الإثنين 15 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
كوبايلوت: تفتيت الدول العربية كان بديلًا عن عملية السلام!‏

كوبايلوت: تفتيت الدول العربية كان بديلًا عن عملية السلام!‏

هذا حوار مدهش مع «كوبايلوت»، برنامج ذكاء اصطناعى فضلته على برامج كثيرة، استكمل ‏به مناقشات نظرية المؤامرة، التى أجريتها مع مجموعة من الصحفيين،ونشرتها فى الأسبوع ‏الماضى، وأثبتنا أن النظرية غربية المنشأ، وأكثر انتشارا فى المجتمع الأمريكى لتفسير ‏أحداث كثيرة غامضة، مثل قضية مقتل كنيدى 1963، والهجمات الإرهابية على واشنطن ‏ونيويورك فى 2001، وملفات ابستين الجنسية المثارة حاليا والتى تمس رؤساء دول ‏وسياسيين وشخصيات بارزة فى الفن وعالم المال، ويحاول الكونجرس الإفراج عنها لكن ‏الرئيس دونالد ترامب الوارد اسمه فى الملفات يقاتل دون ذلك، خاصة بعدما ثبتت علاقة ‏إبستين الذى انتحر فى السجن، بالموساد الإسرائيلى!‏



المهم الحوار مع كوبايلوت كان سلسلا، رفض نظرية المؤامرة وكاد يسخر منها، لكن حين ‏تعلقت الأسئلة بدول الشرق الأوسط وما يجرى فيها، وحلقت على أجنحة من المنطق الصارم ‏أقر بالنظرية وفسرها، بل دلل عليها بمعلومات كثيرة.. ‏

فى أول الكلام قال: إن نظرية المؤامرة «تعبر عن مخاوف عميقة داخل المجتمعات، مجرد ‏روايات تفسر عدم اليقين أو التغيير السريع، مثلا تعكس نظرية المؤامرة فى الشرق الأوسط ‏الإرث الاستعمارى والشكوك حول التدخل الأجنبى، وفى أوروبا تدور حول الجمعيات السرية ‏والنخب المالية، وتعكس نظريات المؤامرة فى كل منطقة جراحها التاريخية وصراعاتها على ‏السلطة».‏

سألته: هل تنكر المؤامرة، وتقول إن نظريتها أوهام فى أوهام؟!‏

رد: لا أنكر المؤامرة بشكل قاطع، ما أفعله هو تسليط الضوء على الفرق بين المؤامرة المثبتة ‏بأدلة التواطؤ والتستر، ونظريات المؤامرة التى يسودها الشك، وأدلتها معلقة أو غائبة، مثلا ‏‏ فى قضية أبستين، مؤامرة الاتجار الجنسى بالقاصرات مثبتة، لكن التكهنات حول قائمة ‏‏«الشخصيات الكبيرة» المتورطة وحمايتها لا تزال غير مؤكدة.‏

قلت: هذا الفارق لا يصلح للمقارنة، فالمؤامرة المثبتة بالأدلة تحولت إلى حقائق وأحداث، لكن ‏تظل تفاصيل مؤامرات كثيرة مجهولة ويصعب كشفها، ودعك من أمريكا وأوروبا، وتعالى ‏إلى الشرق الأوسط، هل ما حدث فى السودان وليبيا وسوريا ولبنان واليمن فى السنوات ‏العشرين الأخيرة –ومازال يحدث- مجرد مصادفات خاصة بهذه المنطقة من العالم دون ‏غيرها؟

رد: أنماط الصراع الإقليمى فى المنطقة فى العقدين الأخيرين ليست مصادفة، الاضطرابات ‏فى هذه البلدان خليط من دوافع بنيوية وشبكات نفوذ متداخلة تجعل أزمات المنطقة مترابطة ‏وليست عشوائية، وبالتعمق تجد خيوطا أساسية تتمثل فى مظالم محلية وإخفاقات فى الحكم، ‏يسحبها الرعاة الخارجيون وينسجونها لتعزيز مصالحهم الخاصة، فيطول الصراع، يعنى ‏هناك ضعف مؤسسات وفساد وتهريب ومحسوبية وبطالة بين الشباب وسوء خدمات وأجهزة ‏أمنية منقسمة وصفقات بين أصحاب النفوذ والثروة تستبعد الجماهير الواسعة، وهى عناصر ‏تسبب هشاشة فى الحكومات، وتضعها فى أزمات تتراكم دون حل، فتأتى الجماعات المسلحة ‏وتعمل على ترسيخ سيطرتها، مما يخلق «أسواق صراع» ذاتية الاشتعال تقاوم السلطة ‏المركزية.‏

نهيك عن دورات الاحتجاج الشعبية التى تتأرجح بين آمال الإصلاح والقمع، هذه بيئة تجتذب ‏الدول الخارجية لدعم الفصائل المتنازعة، بالمال والسلاح والتدريب ووسائل الإعلام، فتنقلب ‏النزاعات المحلية إلى صراعات بالوكالة، الحرب فى السودان مثلا اجتذبت داعمين أجانب ‏متنوعين عملوا على استمرارها. ‏

انفجار الأزمات فى فلسطين وسوريا ولبنان والسودان واليمن فى وقت واحد، شتت الانتباه ‏الدولى، فتقلص الاهتمام بها، وضعف الضغط الدبلوماسى والتمويل اللازمين للحلول.‏

سألته: هل يمكن أن توضح سمات أزمة كل دولة؟ ‏

أجاب: العراق تتقاطع فيها صدمات ما بعد داعش وسياسات الفصائل المتنازعة، ناهيك عن ‏التعددية الأمنية. سوريا واليمن: تَدَخُل متعدد الأقطاب وخطوط مواجهة متعددة الطبقات، ‏فتحولت الصراعات إلى استزاف وسط سلطة مجزأة. ليبيا: حكومات وتحالفات أمنية متنافسة ‏جعلت تجزئة الدولة مستمرة، تغذيها رعاية خارجية ومعارك حول الموارد، فأصبح إعادة ‏توحيد الدولة قضية هشة. لبنان: الانهيار المالى والجمود السياسى يتفاعلان مع الضغوط ‏الإقليمية، مما يجعل الدولة غير قادرة على امتصاص الصدمات أو المساءلة.‏

قلت: يبدو الأمر منظمًا للغاية، فلماذا المؤامرة ليست الكلمة الصحيحة لوصف ما يجرى؟

قال: البيئة نفسها باضطرابها وفوضويتها صنعت حوافز فى هذه الدول، تجعل الفاعلين ‏الخارجيين يسعون إلى مكاسب استراتيجية لهم، من خلال وكلاء محليين، ولا يوجد مركز ‏قيادة مخفى واحد لهذه الأحداث، وهناك صعوبة فى تتبع الدعم الأجنبى والتمويل غير ‏المشروع والروابط مع أجهزة المخابرات.‏

وهناك إهمال شديد فى التعامل مع هذه الصراعات نتج عنه مزيد من العنف، وهذا يعزز ‏الانطباع بأن «شخصا» ما يريد استمرار الفوضى، لكن لو حدث أن المؤسسات أعيد بناؤها ‏وساد القانون، وتوحدت الأجهزة الأمنية وخضعت للمساءلة، سيحدث إصلاح واستقرار، لكن ‏دون ذلك ستحافظ المصالح الخارجية على دوام الصراعات فى المنطقة، ويصبح رسم ‏خريطتها مرهونًا بمن يمول من، وكيف تتدفق الموارد، وأى أنظمة إعلامية قادرة على ‏إشاعة رؤيتها وأفكارها!‏

قلت: حسب تفسيرك الأطراف الخارجية تستغل الظروف الداخلية السيئة، لتظل حالة الاقتتال ‏مشتعلة، وفى الوقت نفسه تزعم أنها تبحث عن حلول لها؟

قال: هذه واحدة من أكثر السمات المتناقضة للصراعات فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ‏غالبا ما تقدم الجهات الخارجية الفاعلة نفسها كوسطاء أو حلول للمشكلات، بينما تستغل نقاط ‏الضعف المحلية لتعزيز أجنداتها الخاصة، والهويات العرقية والطائفية هى أهم أسلحة هذه ‏الجهات فى صناعة الفوضى، السنة مقابل الشيعة، العرب مقابل الأكراد ..الخ، ويمهد القمع ‏الاستبدادى والمؤسسات الضعيفة فرصا مواتية للقوى الخارجية فى دعم الصراعات، ثم ‏تظهر لاحقا فى مباحثات السلام أو المساعدات الإنسانية أو مؤتمرات إعادة الإعمار، فى ‏العراق مثلا من دعموا الميليشيات الطائفية بعد عام 2003، هم الذين انضموا إلى تحالفات ‏تحقيق الاستقرار، وفى سوريا كل جهة أجنبية مولت وكيلها، جلست فى مباحثات جنيف ‏وأستانة «كازاخستان» كأنها لم تشعل الحرب أصلا، وفى ليبيا ساندوا الحكومات والميليشيات ‏المتقاتلة، ثم راعوا مباحثات السلام التى تقودها الأمم المتحدة، نفس المسألة فى السودان ‏ولبنان!‏

هذه ليست مؤامرة واحدة هى استراتيجية نظامية: استغلال الهشاشة.. تأجيج الصراع..التدخل ‏كوسيط!‏

سألته: هل تعرف أن المحافظين الجدد فى أمريكا هم أصل هذه الاستراتيجية، لتقسيم المنطقة ‏إلى كنتونات تضمن أمن إسرائيل؟

أجاب: نعم..تضمنت كتاباتهم منذ الثمانينيات تصورات عن تجزئة دول الشرق الأوسط إلى ‏كيانات أصغر وأضعف، لا تمثل خطرا على أمن إسرائيل، فالدول المجزأة ستكون بطبيعة ‏الحال أقل قدرة عسكرية، ولم تكن هذه كتابات رسمية، بل فى أوراق صادرة من مركز ‏أبحاث استراتيجى، وقد تبنى بنيامين نيتانياهو أفكارها واعتبرها بديلا لعملية السلام، أى إعادة ‏تشكيل المنطقة بالمواجهة وإضعاف الخصوم لا بالسلام.‏

ثم أورد كوبايلوت عشرات الدراسات عن كيفية تقسيم دول المنطقة وأسماء كتابها..‏

وفجأة سألنى سؤالا عجيبا: إذا أردت.. يمكننا أن نستكشف كيف تتناقض الدبلوماسية الثقافية ‏ومؤسسات التراث كمسار يبنى التماسك والقوة الناعمة فى مواجهة رؤى المحافظين الجدد؟

قلت: طبعا أريد.‏

قال: رؤية المحافظين الجدد هى الانقسام والضعف للدول القادرة على تحدى إسرائيل أو ‏المصالح الغربية، يقابلها رؤية لاستخدام التراث والمتاحف والمشروعات الثقافية لتعزيز ‏الهوية الوطنية، يعنى الاستثمار فى مؤسسات مثل المتحف المصرى الكبير الذى يضع نفسه ‏فى مكانة الواصى على التراث العالمى، والمراكز الثقافية الشاملة فى بعض دول الخليج ‏وشمال إفريقيا تكسب دولها الشرعية والفخر والاعتراف الدولي؛ وتصبح الثقافة قوة استقرار ‏وتعزيز للسيادة فى مواجهة الانقسام الذى يدعو له المحافظون الجدد.‏>

وانتهى الحوار‏