
السفير عاطف سالم
تقدير موقف
على هامش شرم الشيخ: شرق أوسط برؤية مصرية
كانت قمة شرم الشيخ بمثابة نقطة فاصلة ومهمة فى مسار الجهود المبذولة لإعادة إطلاق عملية السلام وإنهاء الحرب فى قطاع غزة، فقد كانت أكثر القمم المرتبطة بملف قطاع غزة -منذ اندلاع الحرب- التى شارك فيها قادة رفيعو المستوى، حيث شارك فيها قيادات 31 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، بما يعكس أهميتها من جانب، وإعطاء مخرجاتها نوعًا من الالتزام الدولى لتنفيذ مراحل الخطة من جانب آخر، فضلاً عن ضبط إيقاع عملية التنفيذ وتهيئة الظروف للتحرك نحو تسوية سياسية مرحلية، خاصة أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل غير جاهزتين فى الوقت الحالى للتعامل مع مسألة حل الدولتين.
جاءت مخرجات القمة داعمة لجهود إحلال السلام فى قطاع غزة، وضمان تثبيت وقف إطلاق النار ومنع التصعيد، كما أنها شددت على أهمية التعاون الدولى لمتابعة تنفيذ الاتفاق وضمان استمراريته، والتحضير للانتقال إلى المرحلة الثانية من العملية السياسية بما يرتبط بها من ملفات الحوكمة للسلطة الفلسطينية والأمن فى قطاع غزة، والتعافى، مع وضع إطار دولى يضمن آلية التمويل والمتابعة لإعادة الإعمار يحول دون عودة النزاع مجددًا.
كانت مصر حاضرة منذ البداية فى المؤتمرات الداعمة لوقف الحرب فى غزة وإدخال المساعدات، فقد عقدت العديد من المؤتمرات ومن بينها مؤتمر قمة القاهرة للسلام، والمؤتمر الوزارى لتعزيز الاستجابة الإنسانية فى غزة، والقمة العربية الإسلامية لخطة إعمار غزة، والمؤتمر رفيع المستوى على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2025 بمشاركة ألمانيا والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة وبحضور ما يزيد على 30 دولة لوضع ترتيبات مؤتمر التعافى المبكر لقطاع غزة، وقمة شرم الشيخ مؤخرًا، كما قامت بدورها فى قيادة وتنسيق العمل الإنسانى فى القطاع، وشاركت فى جميع جلسات الوساطة غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، وأكدت مواقفها الثابتة لمنع تهجير الفلسطينيين، بالإضافة إلى مواقفها الداعمة لمنع تصفية القضية الفلسطينية، وساهمت بجهد ملموس فى حل نقاط الاختلاف بين أطراف اتفاق شرم الشيخ، وإخراج الصفقة إلى حيز التنفيذ، ومن ناحية أخرى قامت مصر بتدريب 5 آلاف فلسطينى للدخول إلى غزة على 3 مراحل لحفظ النظام، واستضافة قادة الدول إلى مدينة العريش للاطلاع على الأوضاع فى معبر رفح ومستشفيات علاج الفلسطينيين على الواقع، كما تقوم حاليًا بالتحضير لاجتماع موسع يضم جميع الفصائل الفلسطينية بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والذى من المنتظر خلاله وضع برنامج سياسى موحد بين الفصائل وعدم الانفراد بالقرار وتدعيم السلطة الفلسطينية ووضع آليات تتعلق بمستقبل قطاع غزة، ومن ثمَّ يمكن القول إن الجهد المصرى كان ومازال جهدًا متواصلاً لإنهاء الحرب، يساند ذلك فريق تفاوضى متمرس.
جاء بيان رئاسة الجمهورية لقمة شرم الشيخ معبرًا عن إطار جديد لشرق أوسط، ومحددًا تطلع مصر لتحقيق السلام وأنها ستتعاون مع الجميع لبناء شرق أوسط خالٍ من النزاعات، شرق أوسط يتم بناؤه على العدالة والمساواة فى الحقوق وعلاقات حسن الجوار والتعايش السلمى بين جميع شعوبه بلا استثناء.
وهذه الرؤية المصرية الثاقبة لمستقبل الشرق الأوسط عبرت عن محددات الرسالة المصرية الواضحة للسياسات التى ستنتهجها مصر فى التعامل مع قضايا المنطقة، وسياستها الواضحة فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وتحجيم التطلعات الإسرائيلية الداعية إلى الهيمنة على المنطقة فى ضوء تعدد تصريحات بنيامين نتنياهو منذ 7 أكتوبر 2023 عن تغيير واقع الشرق الأوسط وإعادة تشكيل الواقع الاستراتيجى فى المنطقة، وأنه -حسب تصريحه- يتّبع خطوات منهجية فى تنفيذ ذلك، ورؤيته أنه بعد الانتصار الكامل سيكون هناك شرق أوسط مختلف، منوهًا أن العالم العربى مفتوح لنا وما يهددنا هو الإمبراطورية الإيرانية، وهذا التوجه التوسعى يعبّر عن رؤية صهيونية عقائدية ينتهجها بنيامين نتنياهو منذ دخوله إلى حلبة العمل السياسى عام 1996 وتدعمها الأفكار التى وردت فى كتبه، وتؤيدها مقولته أمام إيباك (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) عام 2017 أن ما لا تفرضه على الأرض لا يُحسب لك فى التاريخ.
فى الواقع كان المفهوم الإسرائيلى خلال الحرب يقوم على إعادة صياغة الجغرافيا والتاريخ وتشكيل الخارطة بما يخدم مصالحها وفق نصوص توراتية، وقد جاء هذا المفهوم تعبيرًا عن عقيدة سبق أن استخدمها ديفيد بن جوريون فى توظيفه للخطاب الدينى وبناء هوية الدولة، وكيفية التعامل مع أعدائها إما بإخضاعه أو إبادته أو ترحيله، وأن تراجع الخطر الإيرانى -طبقًا لهذا المفهوم- سوف يؤهلها لتكون القوة المهيمنة فى منطقة الشرق الأوسط، مع سعيها فى نفس الوقت لتوسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية، وتهميش القضية الفلسطينية وفرض نفسها كلاعب محورى فى المنطقة، تساندها سياسة إدارة ترامب التى استمرت على مدى عامين تعرقل جهود حل النزاعات وتتبنى الرؤية الإسرائيلية.
لم تكن فكرة الترويج للتفرد الإسرائيلى فى المنطقة تتسم بالواقعية، فهى كيان يعانى من العديد من المشكلات الداخلية والخارجية، وليس لديها مقومات الدولة المهيمنة أو عناصر القوة الشاملة التى تمكنها من ممارسة هذا الدور، فمكانتها كانت ومازالت مستمدة من الدعم الأمريكى، وأزماتها الداخلية متنامية وتهدد بانفراط عقدها الاجتماعى التى قامت عليه منذ عام 1948، وعلاقاتها الإقليمية والدولية فى انحصار، بل إنها واجهت بعد 7 أكتوبر أخطر موجة صدمات نفسية مازالت تعانى من آثارها، وأصبحت نتيجة جرائمها من قتل وإبادة وتجويع فى قطاع غزة تواجه عزلة غير مسبوقة، وتراجعًا فى سمعتها ووضعيتها حتى فى داخل المجتمع الأمريكى، كما أنها أصبحت على المستوى الشعبى العالمى دولة منبوذة.
هناك فرق بين طرح الأفكار وبين تحقيقها على أرض الواقع، فالسياسة التى انتهجها الائتلاف اليمينى المتطرف الحاكم فى إسرائيل، والذى يحظى بدعم الأجهزة الأمنية أيضًا، فى توصيف حروب الكيان فى المنطقة بأنه صراع بين الخير والشر، وأنه يقوم بمهمة الدفاع عن مكتسبات الحضارة الغربية ضد قوى الشر فى المنطقة لم تكن سوى مبررات لسياساتها العدوانية، ولضمان المساندة الغربية لسلوكها المتطرف، كما أن استخدامه لمفردات تلمودية لتبرير سياساته وخططه فى الاستيلاء على الأرض والحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية تحت دعاوى أنها تمثل تهديدًا وجوديًا لليهود تعكس توجهًا مسيانيًا يخاطب طائفة حريدية داخل الدولة، إلا أن القيادة الإسرائيلية لم تُدرك حتى الآن أن التهديد الحقيقى لإسرائيل ينبع من الداخل نتيجة سياسات حاكمة متطرفة وغضب شعبى واسع وجيش مستنزف وإدارة لا تتمتع بقبول سياسى أو شرعى إقليمى لها.