالانتهاء من كتابة المسلسل، وكانت تلك الجلسة وذاك الاحتفال ولقاء جميع أفراد الأسرة والأحفاد وأبناء الأحفاد للسيدة روز اليوسف أكبر وسام شرف على رأسى وفى قلبى وإلى اليوم ما زال الود موصولًا بأستاذ محمد عبدالقدوس، دائم الود والمحبة ابن الكرام وحفيد روزاليوسف. 

 

عشت حياة ملؤها اسم روزاليوسف، عشت مع الاسم فى كل تفاصيل الحياة، تداخلت روز اليوسف فى حياتى وأصبحت ركنا ركينا، صورتها كانت خلف زوجى فى مكتبه، وفى بهو بيتى، والأكيد فى قلبى. 

 

لما كتبتُ المسلسل عن حياتها، عايشتها تنفست هواءها، أصبحت أعرف طريقة مشيتها وألفاظها وصوت غضبها وضحكاتها وطريقتها فى التفكير والتصرف، أنا عشت روز اليوسف وعايشتها، هذه بعض ملامح من علاقتى بها وليس جميعها، فاطمة اليوسف ملحمة عظيمة تستحق التأريخ والتخليد تماما كما أرادت هى لها، روز اليوسف سيدة حقق لها الله ما أرادت فظل اسمها طيلة مئة عام على الألسنة، وعلى أغلفة الصحافة وفى أروقة السياسة والسياسة وفى عالم الفن والفنانين والثقافة، ما زالت روزاليوسف  تحيا بيننا.