
أسامة سلامة
إعمار البشر قبل الحجر.. من ينقذ أطفال غزة؟
بمجرد الإعلان عن وقف الحرب فى غزة بدأ الجميع يتحدث عن الإعمار، وهو أمر مهم للغاية بعد الدمار الذى شهدته غزة جراء العدوان الإسرائيلى الغاشم، ولكن الأكثر أهمية ونحن نتحدث عن الإعمار ألا ننسى أن الإنسان أولى من الجدران، وأن بناء البشر يسبق بناء الحجر، أهل غزة شاهدوا الويلات ومن بقى منهم على قيد الحياة ستظل فى ذاكرته مشاهد موت الأحباء قصفًا وحرقًا وجوعًا، هؤلاء يحتاجون إلى رعاية صحية ونفسية، ولكن الأكثر احتياجًا الآن والذى أتمنى ألا ننساهم، وأن تجد كل دول العالم وكل المؤسسات الدولية حلا لهم وتمد لهم يد المساعدة هم أطفال غزة الذين نجوا من موت كان يطاردهم كل يوم وكل لحظة على مدى عامين كاملين، هؤلاء الأطفال عاشوا كابوسًا ترك آثاره عليهم، وسيظل يلازمهم كثيرا ما لم يتم علاجهم منه.
حجم المأساة كبير للغاية وتكشفها أرقام وإحصائيات اليونيسيف، ومركز المعلومات الوطنى الفلسطينى وبيانات الجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى، الذى قال «إن عدد الشهداء الأطفال بسبب العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة منذ 7/10/2023 ولغاية 4/4/2025 وصل إلى حوالى 18000 طفل شهيد منهم 274 رضيعًا ولدوا واستشهدوا تحت القصف، و876 طفلًا دون عام واحد، و17 طفلًا ماتوا جراء البرد فى خيام النازحين، و52 طفلًا قضوا بسبب التجويع وسوء التغذية الممنهج، كما أصيب 113٫274 جريحًا، 69 % منهم أطفال ونساء، ولا يزال أكثر من 11٫200 مواطنًا مفقودًا، 70 % منهم من الأطفال والنساء، وحسب منظمة يونيسيف المعنية بالطفولة فى العالم فإن هناك 39٫384 طفلا فقدوا أحد والديهم، و17 ألف حرموا من كلا الوالدين، وحسب إحصائيات نفس المنظمة فإنه منذ بدء الحرب حتى توقفها كان 10 أطفال فى المتوسط يفقدون أحد أطرافهم يوميًا، أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فقد قال إن هناك «1٫2مليون طفل يحتاجون إلى المساعدة»، هذه الأرقام المؤلمة والمزعجة بالتأكيد ارتفعت أكثر والأعداد تزايدت خلال الشهور التى تلت هذه الإحصائية والتى استمر فيه العدوان الغاشم حتى توقف منذ أيام بعد الاتفاق الذى راعته مصر وأمريكا وعدد من دول العالم، هؤلاء الأطفال ومع الحرب وجدوا أنفسهم دون سند أو رعاية، والأمر لا يقتصر على فقدان الأسرة والمأوى، فالأخطر أنهم من المؤكد يعانون من اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والعزلة والخوف المرضى وغيرها من الأمراض النفسية، وهو ما أكدته رئيسة لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة «اليونيسيف» آن سكيلتون، التى قالت «إن الأطفال فى غزة فقدوا طفولتهم، وأصيبوا بصدمة نفسية، وسيعيشون للأبد مع تأثيرها على صحتهم العقلية» ومؤكدة أن «كل أطفال غزة تقريبا البالغ عددهم مليونا يحتاجون إلى مساعدة على صعيد الصحة النفسية»، إذن نحن أمام آلاف الأطفال يحتاجون إلى دعم نفسى سريع وهو ما أشار إليه مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية «شمس» فى بيان له قبل وقف الحرب وقال فيه «إن العدوان انعكس على الأطفال وترك آثارا كبيرة على صحتهم النفسية والإدراكية والسلوكية والاجتماعية، سواء أكان ذلك فى الوقت الحالى أم على المديين المتوسط أو البعيد»، وأشار إلى أن تلك الصدمات والآثار النفسية على الأطفال تتمثل فى عدد من الأعراض أهمها: «التوتر والقلق الشديدان، والخوف من الموت أو الإصابة أو فقدان أفراد العائلة، ومشاكل فى النوم والكوابيس والأحلام المزعجة والمخيفة، بسبب الذكريات والمشاهد المؤلمة التى تعرضوا لها. والتبول اللاإرادى، والحزن الشديد، وحالات الاكتئاب، والغضب الشديد، وسرعة الانفعال».
المأساة ليست فقط فى وجود أطفال يحتاجون إلى رعاية نفسية ،ولكن أيضا فى تدمير المستشفيات والمراكز الطبية والمؤسسات المتخصصة فى مجال الصحة النفسية، وما يفاقم المشكلة أكثر أن هناك نقصًا كبيرًا جدا فى الطواقم الطبية خاصة المؤهلة للعلاج النفسى وذلك بعد تدمير المستشفيات، واستشهاد عدد من المختصين من الأساتذة والمعالجين فى مجال الصحة النفسية، ما يعنى عدم وجود المؤسسات المتخصصة وعدم توافر الكوادر الطبية وانعدام الأدوية والمستلزمات الطبية، وكل ذلك يجعل علاج المصابين بالصدمات النفسية عموما والأطفال خصوصا أمر فى غاية الصعوبة إذا لم تكن هناك مساهمات دولية وبشكل سريع ومكثف، كما يحتاج الأطفال الذين فقدوا أحد اطرافهم أجهزة صناعية تساعدهم على مواجهة الاعاقات واستكمال الحياة بشكل شبه طبيعى.
معاناة أطفال غزة لا تقف عند حدود الصحة فقط فهناك مأساة أخرى فى التعليم، بعد أن دمر الجيش الإسرائيلى 111 مدرسة حكومية بشكل كامل، وتعرضت 241 مدرسة لأضرار بالغة، كما تم قصف وتخريب 89 مدرسة تابعة للأونروا، ما يجعل من التعليم مهمة شبه مستحيلة ويحرم الأطفال واليافعين من حقهم الأساسى فى التعليم، وخاصة أن الدمار لم يقتصر على المبانى، بل طال الأرواح فقد استشهد 519 معلمًا تحت القصف، وأصيب 2٫703 معلم بجروحٍ متفاوتة الخطورة، كما تسبب العدوان فى انقطاع الدراسة النظامية لمدة عامين دراسيين متتاليين، ومن استطاع من الطلاب أن يستكمل عامه الدراسى عبر الدراسة عن بعد وجد صعوبات هائلة بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، كل هذا يُنذر بفجوة تعليمية تهدد مستقبل جيل بأكمله، هذه هى أوضاع الأطفال فى غزة فمن ينقذهم من مصير مؤلم؟ وهل ينظر إليهم المجتمع الدولى وخاصة الأمم المتحدة ويضعهم على قائمة أولوياته؟ أم يتذكر الإعمار وينساهم؟>