محمد جمال الدين
أولادنا فى خطر!
لم نكد ننتهى بعد من معالجة آثار الجرائم والانتهاكات التى تتم فى حق أولادنا فى المدارس، من قبل مرضى نفسيين، سمح لهم ضميرهم الخرب أن ينتهكوا براءة أولاد صغار السن، بعد أن امتدت يد الإهمال والفساد وعدم المراقبة والسعى إلى تحقيق المكسب المادى إلى دور العلم، لتتحول براءة أطفالنا وبفعل فاعل إلى مجرد ملف مالى وإدارى تشرف عليه وزارة التربية والتعليم.. حتى فوجئنا بواقعة إهمال وفساد أخرى، ولكن هذه المرة فى مجال الرياضة، راح ضحيتها شاب لم يتعد عمره الـ12 عامًا، كل ذنبه وذنب أسرته أنه أحب لعبة السباحة، والتى من المفترض أن تحقق له آماله فى أن يصبح بطلاً حين يمثل منتخب مصر ويرفع رايتها فى البطولات الدولية.
«يوسف» تعرض لحالة إغماء داخل حمام السباحة تسببت فى وفاته، خلال مشاركته فى منافسات بطولة الجمهورية للسباحة تحت 12 عامًا، فى غفلة من جميع المشرفين على البطولة (حكامًا ومنقذين ومسئولين فى اتحاد اللعبة)، وهو الأمر الذى جعل وزير الشباب والرياضة يحيل الواقعة برمتها إلى النيابة العامة، كما أمر الوزير بتشكيل لجنة ضمت مختصين من الشئون القانونية، واللجنة الطبية العليا، والأداء الرياضى، والرقابة الداخلية؛ لمراجعة الإجراءات الطبية والفنية والإدارية، وصولاً لبيان مدى تطبيق الكود الطبى الخاص بممارسة الرياضة، والمنافسات بالأندية ومراكز الشباب. كما طلبت الوزارة من الاتحاد المصرى للسباحة، الذى يتولى رئاسته ياسر إدريس (ويشغل أيضًا منصب رئيس اللجنة الأولمبية المصرية!) إعداد تقرير شامل وعاجل يتضمن جميع التفاصيل المتعلقة بهذا الحادث وكذلك مراجعة المسئولين بالنادى المذكور بما جرى اتخاذه من إجراءات فى شأن الالتزام بالكود الطبى من عدمه.
ولأن الواقعة حاليًا فى ساحة النيابة، التى لا يملك أحد التدخل فى شئونها، لدىَّ أكثر من سؤال عن حقيقة قرار الكود الطبى رقم 1642 لسنة 2024 بشأن التقارير الطبية الواجب الحصول عليها قبل الاشتراك فى البطولات، فى مقدمته: هل عندنا فى ملاعبنا معايير وأكواد طبية تضمن سلامة من يمارس الرياضة التنافسية؟ وإذا وجدت هذه المعايير والأكواد هل يتم تطبيقها؟ أم أنها لا تساوى حتى ثمن الحبر الذى كتبت به، خاصة أن هناك أكثر من رياضى ورياضية فقدوا حياتهم دون أن نسمع شيئًا عن التحقيقات التى تمت وفق هذا الكود (أحمد رفعت ومحمد عبدالوهاب كرة قدم، يوسف أحمد كاراتيه، محمد يحيى السباعى اسكواش)، وهل تمت محاسبة الاتحادات التى ينتمى إليها هؤلاء اللاعبون أم لا؟ حينها قيل إن الوفاة تعود إلى ظروف ومشكلات صحية ووراثية، هناك سؤال آخر: هل اكتفت الوزارة بإصدار قرار الكود الطبى وتركت تنفيذه للاتحادات طبقا للكيف والهوى؟ الإجابة هنا: نعم، وهذا تحديدًا ما وضحته تحقيقات النيابة حين أكدت عدم التزام كل من الاتحاد المصرى للسباحة ونادى الزهور الرياضى بأحكام قانون الرياضة المتعلقة بضوابط الحفاظ على صحة وسلامة اللاعبين المشاركين فى البطولة، وبما نص عليه الكود الطبى للاعبين الصادر بقرار وزير الشباب والرياضة. وقد تأيد ذلك بعدما تبيّن للنيابة العامة من فحص الملف الطبى للمجنى عليه، إذ خلا من الإجراءات الطبية الإلزامية التى يتطلبها القانون المذكور لتمكينه من الاشتراك فى البطولة، وهنا يتبين لنا ولغيرنا أن الوزارة قد تخلت طواعية عن أداء دورها المنوط بها، طبقًا لنصوص قانون الرياضة، الذى يمنحها الحق فى محاسبة مسئولى هذه الاتحادات، بل حلها إذا لزم الأمر. ولم تكلف حتى خاطرها بأن ترسل لجنة من لجانها العديدة، فقط لمجرد التأكد من الأخذ بهذا الكود المزعوم.
بالمناسبة لن أتطرق فى هذه السطور تفصيليًا إلى سوء تنظيم أغلب بطولات الجمهورية خصوصًا فى المراحل السنية الصغيرة والتى يشارك فيها ما لا يقل عن 1500 سباح وسباحة، والذى عانيت منه شخصيًا، وقت أن كانت ابنتاى تمثلان النادى الأهلى فى هذه البطولات، بداية من غرف الملابس التى لا تتمتع بأى قدر من الخصوصية، وحمامات غير نظيفة (وسرنجات) الحقن تفترش أرضيتها خصوصًا فى غرف الأولاد، التى تعطى لبعضهم من قبل مدربين غير أمناء على حياة أولاد يعدون بمثابة أبنائهم، خاصة أن هذه السن لا تجرى لهم تحاليل منشطات، ناهيك عن فقدان الأدوات (أو لنقل عفوًا سرقتها) مرورًا بحمام الإحماء المكتظ بالسباحين، وما ينتج عن ذلك من حوادث وإصابات ومشاحنات بين المدربين، وصولاً إلى التعامل غير الآدمى من قبل المشرفين على البطولة مع أعمار سنية صغيرة، يجب التعامل معهم بحنو، جميعها أمور لا يضعها مسئولو الاتحاد فى اعتبارهم، لأن عندهم المهم دفع الأندية رسوم المشاركة فى البطولة والتى تقدر بـ60 جنيهًا عن كل سباق لكل سباح أو سباحة و80 جنيهًا عن كل سباق سواء كان «تتابع» أو «متنوع»، بخلاف رسوم أخرى عن محاولات تحطيم الرقم للسباقات الفردية أو التتابعات تقدر بـ228 جنيهًا، وما دون ذلك لا يشغل بال السادة أعضاء اتحاد السباحة، المهم الرسوم وتستيف الأوراق وتوقيع استمارات بيانات اللاعبين وإقرار النادى وطبيبه أنه تم الكشف على السباح ووجد أنه لائق لممارسة ألعاب الماء وذلك تحت مسئوليتهم، بعد توقيع الكشف الطبى الشامل عليه، الاستمارة تتضمن أيضًا توقيع الطبيب وولى الأمر، على أن يشهد مدير النشاط الرياضى ومدير عام كل نادى أن جميع البيانات الخاصة بالسباح صحيحة ومعتمدة من ناديه، وفى النهاية تختم بختم النادى وموقعة من قبل مدير النشاط الرياضى ومديره العام. إجراءات شكلية ليس أكثر ولا يلتزم بها أكبر أو أصغر نادٍ فى مصر، بدليل عدم وجود ملف طبى لابننا الشهيد «يوسف» فى ناديه الذى بادر عقب الوفاة بطلب استكمال الملف الطبى لسباحيه حتى يسمح لهم بالاشتراك فى البطولات، وكذلك فى الاتحاد الذى أكدت تحقيقات النيابة أنه لا يتوافر لديه ملف طبى ليوسف، كل هذا حدث ومسئولو الوزارة غائبون عن الواقع الذى تعيشه لعبة أوليمبية لن نحقق فيها شيئًا يذكر، إلا عن طريق جهود فردية من قبل الأهالى، الذين لا يبخلون على أولادهم فى توفير مدرب خاص (بريفت) ومدرب لياقة وطبيب تغذية، وغيره من مصاريف الأدوات المساعدة (زعانف وبدل وبورد ونظارات وغيرها من الأدوات الأخرى الخاصة باللعبة) بخلاف ملابس السباحة (المايوهات) التى تتراوح أسعارها ما بين الـ 2000 جنيه والـ5000 جنيه، وفى النهاية تطالبون ببطل وتحقيق ميدالية، رغم هذا الواقع المأساوى الذى تخلى فيه كل فرد عن أداء دوره.
لهذا ولغيره كثير أقول إن مأساة يوسف لا تكمن فى فقدان موهبة رياضية فحسب، بل إن وفاته كشفت عن حجم الفراغ الضخم الذى يعشش داخل منظومة السلامة الرياضية المصرية حتى ولو كانت هناك أكواد معتمدة أو معايير.
لذلك نطالب بتطبيق الحساب على المخطئ قبل الاعتذار، ونتمنى تواجد منظومة تعلن الحقائق ولا تخفيها، حتى يتسنى لنا أن نرسل أولادنا إلى مدارس وأندية يعرف مسئولوها أن أولادنا ليسوا أرقامًا، بل هم أرواح أمانتها فى أعناقهم.







