حنان البدرى
روزا والبيت الأبيض!
بالتأكيد ليس سهلاً أن يكتب المرء تاريخًا عمره جاوز الثلاثين عامًا فى بضع ساعات.. ولكن حين نتحدث عن مئوية مجلة روزا اليوسف فالأمر يختلف كثيرًا، حين تتداعى الأفكار والصور والمواقف أمام ناظرى، حين أتذكر تلك السنوات الطويلة من العمل الصحفى فى واشنطن لنقل ما يحدث فى عاصمة الدولة الأولى بالعالم، لا سيما داخل مطبخ صنع القرار أى داخل البيت الأبيض ودوائره التنفيذية.
وحينما كانت الدقيقة تفرق كثيرا فى عملية نقل الخبر وتغطية الحدث، سباق محموم تتنافس فيه مختلف وسائل الإعلام باشكالها المتعددة من وكالات أنباء أو قنوات تلفزة وإذاعة أو حتى صحيفة يومية فكل شيء له موعد والسباق مستمر ولا يهمد أبدًا على مدى الساعة، ولقد خبرت جانبًا ليس بقليل من هذا السباق المحموم خصوصا حين كنت أمارس عملى بوكالة أنباء هى الأولى عالميًا، كنا فى سباق مع الظروف ومع الزملاء ومع الزمن لاقتناص خبر أو معلومة يسبق الجميع.
وأقر الآن بأن العمل الأهم والأكثر متعة وزخمًا بالنسبة لى كان كتابة تقرير روز اليوسف الأسبوعى واليوم وفى مئوية روزاليوسف اسمحوا لى بأن أن أضع مشاعر الولاء والحب تجاه مجلتى جانبا وأن أسطر واقعا عمليا اعترف بأنه ساهم فى بنائى المهنى وفى كثير من ما يمكن وصفه بإنجازاتى وانتصاراتى المهنية صغيرة كانت أم كبيرة.
أقر بأن عامل الوقت الذى كان دوما عدوا لمعظم الصحفيين كان صديقا لى فى أغلب الأحيان! فقد أسهم كون مجلة روزا أسبوعية فى منحى الوقت الكافى لسبر غور المواضيع والانغماس فى تحليل ما وراء العناوين والأخبار لأقدم للقارئ تفاصيل الحدث وتحليل ما بين السطور، والأهم كان بناء قاعدة صلدة وممتدة من المصادر التى هى عماد ورأس مال أى صحفى محترف، وهى القاعدة التى أحسب أنها استمرت مثمرة للآن.
وأود فى هذا السياق أن اسرد بعضا من تجربتى تلك الثرية بحق فى أنحاء واشنطن والتى لن تكفى مجلدات لسردها، لذا سأركز على تلك السنوات التى قضيتها فى تغطية البيت الأبيض باسم روز اليوسف فعاصرت حوالى تسع مدد رئاسية، ما بين نهاية حكم الرئيس بوش الأب وحتى عودة الرئيس ترامب لفترة رئاسية ثانية وأخيرة وهى حقبة تمثل مفترق طرق للعالم وفيها كان الولوج لألفية جديدة بدايتها حروب وصراعات استمرت لفترة إيذانًا بنظام عالمى جديد فرضته ثورة معلوماتية غير مسبوقة.
لا أنسى ساعة أن أعلن فوز الرئيس الشاب بيل كلينتون وأول مؤتمر صحفى لاستئناف طريق عملية سلام بدأها بوش الأب ووزيره الكفؤ چيمس بيكر فى مدريد، ساعتها أعطانى فرصة سؤاله وتلعثمت قبل أن أبدأ حين فاجأنى باختيارى حتى بعد أن أنزلت يدى لان أحدهم سأل ما وددت السؤال عنه بالفعل.
كما أذكر كيف كانت السيدة الأولى هيلارى كلينتون شريكة فى صنع العديد من القرارات.
أذكر كيف كان لهاثنا مع كل مباحثات سلام ما بين البيت الأبيض وكامب ديفيد ولا أنسى آخر زيارة للرئيس الفلسطينى عرفات الذى كان يخرج ثم يعود وكان الجو قارصًا ونحن بالهواء الطلق ننتظر خروجه من المكتب البيضاوى، لقد فقدت الشعور بقدمى وفعليًا تم حملى لقاعة الصحفيين لتدفئتى سريعًا.
اذكر حينما وقع اتفاق أوسلوا وكانت بالحديقة الخلفية للبيت الأبيض ساعتها كانت من ضمن المدعوين السيدة الراحلة جيهان السادات وأذكر وقتها أن مسئولى البيت الأبيض عرضوا تحمل تكلفة فريق تصوير وبث كامل عبر الستلايت لحوارى معها لتلفزته على التليفزيون المصرى باعتبار الأمر لفتة امتنان لمصر، إلا أن الأمر لم يقبل فى مصر يومها.
أذكر كيف ساعدتنى الصديقة دينا أنسى حبيب والمعروفة باسم دينا باول وكانت أهم مسئول بالبيت الأبيض فى عهدى الرئيس الامريكى جورج بوش الابن ساعدتنى فى فى الحصول على حوار مع الرئيس بوش لنقيب صحفيين مصر والعرب الراحل الأستاذ إبراهيم نافع فأجرى الحديث وأخذ الوقت المخصص له ولى أيضا ! لكننى قمت بإرساله للتليفزيون المصرى وتم بثه.
وكانت من قدمتنى لليز تشينى لاحقا حين انتقلت للعمل بوزارة الخارجية وظلت دينا معتزة بأصولها المصرية ومرحبة بكل ما هو مصرى.
وأذكر أن حديث الرئيس بوش والذي دمعت عيناه عندما تم توجيه سؤال له حول أبو غريب بالعراق، للمفارقة وبعدها بأسابيع قليلة زارنى محامى ضحايا أبوغريب بمكتبى وكانت البطانية التى غطوا بها الحاج على واقفا على صندوق أو بوضعية المصلوب كأحد ضحايا أبوغريب .
كانت البطانية بمكتبى فقد أحضرها لى المحامى الشاب وهو أمريكى من أصول مصرية. أذكر حينما ذهبت فى رحلة لم أتمكن بعدها من الأكل لأيام وكانت إلى جوانتانمو حينما اتيحت لى الفرصة لأن أكون اول صحفية على الإطلاق تدخل إلى زنازين المعتقلين الأشد خطورة.
ولعل كثيرين لا يعلمون أننى بعد هذه الرحلة والتى وصفتها بأنها دقائق كأنها الدهر كنت دون أن أقصد وراء شراء البنتاجون لمكتبة مكتب جريدة الأهرام بواشنطن وكان يصفى مطبوعاته كى تكون مكتبة لمعتقلى جوانتانمو.
على أية حال فالحكايات والكواليس خلف كثير من الأحداث التى لفتت أنظار العالم داخل البيت الأبيض على وجه الخصوص وداخل واشنطن عموما كثيرة وتستحق أن تروى ومنها ما هو سيبقى بالصدور تمنعنا عن نشره أمانة الوعد.
كل مئة عام وروزاليوسف في تألق.











