الإثنين 15 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
محاولات إسرائيل صياغة واقع جديد فى سوريا

تقدير موقف

محاولات إسرائيل صياغة واقع جديد فى سوريا

بعد عام على سقوط النظام فى سوريا هناك محاولات إسرائيلية لصياغة واقع جديد فى سوريا.



أولا : تطورات الأوضاع عقب انهيار نظام بشار الأسد:

1 - انتهزت إسرائيل فرصة سقوط نظام بشار الأسد فى 8 ديسمبر 2024 –والتى كانت مشاركة فيه– وقامت بعدة خطوات:

أ - إنهاء العمل باتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 ودخول القوات الإسرائيلية المنطقة الفاصلة (مساحتها 400 كم2، وتمتد بطول 75 كم وبعرض يتراوح بين 2 متر و10 كم).

ب- توجيه ضربات عسكرية لجميع المطارات ومخازن الأسلحة والقواعد والمنشآت العسكرية السورية فى أكبر عملية هجوم جوى فى تاريخ إسرائيل، مما أسفر عن تدمير ما يزيد على 85 % من القدرات العسكرية السورية. (سبق لإسرائيل القيام ب 400 عملية هجوم على سوريا خلال السنوات الخمس الأخيرة، وما يزيد على 180 عملية من 7 أكتوبر 2023 حتى 8 ديسمبر 2024).

ج- فى إطار سعيها لإعادة تشكيل حدودها مع سوريا، حددت إسرائيل 4  مناطق لتكون منزوعة السلاح وهى: القنيطرة ودرعا والسويداء وجزء من ريف دمشق.

د- قامت القوات الإسرائيلية ببناء منشآت جديدة فى المناطق التى سيطرت عليها على الجانب السورى ومرافق خدمية لها، ورفع أعلام إسرائيل على هذه المنشآت، والقيام بعمليات تفتيش للسكان ومصادرة الأسلحة وجمع معلومات عن هويات المزارعين والرعاة.

هـ - تم عقد عدة اجتماعات وزارية بخصوص سوريا أهمها اجتماع مصغر برئاسة وزير الدفاع يسرائيل كاتس تناول بحث مقترح إقامة لجنة دولية لتقسيم سوريا إلى كانتونات من أجل ضمان حقوق كل المجموعات العرقية فيها.

و - اتسمت تصريحات المسئولين الإسرائيليين على المستويين السياسى والعسكرى تجاه الأحداث فى سوريا بالحدة والتهديد والتدخل وتوزيع الاتهامات، كما قامت هذه القيادات بزيارات للجولان ومنطقة فض الاشتباك، وصرح نتنياهو خلال إحدى هذه الزيارات أن سقوط نظام الأسد يوم تاريخى فى تاريخ الشرق الأوسط، ولن نسمح بأى قوة معادية بالاستقرار على حدودنا. 

كل هذه الخطوات من جانب إسرائيل هدفت إلى العمل على خلق دولة ضعيفة منزوعة السلاح فى سوريا والسعى لإحداث تغيير ديموغرافى فيها باللعب على ملفات الأقليات الدروز والأكراد، وتفجير التركيبة السكانية فى جنوب سوريا، وتحييد النظام الجديد المدعوم من تركيا.

2 - على الرغم من ذلك أبدى أحمد الشرع انفتاحًا غير مسبوق وفتح قنوات مباشرة مع تل أبيب للتنسيق الأمنى والعسكرى، وأعرب عن اهتمامه بتوقيع اتفاق أمنى مع إسرائيل فضلا عن موافقته على الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية مستقبلا، مع تمسكه بتفعيل اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. ومنع أى نشاط لممثلى المنظمات الفلسطينية على الأراضى السورية ضد إسرائيل، وتحجيم نشاط حزب الله فى الداخل.

كما سلمت القيادة السورية 2500 وثيقة وصورة ومتعلقات خاصة بالجاسوس الإسرائيلى إيلى كوهين إلى إسرائيل فى إطار خفض حدة التوتر مع واشنطن وتل أبيب.

3 - بث النظام السورى الجديد العديد من رسائل التهدئة مع إسرائيل، كما أكد فى الوقت نفسه أنه لن يسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق ضد إسرائيل أو أى دولة أخرى، وشدد على أن اهتمامه الرئيسى ينصب على استقرار سوريا.

وهناك مفاوضات حول إمكانية وجود عسكرى أمريكى فى قاعدة جوية فى دمشق، حيث نوقش الموضوع خلال زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية كوبر إلى دمشق فى 12 سبتمبر 2025 

ثانيا: قضية الدروز:

1 - أوضحت إسرائيل أنها لن تتسامح مع أى تهديد للدروز فى سوريا، وأنها ستنفق ما يزيد على مليار دولار لمساعدتهم. وتدخلت عسكريًا أكثر من مرة بدعوى حماية الدروز، والعمل على إنشاء دولة جديدة يسيطر عليها الدروز فى منطقة السويداء جنوب سوريا طبقًا لمخطط إيجال اّلون عام 1967 الداعى إلى إقامة دويلة درزية جنوب سوريا تكون متصالحة مع إسرائيل. كما سمحت لوفد من شيوخ طائفة الدروز يضم 100 فرد بزيارة إسرائيل لمدة يومين للقاء الزعيم الروحى لطائفة الموحدين الدروز فى إسرائيل موفق طريف، ثم التوجه إلى مقام النبى شعيب فى بلدة حولس قرب طبرية وزيارة قرية البقيعة.

2 - وعلى المستوى الداخلى تحفظ الدروز على الإعلان الدستورى الصادر عن النظام السورى حيث صرح زعيم الطائفة يوسف جربوع أنه لا يحقق طموح الشعب وأنه جاء بلون واحد دون مراعاة للتعددية. كما أن هناك أربع جماعات متحالفة مع حكمت الهاجرى -الزعيم الروحى لطائفة الدروز الموحدين فى سوريا- تؤيد التوجه إلى اللامركزية والانشقاق وإقامة حكم خاص بالدروز.

ثالثا: هضبة الجولان:

1 - تتمسك إسرائيل بالبقاء فى الجولان، ومرصد جبل الشيخ وأطرافه، وتوسيع المنطقة العازلة لتشمل 4 مناطق تمتد إلى أطراف العاصمة دمشق. 

2 - أفادت بعض المواقع الإعلامية الإسرائيلية أن هناك عدة سيناريوهات بالنسبة لهضبة الجولان أهمها احتفاظ إسرائيل بثلثى مساحة الهضبة مع إمكانية تأجير الثلث الأخير من الجانب السورى لمدة 25 عامًا، مقابل تسليم سوريا مقاطعات من لبنان كانت فى الأصل سورية وتم اقتطاعها فترة الانتداب الفرنسى.. وفى تقارير إسرائيلية أنه جرت مفاوضات سرية تم دراستها بجدية لتسليم مزارع شبعا إلى سوريا مقابل التنازل عن الجولان!

 3 - مازالت مسألة التفاوض على الجولان تتسم بالضبابية وخاصة أن إسرائيل -تاريخيًا- قد اتخذت قرارها بضم الهضبة عام 1981، واعترف الرئيس ترامب بسيادة إسرائيل عليها عام 2019.

4 - تجدر الإشارة إلى أن مسألة احتلال هضبة الجولان قد جرت حولها مناقشات سياسية وعسكرية واستراتيجية واسعة النطاق فى إسرائيل وعلى مدى سنوات، وكان السؤال  المطروح آنذاك: هل من المصلحة عقد اتفاقية سلام مع سوريا والتنازل عن الجولان، أم الاحتفاظ بالجولان بدون سلام مع سوريا. 

 كان مؤيدو السلام مع سوريا يرون أنه سوف يُساهم فى إبعاد النظام السورى عن تحالفه الاستراتيجى مع إيران وحزب الله، وأن الأسلحة المتقدمة التى تمتلكها إسرائيل أصبحت قادرة على تعويض التراجع والانسحاب عن الهضبة. أما معارضو السلام (والذين سادت رؤيتهم) اعتبروا أن التخلى عن الجولان مخاطرة كبرى لعدة أسباب: 

فقد ساهم احتلال الهضبة فى إبطاء الهجوم العسكرى السورى المفاجىء عام 1973، فهى خط دفاع طبيعى، ومنصة لجمع المعلومات الاستخباراتية خاصة فى جبل الشيخ الذى يبلغ ارتفاعه 2814 مترًا، ومنه تتوفر إمكانية مراقبة المنطقة كلها، هذا بالإضافة إلى سلسلة من مواقع المراقبة والتنصت.

رابعا: فى التقدير أنه:

يلتقى النظامان السورى والإسرائيلى فى أرضية مواجهة حزب الله وإيران ومنعهما من تفعيل شبكات تهريب السلاح والمخدرات، إلا أنه لا يبدو حتى الآن أن هناك إرادة أو إمكانية فعلية لدى دمشق لمواجهة إسرائيل.

لا تثق إسرائيل فى المرونة التى يبديها النظام الجديد فى سوريا وتنظر إليه كمصدر تهديدومن المتوقع أن تواصل إسرائيل هجومها على مواقع سورية تحت دعاوى ومبررات مختلفة، وستستمر فى السيطرة على منطقة فض الاشتباك وجبل الشيخ، والعمل على ربط المصالح بين دروز سوريا وإسرائيل سواء ما يتعلق بالتشغيل وتقديم المساعدات، ومن جانب آخر التعامل مع المصالح الإقليمية بينها وبين تركيا فى إطار صراع النفوذ فى سوريا.

إن التصور الإسرائيلى لمستقبل سوريا يتمثل فى إضعاف سوريا الموحدة ونظام الحكم المركزى فيها وتحويلها لمناطق إثنية تتمتع بحكم ذاتى فى حين بقاء الحدود الجنوبية معها منزوعة السلاح.

ويُثار التساؤل هنا: هل من حق الحكومة السورية الحالية توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، أو التنازل عن أجزاء من مرتفعات الجولان أو إقامة قاعدة عسكرية أمريكية دون الحصول على تفويض شعبى خاصة وأنه لا يوجد دستور للدولة ولا مؤسسات، كما أن أحمد الشرع نفسه لم يُنتخب. وماذا سيكون دور الشرع فى صراع النفوذ بين إسرائيل وتركيا فى سوريا؟. 

 

سفير مصر الأسبق لدى إسرائيل