
السفير عاطف سالم
انعكاسات الحرب فى قطاع غزة خلال السنتين الماضيتين على الداخل الإسرائيلى
منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى الآن لم تشهد إسرائيل على مدى تاريخها أزمات سياسية داخلية مثلما تمر به فى الوقت الحالى، فهى مازالت منذ ذلك التاريخ فى حالة أزمة حادة لم تستطع التعافى منها، هذه الأزمة تعمقت فى ظل سيطرة اليمين الصهيونى المتطرف على مقاليد الحكم بأهدافه العقائدية وأساطيره وسردياته التاريخية تجاه الحقوق الفلسطينية وتوجهاته فى فرض رؤيته العقائدية على دول المنطقة، تزامنًا مع افتقار الأحزاب الصهيونية المعارضة إلى تنسيق أنشطتها سواء للإعداد للانتخابات المقبلة، أو وضع خطوط عريضة مشتركة من أجل إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو، فالأفكار مشتتة والتنافس بينهم هو الشعور السائد، والخلاف بين قادة هذه الأحزاب المعارضة واضحًا حول من سيكون منهم الرئيس القادم للحكومة الإسرائيلية.
هذا الانقسام السياسى بين الحكومة والمعارضة، بل وبين أحزاب المعارضة نفسها استنزف جهود الجميع فى صراعات ساهمت فى تهديد النسيج اللاجتماعى للدولة الإسرائيلية وخلق نوعا من تنامى عدم ثقة المواطن فى قياداته من الجانبين.
يضاف إلى ذلك تنامى الخلاف المتصاعد بين المستوى السياسى والمستوى العسكرى خاصة فيما يتعلق بثلاث مسائل رئيسية تتمحور حول رغبة اليمين المتطرف فى احتلال غزة وإعادة إنشاء مستوطنات جوش قطيف بها والذي يعارضه العسكريون لما يمثله من عبء على الجيش، والجدل المستمر بينهما حول طريقة إدارة الحرب فى القطاع وهو ما تعكسه تصريحات رئيس الأركان ايال زامير، بالإضافة إلى موضوع رغبة السياسيين فى تولى الجيش عملية توزيع المساعدات وهو ما لا يرغب قادة الجيش فى القيام به.
ومع تلكؤ الحكومة الإسرائيلية فى التعامل مع متطلبات الشعب لإنهاء الحرب فى غزة واستعادة المحتجزين، أصبحت المظاهرات فى الشارع الإسرائيلى توجها مألوفا .
يضاف إلى ما سبق عدم الاستقرار السياسى، فقد شهدت التغييرات خلال السنتين الماضيتين تولى 3 شخصيات منصب وزير الخارجية، كما تم عزل كل من رئيس الشاباك رونين بار ووزير الدفاع يواّف جالانت، واستقالة عدد من كبار قيادات الجيش.
جاء رفض الحكومة الإسرائيلية إجراء تحقيق حكومى رسمي فى أحداث 7 أكتوبر - على عكس كل التوجهات التي طالبتها بإجراء هذا التحقيق – خوفًا من تبعاته وتحسبًا لها من تحمل المسؤولية وما يتبعها من استقالات، خاصة أن التجربة التاريخية لتطبيق قانون التحقيق الصادر فى إسرائيل عام 1968 والذي أجريت على أساسه 16 عملية تحقيق منذ صدوره حتى الآن منها لجنة تحقيق اجرانات بعد حرب 1973 ولجنة تحقيق فينوجراد عام 2006 وغيرهما قد أسفرت نتائجها عن استقالات وإقالات لكبار القادة السياسيين والعسكريين، وعلى الجانب الآخر أجرى الجيش الإسرائيلى تحقيقه الخاص للوقوف على الأخطاء التي تسببت فى عملية طوفان الأقصى كما أجرى الشاباك أيضا تحقيقه الخاص أيضا.
يمكن القول أن الأوضاع السياسية فى إسرائيل قد تغيرت، وأن مستقبل الديمقراطية أصبح مهددًا وأن هناك نوعًا من تغول نفوذ السلطة التنفيذية على ما عداها من السلطات الأخرى فى الدولة فيما يتعلق بالتعيينات القضائية والسياسية والأمنية وإصدار القوانين والسيطرة على كل مفاصل الدولة.
كما يمكن القول أيضًا أن التغييرات السياسية التي شهدتها إسرائيل خلال السنتين الماضيين نتيجة تولى حكومة يمين متطرف للحكم، والحرب على غزة، قد أحدثت تأثيرًا واسع النطاق على جيش الدفاع الإسرائيلى ومفاهيمه وعقيدته، فهذا الجيش قد تعرض وقادته لضغوط شديدة وهجوم متواصل من المستوى السياسى للتعبير عن فشله فى التنبؤ بأحداث 7 أكتوبر.
قام الجيش الإسرائيلى بإجراء تحقيق للوقوف على أوجه القصور التي تسببت فى عملية طوفان الأقصى وجاءت نتائجه موضحة أن نظرية الأمن القومى التي وضعها ديفيد بن جوريون واستمرت كعقيدة عسكرية للدولة من استخدام الردع والانذار المبكر والحسم لم تعد كافية للتعامل مع الواقع ومن ثم وجب استحداث مفهوم أمن قومى جديد يقوم على إعادة هيكلة منظومة الاستخبارات والقيادة والسيطرة ومعالجة القصور فى مسيرة المعلومات ودمج الأنظمة الاستخباراتية الميدانية، وإعادة هندسة نظام الدفاع على حدود الدولة (خلق مناطق عازلة داخل الدول الأعداء، وتحصين الحدود داخل إسرائيل)، وشن حملات عسكرية ذات أهداف محددة مع الهجوم والنصر الحاسم والمبادرة بالضربة الأولى واستباق أى هجوم محتمل، كما أظهر أيضًا الحاجة إلى زيادة عدد أفراد الجيش خاصة القوات البرية وإجراء تغييرات على هيكله ومفاهيمه وأسلوب تدريبه، وعلى أهمية التفوق الاستخباراتى والقدرات التكنولوجية وزيادة ميزانية الجيش وتوسيع الصناعة المحلية للأسلحة والذخيرة، بالإضافة إلى إحدى أهم الركائز الأساسية وهى التحالف مع الولايات المتحدة، وإقامة تحالفات إقليمية ودولية.
لم يكن تأثير حرب إسرائيل فى غزة وعمليات الإبادة والتجويع والدمار على الجانبين السياسى والعسكرى فحسب بل امتدت أثاره إلى الاقتصاد الداخلى والسياحة والمعمار وقطاع الفندقة والتجارة الخارجية وكان قطاع التكنولوجيا الذي يمثل ما يزيد على 50 % من حجم الاقتصاد الإسرائيلى وصادراته أكثر المتأثرين من هذه الحرب.
هذا فضلًا عن التأثير الخارجى الدولى على إسرائيل وسلسلة التضامن الشعبى غير المسبوق فى أوروبا وعديد من دول العالم مع القضية الفلسطينية، والمطالبة بفرض عقوبات على إسرائيل، وقيام عدد من الدول بالاعتراف بدولة فلسطين، واتخاذ دول أخرى إجراءات تتعلق بمقاطعات علمية وتجميد تصاريح عسكرية وقطع غيار وذخائر، وقطع علاقات، وسحب سفراء وغيرها، يضاف إلى ذلك الاتهامات التي تم توجيهها من جانب المنظمات الدولية لإسرائيل وجيشها واتهامه بأنه جيش عار قاتل للأطفال، وأن إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب، كما أنها تقوم بعمليات إبادة جماعية، واتهام المحكمة الجنائية الدولية لرئيس الوزراء الإسرائيلى، ووزير دفاعه السابق بأنهما مجرما حرب، وهذه موضوعات أخرى تحتاج إلى مقال منفصل.